رواية الغزال الباكي كاملة جميع الفصول

رواية الغزال الباكي

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­

ابتعدت عن الجنس الآخر، خشيت أن اجد من احداهما البغض والتنمر؛ حتى جاء اليوم والتقيت صدفه بـ”فؤاد” والتف من حولي ونسج خيوطة رفضته في البداية، تسرب الخوف بداخلي خشية أن يدق قلبي له ويتعلق بحبال الهوى، وفي النهاية يكون الجرح من نصيبه، لم ييأس حاول التقرب مني لأكثر من سنه، شعرت بصدق حبه ومشاعره، خصوصا أنه مع ازديادي لرفضه؛ يزيد من محاولاته لي، وقعت في شباگ صياد ماهر اصطبر على شباكة حتى جذبها وكانت مملوءه بالخير، عشت معه اسعد فترة خطوبه، اوهمني الحب بجنون، تزوجنا بعد التخرج بعام، عملت معه في نفس شركة الديكور، لكنه طلب مني أن اتفرغ له بعد الزواج، اخذت اجازة بدون راتب لألبي مطلبه، برغم اني كنت متفوفه جدا بشهادة الجميع، لكني كنت سعيدة أنه راضي عني، وسعادته كانت بالنسبه لي هي السعادة الحقيقية، تخيلت أن سعادتي ستكتمل بوجودي في منزله، لكن الذي حدث غير ذلگ…عشت العذاب والحرمان منه طوال فترة زواجي منه، والحرمان بدأ منذ أول ليلة نزعت فيها ملابسي، وبدت بشكلي بدون اي مشدات تخفي ديفوهاتي، لمحت منه نظرة لم استوعبها بعد، لكني اخفيتها ولم ابالي، اقترب مني وتقابلنا في لقاء حميمي انطفى توهجه سريعًا، ويوم بعد يوم واكتشفت بوجود بذره داخل احشائي من حبيبي، كم سعدت يومها، لكنه استطاع بنظرته التي لم

close

 

انساها بعد أن يوأد تلگ الفرحة ويقتلها، مرت شهور الحمل صعبه، لم يقترب مني خلالها الا عدد مرتين او ثلاثة، والحجة أني مجهده ومريضة، وكانت الطامه الكبرى في تعامله معي، فقد تفنن في تجريحي بالكلمات، كان يذبحني ويطعني بحروفه القاسيه كلما رآى وجهي بعد الولاده و زيادة وزني أكثر مما كان عليه، فلم يرحمني… لم يكن رقيقًا في مطالبته بانقاص وزني، كم اهانني لدرجة جعلتني اتمنى المرض حتى ينقص وزني !! نعم كل ليلة تمر علي اتمنى أن يصيبني مكروه حتى افقد وزني، كلامه الجارح بإستمرار؛ جعلني اتناول الطعام بشراهه، وصل الأمر معي للعند، بعد ما كنت

 

اسمن بدون تناول طعام بزياده؛ أصبح العكس اكل بشراهه كل ما يجعل وزني يزيد، كبرت معدتي، وتعدى وزني المائه بكثير، كرهت النظر لمرآتي، دائما ارتدي ملابس فضفاضة، لا أستطيع ارتداء داخلية لسوء شكلي بداخلها، اصابني اكتئاب شديد، تناولت عقار مضاد للاكتئاب كتبه لي طبيبي الخاص، كل هذا وزوجي المبجل لا يشعر بي وبما اعانيه، ولا يسأل لماذا اصابني كل هذا؟ كل الذي يكتفي به هو توبيخي على زيادة وزني بنظرات ذابحه و كلمات جارحه، وأنا استمع واصمت، واخزن بداخلي واكتفي فقط بالبكاء على ما وصلت إليه، لكن حين رآيته وعلمت بخيانته لي، لم أستطع الصمت واجهته، ويا ليتي لم افعل ذلگ؟!
كانت قسوته وكلامه يفوق كل الوصف، جلدني بسواطه الحديدي دون أن يلمس جسدي، حروفه كانت من سهام مسمومه رشقت داخل فؤادي وجرحته ومازال ينذف حتى الآن!!

 

لم استطع مواجهة روحي بتلگ الحقيقة، نظرت لمرآتي فلم اتعرف على انعكاس صورتي !!
لم أرى “غزال” فتلگ الواقفه هيكل مشروخ، مكسور لا يمس لي بشيء، لا أعرفها ولا أحب أن أعرفها، فـ أنا لا أستحق العيش؟! ولمن أعيش واقرب انسان لقلبي يطعني في انوثتي، وسبب في كرهي لنفسي، قررت ان اثأر لغزال، واريحها من كل هذا العذاب، لذا عزمت على الانتحار، ربما يكون هو الحل لمعانتها، وكان “فؤاد” ما هو إلا سبب، لكنه مع كل آسف انقذني وعودت من جديد في هذا العالم الغريب، حزينة.. مجروحة.. خائفة… وحيده برغم الكثير من حولي، شعور مميت لم استطع تقبله حين شعرت أني لا املئ عين زوجي !! لحظتها ايقنت أن الموت هو السبيل لراحتي، وسأحاول حتى انول مرادي.
لا انكر انه كان اول من دق له جدران قلبي، احببته بجنون، لكنه لم يحافظ على هذا الحب وسحب الرصيد حتى نفذ.. وترك مكانه نيران غدره تحرقني بدون رحمه، فنيت روحي من اجله، لكنه لم يقدر كل هذا الحب، وبادلني قسوة، انانيه وغدر لم يقدر قلبي على تحملها…

 

 

وضعت يدها على قلبها تواسيه، ثم حررت القلم فلم تسطع تكمله، وتذكرت حديث سندها اخاها وما القاه عليها بضرورة التمسگ في الحياة من اجله، ومن اجل ابنها ووالدتها، اغمضت مقلتيها وشردت في صوره تكونت بداخلها، صوره جعلت فؤادها يرق ويشتاق لصغيرها، نعم هي تحتاج للمسة يداه الصغيره، تستمد منها القوة فهي في اشد الاحتياج لها، ولضمه داخل احضانها، واستنشاق عبيره، طفلها هو القوة الخفية التي تجعلها تقف وتصمد أمام كل الامها، تناولت القلم لتسرد من جديد حروفًا تكاد تكون طاقة أمل جديدة، فشق الحزن جدران قلبها، فنشق من تلگ الشقوق هلالا مولودا جديدا، وكأنه يواسي كل وجع سكن اضلعها، فصغيرها هو من سيجعلها تتمسگ بهذه الحياة وتعود من اجله.
اغلقت اوراقها و وضعتها بجانبها، ثم تمددت لتصمت هذا الضجيج الذي يعلو صوته داخلها ولا تستطيع اخماده، او اطفئت تلگ الحمم الثائرة المتوهجه مهما حاولت، أغمضت جفونها لعلها ترى صورة “شادي” بداخلهما لتكون اخر ما رأته قبل أن تنام.
وإلى هنا تنتهي احداثنا عند هذا الحد لنتعرف غدا ماذا ستخبأ الأيام لغزال؟ وماذا سيفعل فؤاد معاها ؟

يتبع…

 

 

رجع “محمود” إلى منزله، واندهش بوجود ابنه مازال على حالته منذ أن تركه، جالسًا مهمومًا حزينًا، مغمض العينان، واضعًا رسغه عليهما ليحجب أي ضوء يتسرب لهما، فالظلام الذي يلاحقه و تملگ منه جعله يرى الكون كله ظلام كالح، اقترب منه والده، وربت على كفته وقال:
– مش معقول يا فؤاد، لسه قاعد مكانگ من ساعتها؟
حالتگ دي ممنهاش فايده، قوم واقف وحاول ترجع مراتگ لحضنگ من تاني.
ازاح يده وابصره بسخرية، اي زوجة يتحدث عنها؟ هو لم يراها في يوم زوجه وسكن !!
لم يشاهد أي صفة جميلة تتميز بها؟!
كل الذي كان يريده جسدً ممشوقًا، وامرأه تثير روجلته لا أكثر !!

 

ظل صامتًا مما زاد تعجب والده، فقال بصوت مرتفع:
– يابني رد عليا، ساكت ليه كده؟ ايه البرود اللي بقيت فيه ده؟
انتهد تنهيده حاره تحمل بطياتها الكثير، ليرد عليه بتأثر وحزن يكسو وجهه هاتفًا:
– انا مش بارد؛ انا واحد موجوع، مصدوم، حبيت وقولت هعيش عيشة هنا، زي ما كنت بسمع؛ فوقت على حقيقه مره، رضيت وقولت لنفسي هجرب مع حد تاني، حبتها اوي وعرفت توقعني في شباكها بكل مهاره، وكنت سعيد وأنا بقع وبغرق في

 

 

بحورها، كنت مستعد انفذ كل طلباتها، لكنها كشفت نفسها بدري اوي، وظهرت حقيقتها بمجرد ما مقدرتش أجيب ليها الشقة، خدعتني ورسمت الحب وكنت مصدقها، اتاريني كنت مجرد صيده سهلة، ورمتني وتلاقيها دورت على غيري ..!!
قال كل حديثة دفعه واحده بنبرة مخنوقه، صمت ليبتلع ماء حلقه ثم تسائل قائلا:
– هو انا ليه بيحصل معايا كده؟ اية اللي اجرمته عشان اتوجع مرتين من واحده اتوهمت اني حبتها؟ والتانية لما اتأكدت اني بموت فيها وجعتني، في اية غلط عشان يحصل معايا كده ؟!
تحدث معه بهدوء شديد، محاولا اخفاء ما بداخله من غضب، فليس وقته العتاب او اللوم، لكن عليه أن يفيقه من بئر أوجاعه:

 

– بلاش يا فؤاد تعيش دور المظلوم، واجهه نفسگ بكل شجاعة، انت في المرتين مأحسنتش الاختيار؟
عبس وجهه وضيق ببن حاجبه وتعجب، فـ اومأ له براسه مأكدا مما قال، واكمل مستطردا:
– ايوة ماتستغربش اوي كده، اه في فرق بين غزال والبنت التانية لكن اللي اقصده، انگ مع غزال محبتهاش يابني، وقولتلگ كلامي ده قبل كده، انت بس حبيت تاخدها تحدي مع نفسگ ازاي بنت ترفضگ، فقولت ابدا هخدها واتجوزها مهما كلفني من محاولات، صح ولا انا غلطان؟
طأطأ رأسه لأسفل بدون رد، وكانت هذه عادته حين يتأكد من خطأه منذ صغره يخفض رأسه في خجل، ثم قال له:
– بس في المره التانية حبيتها بجد يا بابا.

 

– ما هي المره التانية دي بقى مكنش حب ولا حاجة، دي كانت نزوه وهتعدي، انت بس عشت يا بني الإحساس اللي كنت محروم منه، وهي عرفت نقطة ضعفگ وعرفت تدخل منها بكل مهاره، اوهمتگ الحب وهي بعيده كل البعد عنه، هو بالعقل كده حب الفيس بوك ده حب برضو، انت كنت بالنسبة ليها صيدة سهله، زبون سقع واتحط في طريقها هتقول لأ ؟! مش ممكن طبعا لازم تستفيد، بس انت تحمد ربنا أنها ظهرت بدري على حقيقتها ومستمرتش في خداعگ أكتر من كده.
شوفت أنا كنت بقولگ حاول مع غزال وراضيها، بس دلوقتي أنا بقولگ لأ؛ لاني مش حاسس بحبگ وندمگ عليكها فـ اية الفايدة في محاولتگ معاها والنتيجة هتكون هي هي.
– ومين قالگ انها ممكن ترجعلي في يوم؟ غزال خلاص ضاعت مني، وبعد اللي حصل وقولته ليها عمرها ما هتغفره في يوم.. في حاجة جوانا انكسرت، وعمر

 

اللي انكسر ما هيتصلح ابدا.
للأسف انا خسرت نفسي قبل ما اخسرها، وخسرت ابني اللي طلعت بيه من الدنيا.
– طب والحل اية من وجهة نظرگ؟ ده انت حتى مش عايز تحاول، مجرد محاولة مش عايز تحاولها، مستسلم الوضع بشكل مخليني مستعجب منگ.
– لان زي ماقلتلگ مش هتقبل أي عذر.

