رواية الغزال الباكي كاملة جميع الفصول

رواية الغزال الباكي

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­

الهذه الدرجة كان غافلا، وغير معترف بأسرته التي هدمها في لحظة ؟ فـ الآن عرف قيمتها جيدًا حين حُرم منها؟

close

وبقى السؤال يردده عقله؛ لماذا لا نقدر النعمه التي انعم بها الله علينا إلا بعد ما تزول من امامنا؟ حينها نعترف لانفسنا انها كانت أجمل نعمه ونندم لفقدانها في وقت لا ينفع فيه الحسرة ولا الندم…

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

انتقلت “غزال” و الدتها إلى منزلها، هروبًا من ذكريات مؤلمه لا تنسى، وذلگ بمساعدة زوجة اخيها الذي لم تتركها في لملمه احتياجاتها الضرورية، ثم استاذنتها لتركها للذهاب لمنزلها نظرًا لصغر الشقه عليهم جميعا، و وعدتها بأنها ستأتي لهما بإستمرار، شكرها بعناق حميم، و ودعتها بحب ثم توجهت ترص بعض الاشياء الخفيفة في امكانها داخل الكومود، وخزانة الملابس داخل غرفتها القديمة، وحينما انتهت لمحت بعيناها دفترها الذي كانت تسرد فيه كل الامها، امسكته وقلبت طيات اوراقه، نظرت لتلگ الورقة البيضاء كثيرًا، ولأول مره تحتار ماذا ستكتب؟ وكيف تستطيع أن تسرد اوجاعها هذه المره؟

 

فالحروف طمست ولم يبقى لها أي اثر بداخلها.. بحثت كثيرًا عنها ولم تجدها داخل متاهتها.. اصوات بداخلها تآن بل تصرخ آنين من شدة الوجع والاشتياق.. فهي تشتاق لمن فقدته ولم تشبع من احضانه وسماع صوته، بيد مرتعشه حدثت قلمها سارده، معاتبه وملقيه اللوم عليه في لحظة غير قادره على التحدث او الكتابه التي كانت هي المنفذ الوحيد الذي تخرج به كل ما يألمها ويخفف من حزنها ولو قليلا، اما الآن فهي غير قادرة على الكتابه، اصابها العجز الكتابي ولا تعرف لماذا.. ؟!

أبحث عن قلمي لافرغ كل همومي واحزاني؛ فـ أجده غرقان في بحرٍ من الاحزان مثلي، دائمًا شاردًا كأنه طير في السماء؛ انادي عليه واصرخ لعله ينقذني من حالة العجز الكتابي الذي اصابتني؛ لكنه ما زال شارد ولا يجيب منجاتي له.

فما الحل يا قلمي، لماذا أنت هاجرني هكذا؟

 

اهبط لواقعي وكفى شرود، وانزل لأرضي، والهمني من جديد حتى اكمل ما بداناه، هيا يارفيقي لا تتردد، اناشدك بأن تعود لي أنت بألهامك؛ وأنا بسردي واحساسي، لاسرد لگ كلماتي وآهاتي التي فقدتها بطول غيابگ، جمع احبارگ من جديد واعطني إياها حتى تكتمل انشودتنا ونضع نهاية لما كتبناه، هل تتذكرها، ام نسيتها كما انستني منذ وقت طويل..؟ !!

اريد ان اشكو لگ من ظلم أيامي، وتجرعها لي كأس المرار والفقدان، فـ متى سترق وتفتح لي أبواب السعادة.. فمنذ صغري وانا في حالة شقاء وحرمان.. كل الذي مضى تحملته بصبر وإيمان؛ لكن هذه المره كان فوق كل صبري واحتمالي…

لقد فقدت الحبيب وتجاوزت فقدانه برضا، إنما فقدان فلذة الكبد آهة تغرز في الفؤاد وتؤدي به للهاوية، أموت في كل لحظة وصغيري بعيد عن احضاني؛ احضاني التي اصبحت فارغة، مشتاقه لرؤيته من جديد ولو للحظة واحده.. اشتاقگ حبيبي.. لهمهماتگ التي كنت تقولها لي، ابتسامتگ، ضحكتگ التي كانت تنير دربي، والبلسم الذي يداوي اوجاعي، ولكن الآن حرمت منگ، وتركتني انزف وحدي الباقي من أيامي…

 

لم تتحمل أكثر من ذلگ، تركت القلم جانبًا، واغلقت دفترها، وامسكت بصورته تقبلها بشوق وحنين، محتضنه إياها وظلت تبكي على حبيب رحل ولن يعود مره ثانيه..

ومع مرور الأيام استعادت “غزال” صحتها لكن ما زال الحزن يكسو وجهها، تبتسم لوالدتها، وفي نفس تلگ اللحظة فؤادها يبكي في صمت، ارتدت لباس القوة وهي اضعف مما تدعيه؛ لكنها لا بد عليها أن ترتديه حتى تستطيع أن تحيا وتعيش حياتها، بدأت العودة مرة ثانية لعيادة الدكتور “أمان” الذي رفرف قلبه حين رمقها تدلف من بابه، نهض وتحرگ نحوها وصافحها بكل حب يكنه لها، فقد كانت جميلة برغم الحزن الساكن بمقلتيها،

اجلسها وسألها عن حالتها رادفًا:

 

– طمنيني عليكِ عامله ايه؟

تنهدت بوجع واخرجت آهه ساكنه اضلعها ثم قالت:

– عايشة، او بمعنى ادق بحاول اعيش واتأقلم مع الوضع الحالي.

– طب ده ممتاز، المحاوله في حد ذاتها شيء كويس، ومع الوقت هيكون عادي وترجعي لطبيعتك تاني.

– تفتكر يا دكتور أمان هقدر ارجع غزال بتاعت زمان.. غزال اللي أنا نفسي نسيت ملامح روحها كانت ازاي… كنت قولت خلاص هتصالحني وهتعود ليا؛ لكن اللي حصلي موت اي آمل ليا انها ترجع.

 

تألم من حديثها وظهرت معالم الأسى على صفحة وجهه، ربت على كفها بحنان، وبعينان تلمعان لها هي فقط قائل:

– صدقيني هترجع، وهترجع افضل من زمان بكتير، بس انتِ اديها فرصة تعود من تاني.. افتحلها باب الأمل يا مدام غزال عشان تدخل، حاربي معاها بكل قوتگ، انتِ وقفتي على اول درجة ونجحتي، اطلعي باقي الدرجات عشان توصلي لبر الأمان.

– ازاي قولي اعمل اية؟

– كملي مشوار العلاج معايا، إحنا قطعنا شوط كبير اوي، ومع الجلسات هنوصل بسرعه، وكمان مفيش حاجة هترجعلگ ثقتگ الكامله إلا الشغل.. هينسيكِ كل احزانگ، ارمي كل الحزن جواكِ وحوليه لشعلة نشاط وحركة، وقتها هتحسي ساعتها انگ غزال القوية المتميزة في شغلها.

– مش قادره.. معنديش اي افكار في راسي عشان ابدع واكون متميزة زي زمان.

 

 

صاح بانفعال لكنه محتفظ بنبره صوته قائل:

– لا متقوليش كده، بلاش نبره الاستسلام دي، انتي جواكِ طاقة مخفيه، وقت ما هتحبي تطلعيها هتطلع.. يا مدام غزال بلاش تدفني نفسگ في قوقعه الحزن دي، حاولي وساعديني اخرجگ منها.

رمقته بنظرات تعجب، وتساؤلات تسبح في محراب عيناها، فتبسم لها وقال بعد ان القى بنظرة عابره بالكشف الموضوع على مكتبه اسماء الحالات المتبقيه:

 

– ممكن بعد اذنگ بعد ما نخلص الجلسه تنتظريني اخلص اخر حالة بعدگ، ونشرب فنجانين قهوة في الكافترية اللي جنب العياده؟

لمح التردد متجلي على وجهها، فقال بترجي يستعطفها:

– ارجوكِ اقبلي دعوتي، في كلام كتير اوي عايز اقوله، ولازم تسمعيه.

صمتت قليلا، وعندما لاحظت عيناه مترجية؛ اومأت بالموافقه، فـ انشرح قلبه وزادت ابتسامته، ثم نهضان ليبدأن الجلسه التي كانت ما هي إلا بداية رحلة حب جديدة تدق اول اجراس انزار بداخلها، حاولت الهروب من صوت هذه الاجراس، لكنها كانت أعلى بكثير؛ عجزت على اسكاتها، فبرغم ذلگ كان هناگ وميض يضئ لها الطريق يجعلها تشعر بالراحه والأمان يمتلگ كل اوصالها.

 

وحين انهت جلستها، طلب منها “أمان” انتظاره في الكافية أسفل البناية، مرت وقت ليس بكثير، وحينما انهى آخر كشف، هندم ملابسه وركض مهرولا نحوها، بحث بعينان ثاقبتان ليجدها جالسه في ركن بعيد على طاوله ترتشف قدح من القهوة، اقترب منها وجلس أمامها وقال بابتسامة:

– اتأخرت عليكِ؟

رفعت بصرها لترمقه بنظره هادئة حانية:

– لا ابدا يا دكتور مفيش تأخير ولا حاجة، اتفضل اقعد وقولي خير عايزني في أية؟

 

جلس ووضع منظارة على الطاوله، واشار للنادل بأن يجلب له قدح قهوة سادة، ثم تنحنح لينظف حلقه، بينما هي مترقبه حديثه والقلق تسرب اوصالها، اخذت رشفه من قهوتها وعيناها تحثه بالتفوه، فلبى هذا النداء وقال بنبره متوتره لكنها مغلفه بالعشق:

– انا بصراحه مش عارف ابدأ كلامي منين؟

– ابدأ من اي جزء عايز تتكلم عنه، هو الموضوع خطير اوي كده؟

– خطير ومتوقف عليه حياتي وسعادتها.

– ياااه للدرجة دي ؟! قلقتني بجد.

– مدام غزال، أنااا… انااا….

– أنت أية يا دكتور، قول على طول بدون تردد انا سمعاگ.

 

 

كاد أن يتفوه بكل شيء؛ لولا وقوف النادل الذي وضع قدح القهوة وبجوارها كوب من الماء، وانصرف في هدوء، فـ اخذ الكوب وتجرعه على دفعه واحده كأنه بمثابة شربه بها الشجاعه فقال مره واحده:

– انا بحبگ جدا، وطلبت ايديگ من سند ومن والدتگ، وهما موافقين وفي انتظار موافقتگ.

هزت رأسها عدة مرات لتستوعب حروفه التي قالها، شعرت للتو بصدمه كهربائية اوقفت عقلها أن يستجيب لحديثه.. كيف له أن يختار هذا التوقيت ليصارحها بحقيقة مشاعره الآن وهي المجروحه… الحزينه الباكية على فراق اعز ما لديها، لا تنكر للحظة نسربت الفرحة وجرت تروي عطش حرمانها، لكنها في نفس تلگ اللحظة وأدت ودفنت بداخلها، فـ رمقته بغضب، ونهضت من مكانها رافضة لسماع كلمه واحده منه، امسگ معصمها وقال لها بترجي:

 

 

– ارجوكِ اقعدي واسمعيني، أنا ما صدقت اتشجع واقولگ على اللي جوايا من ناحيتگ.

