رواية الغزال الباكي كاملة جميع الفصول

رواية الغزال الباكي

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­

 

close

نعم لمحت جمالها الفتاگ، و شفاها المصبوغتان باللون الأحمر الصارخ، ونظرته إليها يريد أن يفترسها برغبه جياشه ؟! وهي تتفنن في اظهار مفاتنها له، بتغويه بكل اسلحتها الفتاكه، شاهدت ورأت، وكم تألمت وهو لا يشعر ولا يحس بما تعانيه، وقفت فقط خلفه متسمره مكانها تسمع وترى ما لا كانت تتوقعه في يوم يحدث في حياتها، انهمرت الدموع بغزاره في صمت حين سمعته قائلا:

 

 

– انا مقدرش اتأخر عنگ يا روح الروح، انا هعد الدقايق اللي هشوفگ فيها، تعرفي اني بحبگ اوي يا يارا، وعمري ما حسيت اني عايش وراجل بينبض قلبه غير معاكي انتي وبس، كل نظرة منگ وكل حركه بتشعوط قلبي بزياده، وبتزيد لهفتي وشوقي ليكي.

ردت عليه بدلال وهي تعبث بخصلات شعرها الذهبي هاتفة:

– اللي يسمعگ يا بكاش يقول عليگ أعزب و مدخلتش عمرگ دنيا.

 

 

زفر أنفاسه الحارقة حين تذكر الحقيقية المُره التي يحيا فيها، فقال بألم:

– وحياتگ متفكرنيش يا يارا، دي مش جوازه؛ دي طلعت جنازه، انا مش عايش حياتي، الإسم بس متجوز؛ لكن في الحقيقه أعزب مع مرتبة الشرف.

ضحكت وقهقهت بصوت مرتفع، ثم قالت:

– هانت يا فؤش، جهز انت مهري وهعوضگ عن كل ايام العذاب، واسقيگ من شهد الغرام كاسات، واعيشگ اللي عمرگ ما عيشته ولا شوفته.

– امتى بس يا يويو؟

 

 

– والله يا روحي التأخير من عندگ انت، مش من عندي.

– ما هو اصل اللي انتي طالباه ده كتير اوي يا يارا عليا.

– لأ مش غالي يا فؤاد، لما اطلب شقة تتكتب بأسمي، وشبكة تليق بيا، تقول كتير، اخس عليگ يا وحش.

– لا والله ما كتير، وفلوس الدنيا مش كتير عليكي يا يويو، هدبر حالي واحققلگ كل اللي عايزاه ياقلبي.

 

 

– وانا ساعتها هكون شبيگ لبيگ، وكلي ملگ إيداگ.

تراقصت دقات قلبه و ارسل لها قبله عبر الهاتف، والتفت وجد زوجته “غزال” واقفه تستمع لما قال، وادمعها تنهمر بقوة، مصدومه مما سمعته، مطعونه في أنوثتها، اقترب منها بكل عجرفه غير مبالي لحالتها قائل:

– انتي واقفه ليه كده؟ ومالگ قلباها مناحه ليه يا بوم فقر؟

كلامه زاد من صدمتها، فلم تتوقع منه كل هذه البجاحه والجرأه بهذا الشكل، ردت عليه بصعوبه شديدة هامسه بأنهيار مكتوم :

– انت بتخوني وبتعرف عليا واحده يا فؤاد؟

 

 

ضحك وتعالت صداها، ثم اقترب منها وبغضب قال متسائل:

– ومخنكيش ليه؟

– انت بتقول ايه؟ انت اتجننت أكيد ؟

وحين سمع منها سبابه رمقها نظرات شر ورفع يده لكي يصفعها، و على اخر لحظة حين لمح الفزعه والخوف داخل مقلتيها، حاول كظم غيظه؛ لكنه فشل فقال بصوت جهور غاضب:

– جن لما يبقي يجننگ ويريحني منط، احترمي نفسگ يا غزال، انا كتمت غضبي بالعافيه، كلمه تانية منگ متلوميش غير نفسگ، انا بحذرگ.

 

 

– انا مش قادرة اصدق اللي بسمعه ده؟ انت يا فؤاد تقولي كده؟ انا عملت إيه عشان استاهل عليه معاملتگ دي؟

قالت كلامها والذهول متجلي على صفحة وجهها، والعبرات تتساقط في صمت، بينما هو هاج بكل غضب يمتلكه قائل وهو ينظر لهيئتها المرزية، وملابسها الفضفاضه الواسعه التي تداري بها امتلاء جسدها، و اشار عليها بيده على ما تحزم به رأسها، كأنها خادمه وليس زوجة هاتفها بأحتقار:

– الكارثة انگ متعمليش حاجة، ولا عمرگ عرفتي تعملي أي حاجة من النسوان بتعملها عشان تسعد جوزها.

قاطعته وصاحت بصوت مرتفع:

 

 

– انا يا فؤاد؟! انت شايفني كده؟

– ايوة انتي، انا خلاص مش قادر استحمل بقى العيشة دي، حاسس اني مدفون بالحيا معاكي، حاسس بالشيخوخه و العجز تسرب لروحي، انتي اللي يعيش معاكي يدفن بالحيا يا شيخه، ده انتي بقيتي لا شكل ولا منظر، روحي شوفي نفسگ في المرايا وهي تجاوبگ.