 

 

– يا بني كفاية انگ تحسسها أنگ ندمان.
– وهيفيد بأية الندم، وانا عارف نهايتها.
أنا خلاص قررت اقبل العرض اللي الشركة عرضته عليا، وهقبل أني اسافر وابعد فترة يمكن النفوس تهدى، وأقدر اواجهها من جديد.
– هقولگ اية يافؤاد، غير أن ربنا ييسرلگ الحال، بس يصعب عليا انگ تسبني وانا بقيت في السن ده ومحتاجگ جنبي.
رد عليه بحزن شديد، ثم ضم كفه وقبلها وقال:
– سامحني يا بابا، غصب عني مش قدامي حل تاني والله، لازم أبعد عن الكل، يمكن اقدر ارجع شخص تاني غير فؤاد اللي قدامگ.
تساقطت دمعه وفرت من والده وقال في وجع:

 

– ونويت على أمتى ؟
– يومين ثلاثة بالكتير.
نهض وتركة ليدخل في غرفته ليعيد كل حساباته الماضية، ويضع النقط فوق الحروف، ويراجع تصرفاته مع الجميع، ويسأل روحه هل حقًا كان مخطأ مع زوجته ؟! ولم يحبها كما قال والده ؟!
واذا لم يكن حبًا، فماذا سيكون إذن ما شعر به تجاها؟

 

وهل الحب الحقيقي سيطرق باب جدران قلبه، ام سيبقى هكذا يبحث عن الحب دون أن يلقاه ؟!
ظل يسأل ويسأل دون أن يجد جواب، لكن الفكرة الوحيده التي سيطرت عليه، و زادت من تأنيب ضميره حين وجه قلبه اتهام، وعتاب ولوم أن زوجته احبته وفنت روحها لاسعاده، لكنه مع كل آسف لم يرى هذا العشق والحب، لم تجد منه إلا البغض والكلمات الجارحه التي كان يقذفها بها، ولم يراعي في يوم مدى تأثيرها عليها ماذا ستكون؟
فكم مرة تسبب في جرحها وبكاءها، ظل هكذا عقله وقلبه اعلنوا عليه الحرب وكان لا بد من القصاص للمظلوم، و جلد الظالم بكل قسوة.

 

 

استقرت والدة “غزال” واخاها في شقتها ومعهما زوجته واطفاله، فقد كانت تهتم بحفيدها ولا تتركة إلا عند النوم، كانت ترمقه طوال الوقت بنظرات عطف وشفقه على ما فيه من حرمانه لاباه وامه في آنًا واحد، قبلته بعطف امومي وضمته لحضنها حتى تعوضه بجزء بسيط من غياب والدته.

 

 

تركت الطبيبة “آلاء” الوقت الكافي حتى تخرج “غزال” ما في جوفها وتسرده، ذهبت إليها في وقت متأخر وجدتها مبحلقه إلى لا شيء، شارده كالغزاله التائهه عن قطيعها تركض بدون هدف، خائفه من شيء ما تجهله، لكنها لم تتوقف عن الجري، اقتربت منها وجلست بجانبها وامسكت الأوراق وبكل اهتمام قرأت ما سردته جوارحها من ألم ورحلة عذاب احيتها، طال الصمت، واحده شارده في احزانها، والاخرى تتساقط دموعها في صمت متأثرة بما كتبت، فهي ليس من عادتها البكاء والضعف أمام حاله تتابعها.
انهت قراءة وايقنت أن تلگ المريضة امامها عانت الكثير حتى وصلت لهذه المرحلة من الألم والوجع، جففت ادمعها بكف يداها، ثم اخذت زفيرًا عميقًا واخرجته بهدوء شديد، وقالت لها:
– غزال ياريت تبصيلي وتركزي معايا كويس، انتي كان ممكن تعالجي مشكلتگ دي بكل بساطه ومن زمان اوي، بس للأسف انتي كنتِ بتستسهلي وتعملي رجيم

 

وترجعي تاني زي الاول بمجرد ما تبطليه، انتِ محطتيش ايدگ على سبب المشكلة.
وهنا نطقت للمره الأولى معها وسألتها باهتمام:
– ازاي ؟!
تبسمت “آلاء” لنطقها وتجاوبها معها لذا قالت بحماس:
– انگ مروحتيش للدكتور المختص، اللي يعرف يعالج سبب زيادة الوزن، لو عالج السبب كنتِ ارتحتي وممرتيش بكل العذاب ده، وكمان لازم لازم تشوفي بكررها وهكررها طول الوقت؛ اياكِ تكتمي كل مشاعرگ جواكي تاني، اتكلمي… اشتكي… اصرخي حتى، بس اوعي تكرري نفس المشكلة وتحتفظي بأي وجع وتدفنيه جوه قلبگ، لو مش قادره تتكلمي مع حد؛ ابسط شيء واظبي عليه اكتبيه زي ما جربتي، ياترى شعورگ كان اية بعد ما خلصتي كتابه؟
تذكرت احساسها حين تركت القلم من بين اناملها وحررته، كان هو نفس الاحساس؛ شعرت بالتحرر من القيود التي كانت تكبدها وتسيطر عليها، وتخنقها وكانت

 

سبب دائم في ضيق صدرها، وصفت لها كل هذا الشعور، فطمئن قلب الطبيبة بأنها لن تعود للكتمان بعد الآن، واخذت عليها ميثاق وعهد ثم قالت لها:
– في دكتور تغذية اثق فيه بشدة، شاطر جدا، هو اخويا في الرضاعه هكلمه عنگ، وهرسل له حالتگ وكلامگ، عشان يكون على دراية كافية بحالتگ، ويعرف يساعدني في حل مشكلتگ، اتمنى انگ لما تخرجي من هنا تروحي له عيادته، وتبدأي معاه مرحلة جديدة من حياتگ، واهمها انگ تحبي غزال، حبيها بأي شكل ان كان، وهي نحيفه، او مليانه، بحزنها وفرحها، لازم تحبيها عشان هي تستاهل حبگ، انتي فهماني ياغزال؟
قالت بلجلجه وتلعثم:
– فهماكِ يادكتورة.
– ومش كده وبس ياغزال.
– في حاجة تانية؟

 

 

– طبعًا، شغلگ لازم ترجعي تاني لشغلگ، وتتفوقي فيه، انتي ذكرتي انگ كنتِ بتحبيه وشاطرة فيه، شغلگ هيرجع ثقتگ في نفسگ من تاني.
– صعب يا دكتورة ارجع؟
– لا مش صعب، بالارادة والتحدي، والعزيمة هترجعي.
– ممكن بس مش في الفترة دي، على الاقل لما الاقي غزال من تاني… لما ترجع ليا غزال اللي مفتقداها؛ وقتها ممكن اتصالح مع نفسي وارجع لشغلي وللدنيا كلها.
– متفقه معاكي، وده مش هيحصل لوحده، لا بد من عامل مساعد يساعدگ على تخطي الأزمة دي.
أنا هكتبلك على خروج قريب، وهنقعد مع بعض الفترة دي كتير سوا، عايزاكي متخبيش عليا أي حاجة وتصارحيني بكل حاجة جواكي، اتفقنا على غزال؟!

 

– أتفقنا يادكتورة.
ودعتها بحميميه، ثم تركتها وعلى وجهها اشراقة أمل جديد توسمت فيه خيرًا، وعندما خرجت هاتفت والدتها وانتظرت الرد، لحظات وردت بلهفه:
– خير يادكتور آلاء؟ بنتي ازيها؟
– خير يا حجه، انا بتصل عشان ابلغگ بتحسن رهيب في حالتها، اخيرا اتكلمت وعلى وشگ انها تتصالح مع نفسها.
تهلل وجهها والسعادة تتطاير من مقلتيها :
– بجد كلامگ ده يا دكتورة، يعني هقدر دلوقتي اروح واقعد معاها وتكلمني واكلمها؟

 

– ايوة هتيجي وهتجيبي معاكي كمان ابنها، ده هيحسن حالتها وهيخليها تخرج قريب.
– شكرا اوي يابنتي، ربنا يكرمگ يارب، والله ما عارفه هرد جميلگ ده ازاي.
– مفيش جميل ولا حاجة ده واجبي يا أمي، وربنا يطمنگ عليها.
أغلقت معها ونادت على ابنها بسعادة وقصت عليه ما قالته الطبيبة واوصت به، سعد اخاها وعزم على زيارتها في الصباح.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *

 

توجهت “آلاء” إلى منزلها، وطوال طريقها فكرها مشغول مع مريضتها “غزال” تفكر كيف تخرجها من هذه المحنه الصعبه؟ كيف تساعدها لتكون لها هي طوق النجاه؟
لم تسمع لرنين هاتفها؛ بسبب الضجيج الذي يعلو صداحه في رأسها، وصلت وصعدت لشقتها وحين ولجت للداخل وجدت والدها يقول لها:
– حمدلله على السلامه يا بنتي، مش بتردي ليه على تلفونگ؟
امسكت هاتفها ووجدت أن هناگ اكثر من اتصال منه، رفعت بصرها وقالت بأعتذار:
– معلش سامحني يا بابا، مسمعتش الفون خالص، كان في حاجة ضروري؟
– لا ابدا يا دكتورة، لاقيتگ بس اتأخرتي، كنت عايز اطمن عليكي.
مال شكلگ متغير ووشگ مخطوف ليه؟

 

– متشغلش بالگ، مشاكل الشغل مش بتخلص، استأذن حضرتك هدخل اغير هدومي، وعايزة اتصل بـ”أمان” ابن عمي.
– خير عايزاه ليه؟
– عندي حالة محتاجة مساعدته ضروري.
– ربنا يوفقگ يابنتي.
آمنت على دعاءه، ثم تركته وهاتفت “أمان” وانتظرت حتى اتاها فقالت:
– فينك كده يادكتره؟

 

 

– يابنتي الناس ترد تقول السلام عليكم، ازيگ يا بن عمي، مش فينگ يادكتره؟ تكنيش مراتي وانا مش عارف؟
– اخلص يا أمان، وقول فينگ، عايزاگ في حاجة مستعجله.
– لا شكل الموضوع مهم، انا كنت هعدي اخد فادي من عند ماما.

 

– تمام، حلو اوي، اطلع بقى عندنا الاول، اقولگ على الموضوع اللي عايزاگ فيه وبعدين انزل خد ابنگ واتكل على الله.
– الله على الفاظگ ومصطلحاتگ، ميدلش ابدا انگ دكتورة نفسية.
– شكرا شكرا يا أخويا، انت يعني غريب عن اختگ.
– لا إزاي ده انا حافظگ يا آلاء، مسافة الطريق وهكون عندگ سلام.
انهى حديثه معها وابتسم على ابنة عمه وأخته في الرضاعة، شرد بذاكرته على حالتها وسبب ورفضها الدائم للزواج، وحزن لعدم تخطيها مرحلة الحزن الساكن قلبها منذ وفاة زوجها في حادثة قبل اتمام عرسها عليه، ومنذ ذلگ اليوم وهي سجينة ذكرياتها وايامها معه، ورفضت كل من تودد لها، حتى تخطت سن الأربعين

 

وما زالت تعيش في ماضي لن يعود.
وصل امام شقة عمه وطرق الباب وعندما انفرج وجدها امامه ترمقه بنظرات يبدو عليها الحزن، فظن انها تذكرته، فتغيرت ملامحه وقالت له:
– ما تدخل يا اخي واقف ليه كده، هو انت غريب؟
جلس على اقرب مقعد وتنهد بحزن عليها ثم قال:
– واخرتها معاكي اية؟
– في اية؟
– الحزن اللي شايفه دايما في عيونگ يا آلاء، امتى هيجي اليوم اللي يتبدل فيه لفرح؟

 

شردت بعيدًا وهربت من ملاحقته، شرود طائر يهرب من قناصه، لكنها لم تفلح في الهروب من محاصرته، امسگ يداها واجلسها قائلا في حنو:
– انتي عندگ شگ اني بحبگ، واتمنالگ السعادة من كل قلبي؟
اشارت له بعيناها بتأكيد حديثه، فسترسل مكملا:
– ما دام متأكدة، ليه مش عايزة توافقي على صديقي رامي، كل فترة يعيد طلبه، وشاريكي يا آلاء لابعد درجة، وهقولگ تاني هو زاد اعجابه لاخلاصگ لزوجگ، بس محتاج فرصة تدهاله يمكن ياخد مساحة من قلبگ ويحصل نصيب؟
وعند هذه اللحظه لم تحتمل “آلاء” النار التي تشتعل بفؤادها أكثر من ذلگ، فصاحت بدون تفكير في غضب رادفة:
– كفاية يا أمان، انت عايز مني اية؟ سبوني في حالي انا راضية بنصيبي اللي اخدته من الدنيا، لية كل شوية بتجدد الوجع من تاني ليه؟ ارحمني يا أمان وسبني

 

في حالي ارجوگ؟ انت عمرگ ما هتحس بيا وبوجعي، عمرگ ما هتحس يعني اية فرحتگ انطفت وكنت خلاص على وشگ أن تعيش فيها، أنا فرحتي اتقتلت يوم ما حبيبي مات وسابني لوحدي اواجهه ظلم بعادة لاخر يوم في عمري… انا قلبي ملگ أحمد، وعمر حد ما هيمتلگ ولو جزء بسيط منه، لا رامي ولا غيره،
وقولتلگ مليون مره الكلام ده، انا راضية بعيشتي دي.
قالت كل حديثها بوجع احياه من جديد، وتلاطمت امواج احزانها وتجددت كأنه ما حدث تكرر الآن امام مقلتيها، ضعط على نزيفها بكل ما اوتي من قوة، فكان الانهيار من حظها ونصيبها، تألم بشدة انه تطرق لهذا الموضوع الذي يسبب وجعها، اقترب منها واحتضنها وقال بحزن:
– خلاص اهدي ياحبيبتي، انا آسف، والله آسف اني كلمتگ، حقگ عليا يا آلاء، بطلي عياط بقى، واوعدگ مش هجيب سيرته تاني.