سحبت يدها وقالت بتهكم:

– مش عايزة اسمع كلام تاني بعد اللي قولته يا دكتور.

– لأ هتسمعيني لحد ما اخلص كل اللي عايز أقوله، لازم ادافع عن نفسي واشرحلگ انا قولت ليه كلامي في التوقيت ده، من فضلگ اقعدي.

جلست على مضض وقالت وهي تزفر انفاسها بغضب:

– اتفضل، مع أن اللي هسمعه مش هيغير حاجة.

 

اتنهد بحزن على طريقة كلامها الغير متوقعه، او ربما قلبه حسه أنها ستكون افضل من ذلگ، ارجع ظهره للخلف، وشبگ انامله ببعضها، وبنظره حانيه منه جعلت اوصالها تهدأ من حاله هياج امواجها وتستكين حينما قال:

– بدون اي مقدمات اشرح بيها موقفي، أنا مقدر جدا الظروف اللي بتمري بيها، وحاسس بكل اللي جواكِ.. عارف عايزة تقولي؛ بس أنا راجل بحب أكون واضح وادخل الباب من بيته زي ما اتكلمت مع سند اخوكِ، قلبي مدنيش فرصة انگ تكوني واحده عادية في حياتي، عصاني وعشقگ من قبل حتى ما اشوفگ.. بمجرد أني قرأت حروفگ ومعاناتگ؛ قلبي رفع راية حبگ عاليه بدون ما ياخد رأي، وزاد محبتگ جوايا لما شوفتگ، وحبيت روحگ اللي سكنتني ومش هتفارقني ابدا.

سكت لياخذ نفسه ويتجرع ماء يبلل به حلقه، لمح في عيناها عدم تصديقه لما قاله، او ربما لا تريد ان تصدقة كما يظن، بل كانت هي في عالم آخر ليس فيه أحد سواه، ترغب في تصديقه؛ لكنها تخشى ان تقترب من نيران قربه فتحترق مثلما احترقت من ذي قبل !!

 

لكن عقلها بثها على سماعه ليكتمل نظرته وتقييمه له، بل قلبها كان ينبض بشدة.. اعاصير تجرفها نحوه ولا تعلم لماذا هدأت هكذا، لا تنكر انه حين يتحدث يسحرها بقوله، ويسلب منها ارادتها، فاقت على صوته قائلا:

– كنت منتظرگ لحد ما تتماسكِ وثقتگ ترجع وكنت هفاتحگ في الموضوع، لكن بعد اللي حصل، مقدرتش اسكت.

قاطعته متسائلة:

– واية اللي خلاگ متسكتش دلوقتي، وتقرر تتكلم؟

مال للأمام ليتقابل مع كحيلتها وينظر بداخل سوداوتها وقال وهو ملمس بكفيها:

 

 

– اللي خلاني اتكلم؛ هو عشان يكون ليا الحق أني اقرب منگ واقف معاكِ في محنتگ.. اكون جزء ولو صغير في حياتگ واشغل تفكيرگ، ظهرگ وحصنگ المنيع، ارجوكِ يا غزال اديني الفرصة دي، حتى لو بصفة صديق لحد ما تقرري وتحسمِ امرگ في تقيم علاقتنا، وتأكدي اني مش هضغط عليكِ ابدا، وهكون دايما الداعم ليكِ في اي حاجة.

سحبت كفيها بهدوء، فقد كانت تسمعه في هذه المره بعقلها قبل قلبها، لا تنكر انها رأت الصدق داخل مقلته.. شعرت بكل حرف قاله لها، وأجمل شيء نال اعجابها وضوحه وصراحته في معرفة اخاها قبلها؛ فهذا يدل على سمو أخلاقه، لا تعلم لما تذكرت موقف مماثل لطليقها لكن اختلاف السماء والارض بين الموقفين؛ حين عرضت عليه أن تصارح اخاها عن علاقتها به ورغبته في الارتباط بها لكنه ثار ورفض بشدة، وطلب منها بالا تبلغه ويكون الأمر سرًا بينهما لحين تحديد موعد للذهاب إليه، حقًا الفرق شتان بينهما، واحدًا واضح لأبعد حد يعشق النور، والأخر ملتوي.. منافق يحب الظلام والخفا.

عندما طال صمتها راودته الشكوگ والظنون؛ فقد خشى من خوفها لتكرار التجربه معه، فقال في تحفظ شديد:

 

 

– صدقيني أنا غيره… اوعدگ انگ مش هتندمي ابدا لو ادتيني الفرصة اللي بحلم بيها، هحسسگ بالأمان اللي بدوري عليه، بصدق حبي ليكِ هتعيشي الحياة اللي نفسگ تعيشيها.. هكون داعم ليكِ ولشغلگ، عمري ما هكسر قلبگ ولا اقلل من طموحگ.

كانت تريد أن تقول له بأنها تصدق كل حرف، وتعجبت لقوله بأنه سيحسسها بالأمان؟!

اي امان يتحدث عنه؛ وهو بالفعل وجوده مصدر لاحساسها بالأمان، تبسمت له وقالت بنبره رقيقه مثلها:

– انا مصدقاگ، بس فعلا مش مستعده للغوض في أي تجربة حاليًا، قلبي مفهوش مكان للفرحه، خايفة أظلمگ معايا… قلبي اللي جواه حزن ملوش حدود، حزين بيبكي طول الوقت في صمت، بخبي دموعة جوه بير عميق، بحاول ابتسم وارسم الضحكة على وشي، عشان خاطر بس أمي متتوجعش عليا، كفاية اللي عاشته من ألم عشاني، سامحني أنا مقدره مشاعرگ النبيلة دي، لكن فعلا مش هقدر….

 

وإلى هنا انتهت احداثنا عند هذا الحد، لنتعرف ماذا سيكون قرار غزال النهائي؟ هل ستقبل ويكون هو السند لها لعبورها شط الأمان؟

وما مصير فؤاد؟ هل هيتجاوز محنته؟

للإجابة على تلگ الأسئلة تابعوني في روايتي الجديدة المتواضعة

يتبع…

 