لم تستطع سماع حديثة اكثر من ذلگ، وضعت يداها فوق اذنيها لتخرس صوته، استفزته بتلگ الحركة، فثارت غضبه، ازاح يداها وهز أكتافها بعنف قائلا:

 

 

– مش عايزة تسمعي الحقيقة مش كده، اصل دايما الحقيقه بتزعل، عشان مؤلمه، كام مره قولتلگ بالحسنى حافظي على جسمگ، من اول يوم جواز وانا اتصدمت فيكي، مكنتيش بالشكل ده ايام الجامعه، مش دي غزال اللي خلتني اجري وراها سنين عشان توافق تتجوزني، ويوم ما اتحقق مرادي، اخدت قلم عمري، وشوفتگ وفضلت كاتم في قلبي طول فتره جوازنا.

الذهول مسيطر عليها، مما يقول، توقفت دموعها فجأه وتحجرت داخل مقلتيها، كأنها أبت ان تتحرر وظلت سجينة بداخلهما، عيناها كانت تتسائل فرد بوجع يشعر به:

 

 

– هقولگ عشان بقيت مش قادر اسكت أكتر من كده، جه الوقت اللي هخرج فيه كل اللي كاتمه جوايا، وجت اللحظه اللي هتخرج.

صمت قليلا وابتلع ريقه واسترسل:

 

 

– منكرش اني حبيتگ، واعجبت بيكي، ومع رفضگ المستمر ليا؛ صممت اني افوز بيكي واتجوزنا، ومع أول يوم وشوفتگ بقميص النوم اتصدمت، شكل جسمگ اللي متوقعتهوش ظهر على حقيقته بدون اي كورسيه بتداري بيه ديفوهاتگ، حسيت اني انخدعت فيكي، واتصدمت صدمة عمري، مش دي الانسانه اللي كنت بحلم اني اتجوزها، كنت بعصر على نفسي لمون وانا بقرب منگ، ولما عرفت انگ حامل زعلت لأن في طفل هيربطني بيكي للأبد، لكن حمدت ربنا من قلبي ان حملگ كان صعب ومكناش بنتقابل مع بعض، عارفه يعني اية راجل لسه في بداية حياته اتحرم من حقه، احساس عمرگ ما هتحسيه، لكن انا صبرت

 

 

وقولت يا واد اصبر يمكن بعد الولادة تهتم بنفسها، ويرجع جسمها كويس، اشتركتلگ في جيم، روحتي يوم وعشره لأ، بدل ما تعملي رجيم فضلتي تاكلي بشراهه لحد ما وزنگ عدى ال ١٠٠ كيلو، شوفتي انا معبي ازاي، وكل ده وليكِ عين تسائلي انت بتخوني ليه؟ ايوة يا غزال بعرف واحدة عليكِ، وهنزل اقابلها إذا كان عاجبك، ومش كده وبس؛ لأ في اقرب وقت هتجوزها واعوض السنة ونص اللي راحوا مني معاكِ، قال غزال قال، ظلمگ اللي سماكِ، انتي انتي دبه ماشية بتتحرگ على الأرض.

 

 

كانت “غزال” تستمع لكل حرف ينطق به، كانت الكلمات كافية أن تطعن روحها بسكاكين حارقة بلا رحمة ..

عيناها اللاتي إحمرتا بشدة أخبرته بمدى الألم الذي شعرت به بسبب كلماته الجارحة، وبداخلها وجع ليس له مثيل.. براكين.. وحمم متوهجه، واسئلة تراودها ولا تجد لها أي أجوبة، أيعقل انها بالبشاعة التي يصورها لها؟! من المستحيل ان يكون قد احبها في يوم؟!

 

 

فـ ان من يحب لا يجرح..!! ان من يعشق لا يرى في محبوبه شيء سيئ، بل يراه في عيونه مكتمل الصفات؟!

ظلت صامته تريد ملئ الكون صراخًا، لكن صوتها تحشرج واختنق بداخل ثغرها، القى عليها نظرة أخيرة باستحقار، ثم تركها دون ان يربت على اوجاعها، تركها محطمة القلب، مكسوره، قلبها تحول لفتتات ولا من احد يداوي ويطيبه، وعند سماعها لغلق بابها استفاقت من حالت التيه و ولجت داخل غرفتها، كالموتى بدون روح، جسد يتحرگ فقط، كلامه اوجعها بشدة، قذف كل اسهمه دفعه واحده دون شفقه في فؤادها، لم يهتم يومًا بسؤالها عن حالتها؟ لماذا تأكل بهذا الشكل؟ لم يكلف نفسه ويبرر لها أي شيء، لكنه كان دايما هو من يدفعها لذلك نعم هو السبب !! لم يكن داعم لها بالكلمة الحلوة، دايما يقذفها بكلمات قاسية تزيد من عنادها وتلجأ للطعام حتى تهرب، لم تكن في يوم محبه للطعام وتتناوله بشراهه مثلما تفعل الآن، لكن العند يصل للكفر في بعض الأحيان، وهي تركت نفسها حتى اصبحت بهذا الوزن المفرط،

 

 