 

 

خرجت من حضنه وابصرته بعتاب ولوم ثم قالت:
– promise Me.”توعدني”
– promise. “أوعدك”
ضحكان سويا ثم احب تغيير الموضوع وسألها:
– خير يا آلاء كنتِ عايزني في اية؟

 

اخذت زفيرًا ثم قالت وعيناها ترمق هذا الملف الموضوع بجانبها على المنضدة، مدت يدها والتقطته ثم وضعته أمامه، فتعجب ورفع حاجبه الأيسر وسألها بعيناه عنه فأجابت قائلة:
– ده ملف حالة عندي بعالجها، ومحتاجة مساعدتگ فيها.
وإلى هنا تنتهي احداثها عند هذا الحد لنتعرف سويًا مايدور خلف هذه الاحزان، وهل أمان سيكون طوق النجاه لغزال؟ وماذا سيحدث من أحداث مليئة بالاثارة والتشويق اتمنى أنها تنال اعجابكم في روايتي المتواضعة..

يتبع…

 

 

امسگ الملف وقام بفتحه بفضول شديد، وحين قرأ أول حروف سردت منه شعر أن مقلته اجبرته على الغوص والابحار داخل بحور من الأحزان، اخذته موجه تلو الاخرى، لم ينتبه لما تقوله وتقصه “آلاء” عنها، وعندما ايقنت أنه ليس مستمع لها، تركته وتوجهت للمطبخ تعد لهما قدحان من القهوة، ولاحظت اندماجة معها، ولمعة عيونه من التأثر.
وضعت القهوة أمامه، وقدمت فنجانه ليتناوله، ثم سألته في فضول:
– اخدگ للدرجة دي كلامها؟
رفع بصره وما زال في يده متشبث لما جاء صدفة إليه، ووقعت عيناه عليه وقال في استسلام:
– هو مأخدنيش وبس، تقدري تقولي أنه خطفني من أول نظرة؟
– للدرجة دي؟

 

– وأكتر من كده كمان !!
اية كمية الوجع اللي سردته ده، للدرجة دي في رجاله، لا سوري في اشباه رجال عايشة في وسطنا.
– مع كل آسف في كتير من عينة جوزها؟
– عندگ حق، بس هي مش حلوة عشان يشوفها بالبشاعه دي؟
ردت باندفاع شديد نافيه قوله:
– ابدا يا أمان !! روحها قبل شكلها غاية في الجمال، ورقتها واسلوبها راقي، وفوق كل ده موهوبه جدا في شغلها، لكن نصيبها وقعها مع شخص مش مناسب، وعشان كده حلها عندگ انت.

– ازاي؟
– هو اية اللي ازاي؟ انت مش دكتور تغذية ومشهور، وبيجيلگ ناس مشاهير تخس، والنتايج بتكون موفقه جدا، مستحيل غزال هتستعصي عليگ يادكتره.
كان يستمع لها ولا يعلم لماذا ازدادت نبضات قلبه حين سمع حروف اسمها الغير متداول كثيرًا، لكن اذناه احبت سماع حروفه، وهذا ما ازعجه وارهبه، أيعقل أن

 

من بعد هجرانه لكل شيء انثوي بعد وفاة زوجته، لماذا حدث غير ذلگ الآن، وقلبه خانه في خفقاته، وهو لا يعلم عنها أي شيء غير اوجاع واحزان..؟!
ظل صامت ولا يرد، ولم يجد ما يقوله غير أنه امسگ الملف وسار نحو الباب وفتحه تحت انظار “آلاء” المتعجبه، ونزل أسفل لشقة والدته التي فتحت الباب متعجبه من حالة شروده، سأل عن صغيره الذي جاء للتو عندما سمع صوته، واخذه وانصرف دون حديث، وتوجه لمنزله وحالته في غنى عن أي حديث، اطعم ابنه ثم تركه يلعب في غرفته بألعابه، ودخل إلى غرفته ليأخذ حمامًا ينعش جسده، وينسى أي احساس طرأ عليه للحظة، مر وقت طويل عليه وهو مغمض العينان، والمياة تتساقط عليه شعورٍ غريب اجتاح اوصاله وسيطر عليه، فهو ليس بمراهق لما يحسه، لكنه ربما اشفق على حالتها لا أكثر، نعم هو مشفق لمعاناتها، حين توصل لهذا الحل، انهى حمامه وارتدى ملابسه، وخرج ليستلقي على فراشه، ولمح هذا الملف موضوعًا جانبه، اخذه واضاء الاضاءة بجانبه، وأعاد قراءته مفصلا وبتركيز عالي، استفاق من حالة التيه التي اصابته على رنين هاتفه، وحين رد قالت “آلاء” متعجبه:
– مشيت ليه يا أمان من غير ما تقولي رأيگ اية في حالة غزال؟

 

– رأي من ناحية اية بس يا آلاء؟
– طبعا في قبول الحاله، امال هيكون في اية مثلا؟
– عشان اقبل غزال، لازم يكون عندها الدافع والارادة والتحدي لدخول مرحلة العلاج.
– هي عندها طبعا، لكن مهزوزه.
– يبقى دورگ معاها انگ تأهليها نفسيًا على التغيير، ولما تيجي هيكون ليا كلام تاني معاها.
– اشطااات اتفقنا يادكتره، شكرا جدا يا أحلى دكتور تغذية، واجمل اخ.
– كل ده عشان وافقت، ماشي يا لولو، أنا تحت امرگ ومقدرش ارفض طلب ليكي ابدا.
– عارفة يا أمان، وربنا ميحرمنيش من اخوتگ ابدا يارب، اسيبگ بقى عشان أنا ميتة من التعب ونفسي أنام.

 

اغلقت معه ثم غاصت في نوم تمنت أن يأتي فارسها ليخطفها في اعماقه؛ لكنه ابى أن يلبي نداءها، بل هاجمها بوابل من الذكريات التي جعلتها تغوص معه في عالم الخيال مع من أحبته وتمنت أن تكمل الباقي من حياتها بجواره، لكن القدر حكم عليهما بالفراق، انسالت ادمعها فوق اخاديها، فحفرت شق لتجري فيه بقوة حتى تسرب داخل كهف مظلم في ثنايا قلبها لترسى في النهاية داخل بئر عميق مليئ من الدموع الحارقة عندما تذكرت اخر لحظاتها معه، فقد كان يلوح لها بيده من اسفل شرفتها، مودعها في اخر وداع وهي بعيدة عنه، كانت ساعات قليلة ويجتمعان تحت سقف منزل واحد، وبمجرد أن اولاها ظهره وسار ليعبر طريقة، حدث ما شقلب حياتها وجعلها تكاد ان تقفز من الشرفة بمجرد أن جاءت سيارة مسرعة وأودت بحياته في الحال، فـ صوت نواحها عليه يصل لعنان السماء، هرولت نحوه تطاير سرعة الرياح احضنته وصوتها منبحوح باسمه تترجاه بالا يتركها، بينما هو أخر كلماته لها كانت توصيته لها بأنها لا تنساه مهما مر عليها الزمان.

 

 

استفاقت من ذكراها على صوت شهقاتها وبكاءها احتضنت صورته وقالت:
– عمري ما هقدر انساگ يا أحمد، مهما يحاولوا يطفوا نور حبي ليگ، عمري ما هسمح هقيد الف شمعه وشمعه عشان تفضل منوره ومتوهجه جوة قلبي، انا قفلت قلبي وروحي عليگ، انا على عهدي معاگ.. استناني يا حبيب العمر مهما اتاخرت عنگ، هيجي يوم والقاگ.
استمرت في البكاء لوقت لا تعلم مداه، وغفت من كثرته. ونامت في رحلة جديدة في الهروب من واقع مرير.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *

 

انتظرت والدة غزال شروق الشمس بفارغ الصبر، عيونها لم تذق طعم النوم، متشوفة بلهفه أن تراها وتطمئن على حالتها، الساعات تمر ببطئ شديد، وها هو جاء موعد الزيارة، حملت حفيدها، وتوجهت برفقة ابنها إليها، وصلت إلى المشفى وركضت نحوها تضمها بحنين، لاحظ تغيرها الجزري، عادت لها ابتسامتها بعد طول هجران، اخيرًا تفتحت ورودها وهل الربيع إلى وجنتيها وتوردت من جديد، تناولت ابنها “شادي” من اخاها فكم اشتاقت لضمة صغيرها الوحيد، اغمضت مقلتيها واخذت زفيرًا عميقًا اشتمت رائحته، وغمرته بوابل من القُبل في كل أنش وَفي وجهه، ودموعها تتساقط بغزارة على ماصلوا إليه من فراق لأيام، ظلت تبكي وتتأسف له وتعتذر بأنها لم تجيد له اختيار الأب المناسب له، رق قلب “سند” وربت على كتفها ثم ضمهما تحت جناحة رادفًا:

 

– وانا روحت فين يا غزال، ابنگ في مقام ابني ويارب يقدرني ومحسيهوش ابدا انه محروم من حنان ابوه، هما مش بيقولوا الخال والد برضو؟
– امال يابني ربنا يخليگ لينا وميحرمناش من عطفگ يا سند يا ابن بطني ابدا.
ابتسمت” غزال” وقالت وهي تشتد على يده مأكده:
– ربنا ميحرمنيش منگ يا سند، انت مش اخويا وبس؛ انت اخويا وابويا وصديقي وكل حاجة ليا، كنت ابويا اللي بيغمرني بعطفه بعد بابا ما مات، عمري ما حسيت انه توفى، ووقت النصيحة بتكون اخ يشد ظهري ويسندني، ودلوقتي ابني هيتربى في حضنگ، هحتاج اية تاني، الحمدلله على كل حال ونصيبي انا رضيت بيه.

 

– وانا ربنا يقدرني واسعدكم ومخلكمش محتاجين لأي حاجة يارب.
آمنت كلا من الأم وابنتها على قوله، ثم جلسوا يتسامرون مع بعض، وتسائلت “غزال” عن ابنها الذي طمنها اخاها بأن زوجته ترعاه مثل ابنها، شكرته ودعت لها.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
و جاء موعد رحيل “فؤاد” وسفره بعيدًا عن كل العيون التي تلاحقه وتتهمه بأنه من تسبب في هدم منزله، ودع والده والحزن يعتليه كل منهما، فقال له والدموع متعلقه على طرف اهدابه مهدده بالسقوط:
خلاص هتسبني وتسافر يا فؤاد؟ ده العمر مش باقي فيه الكتير يا بني؟
– ربنا يديگ طولة العمر يا حج، ليه بتقول كده بس؟ هي سنة ولا سنتين واجيلگ، ولو عجبني الحال هناگ هاخدگ معايا.
– اللقا نصيب يابني، وانا حاسس أن دي هتكون اخر مره تشوفگ عيني فيها وايدي تحضن ايديگ.