رمقها بعيناه تفيض بالحب، والترجي بالا تتركه شريد وحده بدونها، اجمع حروفه الأبجدية وقال:
– طب خليني معاكِ بصفة صديق، يمكن اعرف ابدل الحزن ده في يوم لفرحه، و وعد مني مش هتكلم في طلبي ده غير لما احس منگ بالقبول، اوعدگ.
– بس..
– مفيش بس، لو في يوم حسيتي أني تجاوزت حدود الصداقة امنعي أي قرب من ناحيتي، اديني فرصه واحده ومش هتدمي.
اومأت له اخيرا بعد ما عذبته بترددها وصمتها؛ فردت بتلگ الايماءه روحه وجعلتها ترفرف سعادة بأول خطى خطاها في تحقيق حلمه معها، تفوه بحماس قائل:
– وأول حاجة هقولها بحق صداقتنا انگ في اقرب وقت لازم تنزلي شغلگ، ولو مش حابه ترجعي شركتگ ممكن نشوف شركة تانية تشتغلي فيها، انتِ الف شركة تتمنى انگ تشتغلي معاهم.
– طب نأجلها شوية اكون استرديت ثقتي.
– مفيش تأجيل تاني، ثقتگ هترجع باجتهادگ في عملگ.. هتلاقي روحگ بين رسوماتگ وتصاميمگ، صدقيني الشغل هو الحل الوحيد، تحبي ابحثلگ على عمل؟
– لأ مفيش داعي، هتواصل مع صديقة ليا في المكتب واشوف ممكن أرجع ولا مليش مكان.
– ممتاز جدا، دي أول خطوة حقيقية في التعافي وايجاد الذات.
رمقته بنظرة شكر، هز عيناه بحب لها؛ كأنه يقول لها لا داعي للشكر بين الأحباب، كم تمنى ان يبث في تلگ اللحظه شوقه وحبه لها، لكنه وعدها بالا يبوح ولا يتحدث، فكيف طاوعته شفتاه بأن يتفوه بهذا الوعد؟ فكيف له أن يغلق قلبه ويخرس صراخ نبضاته بحبها حين تكون بالقرب منه ؟!
ظلت عيناه تحدثها في صمت، و”غزال” تستقبل شرارة حبه في صمت دون ان تعلق بحرف مكتفيه بهذا الفياض الذي تراه يجري داخل محراب عيناه، تمنت ان تنعم به ولو للحظة واحده؛ لكن هناگ الاف الأسباب تعوق الوصول له، ظلت في حالتها الشارده تفكر فيما سيحدث في الأيام القادمة، انتبهت لصداح رنين هاتفها، اخرجته من حقيبتها و وجدته والدتها تطمئن عليها، وسألتها عن سبب تأخرها، فأجابت أنها ستبلغها حين تأتي، اغلقت الهاتف، ونهضت استعدادا للذهاب، شاور على النادل ودفع الحساب، وقام بايصالها لمنزل والدتها حيث إقامتها هناگ، وعندما وصلا، ترجلت من السيارة فقال لها:
– هنتظر منگ مكالمه تطمنيني فيها عملتي اية في موضوع رجوعگ للشغل.
– حاضر.
اغلقت باب سيارته، و ودعته بابتسامه ثم صعدت لشقتها، وحين رأتها والدتها القت عليها وابل من الأسئلة، فجلست “غزال” وسردت لها كل شيء، كانت الأم واثقة في نبل اخلاقه، واثنت عليه بحب وتقدير لموقفه، وشجعتها بأن تعطي فرصة لنفسها وله، ربما يكون للقدر رأي آخر، لم تعلق لحديثها وتوجهت نحو غرفتها تبدل ملابسها وذهنها مشغول فيما حدث، استلقت على فراشها طالبه الراحه لو قليلا، ظلت تهاجمها كل حروفة وكلماته، وتلاحقها نظراته وترجاته لها، اغمضت مقلتيها لتهرب من تلگ النظرات، فتجسدت صورته امامها، فرأته بكل تفاصيله بطريقة مفصله لم تشاهدها من ذي قبل، شاهدت عمق جمال عيناه… وسامته التي لا احد ينكرها… رشاقته، وجسمه الرياضي.. ايقنت واعترفت أنه جذاب حقًا بلا أدنى شگ… فتحت عيناها لتنفض تلگ الصوره والتخيلات، وقامت لتجلس مع والدتها.
بينما كان “أمان” اثناء سيره في طريق عودته لمنزل والدته، هاتف اخاها “سند” وقص عليه ما حدث أثناء مقابلته معها، فقد أراد أن يكون صريح معه لأبعد حد، حتى يطلعه على كل جديد يطرق بينهما، سعد جدا “سند” لصراحته معه، وتمنى له ان يحقق حلمه في التقرب منها، وطالبه بالصبر عليها حتى تجتاز كل أحزانها.
وفي المساء هاتفت “غزال” صديقة كانت تعمل معها في مكتب خاص بالانشاءات العقارية والديكورات، وحين أتاها الرد قالت لها:
– ازيگ يا مشمشة، وحشاني كتير.
– غزال يا بت الأية فينگ يابنتي، من وقت ما اخدتي اجازة طويلة من الشغل محدش شافگ ولا سمع صوتگ يا ندله، مع اني رنيت كتير عليكي، وانتي مردتيش.
– معلش يا مشيرة سامحيني، ظروف والله كانت اقوى مني.
– خير حبيبتي؟
– الحمدلله على كل حال، لما اشوفگ هبقى احكيلگ، أنا كنت بس عايزاكِ تسألي هل في امكانية اقطع الإجازة اللي اخدتها وأرجع الشركة؟
– والله انتِ بنت حلال مصفي، حظگ حلو، إحنا كان عندنا نقص في المهندسين وكنا هنعمل إعلان، هكلم بكره مستر أشرف، وأن شاء الله خير، ولما يرد عليا هتصل بيكِ ابلغگ. واخبار فؤاد اية، لسه في الشركة اللي اشتغل فيها لما ساب المكتب هنا؟
ردت باقتضاب قائلة:
– مشيرة احنا اطلقنا من شهور، ومعرفش عنه حاجة غير ان بعد طلقنا سافر تبع شركته.
– مش ممكن، معقول؟!
مستحيل، بعد كل الحب اللي كان بينكوا، تنفصلوا كده؟ دي الكلية كلها تشهد على لفه ومطاردته ليكِ !!
انا مش قادرة استوعب.
– كل ده كان وهم يا مشيرة، وصحيت منه على كابوس، يالا الحمدلله اني فوقت، وكل شيء قسمة ونصيب، هننظر منگ مكالمه بكره، عشان بناءًا عليه احدد هعمل اية في خطواتي الجاية.
– خلاص ياحبيبتي، بكره هسأل وابلغگ، سلام ياروحي.
جلست على فراشها ودعت الله أن يسهل أمرها وتعود لعملها وتثبت فيه كفاءتها كما كانت من قبل.
انتظرت إشراق الصباح بفارغ الصبر، وتحدثت بالفعل صديقتها “مشيرة” ووافق على اعادتها نظرًا لمعرفته بكفاءتها، وطلب منها ان تأتي اليوم للعوده واستلام عملها، شكرته بشدة، وخرجت لتبلغها بهذا الخبر السعيد، قفزت لأعلى من شدة سعادتها، ونهضت وبدلت ملابسها على عجل، وقبل أن تغادر منزلها هاتفت “أمان” وابلغته بأنها سوف تستلم عملها الآن، بارگ لها وسعد لفرحتها، وعلم بعنوان الشركة، ووقت انصرافها، قبلت والدتها التي دعت لها ان يفتح لها ابواب الرزق والخير، ثم توجهت لعملها، وقابلت المدير الذي رحب بقودمها وامر مديرة مكتبه بأن تصلها لمكتبها مع صديقتها “مشيرة” في نفس الغرفة، وحين دلفت بالداخل وقع عيناها على شيء لم تتوقعه، جعل كل وجدانها تسير بداخله الوجفه من فرط السعادة، اقتربت من مكتبها، وامسكت باقة الورد الچوري وقرأت الورقه المدسود بداخله…
“مبارگ عليكِ أول يوم عمل، تمنياتي لكِ بالتوفيق واثبات النفس، فـ انتِ تستحقين كل الخير حبيبتي وصديقتي الغالية..
امضاء
أمان
ظلت تقرأ رسالته أكثر من مره،
لفت شرودها انتباه” مشيرة” فسألتها متعجبه:
– اية يا بنتي واقفه متنحه ليه كده؟
ومن مين الورد الحلو ده؟
ابتلعت لعابها وردت عليها بتوتر ولم تجد تبرير إلا أن من آتى بهذه الباقة المرسله من اخاها، ثم جلست تنتظر تحويل العمل إليها لتبدأ، نهضت وتوجهت بالقرب منها والفضول ينساقها لمعرفه ما تخفيه عنها، ولماذا ترتدي هذا الزي الأسود الكامل في أول يوم لها، اخرجت “غزال” تنهيدة آآه من داخل جوفها، وصلت نيران حرقتها لها، جعلتها تترك ما كان بيدها من عمل لتسمع لما سترويه من الآلام، وبالفعل قصت معاناتها بالاحتفاظ لبعض العناوين والتفاصيل لنفسها، ادمعت وانسالت العبرات من مقلتي “مشيرة” تعاطفًا معها ثم ضمتها بحب قائلة:
– ياااه يا غزال كل ده مريتي بيه يا حبيبتي، عشتي فترة صعبه اوي في حياتگ، كان الله في عونك يارب، ويصبر قلبگ على فقدانگ لابنگ، بس عمري ما كنت اتخيل ابدا أن فؤاد يطلع واطي بالشكل ده.
– واكتر مما يتصور ويتخيل عقلگ يا ثناء، منه لله سيبگ من سيرته وخلينا في الشغل، شوفي محتاجة مساعدتي في اية وأنا تحت امرگ.
دقائق مرت وجاءت مديرة مكتب المدير وقدمت لها العمل المطلوب انجازه، اخدته بقوة وحماس وبدأت في دراسته بكل دقة.
ومرت ساعات العمل، ولم تشعر “غزال” بمروره بتلگ السرعة، لملمت اوراقها، وامسكت حقيبتها وهبطت لتتوجه لمنزلها، وعندما خرجت من البناية وتحركت لتعبر الجهه المقابله، لمحت ببصرها الواقف على بعد امتار منها، مستندًا بظهره على سيارته، مرتديًا نظارته الشمسية التي زادت من وسامته، اقتربت منه متفاجئة بوقوفه قائلة:
– أمان !! اية اللي موقفگ كده ؟!
نزع من امام عيناه منظاره، وتلألأت ضو عيناها وسبحت داخل مقلته، وتزايدت من اشتعال شراره حبه وتوهجت، ثم قال بهيام:
– مكنش ينفع موقفش استناكِ وانت خارجة في أول يوم شغل ليكِ.
– واقف من بدري؟
– مش كتير، حوالي ساعتين، ولو هنتظرگ العمر كله مش كتير عليكِ.
رمقته بعطف، ولوم من نفسها لعذابه، لكنها ما زال قلبها الحزن ساكنه، فماذا تفعل امام فيضان حبه الذي يغمرها به، يعاملها كأنها طفلته الصغيرة الذي ينتظرها في اخر يومها الدراسي ليشاركها الحديث ومعرفة ماذا فعلت طوال يومها، هربت الحروف من ثغرها، فلم تجد كلمات تشكره بها، ظلت ترمقه في صمت وعيناها من تشكر، وتقول مالا تسطيع ان تبوح به، بلعت لعابها لترطب حلقها وقالت:
– مرة تانية بلاش تقف كده، تبقى تطلع، او تستنى في الكافتيريا جوه.
تحولت ملامحه للعبوس والحزن، واقترب ليفتح لها باب السيارة، وهمس لها قائل:
– وبأي صفه يا غزال اطلع؟
هتعرفيهم بيا تقولي اية؟
لما يبقى من حقي وليا صفه اطلع، اكيد مش هقف منتظرگ تحت بالشكل ده.
حزنت لحاله ولم تستطع الرد، دلفت وجلست بجواره على المقعد، وحين فعلت ذلگ، ارتدى منظاره ليخفي حزنه حتى لا تحزن من اجله، وتحرگ ليجلس في موضع السائق وادار محرگ السيارة وانطلق قائلا برجاء:
– ممكن بالمناسبة الحلوة دي نروح نشرب اي حاجة، وبعدين اعزمگ على الغذاء، ارجوكِ بلاش ترفضي؟
– مش مسئلة أني أرفض، بس خليها نشرب حاجة والغداء مره تانية اكون مبلغه ماما، عشان هي لسه متصله بيا وبتقولي أنها منتظراني على الأكل، معلش تتعوض يا أمان.
– تمام نعوضها مره تانية، مقدرش ازعل طنط مني، تحبي نروح مكان معين؟
– لا براحتگ اي مكان.
– اوگ، احكيلي بقى على يومگ كان عامل أية؟
تتهدت بسعادة وقصت بحماس له كل شيء، فقد كان “أمان” لها مصدر الاحتواء في كل لحظات حياتها، لم يغفى اي موقف تحيا به بدون يشاركها فيه، كان مستمعًا جيدًا لها بكل حواسه منصتًا لكل جملها، فهو يعشق نغمة رنين صوتها فتكون بالنسبه له أروع من اي سيمفونية تغنت عبر الأزمان، فهي مصدر سعادته؛ لا بل هي الحياة كلها، إذا فرحت تضحگ له الدنيا وإذا حزنت يسود الظلام كل أيامه..؟!
وصل عشقها حد الجنون، نظرة منها تشعره بأنه تملگ الكون وأمير هذا الزمان. قضيان وقت معًا يسوده التفاهم والنظرات المتغلفه بالحب من جانبه.
* * * * * * * * * * * * * * * * *
اخذ وقت طويل حتى تخطى فقدان ابنه وحين استفاق “فؤاد” قرر أن يعيش حياته ويستمتع بملاذ الدنيا الباقي من عمره، فمن بعد ما حدث له فلن يبكي على الاطلال بعد اليوم، انشغل بتأسيس شركته بأسس وقواعد منظمة؛ حتى تنافس اكبر الشركات، اختار فريق عمل ممتاز وبعناية فائقة، وبعائد مادي كبير ليضمن اخلاصهم له في العمل، فقد كان كل ما يسعى إليه أن ينغمس في العمل بكل ما أوتي من جهد ليهرب من احزانه والتفكير فيما مضى.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
لاحظت “غزال” كل يوم عندما تنتهي من عملها تلمح سيارته عن بعد، وحين يلمحها ويطمئن عليها أنها استقلت سيارة، يتحرگ خلفها كالحارس الأمين دون أن يقترب منها، لكي لا تفهمه خطأ بأنه يضغط ويأثر عليها بوجوده، لذا كان يكتفي بمراقبتها يوميا وذهابها لعملها، لا تنكر “غزال” أنها أحبت اهتمامه المبالغ وتصرفاته معها التي تحاوطها في يومها، فاليوم الذي لا تلمحه او تراه لم يحتسب من عمرها.
واظبت على الذهاب للنادي مع ابناء أخيها، على أمل أن تلتقي به، وكان “أمان” دائما يسمع لنداء قلبها ويلبيه بكل حب، تم التعارف في ذات يوم على ابنه وحدث الفه عجيبه بينهما، احبها “فادي” بشدة وشعر معها بحنان أم افتقده زادت مع التقاءها به في كل مره، يترگ والده وتقوم هي بمتابعة تمرينه، وطعامه، حينها كان يتمنى “أمان” أن يدوم وجودها في حياته وتكون زوجته الحبيبه وأم لابنه تعوضه عن حرمانه، وحلم بأطفال عديدة تنجبهم ليكون اسعد اسره يضمهم تحت جناحه، ومن اجل هذا الحُلم الجميل؛ سيبذل قصارى جهده لتحقيقه في يوم ويصبح واقعًا يحيا برفقتها.
ومرت أيام تليها أيام و”غزال” تنجذب اكثر وتتوغل في علاقتها مع “أمان” وابنه الذي أصبح جزء مهم في حياتها، دائما تلتقي به في النادي، وفي ذات مره كانت جالسه برفقتهما “فادي” موجهًا حديثة لوالده:
– بابي انا عايز اتفسح يوم في الفيوم، انت وعدتني انگ هتوديني قريب.
ابتسم له وقال وعيناه مصوبه نحوها هاتفًا:
– من عيوني يا فوفا، هاخد اجازة يوم من الشغل ونروح، اية رايگ ياغزال لو تيجي معانا تقضي اليوم هناگ، وممكن نكلم سند لو يحب هو واسرته؟
– بصراحه انا عمري ما روحت الفيوم خالص، يعني هيكون فيها اية يشجع ؟!
– ازاي تقولي كده ؟!
الفيوم دي بلد ولا كل البلاد ، فيها أعظم الأماكن اللي ممكن عينگ تشوفها، الفيوم يعني السحر والجمال، تحسي وانتِ جوه الفيوم بره الدنيا كلها، انا مش عارف ازاي لحد دلوقتي مرحتهاش ده الكل يتسابق على زيارتها، لأنها مش جمال في الطبيعة وبس كفاية احساسك بالأمان وانتِ جوه قلب الطبيعه، زي قرية يونس، بحيرة قارون، محمية وادي الحيتان، قرية ماضي الاثرية وغيره كتيير.
رمقته بذهول لما قال و وصفه لجمالها وروعتها، تعجبت لماذا لم تفكر يومًا في زيارتها لتشاهد هذا الجمال الساحر، عندما طال صمتها استفاقت على لمسة يد ناعمه صغيرة تلامسها قائل في استعطاف وترجي:
– وحياتي عندگ يا غزالة تيجي معانا، هتتبسطي اوي صدقيني، عشان خاطري…
هل هتوافق غزال على الرحله دي؟
وياترى لو راحت اية اللي هيحصل هناك؟
هل هترفع راية الحب والاستلام، ولا هتستمر في المكابره والعناد؟