وقفت امام مرآتها؛ لم تتعرف على نفسها، شعرت انها كبرت عشرات السنوات فوق عمرها، كانت صورتها مشروخه مثلها، كرهت النظر لها، امسكت قارورة عطرها وقذفتها لتنكسر لفتتات مثل قلبها الذي كسره قبل لحظات، وقعت على الأرض وانهارت كل قواها وصوت صدى صوته يعلو داخل اذنيها، شعور قاتل شعرت به حين اعترف انها لا تملئ عيناه، ولا يراها أنثى من أساسه، بكت بكل حرقة و وجع، وظلت تبكي وتبكي دون ان يشعر بها أحد، وقعت عيناها على جزء صغير مكسور من المرآه وانعكست صورتها الباكيه بداخلها، امسكتها وقالت في وجع:

– هو عنده حق، انا مستحقش أعيش، انا جيت الدنيا دي غلط، اللي زي مكانهم مش هنا، انا الموت اشرفلي من العيشه معاه.

 

 

نهضت بقوة لم تعرف من أين جاءتها، وفتحت الكومود تبحث عن شيء ما بلهفة الغريق الذي يبحث عن قشة يتمسك بها ظنًا انها ستنجيه، وكانت هذه العبوه هي من ستريحها من حالة الضياع واليأس الذي تملكها للتو، فتحتها بيد مرتعشه وابتلعت كل الحبوب التي بداخلها، مرت دقائق وشعرت بدوران افقدها وعيها.

اثناء ذلگ حينما خرج “فؤاد” هاتف حبيبته الحسناء “يارا” يستعجلها، فقالت له معتذرًا:

– آسفه يا بيبي جدا، جالنا ضيوف من البلد وماما صممت اقعد معاها ارحب بيهم، معلش خليها مره تانية، تتعوض يا بيبي.

– طب ممكن استنى في أي كافيه لحد ما يمشوا وتيجي.

 

 

– لا مش هينفع اصلهم هيباتوا مش هيروحوا، سلام لحسن ماما بتنادي عليا.

أغلقت معه الهاتف، وتبسمت بمكر، ورقصت فرحًا لما تفعل معه، فهي تتبع اسلوبًا التشويق والحرمان في آن واحد، تضغط عليه ليلبي لها مطالبها.

هاتف صديق له يقابله حتى يضيع الوقت، فهو لا يريد الرجوع ومواجهتها بعد الذي قاله، لكن صديقه اعتذر، فما كان منه إلا العوده، وقرر داخل نفسه بالا يحتگ بها.

 

 

وصل منزله وحين دلفت قدميه، سمع صوت صراخ ابنه الرضيع عاليًا، فثار جنونه وقال منادي عليها:

– انتي فين يا هانم؟ سايبه الواد هيموت من العياط، روحتي في اي داهية ؟ تلاقيها بتطفح في اي حته؟

يعني يا ربي لا فالحه تبقى زوجة ولا كمان ام، انا مش عارف عملت ذنب ايه عشان اتبلي بيكي؟

 

 

دخل وعيناه على طفله، وحينما حمله وجدها واقعه ارضًا، والعرق يتصبب على جبينها، جثى على ركبته يتفحصها، شعر بنبضاتها بطيئة جدا، لمح العبوه بجانبها وعلم انها حبوب اكتئاب، تعجب منذ متى وهي تتناول تلگ الحبوب، فكر في حملها لكنة تراجع وخشى على ظهره؛ نظرًا لثقل جسدها، امسگ هاتفه وقام بالاتصال بسيارة الإسعاف القريبه من منزله، ثم حمل صغيرة يهدأه، شعور غريب انتابه لم يرق قلبه لحالتها، تجمدت كل احاسيسه، كأن تلگ المرأه غريبه عنه، وكل الذي فعله تجاها انه طلب من ينجدها، دق جرس الباب تقدم لفتحه، هرول العاملان معه وحملها بصعوبه على السرير المحمول، وتوجهوا لاسفل، اغلق باب شقته، و رأته جارتها وعلمت ما حدث، وطلبت منه ان يترگ معها الصغير ويتوجه هو مع زوجته.

 

 

هاتف والدتها وابلغها ما حدث، اغلقت معه الأم وهاتفت ابنها “سند” وتوجهوا فورًا إليها.

دخلت “غزال” المشفى وتم عمل اللازم لها، بعد ان شرح زوجها ما تناولته، عمل الطبيب لها غسيل معده، وتم تعليق محاليل نظرا لانخفاض الضغط.

مع خروج الطبيب هرولت نحوه والدتها واخاها، بينما كان زوجها يتابع في صمت، علموا منه حالتها، وحينما انتهى من قوله انقض “سند” كالوحش المفترس على زوجها، يمسكه من تلابيب قميصة، يريد الفتگ به وقتله لما فعل بأخته الوحيده، حاولت امه الفصل بينهما لكنه قال بغضب:

– سبيني يا أمي اقتله زي ما اتسبب في انها عايزة تموت روحها.

 

 

حاولت ازاحه يده بقوه وقال مبررًا:

– انا معملتلهاش حاجه، ابعد ايديگ دي لاقطعالگ؟

– تقطع إيد مين يالا ؟! و ربي لادفعگ ثمن رقدتها دي غالي اووي يافؤاد.

صاحت الأم قائلة:

 

 

– سيبه يا سند مش وقته، نطمن بس على اختگ وتفوق الأول، وبعدين لو ظهر ان هو السبب..