 

 

لم يتحمل سماع حديثه، وارتمى داخل احضانه يبكي مثل الطفل الصغير الذي يودع أباه في اول يوم دراسي له، لكنه في هذه المره لا يعلم حقًا متى العوده، واللقاء متى سيكون؟
ربت “محمود” على كقته ودعا له أن يوفقه فيما اختار، فكم مره نصحه بأن الهروب ليس هو الحل لمشاكلة، وانه لا بد من مواجهتها، لكنه كما اعتاد منذ صغره مبدأ الهروب هو الحل الأمثل بالنسبه له.
سافر لبلاد بعيده دون أن يفكر مجرد تفكير في رؤية صغيرة وتوديعه في اخر لحظة، لم يفكر في شيء إلا البعد لعله يهدأ ويعود في يوم أفضل مما هو عليه،

 

ويستطيع مواجهتها والنظر في عيناها مره ثانية.
ولكن بقى السؤال متاح امام ناظره؛ هل سيعود من جديد؟ وكيف سيواجهها بعد ما فعل بها؟
سافر بفؤاد خالي وبتأنيب ضمير يعذبه، ولا يجد طريقة لوأد هذا الضجيج وصمته ليخرس دون رجوع.
ولا يعلم كيف سيكون مصيره في بلاد غريبه، جاهلا بكل عاداتها وتقاليدها، لكنه هو من اختار، وعزم على تنفيذ اختياره دون أي اجبار من احد، فعليه الصمود مهما عانى من غربه وجفا بعيدًا عن أحبابه؛فـ احيانًا يكون الهروب أفضل الطرق من وجة نظره.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *

 

ومرت الأيام تلو أسابيع و حالة “غزال” النفسية تحسنت بشكل ملحوظ للجميع، ويرجع ذلگ في فضل وجود احبابها بجانبها، وايضًا جلسات العلاج النفسي مع الدكتورة “آلاء” و تعودها للحديث وعدم كتمان أي شيء بداخلها، وجاء اليوم الذي ستخرج منه بعد أن اطمئنت عليها بأنها أصبحت “غزال” غير التي دخلت من قبل، عانقتها بحب واخذت منها عنوان وارقام الدكتور “أمان” وقررت أن تذهب إليه في أقرب وقت.
وعندما دلفت بقدمها داخل شقتها، شعرت بنقباضة ووخزه بفؤادها، كل ركن من أركانها يذكرها بكل حرف نهرها فيه، حاولت أن تجد ذكرى واحده تمسح كل الذكريات السيئة، فـ لم تجد إلا المرار، جذبتها والدتها لتجلس وتستريح، استقبلتها زوجة اخيها بالترحاب الشديد والقبلات الحاره، ثم قالت في خجل:
– آسفه يا غزال اني مروحتش ولا مره المستشفى اشوفگ، بس معرفتش اسيب الولاد فين.

 

– انا اللي آسفه يا سمية اني تقلت عليكي الفتره اللي فاتت وتحملتي فيها شادي.
– ازاي تقولي كده؟ احنا اخوات وعشرة وابنگ زيه زي ولادي، و ماما ربنا يديها الصحه وسند كانوا معايا، كلنا لازم نكون سند لبعض ومفيش شكر بين الحبايب.
ابتسمت لها “غزال” بحب، وردت والدتها في فخر وتقدير:
– طول عمرگ بنت اصول وبتعرفي في الواجب يا سمية، والله زين ما اختار سند ابني، عرف ينقي شريكة حياته بصحيح، ونعم التربية.
اقتربت منها “سمية” وقبلتها بحب وقالت:

 

– ربنا ميحرمنيش من رضاكي عليا يا ماما، هدخل اغرف الأكل على طول زمانكوا واقعين من الجوع.
– اه وحياتگ ياحببتي، انا حرفيًا واقع من الدور العاشر.
– هوا يا روحي.
– مش عايزة طيب مساعدة؟

 

 

– لو الحماس قاتلگ اوي، تعالى اعمل السلطة.
– عيوني يا قمر، هغير هدومي وهاجي فريره.
دخل ليبدل ملابسه بثياب مريح، ثم توجه إليها لينفذ ما طلبته، وعيون “غزال” تلاحقه وأذناها تستمع لعذب حديثة، وتتذكر كم من المرات كانت تطالبه بمشاركتها في عمل أي شيء، لكنها كانت دائما تستمع نفس الرد المتكرر؛ انه ليس من تخصصه فعل اي شيء داخل المنزل، وهذا من عملها، يكفي عليه تعبه وإرهاقه في العمل، اغمضت مقلتيها بوجع، ثم نهضت داخل غرفتها، وحينما دخلت وجدت كل شيء في مكانه وكأن شيء لم يكن، فـ “سند” قام بتغيير المرآه المكسوره بأخرى، ويا ليته يستطيع اصلاح ما كسر بداخلها مثلما فعل بمرآتها ؟!
اما زوجته رتبتها كما كانت، و وضعت كل شيء في مكانه، تبسمت على حنيه وعطف اخاها، وضعت صغيرها النائم في مهده، ثم بدلت ملابسها وتوجهت نحو

 

المطبخ وقالت له:
– شكرًا على كل حاجة عملتها ولسه هتعملها عشاني، شكرًا على وقفتكوا جنبي، اللي خلتني اقدر اقف من تاني.
ترگ تقطيع الطماطم، وامسح يده في منديله، وضمها بحب وقال :
– مفيش بين الأخوات شكر، انتي بنتي يا غزال من قبل ما تكوني اختي، وقولتلگ مليون مره قبل كده، انا سندگ وظهرگ، وطول ما انا عايش متشليش هم لحاجة ابدا.
قبلها من جبهتها، ثم اخرجها لترتاح ورفض بشده مساعدته، ابصر زوجته فوجدها عيناها تلمع بسعادة، فسألها:

 

– مالگ ياحبيبتي بتبصيلي بعيون بتلمع ليه كده؟
تقدمت نحوه وهمست بحب وعيناها تحتضنه بشوق رادفة:
– عيني بتلمع من الحب والفخر انگ جوزي وحبيبي وابو عيالي.
انت مفيش ست في الدنيا متتمناش واحد زيگ، في حنيتگ عليها وعلى اختگ و والدتگ، انت جايب كل الحنان ده منين؟
– من عند ربنا، زرعة في قلبي عشان اغرق بيه كل اللي بحبهم، بس خلي بالگ لتغرقي.
– هو أنا لسه هغرق فيه؛ أنا غرقت من زمان، ونفسي مطلعش من بحر حنانگ ابدا.
– أنا بقول نلم نفسنا عشان احنا مش في بيتنا يا بنت الناس، ولو حد لمحنا شكلنا هيبقى مش حلو، نخلص غدا ونشوف موضوع الحنان ده بعدين.
– اوگ يا سندي، زي ما تحب ياروحي، انا من ايدگ دي، لايدگ دي.

 

– سمية اعملي معروف مش وقت دلع، انا جعان، وانتي عارفه لما بجوع مش بعرف اشوف قدامي، اغرفي الأكل الله يرضى عليكي.
ضحكت عليه و غرفت الطعام، ونادت على “غزال” لتناوله اياه وتضعه على المائدة، وتجمعت الأسره كلها وتناولوا الطعام في راحة بال كانت غائبة عنها والآن فقد عادت من جديد، احساس الغربه مميت كانت تشعر أنها مثل الطائر المهاجر الذي ترگ عشه دون ارادته بفعل الاعاصير، واجبرته على الرحيل، والآن عاد لنفس المكان وبنى عشه واكمله، و اكتملت فرحته من جديد.
لم تتناول الكثير برغم تعدد اصناف الطعام ومذاقها الجيد، سعادتها جعلت معدتها تمتلئ، ونهضت لترتاح في غرفتها، فسألها “سند” :
– قومتي ليه ياغزال، الأكل معجبكيش، تحبي اطلبگ البيتزا اللي بتحبيها؟

 

 

– لا والله الأكل جميل جدا، لكن أنا الحمدلله شبعت، تسلم ايديگ يا سمية، فرحتي بلمتنا شبعتني، ربنا ميحرمنيش من لمتكوا حواليا يارب.
– بالف هنا وشفا عليكِ، انا بقول على بليل كده اخد العيال واروح شقتي.
– ليه يا سند، ارجوگ خليگ معايا، أنا بطمن لما تكونوا جنبي، بلاش تسبني الفترة دي، الشقة كبيرة، ماما هتنام معايا، وانت وسمية في اوضة الأطفال، والأولاد في اوضة المعيشة، نفرد الكنبه هتبقى سرير، عشان خاطري خليكوا معايا، ولا انتي مش عايزة تقعدي معايا يا سمية؟
– لا والله ما اتكلمت يا غزال، انتِ عارفة انا بحبگ اد اية، ومعنديش مانع خالص، واللي يقول عليه سند انا موافقه عليه من غير كلام.
– خلاص يا سند مراتگ موافقه، ملكش حجة.

 

– حاضر يا غزال هفضل معاكي الفترة دي، بس لما احس انگ مش محتجاني هرجع شقتي فورا.
ضحكت واشرق وجهها بابتسامه عريضة وقالت بمزاح:
– يبقى مش هتروح ابدا شقتگ، لاني عمري ما هقدر استغنى عنگ يا سند.
قالت كلامها وذهبت لابنها واستلقت على فراشها تحاول أن تغفى قليلا لتصمت تلگ الذكريات التي تجمعت داخل عقلها وتطاردها بكل وحشية لتنال وتثأر منها على ظلمها لروحها وتحملها مالا يتحمله بشر، وقفت فجأة، وخرجت لتجلس معهما، تهرب مما يثيره عقلها عليها ويذكرها بما لا تريد ذكراه، كانت جالسه تشاهد معهم التلفاز، وذهنها في مكان آخر، كلما وقعت عيناها على ركن ترى موقف مؤلم عاشته من قبل، تهرب لركن اخر ترى اشد منه قسوة، تنهدت بحرقة و تمنت ان تمحو كل ما يذكرها بماضي اسود، تحاول استبداله بمستقبل مشرق وبذكريات أجمل، استفاقت على سؤال اخاها مردد:
– ياترى نويتي تروحي لدكتور التغذية امتى يا غزال؟

 

– بكرة أن شاء الله هروح، بس هكلم دكتورة آلاء وابلغها تحجزلي عنده.
– ليه تشغليها، اديني عنوانه وانا اروح احجزلگ.
– مش عايزة اتعبگ، هي بس أول مره طلبت مني ابلغها، وبعدين هو انت هتيجي معايا؟
– طبعا هروح معاكي، آمال اسيبگ تروحي لوحدگ، مش لازم اطمن عليكي.
– يا سند متقلقش عليا، أنا لازم أتعلم اواجهه الدنيا لوحدي، وكمان أنا مش صغيرة على فكره، اطمن يا سند؛ أنا مش غزال اللي تعرفها، التجربة اللي مريت بيها كانت صعبه عليا، واتعلمت منها حاجات كتير اوي، ومش هسمح لأي حاجة في يوم تكسرني تاني، و لا هسمح لأي مخلوق يوجعني مرة ثانية.

 

– ايوة كده، هي دي اختي القوية اللي عايز اشوفها دايما قصادي، وانا هروح بس معاكي أول مره وبعدين روحي انتي لوحدگ، ولو عايزة تاخدي سمية معاكي تونسگ براحتگ.
– اتفقنا على خير ان شاء الله.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
هاتفت “غزال” الطبيبة “آلاء” لتبلغها بزيارتها لدكتور التغذية، وطلبت منها ان تحجز لها وتبلغه بحضورها، اعجبت من نبرة حماسها الذي تسمعه، طال الحديث معها، ثم انهت المكالمه وهاتفت “أمان” الذي حين انتبه لحروف اسمها رد :
– لولو ازيگ، اخبارك ايه؟
– سيبگ من الأخبار والجمهورية، بكره غزال هتجيلگ، مش عايزة اوصيگ اهتم بيها اوي، علاج غزال متوقف على نتيجة نقصانها لوزنها، لو نجحت ثقتها لنفسها هترجع من تاني، وهتبقى واحده تانيه خالص.