يتبع…

 

 

ياحبيبتى الحسناء، الهيفاء، يا مليكة الفؤاد، ياصاحبة العيون السوداء، يا صاحبة الشعر الغجري المجنون؛ الا يمكني أن اسألك سؤال يراودني ويحتاج لاجابه منك سيدتي ؟ !

أي تعويذة وطلاسيم ذكرتيها؟ حتى تجعليني خاضعاً مسحوراً في غرامك، ومدمناً لنظرة واحده من عيناكِ؟

أي تعويذه تجعلني هائمًا في بحر غرامك ؟!

اشعر اني كالطفل اليتيم الذي حرم من حنان أمه لسنوات، ووجدها بعد عذاب فرتمى بين أحضانها متشوقًا لدفئ نهديها لتعطيه الأمان !

 

 

كل هذا أجده معك يا جميلتي، قولي ولا تترددي فأنا عشقتك وحسمت قراري، وعشقت ايضاً كل التعاويذ والطلاسيم لأنها تجعلني مسحورًا بيكِ، ولا اريد التحرر من سحرك مولاتي.

* * * * * * * * *

الفصل السابع عشر

– وحياتي عندگ يا غزالة تيجي معانا، هتتبسطي اوي صدقيني، عشان خاطري.

لم تتحمل “غزال” كل هذا الرجاء، فقالت له بحنان وهي تربت على وجنتيه:

– من عيوني يا حبيبي حاضر، هتصل بعمو سند واخد اذنه أنه يجي معانا، اتفقنا.

 

 

هللت اسارير “فادي” من السعاده، وتعلقت يداه بعنقها في ضمه مليئة بالبهجة والسعادة، ثم طالب أباه أن يذهبون في اقرب وقت، فقال له:

– خلاص بقى يا فادي، بلاش زن هتصل بعمو سند ونتفق على معاد مناسب للكل، يالا روح الملاهي العب فيها.

– لا مش عايز، لعبت كتير هقعد مع غزالة، ولا اقولگ اشترليلي ايس كريم فراولة.

– حاضر يا لمض.

نهضت” غزال” وقالت وهي ممسكه بيده:

– خليگ انت، هروح أنا اشتريله، وبالمره اشوف سمية خلصت مع الاولاد ولا لسه.

 

 

 

سارت مع الصغير وتوجهت لاشراء مطلبه، ولم تنسى اولاد اخيها وزوجته، ثم عرضت عليها الرحله، فسعدت و وعدتها بأنها ستحاول اقناع زوجها، تبسمت لها بسعاده، ثم طلبت الأذن لإيصال “فادي” لوالده، وعندما وصلت إليه فاجئها بأنه هاتف اخاها و وافق على الرحله بعد غد، حتى يستثنى له طلب اجازه من عمله، وهي ايضا، وتم الأتفاق على كل شيء بانه سيقوم بالحجز لهما هناگ في” قرية تونس” لتكون اجمل رحلة وذكرى في حياتهما.

وجاء موعد المتعه سريعًا، هاتف

“أمان” اخته لتكون برفقتهم، كما رفضت الأم اصتحابهم و فضلت المكوث بالمنزل، كان اطفال “سند” متحمسين جدا لهذه الرحلة، والكل يحلم بقضاء وقت جميل، تحركوا جميعًا بعد الفجر حتى يصلوا مع شروق شمس جديده..

وصلوا جميعًا إلى عالم الخيال الفيوم وبالتحديد “قرية تونس”، ترجلت “غزال” من سيارة اخاها وشعرت أنها في بيئتها الطبيعية، المياه محتضنه المكان، الاعشاب المنتشرة بالأرض الخضرة والأشجار الكثيرة، شعرت بكونها غزال حقيقي، كانت تتمنى أن تركض بكل ما أوتيت من قوة وسط الأعشاب والخضره لكنها خجلت من معها، بدأت تشرق فوقهما الشمس بخيوطها الذهبية بمنظر رائع لم تراه من قبل ظلت تطلعه بأعجاب وهي تبتسم لجمال المكان الذي تتمنى تظل به دائما، دخلوا جميعًا للداخل وكان اخاها واسرته فضلوا الراحه قليلا، واخذا معهما ابنه “فادي” الذي كان نائمًا وما أن عرض عليها أمان الراحه بالغرفة ابت وهي عينيها تغور بكل انش بالمكان، طلبت الأذن من “سند” أن تسير معه للنزهه، فوافق.

 

 

ضحك “أمان” وهو يرى ابتسامتها وانبهارها الظاهر على ملامحها وقال:

– أية رايگ تحبي تركبي خيل؟

وقفت وهي ترجع خصلات شعرها المتطاير خلف اذنها وتعبث بأطراف أصابعها وهي تجيبه:

– بصراحة عمري ما ركبت خيل.

رفع “أمان” نظارته الشمسيه أعلى رأسه وسألها بصوت دافئ:

– تحبي تجربي؟

 

 

هزت رأسها بالموافقة ومشيت بجواره حتى أن وصل الاسطبل الخاص بمجموعة من الخيل، صافحه الحارس بحب، وفتح له الحاجز ودخلوا اثنتهما عند فرسه بيضاء تتميز بغرتها السوداء فوق عيناها، يظهر عليها الغرور نظرا لجمالها، وحين لمحته صاح صهيلها فرحه وسعادة بقدومه إليها، تبسم لها ولمسها “أمان” بحب محتضن مقدمه رأسها في حضنه، موجه حديثة لـ “غزال”:

– أحب اعرفگ؛ دي بقى ميرا بعتبرها بنتي.

كانت ميرا صوتها يعلو وقدميها تتراقص فرحه جدا بعودة صديقها المقرب، ابتسمت “غزال” له فهو حنون على كل شيء به روح، تجرأت وأقتربت أكثر منها ولمستها، لكن ميرا نفرت منها وهزت رأسها رافضة لمسة أحد غيره، كانت تشعر أن احساس صديقها ليس معها هي بالكامل كانت “غزال” تقاسمها فيه، اخرجها “أمان” من بيتها واخرج فرس أخر وساعدها على الصعود على ميرا، وقال لها بعض التعليمات في جلستها ومسگ اللجام و وضعية قدميها، ثم ذهب يصعد على الآخر ومشيان بجوار بعضهما على الرمال الناعمة الامعه في حضرت سطوع الشمس والمناظر الخلابة، مستمتعه بتلگ المناظر، تستنشق عبير عطر الهواء النقي، ترمقه بنظرات شكر وامتنان بأنه هو وحده سبب في هذه السعادة التي تشعر بها، ولم تعي تلگ الغزال أن ما يشعر به هو يفوق سعادتها بكثير؛ فيكفي أنه يستمتع بقربها بجانبه.. فوجودها برفقته يجعله طائر في سماء العشق الأبدي.

 

 

كانت ميرا تسير ببطئ فأحبت “غزال” أن تزد من سرعتها لتجرب جنون لم تعيشه من قبل؛ فـ ركلتها في بطنها ركله خفيفة، وعند هذه اللحظه جريت ميرا بسرعة غاضبة منها عندما وصل لها قسوتها، وشعرت بالغيره على فارسها من هذه الدخيلة، هرولت بها بسرعة، فـ كانت “غزال” تصرخ وتحاول التمسگ بها حتى لا تقع، فزع “أمان” في رعب عليها، دقات قلبه كانت اسرع من سرعة ميرا، فضرب بخفه” الفرس الذي يركبه حتى ينقذها وعندما رفعت ميرا قوائمها الأمامية، حتى تقذفها للخلف كان “أمان” ونعم السند والأمان لها فـ انتشالها والتقطها بخفة ومهارة فارس حقيقي أمامه، وأمر حصانه بالوقوف ونزل وهو يطمئن عليها بلهفه عاشق للنخاع:

– انت كويسة، فيكِ حاجة؟!

كانت تبتسم بسعادة برغم كل ما حدث لها، فردت بهمس وهي ترمقه بنظرة بها لمعه تلمع له وحده:

 

 

– عمري ما كنت كويسة زي دلوقتي.

– بعتذر على اللي حصل من ميرا.

ابتسمت له بحنان وقالت برقة:

– ميرا شكلها بتحبگ اووي، وباين انها بتغير عليگ.

ربت على مقدمه رأس ميرا بحنان، ثم قبلها بحب وقال بحنين لذكرى جميلة:

– ميرا مولوده ومتربية على ايدي.

 

 

سألته بتعجب :

– هي بتاعتك؟

– اه سايبها هنا ودايما باجي اشوفها واطمن عليها، واقضي اليوم كله معاها، عشان كده مرتبطة بيا.

– عندها حق تحبگ.

نظر لسحر عيناها وقال متسائل:

– ليه؟

تنهدت بهيام وقالت له بحب تريد طمسه واخفاءه، لكن عيونها قررت فضحها رادفه:

– عشان انت حد يتحب جدا.

 

 

قرب منها اكثر، وركز في ابصارها داخل عيناها، وسألها بهمس:

– ليه؟

اجابته وهي ترمقه وترد عليه نفس نظراته بهيام قالت:

– عشان حنين اوي، بتحب كل الناس

وبتساعدهم من قلبگ، حتى الحيوان بتعامله بمنتهى الرقة.. اي حد يتعامل معاگ غصب عنه يشعر بالأمان، فيگ حاجة غريبه.