قاطعها “سند” وقال بتوعد:

– مش هتقعد على ذمته ثانيه، ورحمه ابويا ما هيشوف ضفرها.

شاور له بيده بطريقة يسخر من قوله، فهو في كرارة نفسه يريد الخلاص منها في تلگ اللحظة قبل الأخرى، لكنه انتظر، سألته والدتها عن طفلهما، وابلغها بأنه عند جارتهما، فقالت موجهه حديثها لابنها في حزم:

 

 

– روح شقة اختگ وهات ابنها وديه عند مراتگ، وهات شوية هدوم لاختگ أكيد هتحتاجها و متتأخرش.

– طب اطمن بس عليها وبعدين اروح، انا مش هعرف اجيب الحاجات دي.

– هكون معاگ على التليفون وهقولگ اللي محتاجاه، اهم حاجة تلم حاجات شادي كلها في شنطة، ووصي مراتگ عليه.

– متقلقيش حاضر.

اقترب منه وقال بغضب:

 

 

– هات مفاتيح الشقه.

– لا طبعا مش هديگ حاجة.

– هات المفاتيح عشان اجيب هدوم ليها واخد الولد من عند الجيران، هما مش ملزومين بيه.

 

 

تعامل معه بالعنف، واخرج مفاتيح شقته غصبًا وتركه ونفذ ما امرت به والدته، ووضع كل شيء داخل حقيبتين كبيرتين، وكاد ان يخرج لمحت عيناه علبة مجوهراتها، فهاتف والدته ليخبرها يأخذها ام يتركها، فردت عليه ان يضعها في الحقيبه، فزوجها الآن لا يأتمن على أي شيء يخصها، اغلق باب الشقه، وطرق باب جارتها واخذ الطفل منها وشكرها على ذوفها، وسألته عن حالتها فطلب منها الدعاء لها ان يتم شفاءها على خير، ثم استقل سيارته وتوجهه نحو منزله ليترگ الصغير مع زوجته، التي رق قلبها له واحتضنته بحنان، واشفقت على حاله، ودعت لوالدته ان تشفى من أجله، شكر زوجته ثم تركها وعاود لوالدته فقد كانت اخته ما زالت نائمه تحت تأثير المسكنات، او انها مدعية الهروب من كل العالم.

 

 

كانت نظرات “سند” ترمقه بغل و وعيد، يريد ان يعرف الحقيقة، وماذا حدث أوصلها إلى تلگ الحالة واليأس، لكنه كان صامتًا لا يبوح بأي كلام، منشغل بمتابعة هاتفه ولا على باله الراقده بين الحياة والموت بالداخل.

ياترى اية اللي هيحصل لغزال، وهل هتقاوم ولا هتفضل على حالتها وتستسلم للموت البطئ؟

يتبع…

 

 

مر الوقت على الأم والأخ كالدهر، عيناهما متعلقه عليها ربما في لحظة تفوق وتعود من جديد تضئ حياتهما، لكن غفوتها طالت وتسرب القلق والتوتر وتملكهما، وقف “سند” مثل المكذوب متجهًا نحو الطبيب يسأله عن حالتها، ولماذا لم تفيق حتى الآن؟
توجهان لغرفتها، وتابع مؤشرات الحاله وقال:
– انا عايزكم تتطمنوا الحمدلله كل المؤشرات ممتازة، بس تقريبًا هي اللي بتهرب من عالمها، ومش عايزة تفوق.
– يعني اية يابني معلش فهمني، بنتي ليه مش عايزة تفوق؟
– تقريبا كده يا أمي هي تحت ضغط نفسي قوي، و بتعاني من مشكلة مخلياها رافضه الرجوع للحياة من تاني، عقلها رافض بشده.

 

– طب والحل؟
– ده متوقف عليها هي، اصبروا ربما تفوق في أي لحظة.
استمع “فؤاد” لكلام الطبيب، وللحظة واحده شعر بتأنيب الضمير تجاها، وانه المتسبب في حالتها، اقترب منها ونادى عليها وقال:
– غزال.. فوقي يا غزال واللي انتي عايزاه هعمله، بس فوقي بالله عليكي.
سمعت صوته وحددت نبرته، فكم اصبحت تبغض هذا الصوت هو وصاحبه، فتحت مقلتيها، ورمقته بغضب وصاحت بصراخ وانهيار قائلة:
– ابعد عني.. مش عايزة اشوفگ… مش عايزة أسمع صوتگ تاني.. انا بكرهگ.. بكرهگ من كل قلبي.. على اد ما حبيتگ.. على اد ما انا مش عايزة المح طيفگ

 

قصاد عيني… مشوه من هنا، ارجوكوا، يارتي كنت مت !!
ليه انقذتوا حياتي…. انا مش عايزة أعيش في دنيا هو فيها…
ظلت تصرخ وتبكي، اخذتها والدتها في احضانها تحاول تهدأتها، لكنها فشلت، نادى الطبيب على الممرضة تعطي لها حقنه مهدئه، بينما وقف اخاها يربت عليها، وحين انتبهت له قالت بوهن:

 