 

 

لا يعلم لماذا تراقصت نبضاته للمره الثانيه حين سمع اسمها، أغمض عيونه وحُلم بلحظة اللقاء، تشوق لرؤية الغزال الباكي كما قالت في دفترها، هل حقًا مازالت باكية، ام جفت الدموع داخل محرابها؟!
متى ستمر تلگ الساعات البطيئه ويلتقي بمن شغلت فكره دون أن يحادثها.
وإلى هنا يتنهي لقاءنا عند هذا الحد لنتعرف غدا ماذا سيحدث مع الغزال مع امان؟
وهل شعور امان شفقه، ام انه سيتحول مع الوقت؟
وهل ستصمد غزال في هذا التحدي؟

يتبع…

 

 

التقينا وجمعتنا اقدارنا بدون موعد.. فكان لقاءنا أجمل صدفة غيرت مسيرة حياتي..
* * * * * *
حين طال صمته ظنت “آلاء” بأن شبكة الاتصال ضعيفة؛ فنظرت لشاشة هاتفها وجدته مازال على الخط، فقالت متسائلة:
– أمان أنت لسه معايا، ولا مش سامعني ؟
– معاكي يا لولو، ومتقلقيش ابدا هعمل كل اللي في وسعي اطمني، هبلغهم اول ما توصل تدخل فورًا.
– كلي ثقه في مهارتگ وقدراتگ يادكتره.

 

انهى حديثة وظل متعجبًا لروحه التي ترفرف عندما يستمع لشيء يخصها، امسگ ملفها واعاد قراءته للمره التي لا يعلم كم عددها وأعلن حالة الترقب لرؤيتها، ونسج في خياله الكثير من وصف ملامحها، وللعجب كان خياله دائمًا يصورها له بأنها حورية من حوريات الجنة، انتعش قلبه بفرحه، واغمض مقلتيه لما وصل له من وصف، استفاق على لمسه أبنه “فادي” قائلا له بعتاب:
– بابي من ساعة ما جينا هنا، وانا بلعب لوحدي طول الوقت، هو ليه معنديش اخ او اخت العب معاهم زي باقي اصحابي؟
حدقه في اندهاش وتعجب لما قاله، ظل صامت لحظات وتخيل لو ان الله يرزقه بطفل اخر وتستقر حياته، تبتسم لمجرد الفكره التي جاءت في ذهنه، قطع هذا

 

الصمت ابنه هاتفًا:
– طب انا عايز اقعد مع ناناه ولولو.
– عايز تقعد مع ناناه ولولو وتسيب بابي يقعد لوحده؟
– ما هو بابي سايبني لوحدي وبيشتغل على طول.
قال كلامه وعلامه العبوس مرسومه على صفحه وجهه، احتضنه بحنان رادفًا:
– خلاص بلاش تتقمص كده، بكره هوديگ عند لولو وانا رايح الشغل، تعالى نحضر سوا شنطة هدومگ.

 

تهلل اسارير وجهه ونهض معه بسعادة، بينما حزن “أمان” على حالة ولده وفقدانه لحنان الأم من وفاتها، وهو يعيش معه ومع والدته، كم تمنى ان تستقر حياته ويحيا مع زوجه واولاد، لكنه حتى الآن لم يجد من تخطفه منذ الوهله الأولى..
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
تعد “غزال” وجبه لاطعام صغيرها، وبجانبها زوجة أخيها تغسل الأواني والحديث بينهما لا ينقطع، وإذا يسمعان صوت “سند” موجهًا حديثة لزوجته قائلا في حنو:
– يا سمية، ممكن يا روحي بعد اذنگ لو ايديگ فاضيه تكوي ليا البنطلون الأسود، لو سمحت.
غسلت يداها وردت بحب:

 

– حاضر يا حبيبي عيوني، ثواني جاية، افرد انت بس ترايزة المكوى.
اقتربت منها “غزال” وقالت لها بهدوء:
– سيبي المواعين أنا هكملها حبيبتي، وخدي اكل شادي معاكي اديه لماما تأكله عقبال ما اخلصهم.
– مش عايزة اتعبگ.
– متقوليش كده، كتر خيرگ يا سمية على كل اللي بتعمليه، مفيش تعب ولا حاجة.
اخذت الطعام منها، وتوجهت لتنفذ ما طلبه زوجها، وفي اثناء ذلگ، كانت واقفه تنظف الأطباق، شردت غصب عنها في موقف مماثل لما حدث منذ قليل، لكن

 

الفرق بينهما شاسع، حينما كانت نائمه بعد ولادتها بأسبوع، لم تغفى عيناها إلا لدقائق وإذا بها تستيقظ على صياح زوجها “فؤاد” يصرخ في وجهها ويقذفها بعدة اتهامات، ولوم عليها لاهمالها قائلا:
– قومي يا هانم، فين البنطلون الجينز بتاعي، بدور عليه مش لاقيه؟
فتحت مقلتيها بصعوبه شديده، نظرا لثقلهما من قلة النوم والراحه، فركتهما وقالت بترجي:
– لو سمحت وطي صوتگ، انا ما صدقت شادي نام وعيني غفلت شوية.
اقترب منها والشرر يتطاير من مقلتيه قائلا بغضب:

 

– مش هتعلميني اتكلم ازاي في بيتي؟
أنا حر اتكلم زي ما انا عايز، ما هو انتي لو ست منظمه كنت لاقيت هدومي في مكانها مكوية.
قالت بصوت هامس يكاد يصل له، خوفًا من انزعاج طفلها:
– انت هتعمل مشكلة على الصبح يا فؤاد، البس بنطلون غيره، لانه في الغسالة، لسه متغسلش.
هاج وثار في غضب هاتفا:
– والهانم مغسلتهوش ليه؟ وراكي اية غير البيت وابنگ وانا؟ طبعا انتي مش فايقه غير انگ تنامي وتاكلي، نامي ما هو ده اللي انتي فالحه فيه.
همس بصوت منخفض لكنه وصل لها :

 

-اللهي تكون اخر نومه يابعيده.
رمقته بدموع باكيه، كانت تريد أن تصرخ في وجهه، تطلب منه الرحمه، بأن يرحمها من اسلوبه وطريقته الحاده الفظه في التعامل، تحدثه أن عيناها لم تزق النوم منذ ولادة ابنهما، الفرصة الوحيدة التي تقتنصها هي عندما يغطس في النوم تنهض لتنظيف وترتب منزلها، وتعد الطعام، وحين تسقط من التعب تغفى القليل من النوم، ولكنه يأتي ويحرمها منه، اي عدل يراه، ظلت تقول الكثير بداخلها ولسانها تلجم ولم تنطق حرف مما قالته؛ خوفًا منه بأن يكبر النقاش، وبقت مطأطأة الرأس لا تتحدث، وكل الذي فعلته انها توجهت نحو الخزانه واخرجت منه بنطال اخر يرتديه، ابصرها بغضب واخذه منها بعنف ثم اولاها ظهره وتركها دون أن يجبر بخاطرها.
استفاقت من شرودها على صوت والدتها وهي تربت على كتفها وتجفف ادمعها المنسابه على وجهها تتدفق بشده وبسرعة أكثر من مياة الصنبور المتدفقه امامها قائلة:
– انسي الماضي بكل الآمه يا بنتي، عشان تقدري تعيشي المستقبل بكل افراحه.

 

اغلقت الصنبور، التفتت لها ونظرت داخل عيناها بحزن قائلة:
– صعب انسى وكل حاجة حواليا، وكل موقف بيفكرني بيه، وبكل حاجة عملها معايا، أنا حاسه أن مفيش حاضر ولا مستقبل هعيشه تاني.
– ازاي تقولي كده بس؟!
يا حبيبتي لو كل واحد مر بتجربه صعبه في حياته وعاش جواها، عمره ما هيعرف باقي النعم اللي ربنا رزقه بيها، وساعات كتير الخير بيكمن في الشر، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرًا لكم، فؤاد كان شر، والحمد لله انگ خلصتي منه، وانا واثقة ان ربنا عوضه قريب، بس انتي ارضي واصبري.
– الحمدلله، والله أنا راضية بأي حاجة يا ماما، وكفاية عليا النظرة في عيون شادي بالدنيا كلها.
– يبقي مش عايزة اشوف دموعگ دي تاني مفهوم.
– حاضر، بس هو صحيح سند خلصني منه ولا لسه؟

 

– يااه انتي لسه فاكره، من وقت ما طلبتي وهو اتعارگ معاگ جامد، وصمم أنه يطلقگ في وقتها.
لم تحدد احساسها للتو، اهو حزن ام فرحه؟! تجزم أن للحظة وقفت فيها عقارب الساعة، ورمقتها بجمود متسائلة:
– وهو طلق بسهوله كده؟
– سهوله اية، ده اخوكي شلفط وشه وضربه، ومسبهوش غير عند المأذون، ياحبيبتي الحمدلله أننا خلصنا منه، ربنا يسهله حاله.
تبسمت بصعوبه ثم تركتها ودلفت داخل غرفتها مغلقه بابها عليها كما تعودت دائمًا حين تحزن، لكن في هذه المره الحزن ليس عليه؛ إنما على نفسها وما وصلت معه في حياتها، كانت ليس بحياة سعيدة، بل كان الحزن مسيطر على طيات اصفحها وعنوانها مليئ بالدموع الحارقة، جلست على تختها ونظرت له بحسرة، فكم من المرات استلقت عليه باكية بمفردها تحتضن وسادتها تستمد منها القوة على التحمل، ربما تجد في ضمتها الدفئ الذي طالما حرمت من حضنه طوال أيام حياتها معه نظرًا لهجرانه لغرفتها، وتوجهه لغرفة الأطفال بحجة صوت صراخ وبكاء صغيرهما.

 

امسكت بتلگ اليدان نفس الوسادة، واغمرتها بشلالات من الدموع المتدفقه في صمت، عازله روحها عن العالم الخارجي، ولا تعلم ماذا يحدث بخارجه.
لاحظ “سند” قبل انصرافه تغيير ملامح وجه والدته، فقترب منها وسألها وعلم منها ما دار بينها وبين اخته، فعاتبها لاخبارها بموضوع طلاقها منه في هذا التوقيت، فحالتها النفسيه ما زالت متوتره، نهض ليتوجه إليها، لكن يد والدته منعته، فـ طلبت منه أن يتركها تفرغ ما في جوفها وحين يعود يتحدث معها، وافق على مضض.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *

 

جففت عبراتها المنسابه على وجنتيها تحرقها بشدة من حرارتها، تذكرت حديث الدكتورة “آلاء” وضرورة إخراج ما يحزنها بإستمرار ولا تخبأه بداخلها، بحثت بعينان حمراء على دفترها والقلم، حين وجدته امسكته وسردت كاتبه…
اعاتب من؟ والقي عليه اللوم والعتاب؟
على من أنفذ فيه حكم الإعدام، قلبي الذي احبگ؟ ام ضعفي الذي استسلم لگ ولم يثأر على اهانته المستمره منگ؟
يا ليتني لم اذق العشق واحيا في وهم كبير وهو محبتگ؛ فأنت لم تحبني في يوم، أجل لو كنت حبيبتگ فلما جرحتني، وكسرتني؛ وبدلا من تطيب خاطري ..!!
لماذا بعت ما بيننا في لحظة غرور؟
قلبي ينزف من غدرگ، واشفق عليه من كثر دماءه السائلة، لكني حتمًا سـ أنهض في يوم واتحول لأمراه جديدة تستطيع تخطي كل ما فعلته بها.. امرأه واثقة مما

 

اعطاها الله لها من نعم… امرأة تقدر نفسها وتحبها من جديد.
خرجت يا فؤادي من وتيني بدون رجعه، وستعرف قيمتي في يومًا؛ وعندما يحدث ذلگ، فلا تلوم إلا نفسگ.
انسدلت ستائر النسيان على قصتها معه، واغلقت دفترها و وقفت في كبرياء وتحدي، قاذفة كل الآلام داخل بئر عميق بداخلها وردمته دون ان تسمح له بانفراجه مره ثانية.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وجاء الموعد الذي طالما انتظره “أمان” ابلغ مساعدته بضرورة دلوفها عندما تأتي، وذكر اسمها، حاول تضيع الوقت بالعمل المستمر، والكشف على كل الحالات، بينما كان الدقائق تعانده ولا تمر بسرعة، تعجب نفسه ولم يجد إجابه لما كل هذا التوتر والاهتمام بها وبحالتها، فهي مجرد حالة من الاف الحالات التي يقوم بعالجها؛ فلماذا هي من تأثر قلبه لحالتها؟

 

طرق الباب عدة طرقات، اعتدل هيئته ولبس منظاره الطبي وأمر المستأذن بالدخول، فـ أنفرج الباب وكانت مساعدته تبلغه بأن المريضة القادمه هي من ابلغ عنها، تنحنح ولمعت عيناه وقال:
– خليها تدخل بسرعة، واطلبي ليا لو سمحت قهوة.
– حاضر يادكتور.
ثواني مرت وحين هَل عليه الغزال برفقة اخاها، ابصرها بعيناه، وجدها كـ الورده التي ذبلت عندما جفاها الساقي، وطالتها يد الإهمال؛ فلا هي اشتكت من كثرة جفافها وظمأنها، ولا هو رق قلبه عليها !!
خانه قلبه وقسم قسمًا بأنه سيكون هو الساقي ليجعلها تحيا وتعود لها الحياة من جديد، تبسم لهما ببشاشة، وشاور بيده بالجلوس وبدأ حديثه موجهًا عيناه لها قائلا بنبرة بها تفاءل وطاقة ايجابية سألها:
– ممكن اعرف انتى جاية هنا ليه؟!