صمتت ولم تستطع تكمله ما في قلبها تجاهه، استغل حديثها واكمل هو بقوله:

– طيب ده بالنسبة لميرا، وانتى؟

 

 

تلونت وجنتيها وهربت من الرد بقول:

– ها فيه مغامره تاني ولا خلاص كده؟

ابتسم لها وقال بحماس شديد:

– المره دي لازم انسيكى اللي ميرا عملته.

– ازاي ؟!

– تحبي اليوجا؟

– بصراحة معاگ كل حاجة بعملها لأول مره.

– طيب يلا بينا على الاستجمام.

 

وصلوا بالقرب من بحيرة الجميع يجلسون في صمت جلست “غزال” وفعلت مثلهم وشعرت حقًا كل الطاقة السلبية التي بداخلها يسحبها الهواء النقي، ورزاز الملح الذي ينبعث من البحيرة يبعثها لمكان اخر، استمروا في الجلسه حتى انتهت، ثم سارا سويًا نحو البحيرة، تشجع “أمان” وامسگ بيدها، رفعت بصرها بوجهه وهي تشعر بقشعريره تسير بجسدها، كادت أن تسحبها، فشتد هو عليها بقوة وعيناه تتوسل لها بالا تسحبها وتتشبث بانامله لنهاية الطريق، اقتربان من البحيرة ورجلهما تركل المياه في مرح وسعاده، شعرت أنها عادت كطفله صغيرة تلعب بالمياه وتتراقص دون اي قيود، ناثرته بالمياة و وجهها مشرق بضياء عشق تسرب وتوغل بداخل فؤادها بدون ارادة منها.. مرت اللحظات السعيدة بسرعة البرق، ثم عرض عليها ان يتوجهان لصناعة الفخار والخزف، جلسان على احد المقاعد، كانت كالأميه عندما كان يشرح لها كيف تجعل القالب يدور، اشار على قدماها انها تحركها على الدائرة، وتأخذ بعض من الطين وتضعه بمكانه وتشكله بيدها،كان الانبهار مرسوم على صفحتها، عيناها تلمع من الفرحه.

 

 

سعدت كثيراً عندما صنع هو طبق كبير واهداها به، تعالت قهقهاتها وهي ممسكه إياه كطفله فرحه بلعبتها التي اشترتها يوم عيدها.

ضمتها لقلبها، ثم دخلان المتحف والتقط لها بعض الصور التذكارية، لتكون أجمل ذكرى في حياتهما.

لكن الظروف ارادت أن تعكر صفو هذه اللحظات، اتنبهان لصوت مكبرات الصوت اتيه من إحدى المطاعم بتلگ الأغنية التي عبرت بشدة ما يكنه “أمان” من عشق لها، فخارت كل قوته و وجهه بصره لفتاته الحسناء التي تسير بجواره وردد لها هذه الكلمات المذاعه…

أحبك جدا وأعرف أن الطريق إلى المستحيل طويل

وأعرف أنك ست النساء..

ست النساء وليس لدي بدليل..

أحبك جدا

وأعرف أني أعيش بمنفى

 

وأنت بمنفى وبيني وبينك

ريح…. غيم… برق…رعد..ثلج..نار

وأعرف أن الوصول لعينيك وهم

وأعرف أن الوصول إليكي، إليكي إنتحار…

* كانت تحدقه بعينان حائرتان، تريد الحديث بالكثير، ترد له بأعبق الحروف وتغمره بحبها.. تريد الصراخ بأنها تصدق كل حرف يتفوه به لها، لكنها غير قادره، بل عاجزه عن البوح والتحدث..

مازال هائم في بحور عشقها المجنون، مسترسل بكل رضا..

 

ويسعدني أن أمزق نفسي

لأجلك أيتها الغاليه..

ولو خيروني، ولو خيروني

لكررت حبك للمرة الثانية

يامن غزلت قميصك من ورقات الشجر..

يامن حميتك بالصبر من قطرات المطر..

أحبك جدا

أحبك، أحبك

أحبك جدا وأعرف أن الطريق إلى المستحيل طويل

أحبك جداً وأعرف أني أسافر في بحر عينيك، دون يقين

وأترك عقلي ورائي وأركض، أركض، أركض خلف جنوني

أيا امرأة، أيا امرأة، تمسك القلب بين يديها..

 

* لم تتحمل ان تسمع اكثر من ذلگ، وهي مقيدة اليدين.. منزوعة السلاح لترد له هجمات العشق إليه، هربت من ملاحقته لعيناها، واسرعت في خطاها، امسگ معصمها وقال بترجي..

سألتك بالله لا تتركيني

لا لا لا لا، لاتتركيني

فماذا أكون أنا، أنا إذا لم تكوني

أحبك جداً وجداً وجداً

وأرفض من نار حبك أن أستقيلا

وهل يستطيع المتيم بالعشق، أن يستقيلا

وما همني، إن خرجت من الحب حيا

وما همني، إن خرجت قتيلا

 

 

أحبك جداً وجداً وجداً

وحين انتهى من قوله، تكونت سحابه ممطره تهدد بالسقوط، جعلت رؤيتها مشوشة، وقالت جملتها التي كانت بمثابة طعنه جديده تلقاها على يدها فأرادته قتيلا في حبها، حين قالت:

– ارحمني…

اي رحمه تطلبها من عاشق يريدها هي من ترحمه ؟!

فلماذا إذن هي من تقلب الأدوار؟ عيونه كانت تعاتبها في صمت مميت يقتلها، فنظراته كانت مصوبه لها كأنها سهام ترشق في قلبها، لم تحتمل مواجهته اكثر من ذلگ هربت منه واعتذرت له، وتوجهت نحو مكان المبيت الذي اختارته لتستريح قليلا، تأخذ فاصلا منه حتى تستطيع تكملة بقية الرحلة الممتعه مع باقي الأسرة، فهي لا تريد ان تكون سبب في تغيير المود لهم، ودعته ودلفت داخل البيت الذي اختارته على شكل البيوت الريفية المصنوعه من الطين، فقد احبت ان تعيش الحياة البدائية واجواءها في كل شيء، وافقها هو ايضًا واختار البيت المجاور لها هو واخته “آلاء” كل منهما في غرفة.

 

– قوم يا سند انت وسمية، وصحي حبايبي، ريحة الأكل اللي في المطعم قريب مننا هتموتي من الجوع، انتوا جايين تناموا هنا، يالا قوموا بلاش كسل.

ربت بحنان على زوجته التي فتحت عيناها بابتسامة والقت عليه الصباح، وقالت له بنعاس:

– نفسي اكمل نوم مش قادره.

– لا فوقي كده وصحي الولاد، لحسن غزال تفتح الباب علينا وتاكلنا كلنا، فعلا عندها حق احنا مش هنضيع اليوم في النوم.

 

 

نهضت على مضض وارتدوا ملابسهم جميعًا، واستقبلوا “غزال” وهي منتظراهم في قمة رونقها ورشقاتها، هاتف “سند” “أمان” الذي وجده عيناه لم تغفى، نهض وايقظ اخته، وتوجهوا جميعًا على المطعم الذي كان تصميمه على شكل الريفي المتناسب مع ما يقدموه من افطار الذي كان عبارة عن شطائر من المعجنات، والجبن القريش، العسل، والبيض، فقد كانت الرائحه ذكية جدا، جلسوا على الارضية وقالت” غزال” وهي تلتهم الفطائر بشهية لم تشعر بها من قبل:

– الله الفطير المشلتت تحفه، ولا ريحته جباره، دوق يا سند رهيب مع العسل الابيض، ولا القشطة يا نهاري، وضاع الرجيم ياغزال.

تبسم لها “أمان” بحب متناسي ما حدث معها كأنه لم يكن، فكيف يطاوعه فؤاده من الغضب من ابنه قلبه ولو لدقائق معدوده فقال:

– ولا يهمگ، النهارده فري؛ كلي اللي في نفسگ بس متزوديش اوي

عشان بس معدتگ متتعبش لا قدر الله.

 

بادلته نفس نظرته وقالت وهي تمازحه:

– يعني هتشفعلي عند دكتوري، اصله مش بيرحم خالص لما بعگ في الأكل واروحله زايده؟

لم يتمالك “أمان” دلالها في الحديث، لو عليه يريد أن يقول لها انه يعشقها في كل حالتها، ويريد خطفها لتنعم داخل جنته، لكنه ابتلع قوله في جوفه، وحاول ان يكون طبيعيا في رده:

– حرام عليگِ يا غزال هو الراجل بيقدر يتكلم ولا يعاملگ زي باقية الحالات، انتي حاله استثنائيه عنده.

تنحنحت “آلاء” لانقاذ الموقف ولعدم الدلوف في مواضيع جانبيه وقالت:

 

 

– فعلا يا غزال الأكل هنا نضيف والمكان كله روووعة، اختيارك للمكان رائع يا أمان.

– بابي مش هتوديني عند ميرا وحشتني اوي، وكمان عاوز افرجها لمؤمن وعمر.

– حاضر ياحبيبي، افطر وكلنا هنروح نشوفها.

تسأل “سند” والصغار على من تكون ميرا، وقصت عليهما “غزال” ما حدث لها منها وعلاقتها بـ “أمان” ففزع اخاها وقال متسائل بلهفه:

– انتي فيكِ حاجة، طمنيني عليكِ حصلگ اية حبيبتي؟

– اهدى يا سند، أنا زي الفل قدامك اهو يا خويا، أمان لحقني قبل ما توقعني.

– الحمدلله، جت سليمة، بلاش بقى تركبيها تاني ما دام غيوره كده.

 

 

تعالى صوت الصغار مطالبينهم النهوض لزيارة ميرا، لبى نداءهم وتوجهوا الي مكانها وحين رمقها “فادي” ركض نحوها، فتعالت صهيلها مرحبه به، فتعجبت الجميع، فأوضح لهم “أمان” تعلقه بها، وركب فوق ظهرها بمساعدة والده، ومن خلفه ركب “مؤمن” واختار حصانان اخران يتميز بالهدوء لكل من “سند”و زوجته، وقفت تراقبهم “غزال” بسعادة فقال لها:

– تحبي ناخد حصان وتركبي ورايا؟

كم تمنت في هذه اللحظة توافق، لتكون فقط خلفه محتميه به، ضامه بيديها ظهره لتشعر بأنه حقًا الأمان والحماية، لكنها ترددت وقالت مبرره:

 

– لا معلش خليها مره تانية عشان ميرا متزعلش لما تلاقيگ راكب حصان غيرها زي المره اللي فاتت، بس هي امان على فادي؟

– اه هي عارفاه متقلقيش، فادي بيحبها وبيجي معايا هنا كل ما ظروفي تسمح.

– يا بخته، اقصد يعني يا بختكم بتيجوا تتمتعوا بالجو الجميل ده.