– طلقني منه يا سند ارجوگ، مش انت سندي واخويا، مش عايزاه، مش هقدر اكمل معاه بعد ما وجعني و كسرني، وهدم ثقتي بنفسي، ارجوگ.
قالت آخر كلامها وغابت عن وعيها من اثر تناول الحقنه، وبعدها اقترب “سند” منه وباغته بلكمه في وجهه اوقعته ارضًا، ثم تقدم وامسكه وتوالت الضربات بكل ما أوتي من قوة، غير مراعي للمكان، وحين تعالت اصواتهما، هرول إليهما الأمن ليفض بينهما الشجار، ويخرجهما خارج المشفى، فصاح فيه “سند” وطالبه بإطلاق سراح اخته وينفصل بكل هدوء، وجاءت اللحظة التي يتمناها “فؤاد” ونطق كلمه الطلاق، فلم يكتفي بذلگ “سند” بل ذهب معه عند المأذون ليطلقها رسمي غيابيًا، ثم رجع لها وجلس بجوار والدته وقص ما عمله، حزنت لحال ابنتها وسوء حظها الذي اوقعها مع أشباه رجلا، لكن إبنها ربت على كتفها وقال:
– متزعليش يا أمي، الحمدلله انها جت على اد كده، انا من الأول مكنتش موافق عليه، عمري ما استريحت له، لكن هي اللي صممت، وادي النتيجة وصلها انها

 

تنتحر وتموت نفسها، احمدي ربنا انها نجيت منها، وربنا يعوضها خير.
– عندگ حق يا سند، ربنا كبير وقادر يرزقها بأحسن منه.
– طب ممكن حضرتگ تقومي معايا اروحگ، هي واخده مهدأ مش هتفوق غير الصبح.
بصرته بحزن ورفعت سبابتها امام ثغرها وقالت :
– ابدا والله ما اقوم ولا ارقد جسمي على فرشتي طول ما بنتي بالشكل ده، روح انت زمان مراتگ تعبانه مع العيال ومطلعين عينيها، ربنا يعينها، وقولها معلش

 

تستحمل بس الواد لحد امه ما تخرج بالسلامة.
– اية بس اللي بتقوليه ده يا أمي، سمية بنت أصول، وعمرها ما هتضايق، ادخلي ريحي انتِ على الكنبة دي، وانا هروح اوصي الممرضة تبعتلگ فرش، وهجبلگ اكل معايا.
– لأ مش هقدر ابلع لقمه في جوفي، روح انت لعيالگ، وربنا يعينگ عليهم.
– حتى لو مش هتاكلي، يبقى جنبگ، لازم تتقوي عشان تقدري تقفي على رجلگ، و نقدر نسندها يا أمي، ولا اية؟

 

– حاضر يا بني، ربنا يعدي الازمه دي على خير يارب.
– بإذن الله كله هيعدي، وهتبقى ذكرى تفتكرها وتضحگ عليها، غزال انا واثق انها هتقوى وتخرج من التجربة دي احسن الف مره من قبل كده، احنا بس ندعلها من قلبنا وربنا كريم.
– كله خير من عند ربنا، قوم انت شوف حالگ يا بني، عشان متتأخرش اكتر من كده.
تركها و اوصى الممرضة بأن تجلب لها غطاء، ثم ذهب لشراء وجبه طعام وعاود ليطعمها وتحت ضغط منه بعد ان ادعى انه يأكل حتى تتناول والدته القليل، ثم

 

 

تركها وتوجهه لمنزله، وعندما وصل كان صراخ “شادي” لا يهدأ، هرول مسرعًا نحو زوجته، وجدها تسير لتهدأه، وحين رأته قالت:
– ينفع كده يا سند كل دي مكالمات بتصل بيگ وانت مش بترد عليا؟
نظر لهاتفه فوجوده على وضع الصامت، فعتذر لها وقال:
– آسف معلش مأخدتش بالي انه صامت، كان في حاجة؟ وليه شادي بيعيط كده؟

 

 

اخذه منها وربت على ظهره وقبله بحنان شديد، ثم قالت له:

 

 

– كنت عايزة اسألگ على نوع اللبن اللي بياخده، الولد يا قلب امه جعان، وانا مش عارفه غزال بتأكله ايه في سنه ده؟
– انا ملقتش هناگ أي لبن خالص، طب اية الحل؟ اوديه لدكتور أطفال يكتبله على لبن، ولا اعمل أية؟
– مش عارفه يا سند، خايفة الولد ياخد لبن صناعي؛ يقوم يرفض لبن امه بعد كده؟
– شكل الموضوع هيطول يا سمية، يعني هنموت الولد، أنا هاخده وانزل بيه الصيدلية اللي على أول الشارع، منها يتهوى والدكتور هناگ يشوفه ويديني لبن ياخده.

 

 

– خلاص اللي تشوفه ياحبيبي، ربنا معاه ويشفي امه يارب، هي عامله اية دلوقتي طمني عليها، والله عايزة اروح اشوفها بنفسي، بس مش عارفه اودي الولاد فين؟
رد والحزن كسا وجهه رادفًا:
– كتر خيرگ انگ مراعيه ابنها، وهي ربنا يتولاها برحمته، منهاره يا سمية، منه لله جوزها، حسبي الله ونعم الوكيل فيه، هو اللي وصلها للانتحار، يالا هيروح من ربنا فين.
– لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، ربنا يعفو عنها يارب، ويعوضها خير، ومفيش بنا شكر، غزال تعتبر أخت ليا، واشيل ابنها جوه عينيا.