 

لازم يكون عندك هدف تخسي عشانه
وانا مش هسيبگ غير لما توصلي ليه،
خلينا متفقين على اول مبدأ؛ أن حتى لو مش خسينا ميزان يبقى خسينا مقاسات وده طبعًا افضل بكثير.
لو عكيتي في يوم؛ يبقى نقطة ومن أول السطر، اصل مش طبق سلطة في يوم هيخسس، ولا قطعة باتيه ومحشي هتخن من يوم، خلينا متفقين أن الدايت نظام حياة مش اول ما نوصل للوزن اللي بنحلم بيه نقول خلاص؛ لأن طبيعي هنرجع
انتى هنا عشان تغيري عادات صحية طول العمر، وصدقيني مع الوقت انتى اللي هتقولي لكل حاجة أن هيلسي لا
بس ميضرش زي ما اتفقنا ناكلها مره كل اسبوعين، ما احنا لازم نلبي نداء الطبيعة.
كانت تبصره بعينان ثاقبة، اذناها تستمع لكل حرف بأهتمام ووجدان يرتاح لما يقول، فصوته رنته مطربه للاذن، من يسمعها يشعر بالارتياح، لا تخفي أنه يتمتع

 

بطريقة جذب يجذب بها الجالس امامه، يبث الثقة ويعطيها له بصدر رحب، كل الذي تفعله انها تهز رأسها متفهمه لما يقول، استرسل حديثة مكملا وهو يخط بقلمه يكتب:
– اهم حاجة تعملي شوية تحاليل مهمه، زي تحليل الغده، عشان نعرف حرقگ معدله كويس ولا في مشكلة، وكمان تحليل مقاومة انسولين، لانه بيعمل حاجتين يا بيخليكي دايما تاكلي سكريات يا معجنات، وفيه ناس بتميل للاتنين، علاجها بسيط جدا وعلاجها نفسه بيخسس.
بسط يده ليناولها الورقة، كادت أن تلتقطها، لكن يد أخاها سبقتها واخذها منه، تنحنح “أمان” وعدل منظاره الطبي في حركة لا ايرادية يتبعها حين يتعرض للحرج، ثم قال:
– انتى هنا عشان تتعلمي نظام غذائي صح هعلمك كل حاجة لدرجة انتى اللي هتتكلمي مع معدتك، انتى اكلتي كذا وكذا يبقى بكره هنشيل كذا
ومش بعيد تفتحي عيادة وتنفسيني،

 

اضحكى وبلاش توتر؛ لأن برضو التوتر والقلق هيخلوكي مش تخسي
اوعي تاكلي أقل من اللي كتبته ليكى لان برضو جسمك هيحتفظ بالدهون وهيخاف يفقدها عشان مافيش بديل داخله
اتعملي مع جسمك زي الموظف؛ كل ما تدي حافز هيشتغل، معدتك كل ماتديها اكل هتحرق.
عندما شاهد ابتسامتها التي نتج عنه انفراج ابتسامه ظهرت من خلالها صفين لؤلؤتين، شعر أن الشمس سطعت من نافذة مقلتيها التي لمعت، فقال بنبره

 

هادية وحنونه، مغلفه بترجي:
– حبي نفسك يامدام غزال، وتقبليها زي ما هي صدقيني انتى جميلة، بس احنا هنخس عشان صحتنا تبقى احسن مش عشان حاجة تانية.
قال “سند” مؤكد قوله :
– قولها والنبي يا دكتور عشان تقتنع أنها جميلة بروحها وطيبة قلبها، وعمر الجسم ما كان مقياس ابدا للجمال.
– لازم يا أستاذ….
صمت فقال “سند” اسمه فاكمل كلامه:
– لازم يا استاذ سند تكون ارادتها قوية، وكمان تحب روحها، لأن ده هيكون له دافع قوي، تجنبًا لفشل الدايت.

 

– سمعتي يا غزال، حبي نفسگ ياحبيبتي، حبيها عشان هي تستاهل.
صمتت فالجميع يطالبوها بأن تحبها، لكنها غير قادرة على ذلگ، لكن استوقفها اخر جمله بأن من الممكن يفشل الرجيم فسألته باستفسار:
– هو في اسباب يا دكتور تؤدي لفشل الدايت؟
كانت المره الأولى التي سمع نبرة صوتها، كم كانت نبرتها هادئة وناعمه، كمن تعزف موسيقى لتراقص نبضات قلبه، رد وهو يرمقها بحنان:
– اكيد طبعا في اسباب لفشل الدايت، وده مش كلامي؛ ده كلام المؤتمرات وكلام دكاتره ذو قامه و قيمه

 

في علم التغذيه ومن اهمها: الاستعجال النتيجه المريض بعد اول اسبوع يقول لك زهقت، يسمع اعلان دكتور تاني يروح له وطبعا الدكتور التاني هيبدا من جديد
سقف التوقعات هي جايه ناويه تنزل ٥ كيلو كل اسبوع
اقول لها والله يا فندم احنا في عياده مش الساحر الافريقي
الكتب بتقول كيلو ونص بس في الأسبوع ميعجبهاش وتزعل؛ وممكن تروح لحد بيقول انه بينزل ٦ كيلو في الأسبوع
اتعودت دائما صراحه اقول الصح مقولش اللي يريح، فرجاء بلاش نرفع سقف التوقعات علشان بينزل على دماغنا كلنا.
هقولگ على حالة جاتلي، جالي اختين واحده فيهم بتنزل كل اسبوع و الثانيه لا، لأن عندها مشكله في الغده ازاي بقي وازاي انا مش بدفع زيها، وملتزمه اكتر منها وبلعب رياضه
في سن و وزن، وامراض وطبيعه جسم.
اهم واكتر سبب أن النظام اللي بتكون عملته قبل ما تيجي مش مناسب مع ظروفها، بتوقف اكل الساعه ٧ م وهي بتنام ٢ ص

 

مانعه فاكهه وهي بتموت في الفاكهه
لازم تأكل كل ٣ ساعات وهي شغاله في بنك ممنوع تأكل قدام العملاء
وغيره وغيره من حواديت
الخلاصه:
١. متستعجليش.
٢. خلي عندك ثقه في دكتور واحد.
٣. صدقيني لازم نتعب النجاح محتاج تعب.
٤. نبطل مقارنه؛ فالمقارنه بالغير اهانه للنفس.
اخيرا الدايت اسلوب حياة، ولازم يكون شبهك، اتفقنا يا مدام غزال؟
اومأت برأسها بقبول وقالت:
– متفقين يادكتور.
– تمام، يبقى تعملي التحاليل اللي اتفقنا عليها، واول ما تظهر هنحدد اسلوب وطريقة الرجيم.
– احنا مش عارفين نشكرگ ازاي يادكتور، وكفاية مقابلتگ البشوشة، هنعمل التحاليل وهنجبها لحضرتگ فورا.
قال “سند” حديثه وهو يصافحه بحميمه وشكر، تبسم له “أمان” وقال له:

 

– مفيش شكر على واجب، ده شغلي، وبإذن الله هنحقق كل اللي بتتمناه في وقت قياسي، على فكره في معمل متخصص ومضمون تبعنا في نفس الكوردور، ممكن لو حابين تعملوا فيه التحاليل.
شعرت “غزال” بارتياح شديد من مقابلته، شكرته بنفس نبره هدوءها، وانصرفان مودعاه بوجهان بشوشان، ثم توجهان لمعمل التحاليل الذي ابلغهما به.
بينما هو حين اختفت من امامه، تنفس اخيرًا بطريقة طبيعية، فقد شعر أنها من أول دلوفها كأنها امتصت كل الأكسجين الذي بالغرفه وابتلعته
داخل رئتها حتى تحجبه عنه، مشاعر مخفية تجتاح اوصاله ولا يعرف لها أي تفسير؟ لكنه استلذ هذه المشاعر التي تتسرب وتتمكن منه من قبل رؤيتها، فماذا إذن سيحدث له بعد أن شاهد الغزال الباكي، صاحبة العيون الحزينة، ذات الخصلات الحريرية المنسدله بطول ظهرها، تنهد بحب وارجع برأسه للخلف واغمض عيناه، وقلبه ظل يذكره بملامحها، وصوتها الرقيق، فيالها من غزاله باكية ..؟!
فهي تمتلگ عيون الغزال الشارده التي
شردت لتقع داخل شباكه، يا ترى هل سهام الهوى اصابته؟

 

ام فضوله لقصتها هي سبب اقترابه منها؟!
فـ لماذا إذن حين رأها اهتزت ثنايا جدران فؤاده، وفضحته وأعلنت عصيانها وصاحت تصرخ دقاته بشدة، يعلن صداها على وجود دقة غريبة غير معتاده عليها، خشى ان يصل هذا الصدى إليها !!
اهذا هو الحب من أول نظره كما يقولون؟ ام ماذا اصاب قلبه يا غزالته الساحره؟
ما أجملها صدفة حينما وقعت عيناه عليها؛ تيقن لحظتها أنه هو الذي وقع في غرامها منذ الوهله الأولى، وتذوق لذة الحب من جديد، بعد طول هجران طويل من بعد وفاة زوجته لم يحدث له ذلگ، لكنها جاءت وجددت احاسيس ظن انها ماتت من سنوات، واحيته بدون أن تبذل أدنى مجهود.
استفاق على دلوف مساعدته “بسنت” تبلغة بدخول الحاله القادمه، ابتلع كوبًا من الماء وتذكر بأنها لم تجلب له قهوته، فعتذرت بشدة وذهبت لجلبها له، ثم امرها بأن تنتظر قليلا حتى ينتهي من ارتشافها، وعمل مكالمة عاجله، اومأت بالموافقه، واغلقت الباب وابلغت الحاله بالانتظار قليلا.
امسگ هاتفه وهاتف أخته “آلاء” وعندما اتاه الرد قص عليها ما صار في المقابلة، ثم صمت وسألها عن صلتها بـ “سند” فأجابته بأنه اخاها، تنهد براحه، فاحتمال انه زوجها كان مستبعد بالنسبه له، فسألها في تردد:
– هي لسة على ذمة جوزها يا آلاء؟

 

وإلى هنا انتهى حديثنا عند هذا الحد لنتعرف غدا هل فعلا أمان وقع في شباك غزال؟ ولا هو متوهم حبها ومتعاطف معاها؟
وياترى نتيجة التحاليل هتكون كويسه ولا فيها حاجة تقلق؟

يتبع…

أجابته بمكر:

– بصراحه معرفش، لكن مره والدتها قالت قدام اخوها عليه انه غمه واتزاحت، يبقى اعتقد انه طلقها، بس انت بتسأل ليه يا نمس؟

– هاه؟ بسأل على اية؟

– أمان مش عليا أنا؟ ده أنا اختگ وعجناگ وخبزاگ يادكتره، قول قول ومتخبيش عليا؟

اتتهت “غزال” من عمل التحاليل اللازمه ويدها لم تفارق كف سندها الذي يعطيها القوة والعزيمة، واثناء سيرهما في السيارة قال لها:

– انا مستبشر خير في الدكتور اللي روحناله ده، شكله مريح كده و وشه بشوش، وكمان التحاليل اللي طلبها يمكن يكون السبب في عدم خسسانگ.