ياترى ماذا سيكون مصير هذه العلاقة، هل سيستمر أمان في تلك الحرب يحارب بمفرده، ام ستقف بجواره وتحيا في حبه؟

يتبع…

 

رمقته بنظره لم يعتادها منها، وبداخلها تشعر بجواره بكل هذه المشاعر والطمأنينة التي تسري بداخل ثنايا وتينها، وتهتز كل جدرانه حين تكون واقفه برفقته !!
افاقت من حالة التيه وقالت:
– يا بخته، اقصد يعني يا بختكم بتيجوا تتمتعوا بالجو الجميل ده.
لا تعلم كيف قالت جملتها، ولماذا بداخلها تحسد أي احد يكون بالقرب منه، وتتمنى تنعم هي فقط بهذا القرب، تنهدت وعيناها تقول الكثير والكثير، لكنه جاهلا في تفسيرها، سارت معه تتابعهم وتلتقط لهم الصور، و”آلاء” تشاور لها هي والصغار الذين كانوا في أروع حالتهم، والخيل يسير داخل مياه البحيرة، قضوا وقت طويل بين المرح والهزار.
وعندما جاء موعد الغذاء اقترحت “ألاء” و”سمية” تناول وجبة مشاوي في احدى المطاعم الشهيرة هناگ، ومعها طاجن من الفخار به ملوخية وحمام، لم تستطع” غزال” تناول الطعام إلا القليل، فلاحظ “أمان” الذي عيناه كانت تلاحقها في كل ثانيه فسألها هاتفًا ويبدو عليه القلق:
– مأكلتيش ليه فراخ مشوية، يعني تيجي عند المسموح ومتكليش، حاسه بحاجة؟
ردت بتعب واضح عليها:
– مش قادرة أكل والله بجد، الفطير حامي على صدري جدا، لو اكلت اي حاجة ممكن ارجع، وأنا بقاوم الترجيع لأنه بيتعبني جدا، كُل انت بألف هنا وشفا .
– الف سلامة عليكي، ده شيء طبيعي عشان بقالك شهور مش بتاكلي الموانع دي، والسمنه كانت فيه كتير، ومعدتگ اكيد مش متقبله، معايا فوار كويس، اشربيه هيريحگ.
– شكرا ليگ يا أمان.
– مفيش بين الأصحاب شكر.
تناولت الفوار، وحاولت أن تشترگ مع اسرتها في الحديث، لفت انتباها لقلة طعام “فادي” اقتربت منه وامسكت قطعه من لحم الدجاج المشوي واطعمته في فمه، تبسم لها الصغير فضمته، وشردت في ملامحه الجميلة التي تشبه ملامح والده في وسامته لحد كبير، لا تعلم لماذا طيف صغيرها جاء للتو؟ لما تذكرته الآن؟ لعل يكون السبب في ذلگ حين الحت باطعام ابنه؟!
ربما، تغيرت فجأة ملامح وجهها وتحولها، فشعرت بها “آلاء” و”أمان” وتفهمان ما طرأ عليها، فقالت موجهه حديثها لابن اخاها “فادي” :
– كمل اكلگ يا فوفا انت كبرت ومش صغير، ومتتعبش طنط غزال.
– أنا مش بتعبها، وغزالة هي اللي بتحب تأكلني.
– ولد عيب كده، اية غزالة دي هي بتلعب معاگ، اسمها طنط غزال، كام مره اقولگ عيب.
– لا يا بابي احنا اصحاب مع بعض، وكمان كلكم بتقولوا غزال، أنا بقى حبيت اناديها بأسم مخصوص ليا، مش كده يا غزالة؟
ضحكت بشدة “غزال” الذي انساها ما فيها من وجع، فمنذ أن تعرفت عليه واحبته مثل إبنها وهو يلقبها بهذا الأسم المميز له، فقالت وهي تقبله بحنان أم هاتفه:
– كده ياروح قلب غزالة من جوه، انت مسموحلگ تقول أي اسم يا شادي.
ادركت ما تفوهت به من اسم ابنها، وفعتذرت له قائلة:
– آسفه يا فادي، حقگ عليا يا حبيبي.
ما زال اسمه محفور بداخلها مهما حاولت أن تكون طبيعية، قلبها يردده في كل دقيقة تمر في حياتها.
ومر الوقت سريعًا وتسرب الليل في غفله من الجميع ليكسو السماء، والنجوم فارشه ضوءها متملكه سماءه، فتوجهوا إلى أعلى جبل قطراني لمشاهدة تلگ النجوم والاستمتاع بمنظرها في لحظة نادرة لن تتكرر كثيرًا، قضوا وقت طويل فوقه، ثم هبطوا ليشاركوا في حفلة المجالس الليلية حول النيران وتناول الطعام العشاء مع جميع الأسر، حتى جاء موعد رحيلهما، استقلوا سيارتهما وتوجه كل منهما إلى منزله بعد أن شكروا “أمان” على هذه الرحلة الجميلة التي قضوا بها أروع اوقاتهم، فقال “فادي” موجهًا حديثه لغزال:
– تعالي اركبي معانا يا غزالة، العربيه فاضية اقعدي جنبي.
نظرت “غزال” لاخاها تطلب منه الأذن، فشاور الاخر لها بعيناه بالموافقه، تبسمت له وركضت نحوه محتضناه بحب، و جلست بجانبه في المقعد الخلفي، و”آلاء” بجانب “أمان” الذي كانت سعادته لا توصف، وتمنى ان يأتي اليوم لتشاركة حياته كلها وليس المقعد بجانبه فقط، صبر حاله ودعى ربه أن يقرب البعيد، كان يرمقها من وقت لاخر في المرآه الأمامية ويرى سعادة ابنه وحبهما لبعض؛ فيطمئن قلبه انه رزق بينبوع من الحنان، وخطر في باله سؤال يأتيه من وقت لأخر؛ لماذا لم يرى زوجها كل هذا الحب والحنان الذي تفيض به على كل من تعرفهم؟
الهذه الدرجة كان مغفلا واعمى البصر والبصيره؟
لكن بينه وبين نفسه شكر الله على فقدانه لها؛ حتى يكافئه ربه بهذه المرأه الحسناء التي غيرت طعم ولون حياته وحولته للاجمل في كل شيء.
سأل “سند” اولاده وزوجته عن انطباعهم للرحلة فأجابت “سمية” :
– كان يوم جميل اوووي ياسند، ياريت من وقت للتاني نروح هناك تستمتع بالجو الجميل ده، والأولاد اتبسطوا اوي بركوب الخيل، مش كده يا ولاد.
– اوي اوي يا مامي، يا بخت “فادي” بميرا، عسوله اوي.
قالها “مؤمن” بفطرة طفل صغير، فرد والده عليه:
– انت بتقول يا بخته عشان عند والده حصان، ممكن لما ربنا يكرمنا نجيب زيه في يوم، لكن هو شوف محروم من وجود امه اللي مستحيل هيعرف يعوضها ولا شافها حتى، يبقى تحمد ربنا على النعمه اللي ربنا مدهالگ، وقبل ما تحسد على حد نعمه ربنا ادهاله، فكر للحظة تشوف عنده اية ناقص وانت ربنا ميزگ بيه عليه.
يا مؤمن ربنا بيدي الانسان نعم كتير، وبياخد رزقه ٢٤ قيراط بيقسهم على البشر بطريقة مختلفة، منهم بياخدهم صحه، فلوس، ومنهم بيكون زياده فلوس، ورزق في اولاده، وفي معندوش اولاد لكن عنده صحه ومال وهكذا..
اللي عايز اقوله وافهمهولك، انگ ترضى لحالگ مهما يكون وتبقى واثق ان ربنا ادالگ كل اقراطگ كاملين، ومتبصش للي عند غيرگ، فهمتني.
– فهمتگ يا بابا، بس انا مقصدتش اني احسده، انا بس اتمنيت يكون عندنا حصان زيها.
– انا عارف يا حبيبي، بس حبيت افهمگ ان النعم اللي عندگ افضل من ميت حصان، وليگ عليا لو ميرا خلفت مهره صغيره، هكلم عمگ أمان واشتريها منه، ويبقى عندگ أنت واخوگ مهرة تلعبوا معاها.
صاح الاخان بفرحة شديده قائلين بسعادة:
– بجد يا بابا ينفع؟!
– بجد يا حبايب بابا، هسأله ولو ينفع ليه لأ.
– ربنا يخليگ ليهم يا سندي، ويوسعها عليگ يارب.
بس باين أوي حب دكتور أمان لغزال، انا مش عارفه ليه لحد دلوقتي مفيش حاجة رسمية بينهم؟
– دكتور أمان راجل بجد، وانا لولا متأكد من حقيقة مشاعره وحبه ليها، مكنتش ابدا اديته فرصة انه يقرب منها، بس المشكلة في غزال انا مش عايز أضغط عليها، قولت اديها وقتها تحس هي بنفسها وتشعر معاه بالأمان والحب، اللي مرت بيه غزال مش شوية، ومن حقها اننا نديها فرصتها.
– معاگ حق، بس صعبان عليا اوي “أمان” اللي طول الوقت كانت عينه ملحقاها في كل ثانية، دي حتى دكتورة آلاء اتكلمت معايا واحنا بنتمشى عن اد اية هو مش صابر، وطلبت مني افاتحها واستعجلها.
التفت لها وقال بنبره تحذيرية:
– اوعي يا سمية تتكلمي معاها في حاجة.
– ليه بس يا سند؟
– انا عايزها هي اللي تيجي بكامل ايرادتها وتقولي أمان عايز يحدد معاد معاگ لطلب ايدي.
– طب ما هو الراجل طلب اديها قبل كدة، خلينا نفرح بقي يا حبيبي.
– هنفرح ان شاء الله كلنا، بس كل حاجه في وقتها بتكون أحلى.
– يارب يقرب البعيد ويهديكي يا غزال.
نظرت لاولادها وجدته نايمين مستغرقين في النوم فقالت:
– الولاد متحملوش السهر وناموا، وأنا مش قادره اشيل حد.
– ولا يهمگ هشلهم أنا، او نصحيهم لما نوصل بالسلامة.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
ادعت “آلاء” النوم لتعطي فرصة للحديث بينهما حين انتبهت لنوم “فادي” بعد طول ضحكة ومرحه مع “غزال” فـ أرادت بالا تكون عزولا بينهما، شعرت بالاحراج خصوصا حين لمحت مطاردة عيناه في المرآه لها، هربت بالنظر من نافذة السيارة بذهن شارد، حزن من هروبها المستمر هكذا منه، تنهد بحيرة على حاله معها، وفضل الصمت لحين اشعار آخر بينهما.. حين لاحظت علامات العبوس اترسمت على ملامحه تعجبت من عدم احساسه بها وتفهم حالة التخبط التي تعانيها، اخرجت من حقيبتها هاتفها حاولت أن تولد خواطرها من رحم عقلها المشتت لتضعها فوق شاشة هاتفها،