 

 

ضمها وقبل جبينها بحب وقال:
– بنت اصول يا سمية، انا قولت لماما نفس الكلام، ان سمية بنت اصول ومش هتقصر، ربنا يكرمگ يارب، هنزل أنا اجيب اللبن، مش عايزة حاجة اشترهالگ؟
– سلامتگ ياحبيبي.

 

 

– هما صحيح الولاد فين مشفتش حد منهم؟
– فضلوا يلعبوا مع شادي شوية، ولما فتح في العياط، سابوه ودخلوا يناموا.
هز رأسه بتفهم ثم غادر لأسفل ليجلب للطفل اللبن، و حين استنشق عبير الهواء سبلت عيناه، و غاص في سبات، قام بشراء المطلوب ومعه الزجاجات الخاصه به، ثم عاود لمنزله.

 

 

* * * * * * * * * * * * * * * * * *
ظل “فؤاد” يسير في الطرقات لا يعرف أين يذهب، مشاعره في حرب ضميره وعقله ينهره بشده لما فعل معها، بينما قلبه يرقص ويدق طبول الفرح لتخلصه منها ولقربه من حبيبته “يارا” للمره الأولى تختلف المعادلة ولكن لكل قاعده شواذ، فـ كان دائما العقل يقف ضد القلب؛ ولكن في حالة “فؤاد” قلبه هو من يقف ضد العقل، لأن قلبه امتلكته امرأه أخرى غير زوجته، ظل في حربه تلگ، حتى وصلت قدماه إلى منزله، صعد وحين انفرج الباب ودخل؛ وجد الصمت و السكون ملئ كل الجدران، حاله من الصمت الرهيب، كأن البيت فقد الروح وبقى بدون روح، هل كانت غزال هي من تجعل للمنزل روح مبهجه؟
أين ترحابها وابتسامتها له؟

 

 

لماذا عقله يستخدم اسلوب السيطرة عليه ويذكره بكل ما مضى؟
يذكره باهتمامها له، بتلبية مطالبه بدون أن يطلب، عيناه وقعت على كوب الشاي الذي مازال ممتلئ ولم يرتشف منه اي رشفه، وبجانبه الكعكه التي اعدتها له ولم ينتبه لهما، تذكر كل مره وضعته له مع ابتسامه تشق الشفاه وبكل حب تدعو له ان يتناوله بالهناء والشفاء، ولم يلقي على مسامعها كلمه شكر لمره واحده.
نهض و وقف بجانب مائدة الطعام، فكم من المرات غضب على الطعام، بسبب قلة الملح او زيادته، وهي ترد عليه بكل هدوء وتعتذر، ثم تركض لتعد طعام غيره بمنتهى الرضا وبدون تعقيب؟!
أغمض عيونه وسجن تلگ الذكريات، ثم دخل غرفة نومه، وشاهد ما فعلته بالمرآه، وحالة الفوضى بها، تعجب بشدة، فـ لم يتوقع ان حديثة معها هو من فعل بها كل ذلگ !!

 

 

جلس على فراشه وتأثر، استلقى ومدد جسده وصورتها تتبختر أمام مقلتيه، يشتم رائحتها في الغرفة، يشعر بلمسه يداها على ظهره حين كانت تحاول معه لتقترب منه، وهو يرفض ويوليها ظهرة بكل قسوة غير مراعي لمشاعرها، نعم كان يقسو عليها ويحرمها من ابسط حقوقها في الحياة، وهي لم تشتكي يوم او تثور، بل هو الذي كان يثور لاتفه الأسباب، ولم يكتفي بكل ذلگ بل هجر فراشها واصبحت غرفة الاطفال هي ملجئ هروبه منها.
ظل عقله يجلده بسواط من حديد، وحرم عليه النوم، فكان سطوته عليه اشد آلاف المرات من قلبه، ايقن انه اضاعها للأبد، وعند هذا اليقين صرخ القلب واوجفت

 

 

نبضاته بسرعة توهمه بالجنة التي وعدته بها محبوبته، وان الآتي سيكون افضل مما مضى، تبسم “فؤاد” وقال في نفسه بسعاده:
– ايوه كده احسن، ويارا هتعيشني اللي عمري ما شوفته مع غزال، لازم انسى غزال و امسحها من حياتي، وأعيش بس لـ يارا، وفي اقرب وقت هبيع شقتي دي عشان انسى كل ذكرياتي معاها، واشتري شقة تانيه بذكريات أجمل وأحلى.
توصل لهذا القرار، وقرر أنه سيبلغ حارس العقار ويعرض الشقة للبيع، هاتفه و ابلغه بالمبلغ الذي يريده، وما ان انهى معه، وانتشر الخبر بين السكان على جروب العقار، وعندما علمت جارتها “هناء” شهقت بفزع وتعجبت من زوجها، كيف يتصرف في شقتها وهي ما زالت بالمشفى مريضة، لذا استأذنت من زوجها بزيارتها غدا لتطمئن عليها.
لم تغفى عينان والدة غزال دقيقة، فـ طوال الوقت محدقاها بعيون مترقبه لعلها تستيقظ وتطمئن عليها، لم تجيب لحديث الممرضة لها بأن تستريح ولو قليلا، فكيف لعيون الأم تنام وهي تشعر بأن فلذة كبدها تتألم، ظلت تبكي في صمت حتى أشرق نور الصباح، وفاقت على صوت ابنها يلقي عليها تحية الصباح ويتسائل بنبره قلقة:

 

 

– شكلگ منمتيش يا أمي؟!
– ما ينام إلا خالي البال يا سند، طمني شادي عامل اية؟
– اطمني زي الفل، سمية مخليه بالها منه، المهم غزال لسه على حالتها؟
نظرت إليها في حزن وقالت:
– لسه يا بني، مفيش جديد.