 

 

ابتسم وجهها وقالت بذهن مشوش وبال مشغول:

– فعلا ملامحه مريحه جدا، وهادي بس أنا أول مره اعمل كل التحاليل دي يا سند، وخايفة يكون عندي حاجة وحشة تظهر؟

– يا حبيبتي كفالله الشر، اتفاءلي خير، هو بس زي ما قالگ عايز يعرف سبب السمنه اية عشان يعالجه، متحطيش في بالگ انتي، وبإذن الله يكون خير.

– يارب يسمع منگ ربنا.

 

 

– يا ساتر عليكِ دايما كده قلوقه وهتقليني معاكِ ليه؟ اعوذُ بالله من فقرگ، بس بومه بصحيح، متشاءمه طول الوقت يا بااي عليكي.

قال حديثة وهو ينهرها بطريقة كوميدية، والابتسامة مرسومه على وجهه، شاركته في الضحگ، ثم ضم كتفها بيده اليمنى بحنان، وطبع قبله فوق جبينها، واكمل في سير طريقة للمنزل محاولا ان يعطي لها طاقة نور أمام مقلتيها، فقد كان لها دومًا يقدم لها عون المساعده والعون، فـ اخاها “سند” نعم الأخ الحنون العطوف.

هاتفت “غزال” عند عودتها لمنزلها طبيبتها الخاصة التي كانت بمثابة اخت وصديقة مقربه لها، نظرا لتوطيد العلاقة بينهما في الفترة القصيرة، وقصت لها ما حدث، واستشعرت “آلاء” بالتفاؤل في نبرة كلامها وحماسها، وكان هذا اول خطوة تخطيها في المسار الصحيح لحياة افضل مما كانت عليه.

 

أغلقت معها و بدلت ملابسها لتتفقد حالة صغيرها واسرتها، فكفى لها من الانعزال الذي طالما سجنت نفسها بداخله؛ فقد حان الأوان لها ان تتحرر وتنطلق لتحيا من جديد.

 

 

خرجت لهما بوجه بشوش، وقبلت والدتها بحب، و وجهت بعيناها قبل ثغرها لزوجة اخاها، وضمتها على تحملها المسئولية طوال فترة مرضها، واقترحت عليها انها تريد تغيير كل شيء في شقتها، تبديل اماكن العفش، فقد كانت تريد عيناها ان ترى اي تغيير ولو بسيط، وافقتها بشدة وابدت تقديم مساعدتها لها في تلگ اللحظة، وحينما شاهد “سند” فرحتها مد يده ليساعدهما بكل ترحاب.

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

كانت الأيام والشهور التي مرت سابقًا عليه حياة رتيبة ممله، فاقد الشغف لأي شيء حوله، شعر ان روحه تركها في بلاده، ولم تعد بداخله، لا يوجد داخل اضلعه شيء ساكن ثناياه إلا الألم، الوجع، والحسرة على حاله وما وصل له، والده يهاتفه يوميًا، يطمئن عليه ويحاكيه، حتى الحنين له فقده، كل ما يفعله في حياته هو العمل المستمر، كل طاقته يبذلها في عمله ليثبت قدراته بين كل العاملين معه، وفعلا كان له ذلگ وفي مدة قصيرة اظهر موهبته ولفت انتباه رؤساءه، وحقق ما تمناه.

 

 

فقد كان في أوقات كثيرة في ذروة عمله تخطر على باله من كسرها؛ ربما لاحتياجه في كثير من الأوقات لمشورتها كما كان يفعل منذ تخرجهما سويًا، ربما؟! فهي كانت دائما تقدم له يد المساعدة سواء طلبها منها او لم يطلب، كانت سباقه بكل خير له، وهو رد لها هذا المعروف؛ بالخذلان، الغدر، والخيانه، تألم للمره الأولى لها، وضميره عذبه لما فعل، لكن فكرة التقرب اصبحت من المحال؛ فبينهما سدود واسوار فولازية من المستحيل هدمها، فقد هدم بغباءه كل الجسور بينهما ولم يترگ أي خيط رفيع او رابط يجعلها تنسى كل الآمها وأوجاعها منه.

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

 

 

ظهرت التحاليل وتوجهت “غزال” بمفردها إلى عيادته تقدمها له، وانتظرت حتى جاء دورها في الكشف وحين دلفت وسارت بخطى متوتره وبيد مهزوزه قدمت له نتيجة التحاليل، ابتسم واشار لها بالجلوس، جلست ويدها تفركها بشدة، وهي ناظره إليه وهو يقلب الأوراق، تلاحظ تغيرات وجهه؛ فيزداد قلقها وخوفها، حاولت تهدأت روحها؛ بالاستغفار وحين انتهى ونطق متسائلا:

 

 

– ممكن أعرف ليه كل التوتر ده؟

طأطأت رأسها لأسفل وصمتت ولم تجد رد الا الخوف الذي تملگ كل اوصالها، وحينها قال بوجه بشوش:

– مفيش داعي للخوف ده؛ التحاليل كويسة جدا، بس…

قاطعته بفرحه اترسمت على صفحة وجهها قائلة:

– بجد يادكتور؟!

– اه الحمدلله، بس عندگ مشكلة في الغدة المسئولية عن الحرق فيها خمول شوية، وللأسف الحرق عندگ ضعيف جدا.

– والحل؟

 

 

– الحل بسيط هنعالج الغدة الدرقية، وبعدين هنبدأ رحلة العلاج، ومع تناول المشروبات الحارقة طوال اليوم اكيد هيساعدگ في انقاص الوزن.

انهى كلامه ونظر في اوراقة ليكتب لها بعض الادوية، ثم قدمها لها، امسكتها وتلامست الكفوف ببعضها، فسارت صاعقة كهربائية داخل جدران فؤاده مصدرها الجالسه الغافله التي لا تدري ماذا هي تفعل وتتلاعب بنبضات قلبه بمهاره لا تعلم عنها شيء.

وقفت واستأذنت لتنصرف، شعر بأن الهواء فرغ من حوله، فنادى عليها رادفًا:

– مدام غزال، ده الكارت بتاعي فيه كل أرقامي، لو احتجتي اي حاجة، اي سؤال بخصوص الرجيم راسليني عليه.

اخذته في استيحاء واومأت برأسها ثم انصرفت متوجه لمنزلها، واشترت العلاج، وصعدت شقتها، وإذا رن هاتفها ووجدته حماها يتصل، وضعت مفتاح شقتها

 

لفتحه، ودلفت بالداخل، وفتحت زر الرد وقالت بنبره حانية عطوفه:

– ازيگ يا بابا، عامل اية وصحتگ ازيها؟

– سيبگ من صحتي، وطمنيني على نفسگ، وعن شادي.

– احنا كويسين الحمدلله وفي نعمه طول ما حضرتگ بخير وبتدعي لينا من قلبگ الطيب.

 

 

– والله يابنتي بدعيلكوا في كل صلاة، يشفيكي ويحفظ شادي، ويرجع فؤاد من غربته ويصلح ما بينكوا.

صمتت عند اخر جملته وتعجبت وسألته بفضول:

– هو سافر؟

تنهد بحزن عليه وما اصابه من الم :

– اه يابنتي بعد ما اتطلقتوا بكام يوم.

لم تجد كلام ترد به إلا :

 

 

– ربنا يطمنگ عليگ ويوفقه.

– يارب، ويهدي الحال.

– معلش يا بابا، مستحيل في يوم هنعود تاني، اللي بيكسر عمره ما يتصلح ابدا.

– يابنتي ربگ قادر يغير القلوب.

قالت بنبره حاده مفعمه بألم:

– وربنا غير القلوب فعلا، وقلبي اللي حب ابنگ علمه يكره ويقسى كمان، خلاص اللي بيني وبينه انتهى، بس مع كل آسف اتهنى بكسره، وجع، وقلب مجروح صعب جرحه يطيب في يوم.

 

 

– انا عارف وفاهم والله هو اللي خسر، وخسر كتير اوي كمان.

– مش مهم يا بابا مين اللي خسر، ومين اللي انجرح، النتيجة واحده في النهاية؛ وهي الفراق، وفراق بدون رجوع.

– يعني مفيش امل خالص يا غزال، حتى لو جالگ ندمان معتذر.

– ما انا قولتلك ابنگ كسرني وحطمني، وانا دلوقتي بحاول اتصالح مع نفسي، يمكن اعرف ارجعها من تاني.

– ربنا يكرمك ويصلحلگ الحال يا بنتي، بس ياريت متقطعيش بيا.

– مستحيل اقدر استغنى عنگ يا بابا، حضرتگ عارف غلاوتگ عندي، وشادي هيزورگ دايما، هو إحنا لينا بركة لغيرگ.

– ربنا ميحرمنيش منگ يا غزال، انتي نعم البنت اللي ربنا رزقني بيها على كبر.

ضحكت وقالت بحب مزاحته:

 

 

– انت اللي حبيبي يا جدو، أنا مش عارفة ليه مقبلتكش قبل ما اشوف ابنگ؟! عارف كنت اتجوزتگ على طول.

بادلها الضحگ ودعى لها بحب، فهو كان لها دائمًا اب حنون يقف بجانبها ويساندها في أي وقت احتاجت له.

انهت المحادثة معه، ثم دخلت متوجهه في غرفتها لتطمئن على والدتها وصغيرها، فوجدته نائما، و والدتها تتابع مشاهدة التلفاز، لمحت شرودها فسألتها عن السبب فقصت عليها ما حدث في مقابلة دكتور التغذية، واخفت عليها مكالمتها مع والد فؤاد، ومن حسن حظها أنها لم تجد احد في استقبالها، فـ أنها لم تجد مبرر أن تقول، ربما لحساسية موقف والده لما فعله ابنه، فلهذا السبب قررت أن تكون معاملتها معه في الخفاء، تبسمت والدتها، لكنها شعرت بأن هناگ شيء خفي تخبأه ولم تصرح به، صمتت ولم تعلق، وتوجهت للمطبخ تعد لها مشروبًا حارقًا في صمت، بينما هي بدلت ملابسها وشردت في حديثها مع والده وسؤاله هل لو اعتذر ستقبل؟

 

 

فكرت كثيرًا، ودارت معركة دامية بين قلبها وعقلها وحين لم تستقر على إجابه، أمسكت دفترها وسردت متسائلة..

ماذا أفعل إذا جاء في يوم نادمِا معتذرًا؟

ماذا سأقول له؟ هل اصفح عنه وانسى كل ما مضى؟!

ام اثأر لقلبي والقنه درسًا قاسيًا؟!

 

 

كم اتمنى ان اذقيه شربة من كأس المرار الذي اسقاني منه حتى امتلئت..؟!

عيناي ستحدقه دون شفقه او رحمه؛ كما فعل معي ورمى بيده كل ما مضى بطول ذراعاه..؟!

اي اعتذار علي ان اقبله؟ وأنا من ذبحت كـ الحمامه ونزفت دمًا وخطيت بقدماگ فوقه، ولم تبالي للحظة واحدة انقاذي؟

لا والف لا، لن اسامح ولن اغفر لگ، فقد قطع رباط الحب بيننا، فـ انا قُتلت بيدگ.

وهل يعود القتيل للحياة مره ثانيه؟

وعند هذه اللحظة جاءت اجابتها من أعماق روحها مؤكده الرفض البائت في أن تفكر مجرد تفكير في الصفح والمغفره.