فـ سردت حروفها على صفحتها الشخصية تقول له ما تحسه بدون مواجهته والبوح له…
بداخلي مشاعر كثيرة متضاربه، اهي حب ؟! ام تعود، لا أعلم ؟!
لكن كل الذي أعلمه جيداً هو إني أحب وجودگ بجانبي؛ أعشق سماع صوتگ، أحببت طيبة قلبگ وروحگ؛ فهل هذا يسمى حبًا ؟!
لا يهمني التسميه، كل الذي يعنيني إنگ بداخلي آراگ في كل أوقاتي، ولا أريد الإبتعاد عنگ يا أحلى أقدراي.
فـ لماذا لا تفهمني حبيبي؟
وتقدر حالة التخبط التي اعانيها..؟!
ساعدني وخذ بيدي لبر الأمان..
أريدگ واهواگ… لكني اخشى التقرب من لهيب هواگ..
اسعد بقربگ؛ واغار بشدة من قرب غيري نحوگ…
ومع كل ذلگ بداخلي أشعر انگ بعيد بعد السماء عن الأرض..
انا لا أفهم حالي، فهل انت تفهمني؟!
لا تمل يا أمانِ الذي تمنيته وشاء قدري ان يأتيگ لي محملًا بعشق السنين التي طالما حرمت منها، يا أجمل اقداري…
ضغطت على رز النشر، دقائق وجاء له بوصول إشعار، امسگ هاتفه وفتحه، وقرأ خاطرتها التي زادت من حيرته والآمه، رمقها بعينان بهما الف سؤال محتاجة اجابه بأن تريح باله وتقولها صريحه بدون التفاف وغموض في الكلمات، شعرت بأنه ما زال لا يفهم حديثها؛ اغمضت عيونها بيأس، انتبهت لوقوف السيارة وبقوله هاتفًا مودعها:
– حمدلله على السلامه.
– الله يسلمگ، شكرًا يا أمان على اليوم الجميل ده، اللي هيفضل في ذاكرتي لاخر يوم في عمري، سلملي على آلاء وفادي لما يصحوا.
ترجلت من السيارة ولم تنتظر لرده، بعد أن قبلت الصغير، ثم صعدت هاربه كما تفعل معه دائما لشقتها، هاتفت اخاها لتطمئن على وصوله لشقته، فأجابها أنه كاد أن يتصل عليها لولا أن سبقته، انهت معه لدلوفها الشقه واستقبال والدتها لها الحار، وجلست برفقتها تقص عليها كل مغامرتها في هذا اليوم بكل تفاصيله، حتى اخر ما حدث منذ قليل، فقالت بسعادة والدتها:
– ربنا يسعدگ يا روحي كمان وكمان، ويعوضگ خير يارب، بس أمان ده ابن حلال ورايدگ يا غزال بلاش تحيريه وتوجعي قلبه يا بنتي بالشكل ده.
– خايفة يا ماما اجرب تاني، أنا ما صدقت استعيد ثقتي ومركزة في شغلي وبس الفترة دي، مش عايزة حاجة تانية تعطلني وتبعدني عنه، لو بيحبني حقيقي هيفهمني ويقدر ظروفي.
– هقول اية غير ربنا يهديكِ ويصلح حالگ يا حبيبتي، بس خايفة الراجل يزهق ويمل منگ.
– اللي فيه الخير ربنا يعمله، اسيبگ وادخل اخد شور ونام لأني ميته من التعب.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
حينما شعرت “آلاء” بصعودها لمنزلها، فتحت عيناها وقالت وهي ترمقه بغضب:
– يا خيبتگ، يعني أنا عملت نفسي نايمة عشان تتكلموا شوية، تقوم تنزل من غير ما تحسسها بحبگ، أنا مش عارفه انت ازاي ضيعت من ايدگ الفرصه دي؟
ابصرها بوجه مكفر بغيظ مما تركته وانصرفت بدون رد يهدأ من توهج نيران شوقه:
– والنبي تعرفي تسكتي، أنا تعبت معاها، بحاول اعمل كل اللي يسعدها، بشاركها في كل شيء بتحبه بمنتهى الصدق، مش طالب منها غير كلمه واحده بس يا آلاء.. أمل تدهوني يخليني اصبر واجدد الصبر اللي جوايا من تاني، لكن احساس العايم ده مش قادر عليه.
– عشان مستعجل يا أمان، قولتلگ وحذرتگ من البداية ان مشوارگ معاها طويل ومحتاج صبر أطول، وكنت عارف بكل تفصيلة مرت بيها بمراره وظلم محدش يستحمله، وكويس انها قادرة تعيش وتقف من تاني على رجليها، انت للأسف منتظر منها بمجرد ما تقف جنبها وتساعدها على تخطي ازمتها؛ تقولگ شبيگ لبيگ انا تحت امرگ.. لا يا أمان حاول تستوعب وتفهم احساسها وتخوفها من الغوض في تجربة تانية.
– انا لا عايز افهم ولا استوعب، واقفلي بقى على الموضوع من فضلگ.
قال حديثة بنبره غاضبة يائسه من كل شيء يعوق الوصول إليها، تنهدت بضيق وقالت له بحده:
– لا مش هقفل الموضوع، ولازم تسمعني وتواجهني وتتخلى عن انانيتگ دي شوية، وتحط نفسگ في ظروفها قبل ما تستعجلها، دي يا حبيبتي لسه قلبها موجوع على موت ابنها اللي كل شوية تغلط ونادي فادي باسمه، جربت لا قدر الله تكون في نفس الموقف؟
حسيت هتكون حاسس بأية؟
هتاخد وقت اد اية عشان تعدي حزنگ، او تمثل انگ تخطيت الحزن ده زي ما هي بتعمل؟
طب بلاش كل ده انت ناسي انها اخيرًا ثقتها رجعت في نفسها وقدرت تثبت مكانتها في الشغل وترجعها بعد الاجازة الطويلة اللي اخدتها، كل الحاجات دي لازم تقف بينكوا.. غزال عايزاگ وانا بأكدلگ ده و واثقة منه ل…
قاطع حديثها بلهفه متسائلا:
– بجد يا آلاء؟! طب هي قالتهالگ صريحه؟!
– يا أخي افهم بقي أنا تعبت من غباءگ ده، مش لازم تقولها بلسانها، قالتها وشوفتها في لمعه عيناها بالذات النهاردة؛ كانت عينيها مليانه فرحة وسعادة بقربگ؛ قالتها الف مره، بس البعيد مش حاسس، ولا عايز يفهم.
– غصب عني والله، قدري مشاعري، بحبها وعايزها دلوقتي قبل كمان شوية، ليه بتلموني في حبي؟
– مش منلومگ، بس عايزاگ تصبر عليها.
صاح بحده وصوت مرتفع بعض الشيء:
– ارجوكِ بلاش الكلمه اللي بتعصبني دي، انا كرهت الصبر واي كلمه فيها حرف الصاد، اية رأيك بقى؟
لم تستطع كتم ضحكتها على منظره وهو ثائر بهذا الشكل، فزادت من غضبه، لكن هدأ وشاركها الضحگ وقال:
– والنبي شكلها هتجنني قريب، يخربيت الحب اللي بالشكل ده؟
– معلش معلش، اصبر كلنا لها.
– تاني اصبر.
وصل “أمان” لمنزل “آلاء” التي عرضت عليه ان يبيت داخل منزل والدته نظرًا لتأخر الوقت، وافق وحمل ابنه وصعد معها، دخل شقة والدته وحمد ربه انها كانت نائمه، فهو ليس في حمل اي حديث، وضع “فادي” على فراشه، ودخل يأخذ حمامًا، انهاه سريعًا ثم استلقى بجانبه، وعاد في ذهنه كل حواره مع أخته، وبمجرد ما شعر احساس انه من الممكن ان يفقد ابنه، قلبه لم يستوعب نغزة نبضاته، ورفضها بشده، ضمه في احضانه بخوف من لحظة فقدانه… شعر بألامها وخوفها.. التمس لها العذر للمره المائه، فلا يملگ شيء يفعله غير ان يتلمس لها الآلاف الأعذار.
امسگ هاتفه وأرسل لها رساله مضمونها..
حبيبتي الشارده …
طالبتگ كثيرًا بالافصاح عن مكنون فؤادگ، لكنگ دائما تفرين من مواجهتي..
عذرًا يا محبوبتي، إذا كنت دائم السؤال..
فما يكنه وتيني من عشق فاق كل الحدود..
سأنتظرگ مهما طال تفكيرگ..
فـ قلبي الذي احبگ، عاتبني على تسرعي، والهمگ وقت ممدود طويل المدى لتتخذي فيه قرارگ..
أعدگ بأني سأنتظر مهما طال الوقت، فـ سامحيني على تسرعي، واعذري قلب ذاب من كثرة الإشتياق..
اخيرًا وليس بآخر، ارفقي علي يا حبيبة كل أيامي وباقية بداخلي لأخر زماني..
ضغط على زر الإرسال، ثم اغلق هاتفه وعاد لضم صغيره ونام في سبات.
وصلت الرسالة لها فتحت عيناها على صوت صديح نغمه الرسايل، فتحتها بعين ناعسه، وعندما بدأت في قراءة او كلمه، جحظت عيناها وحدقتها، فهذه المره الأولى التي يرسل لها رسالة بهذا المضمون، وبهذه الجرأه، فلماذا الآن نقض عهده سابقًا، وصرح بما يشعر به؟
الم يعاهدها بألا يضغط عليها !!
ماذا حدث؟ هل سئم من ترددها كما قالت والدتها؟!
اكملت قراءة وهدأ قلبها حين انتهت، وظلت تفكر ماذا هي فاعله معه، فقد سرق بكلماته تلگ النوم من جفونها، وبقت ساهره حائره تفكر به.
استيقظت من نومها بكسل شديد، لقلة عدد الساعات التي غفت بها، تناولت فطورها على عجل، وذهبت إلى عملها تباشر عملها الفعلي وما وصل له العمال من تشطيبات، كانت تعمل بجهد ونشاط، تحاول بالا تفكر في اي شيء يجعلها مشتته، فإنها تركت الأيام هي من ترسى بها على مرفأ يصل بها لبر الأمان.
ياترى بأي مرفأ سترسى عليه غزال؟
هل هتقدر تتجاوز مخاوفها، وتعيش الحب اللي اتحرمت منه؟