 

 

– هروح اشوف الدكتور يطمني عليها.
خرج و اثناء خروجه تقابل مع جارتها، فـ القت عليه التحيه و ولجت للداخل وتعرفت على والدتها وقالت:
– انا هناء جارة غزال، حبيت اطمن عليها، عامله اية يا طنط دلوقتي؟
– اهلا يا بنتي، اهي زي ما هيه، من وقت ما فاقت وصرخت في جوزها منه لله، وهي نايمه بعد ما اخدت مهدأ يهديها.
– يا خبر، هو استاذ فؤاد السبب في حالتها دي؟

 

 

– ايوة، امال هيكون مين غيره؟ ده اخوها طلقها منه امبارح بعد ما اتحايلت عليه.
حين سمعت اخر جمله ادركت الآن لماذا قرر بيع شقته، لذلگ كان عليها ان تقول ما تعرفه:
– الحمدلله اني جيت في الوقت المناسب عشان اقولك وانبهگ يا طنط تاخدي بالگ قبل الكارثة ما تحصل؟!
حدقتها في خوف وصكت بيدها على صدرها في ذهول قائلة:
– كارثة؟! كارثة اية كفالله الشر يابنتي قلقتيني، هيحصل اية اكتر من اللي بنتي بقت فيه؟
– جوزها أعلن عن بيعه للشقة بتاعة.
وهنا كانت الصدمه تعتلي وجهها، فصكت على وجنتيها هذه المره، في حركة معتاده عليها حين تسمع خبرًا سيئًا وقالت:

 

 

– يا نهاري، هي وصلت لحد كده؟! الواطي الدون، قليل الأصل عايز يبيع شقة بنتي بعفشها وحاجاتها وهي حاضنه؟
جاء “سند” وتعجب من حديث والدته فسألها، فأجابت:
– الحق يا سند، شقة اختگ الندل عرضها للبيع لولا بنت الاصول دي نبهتنا، كان حق المسكينة دي راح.
– هو فاكرها سايبه ولا اية؟ وديني لهوريه الوش التاني، وهروح اعمله محضر اثبات حق ملكيتها للشقة بحكم انها حاضنه، ويوريني هيتصرف فيها ازاي؟

 

 

– روح بسرعة يا سند على الشقة واستنى لما يخرج وخد معاگ نجار وغير كالون الباب، وحط قفل على الباب.
– حاضر يا أمي، وبعدها هعمله محضر اثبت فيه ان اختي حاضنه للشقة و يوريني هيعمل ايه؟
– ايوة كده، وجمعله هدومه في شنطة عشان ميبقاش له حجه.
– انا الود ودي اولع فيه هو هدومه.
قال كلامه وعيناه تطير منهما الشرار، خرج لينفذ ما يريدة، ولحسن الحظ انه عندما سأل عليه اعلم بعدم وجوده، فكانت فكره جيدة عندما اخذ منه مفتاح

 

 

الشقة، استجاب للهاتف الذي راوده عمل نسخه منه، والآن جاءت وقتها، بدل كالون الباب، ولم يكتفي “سند” بذلگ بل هاتف ايضًا حداد وتم عمل باب حديدي على باب الشقة ليمنعه من الدخول نهائي، و وضع عليه قفلا عليه، ثم دفع حساب العمال وانصرف بعد ان حمل حقيبة سفر كبيرة واعطاها لحارس العقار ليعطيها لطليقها عند عودته، وانطلق لقسم الشرطة يكتب بلاغًا فيه، ويثبت حق اخته وتمكينها من الشقة عند خروجها من المشفى.
وعاد بعد انتهاء عمله “فؤاد” وعندما شاهد المنظر اصابته الصدمه، وامسگ الباب الحديدي يهزه ويحركه بكل قوة، كمن حبس داخل عرينه ويريد الفرار والحرية،

 

 

كان صوت زئيره يعلو وهو ينادي على الحارس، الذي سمع صوت زأيره انتفض وصعد له وحين رآه صاح فيه وسأله فقال الاخر:
– يا فندم أنا مليش دعوه، اخو الست غزال هو اللي جه وعمل كده؟
– ومتصلتش بيا ليا يا بني آدم؟
– يا بيه ساعتها اتصلت بيگ كتير لكن المحمول بتاعگ كان مقفول، انا ذنبي اية؟ و اخوها ساب لسيادتگ شنطة هدومگ معايا تحت.
– هي حصلت لكده، ماشي يا سند اما وريتگ مبقاش انا !!
انحدر لأسفل يأخذ الحقيبه، ثم توجه لمنزل والده، وعندما شاهده والده قال له متسائل بلهفه:
– خير يا فؤاد، جاي بشنطة هدومگ ليه يا بني؟
وضع الحقيبه بجانبه وجلس و وجهه مكفهر من الغضب قائل:
– اخو الهانم طلقتي، غير كالون الباب وحط باب حديدي عليه، عشان يمنعني ادخل شقتي، شوفت قلة ادب اكتر من كده؟