 

 

ومر الأسبوع سريعًا وتوجهت “غزال” إليه وكم كان مشتاق لها منذ آخر مره تلاقت الأعين، كان يرمقها بلمعه وشوق لم تنتبه إليهما، فقد كانت هي تسابق الزمن في الوصول لهدفها، كررت التحليل مره ثانيه وقدمته، ورآى أن هناگ استجابه للعلاج، ضغط على زر جانبي، فأتت المساعدة إليه، وطلب منها اخذ المقاسات والميزان لمدام “غزال”، نفذت في صمت، ثم سجلت كل شيء وقدمته له، نظر لها وتبسم، ثم كتب لها نظام غذائي مفصل، وشرحه لها مفصلا، وقدمه لها فقالت بصوت هامس:

– يعني لما أنفذ كل تعليماتگ يا دكتور؛ في أمل اني اخس واوصل للوزن اللي بتمناه؟

 

 

اجابته كانت بالدليل وليس بالكلام، فتح درج مكتبه واخرج منه البوم صور، ثم فتحه وقلب في طياته، وشاهدت ما بداخله وهنا عيناها كانت لا تصدق، فضحگ بصوت مرتفع، رفعت بصرها وابصرته، ورأت ملامحه عندما ضحگ كم هادئه وجاذبه، فلانت عضلات وجهها وتبتسمت له ابتسامه اشرقت قلبه وجعلته يرفرف كالعصفور.

اخفض عيناه التي لم تنزل من عليها وتنحنح قائلا:

 

 

– انتي ليه مستغربه كده؟ الحالات دي كانت اوزان جسمها زي ما انتي ملاحظة سمينه جدا، ومع النظام الغذائي، والمشروبات الحارقة، وتجنب الممنوعات زي ما ذكرت، خست، لكن كل ده بجانب الأجهزة الحديثة كان ليها مفعول السحر في حرق الدهون الصعبه والمتراكمه في امكان معينه.

– يعني الأجهزة دي مش بترجع الدهون تاني يا دكتور؟

– لا طبعا، لو حافظتي على اسلوب حياتگ مش ممكن هتتجمع، المهم انگ تستمري عليها.

– وفي حالتي دي يا دكتور هاخد كام جلسه؟

 

 

سألته بخجل وعينان منكسره ناظرة أسفل قدماها، اشفق عليها، كم كان يود أن يلمس ذقنها ويرفعه إليه ليتعانق مع كحلة عيناها في عناق طويل، ويسرد لها ويأكد كم هي جميلة في كل حالتها، ولا ينقصها أي شيء لتصبح أجمل، فروحها مثل الفراشة تهفهف حوله محمله بعبق الزهور لتنعش رئتاه فتنتفخ بسعادة ليس لها مثيل، حين لاحظت صمته الذي طال، كررت عليه سؤالها فرد:

 

 

– نسبها لوقتها، لأن صعب نحدد، احنا هنعمل الرجيم ونشوف استقبال الجسم هيكون اية، ومع قياس المقاسات اول ما نبدأ، هنعمل جلسه الأجهزة ونقيس بعدها ونشوف نزلنا كام سنتيمتر من الخصر والارداف، متفقين يامدام غزال؟

– متفقين جدا يا دكتور، عن أذن حضرتك.

 

 

قالت ردها بنبره حماسيه جعلته يسعد بهذا الحماس واستبشر خير، وقبل أن تغادر ذكرها بمتابعته كل يوم تكتب له تقرير عما نفذته، حتى لو حدث اي لخبطة في النظام تبلغه عبر الواتس اب، اومأت برأسها بالموافقه، ثم تحركت نحو الباب منصرفه، بينما هو

عيناه كانت تتابعها حتى اختفت واغلقت بابه، تنهد بشوق، وظل من تلگ اللحظة يحسب الوقت لمقابلتها من جديد.

ومرت الأيام والأسابيع، و”غزال” تخطت أصعب مرحله في بداية الرجيم، فكان لديها قدرة خارقه لا أحد يقف امامها، وتعددت الرسايل بينما، فقد كان متلهفًا دائمًا منتظرها ترسل أي حرف يبرد من وهج شوقه، ويستمر في البداية معها في الحديث عن النظام الغذائي، ثم يتحول باقي المحادثة في أي شيء آخر، فقد قص عليها ظروفه بعد فقدانه لزوجته وتحمل مسئولية ابنه الصغير، دون التلميح لها بما يكنه لها؛ فـ الوقت كان يمر بسرعة البرق، لا أحد منهم يشعر به، وجد كل منهما روحه الغائبه، والآن عادت له، لا تنكر “غزال” انها كانت تتحجج وترسل له، وتعجبت من احساس الأمان الذي تشعر به معه، خشيت في لحظة أن ينجح قلبها مره ثانية، ونفضت فكره زيادة اهتمامه بها، فهي مجرد مريضة وتحتاج لمتابعه، لذا قررت بالا تكثر من الحديث معه تجنبًا لعدم جرحها مره ثانيه، تعجب من ردها عليه دائما بأقتضاب، راجع محادثاته معها كثيرًا ربما يكون قد تعدى حدوده، لكنه لم يجد شيء بجعلها تحد من الحديث معه بهذه الطريقة، كاد عقله

 

يجن منها، ظل يفكر لعله يجد حل، استفاق على صوت ابنه يطلب منه ان يخرج للنزهه معه فقال مقترحًا عليه:

– اية رأيك نروح لتيتا؟

رد بغضب طفولي:

– هو انت يا يا بابي معندكش خروج غير عند تيتا، بقولگ اتفسح، مش اروح من بيت لبيت.

– طب يا لمض، قول عايز تتفسح فين ياسيدي؟

ظل يفكر حتى اقترح وقال بسعادة؟

– اية رأيك نروح دريم بارگ، او حتى النادي، العب هناگ كوره، ولا العب في الملاهي اللي هناگ، اي مكان نشم فيه هوا.

اتتهد بقلة حيله وقال :

– خلاص روح البس، وهوديگ النادي، وبالمره هتصل بعمتگ “آلاء” وتحصلنا.

 

 

فرح الطفل وركض لغرفته يجهز ملابس كره القدم ويضعها في حقيبته مع الكره الخاصة به، بينما والده كان يهاتف أخته، واستمعت لمطلبه و وافقت تحت الحاحه الشديد، وتركته لتجهز حالها، مرت الوقت سريعًا وتوجهه إلى النادي، وعندما وصل ركض “فادي” مهرولا تجاه ملعب كره القدم، وتوجه والده على طاولة ينتظر أخته بذهن شارد في غزالته التي لا تغيب عن باله ولو للحظة، وتمنى أن يراها في التو.

في غرفة “غزال” تلح عليها زوجة اخيها حتى تنهض وترتدي ملابسها لتذهب معها تمرين السباحه لابنها “عمر” لكنها رفضت بشدة، لرغبتها في الراحه والاسترخاء، شدت من عليها الغطاء وقالت بنبره حاده مغلفة بالهزار تجذبها من يداها قائلة:

 

 

– يالا قومي يا كسلانه، بلاش وخم بقى، عمر هو اللي طلب مني ناخدگ يرضيكي تزعليه؟

رمقتها بقلة حيله ونهضت وهي تتدعي البكاء :

– اااه يا ربي حتى النوم مش طايلاه في البيت ده، اعمل اية بس؟ حاضر يا مفترية انتي وابنگ، هلبس واجهز شادي واجي، اه ياغلبي منكوا.

– انا مفترية عشان عايزاكي تشمي هوا، وتغيري جو، ماشي يا غزال، انا غلطانه، حقگ عليا.

 

 

قالت كلامها وهي تمثل التأثر والزعل، اقتربت منها “غزال” وضمت كتفاها بحب هاتفه:

– خلاص يا سمية متحوريش وتعملي فيها مقموصة، اقولگ عشان ننجز خدي شادي لبسيه عقبال ما اغير هدومي، واجهزله اكله كده خفيفه اخدها معايا.

– اوك، متتأخريش عليا.

تركتها وكل منهما ينفذ ما طلب منه، دقائق كانت “غزال” خارجة من غرفتها غي قمة رونقها، تشعر بالتغير داخليًا قبل ان يكون خارجيًا، ابتسامتها تتجلى بوضوح على وجهها، بادلتها “سمية” الابتسامة، تشابكت الأيدي وحملت حقيبة ممتلئة ببعض الطعام والمسليات لاطفالها، مع الملابس الخاصة بابنها، صافحت والدتها

 

واستقلوا سيارة اخاها، وتوجهوا إلى النادي، وعندما وصلوا إلى هناگ ركض “عمر” ومعه اخاه الصغير إلى مغطس السباحة وخلفهما والدتهما تتسابق في خطوتها لتقترب منهم، بدلوا ثيابهم وارتدوا ملابس التمرين، وجلست برفقتهم تراقبهم بعين الامومه التي تلاحقهم في كل حركة يؤدوها، بينما “غزال” تركت صغيرها معها وتركتها لتسير في النادي تلتف حول (التراك) بمفردها، واضعة سماعات الأذن فوق رأسها تستمع لافضل الاغاني التي تحبها، تحاول ان تهرب معها وتوقف شلالات الذكريات التي تهاجمها في كل لحظة، وياليتها تستطيع الهروب من الماضي؟!

 

 

خطواتها في ازدياد، تسير بلا وعي لحالتها، كأنها دلفت داخل دوامه ولا تعرف كيف تخرج منها مثلما دلفت قدامها وغاصت في احزانها، ربما يكون السبب ما تسمعه قلب عليها اوجاعها، فهي مائلة لاستماع الأغاني ذات الكلمات الحزينة، التي تمس نبض قلبها؛ واذا فجأه يسقط من يداها هاتفها، انحنت بجسدها لتلتقطه، وحين استقامت لم تعي للذي واقفًا امامها..
ياربِّ قلبي لم يَعُدْ كافياً
لأنَّ مَنْ أُحِبُّها . . تعادلُ الدُنيا
فَضَعْ بصدري واحداً غيرَهُ
يكونُ في مساحةِ الدُنيا
#نزار قباني
* * * * * *

 

ابصرها ومقلتيه تشع من الحنين والشوق لها فضيان، كم أراد ان يبوح بما يكنه من مشاعر جياشة لها، عيناه تسرد من عبرات الحب سطورا؛ لكنها لم تعي، او ربما لا تريد أن تصدق ما رآته بداخلهما، غارقة في بحور احزانها، رافضة التقرب من المنطقة المحظوره الخطرة بالنسبه لها، ومن قلعته المليئة ببراكين وحمم اشواقه، وإلى متى ستظل حبيسة.. سجينه بداخله؟
فاقت على يده الممدوده بكل حب لها ليصافحها، تبسمت وقالت في خجل هامسه:
– اهلا يا دكتور أمان، هو حضرتك عضو هنا في النادي؟
اجابها وهما يسير بجانبها، فقد كانت جسدا بجانبه؛ بينما روحها التي يتوق إليها يشعر انها بعيده عنه مسافات واميال، تنهد قائلا:
– مشترگ هنا من زمان بس للأسف مش باجي كتير، لولا بس فادي ابني اتحايل عليا مكنتش جيت، انتي معاكي حد ولا جاية لوحدگ؟
– لا جاية مع سمية مرات اخويا، ولادها بيتدربوا في السباحه، سبت معاها شادي، وقولت اتمشى والف التراك كام مره.

 

كانت تقول حديثها ولا يعلم لماذا الحزن ما زال مسيطر على ملامحها، يجزم ان نور وجهها معتم حزين في ليلة شتاء شديدة الظلام غاب فيها قمر الزمان، كم أراد أن يبدل هذا الظلام الدامس، لاشراقة ونور يضئ الكون كله، فهي لا تستحق كل هذا الحزن، لكن ليس بيده شيء يفعله ليخفف الآمها غير أنه يكون داعم لها، ظل صامتًا، تائها معها في كل تفاصيلها، وحراكتها حين تتحدث، يبصرها بحب من طرف واحد يتمنى أن تبادله إياه، يعلم أنه خالف كل القوانين بحبه لمريضته، لكنه بشر حن واشفق عليها من قبل أن يراها، شيء خفي اهتزت له كل أوصاله عندما قرأ احرفها، تلاقت روحه وتعانقت مع روحها، ومن لحظتها وهو يسبح بداخل اسطرها ولا يعلم اي نهاية ستكتب لقصتهما، كل الذي يعلمه انه وجد اخيرًا توأم روحه، قطع الصمت حين لمح على بعد البصر اختة “آلاء” فقال لها داعيها للتقدم نحوها:

”رواية الغزال الباكي” لتكلمة الجزء التالى من الرواية اضغط هنا?⏬???

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top