يتبع…

 

مرت الأيام والحبيب زاد إشتياقه ولوعته، خصوصا بعد أن انهت معه “غزال” الجلسات و وصلت للوزن المثالي الذي تتمناه، والآن هي في مرحلة تثبيت الوزن، فزيارتها قلت عن زي قبل، واصبح يشتاق لرؤيتها بشدة، وفي ذات يوم استغل سؤال إبنه عليها وهاتفها وطلب منه أن يبلغها بتناول الغذاء معها، وبعد الحاحه عليها وافقت على الذهاب إلى النادي بعد انتهاءها من عملها في تمام الساعة السادسه، قبل إبنه وجلس يعد الوقت المتبقي لرؤيتها بفارغ الصبر، وحين طال الوقت نهض وارتدى ملابسه وجهز ابنه وتوجهه للنادي حتى يضيع الوقت الذي لا يمر بدونها، وعلى العكس عندما تكون بجواره، يمر بسرعة البرق، فلماذا إذن يعانده؟
تأخرت عليهما نظرًا لعملها الذي طال لوقت متأخر، وحين وصلت اعتذرت لهما، وعانقت “فادي” بفرحة وقدمت له حلوته التي يعشقها، ثم اخذت انفاسها، و وضعت حقيبتها على الطاولة وتبسمت له قائلة:
– شكلي جوعتگ النهارده؟
رمقها بنظرات عشق لم يستطيع اخفاءه وقال بهيام:
– من حيث جوعت، فأنا فعلا جعان اوووي بس مش للأكل، تؤ لحاجات تانية كثير وانتِ حرماني منها.
فهمت مقصده، وتوردت وجنتيها بخجل، رفعت خصلات متمردة وراء أذنيها، ثم تنحنحت وقالت بتحذير:
– هنرجع تاني، وبعدين؟
– لا خلاص، لا بعدين ولا قابلين، خلينا في الاكل أحسن، تحبي تاكلي اية؟
– اللي هيختارة حبيب قلبي فادي، أنا موافقه عليه.
– يابختگ يا سي فادي، عقبالي يارب ما انول شوية من الحب ده.
– انا بحب اي حاجة مشوية يا غزالة، اطلبنا فراخ او كفته يا بابي.
– عيوني حاضر، تحبي معاها حاجة تانية؟
– لا شكرا، أنت شكلگ عايز تبوظ ليا النظام بتاعي، ودكتوري يزعل مني.
رد بعينان تلمعان وتشع فياض محبه قائلا:
– دكتورگ مستحيل يزعل منگ ابدا، ده بيتمنى بس انه ينول الرضا.
نظرت داخل مقلتيه وعيناها تشع حب قائلة:
– هينوله بكل تأكيد في يوم من الأيام.
– يارب.
– شكله زهق من طول الصبر.
– لو هيصبر اد ما صبر سنين، هيتحمل عشان ينول مراده.
صمتت وهي تبصره بحب فشلت في الإفصاح به، كأن هناگ قوة الجمت فاها لعدم البوح بما تشعره نحوه، لما الآن صوتها اخرس، واصم عن التفوه، ظلت تحاكيه بعيناها، ونست انه ليس بخبير في لغة العيون.
استأذن “فادي” من والده بأن يذهب إلى الملاهي للعب على الارجوحه لحين حضور الطعام، فوافق فنهضت لتذهب معه، امسگ معصمها وقال:
– بلاش تهربي زي كل مره، صدقيني مش هتكلم في موضوعنا، بس بلاش تبعدي عن عيني، خليكِ جنبي عشان اشبع منگ، مع أن ده مستحيل.
سحبت معصمها وقالت بترجي:
– أمان، ليه بتصعبها عليا؟
– أنا اللي بصعبها عليكِ، ولا انتِ اللي مستمتعه بعذابي وحيرتي؟
– انت ألف واحده تتمناگ، ونفسها ترتبط بيگ.
– وأنا مش عايز من الألف دول؛ إلا واحده مطلعه عيني ومش عايزة تريح بالي.
– طب لو قولتلگ ارتاح، يا ترى هترتاح؟
– لو هتقوليها بصدق وانتِ باصة في عيني هرتاح، قوليها واوعدگ هتحمل بعادگ.
تشجعت اخيرًا وجمعت حروفها لتقولها، لمحت النادل يضع الطعام امامهم فغيرت خط سير حروفها وقالت:
– هقوم انادي “فادي” عشان ياكل.
– لا خليكِ هروح أنا.
تحرگ مهرولا نحو إبنه، وبداخله يلعن الظروف التي تستمر في عناده كأنه عدو له وليس عاشق يتمنى أن يرتاح قلبه بقرب حبيبته.
حالة من الضيق تسربت بداخلها، فـ اخرجته على طيات صفحتها، فهي تعلم انه سيراها حتمًا، وتمنت انه يفهم ما بين سطورها..
أريد الخروج بشده من قوقعتي التي دفنت بداخلها لسنوات، كم أشعر بالاختناق الشديد بداخلها، أريد أن أتنفس بحريه، استنشق هواءاً نقياً، بدون رواسب حزينة بداخلي، حلمت أني ادلف للعالم الخارجي، وآراه بعين جديده غير نظرتي من ذي قبل، نظرة كلها نقاء وآمل، لكن كيف الهروب وهي متحكمه وجعلتني آسيره لها، بتلگ القيود الحديديه التي لا أستطيع الانتصار عليها وحلها، فأنا كنت ضعيفه الجسد، هزيله، محطمه القلب، كل هذه الأسباب جعلتني مسجونه داخل قوقعتي ولا أستطيع الفرار للعالم الخارجي الذي طالما حلمت به وأتمناه.
نعم حقاً سلب مني الفرحه، الأمان ، ومن كل شيء؛ لكن لم تسلب مني إيماني وثقتي بگ حبيبي.
ثقتي أنگ سوف تنقذني، وتنتشلني من معاناتي، وظلم ايامي لي.
سأتحرر يوماً بقدومگ لي يا فارس أحلامي على حصانگ الجواد تأخدني فوقه لتسرع بعيداً لمدن الأحلام نحيا بداخلها، ونبتعد عن كل ما يعوق اقترابنا من بعضنا.
حتمًا في يوم ستجدني في أنتظارگ عازفة لحن حبي الخالد لگ وحدك يا أمانِ وسر سعادتي.
حين لمحتهما، ادخلت هاتفها في حقيبتها، تقدم نحوها بعينان تلوم وتعاتب، بينما “فادي” اجرى وجلس بجوارها، وبدأت في اطعامه برغم رفض والده، لكنها تحيا معه ما حرمت منه مع صغيرها، لذا اصرت انه تأكل وفي ذات الوقت تطعمه في ثغره، لا ينكر مطلقًا فرحته بها، خصوصا بعد أن تحسن كثيرًا نفسية صغيره بقربها وعلاقتها معه، فوجودها بجانبه عوضه حنان الأم الذي حرمه منه قدره، وها هو الآن يصالحه بوجودها معه.
انتهوا من تناول الطعام، ونهضوا سويًا للتمشيه، تحدثوا في مواضيع كثيرة بعيده عنهما، حتى شعرت ان الوقت تأخر، وطلبت منه الانصراف، لم يتركها إلا بعد ان اخذ منها موعدًا قريبًا يتقابلان فيه، وافقت ثم استقلت سيارته وقام بتوصيلها لمنزلها.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وبمرور الأيام والشهور السابقه تبدل الحال وتغير كثيرًا، فـ اعتادت “غزال” مع الوقت استرداد ثقتها بنفسها، وبعد مرور وقت طويل من المعاناه لاثبات النفس، اصبحت تكتب بما تشعر به وتحسه فورا بدون ان تكتم شيء بداخلها عبر صفحتها الشخصية الفيسبوك، ومع الوقت حين شعرت بأنه لا يفهم حقيقة مشاعرها تجاهه، كتبت له هذه الحروف لعله يستوعب ما تريد قوله، ولسانها لم يستطع قول ما في جوفها..
أريد أن تفهمني حبيبى، تفهم ما بين سطوري، وما أعنيه بين حروفي؟ !
أنت تقرأ ولا تفهم بأن روحگ تسري بين الحروف، فتجعلها تسير بسلاسة كأنها شلالات لا تتوقف من الحروف؛ إذا جمعتها ستجد نفسگ بداخلها تسبح بيسر ليس له مثيل، لماذا لا تستوعب حتى الآن مدى حنيني وشوقي لگ؟ كم مرة ترجمت لگ مشاعري في دفاتر أشعاري، ولم تعرف بأنگ الحبيب؛ وأنا المتيمه بگ منذ ان شعرت معگ بالحب والأمان ؟ هل تريد أن أصرخ بها، وأصيح أعلى الأسطح والجدران، كصياح الديگ في بذوغ الفجر مكبرًا، ام أغرد قصة حبي مثل العصفور، وانشدها فوق أغصان الأشجار ليصل صداها لعنان السماء !
أجبني عن الحل، وأنا أجزم لگ إني فاعله، مهما كان صعبًا ؟
ولكن لا تتركني هكذا متيمه ولا تشعر بـ عشقى الحيران.
عندما وصل له نداءها وحيرتها، تعلت الإبتسامه ورسمت على محياه، يكاد قلبه أن يقف من شدة السعادة، كم تمنى أن يسمع تلگ العبارات من شفاها وعيونها ترمقه بكل حب، لكنها كانت دائما تهرب منه ومن النظر داخل محرابه، خائفه او ربما متردده من تكرار التجربه، فكان لا بد عليه الصبر حتى تثق في حبه، والآن اعترفت بحبه، لكنه في الحب يطمع ويريد المزيد، يريد التأكد ليطمئن وتينه.
ارسل لها رسالة ترجي بأن تريحه َتقولها صريحه له دون اي التفاف او مراوغه، وحينما وصلت رسالته وقرأت محتواها؛ تهللت اساريرها واحتضنت هاتفها

وارسلت له رسالة عبر برنامج الواتس اب، بعد كل هذا الالحاح بأن يسمع ردها، وما تشعر به تجاه، فـ سردت له بكل نبضات قلبها تعترف بحتياجها إليه، فمع كل ضغطه تضغط على لوحه المفاتيح قد كانت دقات قلبها وقلبه ايضًا تتسارع، وجفه لها مذاق غريب وعجيب لم تشعر به قبل ذلگ، كأنها فتاة مراهقه تسرد اول مكتوب لحبيبها، نعم فهو حقًا حبيبها ولم تشعر بالحب الحقيقي إلا حين عشقته وبادلته حبه وهوسه، كل حرف كتب كان نابع من اعماقها بكل صدق قائلة..
أريد حبگ وحنانگ، أريد شغفگ وجنونگ، أريد ان تكون احضانگ هي وسادتي التي القي عليها كل همومي واحزاني، وعيونگ هي موطني الذي اسكن

 

بداخله ولا اتركه، إلا بموتي.
أريد ان تفهمني، وتكون بلسمًا تطيب به الآمي.
أريد ان تكون مرشدي؛ يرشدني إذا اخطأت، ولا يعاتبني ويلومني في يوم.
أريدگ استثنائي في كل شيء، رجلاً ليس له مثيل بساكني الأرض، بل علاقته بسكان السماء، في صفاءهم، ونقاءهم.
أعلم ان ما اطلبه مستحيلاً، ولكني فقط أريد حبيب حقًا استثنائي، افقد كل حواسي وأنا تحت ملمس يداه، أغرق في بحور عيناه، واذوب لوعه واشتياق بين أحضانه الدافئة.
نعم اريدگ واحتاجگ بشدة يا أمانِ.
وحين اطلع على ردها، ضم رسالتها بعيناه، وأغلق عليهما باهدابه، ثم امسگ هاتفه وضمه بين اضلعه، كم أراد لحظتها أن يعانق صاحبتها ويغمرها من عشقه وحنينه لها الذي في كل دقيقة يزداد لهيبه ولا يجد من يطفأ شوقه وحنينه لها؛ فهو العاشق.. المغرم.. الهائم في بحور عشقها، المتيم بنظرة من عمق عيناها، فماذا يفعل حتى تشعر بنيران هذا الشوق المتدفق داخل ثنايا وتينه، وها هي الآن بعد طول عذاب وانتظار تعترف صريحة واضحه انه تحبه؛ اجل تعشقة مثلما

”رواية الغزال الباكي” لتكلمة الجزء التالى من الرواية اضغط هنا?⏬???

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top