 

 

ذهل والده مما قال، وتعجب بشده كيف له ان يفعل ذلك؟ لكن راجع حديثه واستوقف عند كلمه طلقتي وقال بصوت مرتفع:
– انت بتقول طلقتي؟ انت طلقت غزال يافؤاد؟
– ايوة طلقتها امبارح.
رد ببرود شديد، وبلا مبالاه، جعلت والده يستشاط غضبًا، فسأله عن السبب، فـ قص عليه ما حدث، نهض والده الحنون والمحب لزوجته، وامسكه بغضب قائل:
– انت أكيد اتجننت في عقلگ يا فؤاد، بقى تطلق مراتگ الست الكومل اللي عمرها ما غلطت فيگ ولا في أي حد يخصگ، وكانت بتعامل الكل بالترحاب، والوجهه البشوش، عشان بس وزنها زاد؟!

 

 

اخس عليگ وعلى تربيتگ، عمري ما كنت اتصور انگ تطلع بالحقاره دي ابدا، يا خسارة تربيتي، الحمدلله ان امگ ماتت قبل ما تشوف اليوم اللي ابنها هد بيته وخربه باستهتاره، ذنبها اية المسكينة الراقده في المستشفى دي؛ بدل ما تقف جنبها وتحاول تطيب جرحها منگ، تقوم تطلقها.
قاطعه ورد بعنف لشده هجومه عليه رادفًا:
– انت مالگ مكبر الموضوع كده ليه؟ تكنش هي اللي بنتگ؟! اللي حصل حصل خلاص، انت يا بابا مش حاسس بيا، انا كنت مدفون معاها، دي مكنتش ست، كل يوم كنت بكبر فيه عشر سنين، كرهت العيشه معاها، وبكره هتجوز ست ستها، بس للأسف الشديد كده الشقة طارت ومش هعرف اجيب غيرها، الا إذا انت هتساعدني ؟!!
كان يرمقه بآسى لما وصل له من جحود تجاه ام طفله، الذي تركه دون الانتباه لمصيره؟ كيف اصبح حاله بهذا الشكل الأناني؟ فهو متعجب كل تصرفاته، لا يظن ان الواقف امامه هو من رباه وزرع فيه كل القيم والأخلاق؟

 

 

عندما طال صمته استشعر “فؤاد” رفضه فقال في رجاء:
– انت هتتخلى عني يا بابا ولا اية؟
– زي ما انت اتخليت عن مراتگ وابنگ، منتظر مني ايه يا فؤاد؟
قال كلامه بتأثر وحزن، ثم ضرب كفًا بكف ودلف داخل غرفته يبدل ملابسه ليذهب إلى من يعتبرها ابنته، فهو لم يرى منها إلا كل خير منذ معرفته به، وتركه جالسًا يفكر ماذا سيفعل مع محبوبته، ظل يفكر في كل البدائل والحلول، حتى توصل لحل، قام بمهاتفتها وحين ردت عليه أثلج قلبه وبردت كل نيرانه، فقد كان صوتها بمثابة ترنيمة تغنت بها ليتراقص فؤاده، رد بهيام وفرحه:

 

 

– وحشتيني يا يويو اوي، عندي ليكي خبر هيفرحگ جدا.
– قول يا فؤش شوقتني.
– انا طلقت مراتي، وبقيت خالي وموريش غيرگ يا روحي.
– انت بتقول اية؟
– اية الفرحة لجمتگ ولا اية؟
– اه طبعًا، اصلگ كنت رافض تسبها عشان ابنگ، اية اللي جد؟
– متشغليش بالگ انتي، اللي حصل كتير اوي، ومش عايز اشغلگ، المهم النتيجة، هنتجوز امتى؟
– اول ما تكتبلي الشقة على طول هنحدد معاد، واعتقد كده ملكش حجة؟

 

 

– اااصل… اااصل؟
– اصل اية يا فؤاد؟ انت مخبي عني اية؟
– بصراحه كده اخو مراتي اخد الشقة ومنعني ادخلها، بيقول دي شقة اختي وهي حاضنه.
– نعم يا روح الروح؟ مليش فيه يا عنيا، لما تبقى تحل مشكلتگ تبقى تكلمني يا عنيا؟
تكلمت بلهجة لم يسمعها منها من زي قبل، صدم من ردها!! اين رقتها وحنانها طوال الشهور الماضية؟ لماذا تحولت الآن بهذه الطريقة؟ فقال بتعجب:

 

 

– انتي ليه بتتكلمي معايا كده؟ اية اللي غيرگ يا يارا؟ فين حبگ ورقتگ؟
– كان في وخلص يا روحي، معاگ شقة تبقى حبيبي و اشياك في عنيا؛ لكن معكش يبقى ميلزمكش يا روح الروح، خلص الكلام يا عنيا ومعنديش كلام تاني اقوله.
– طب انا عندي حل، اسمعيه يمكن يعجبگ؟
– اوووف بقى قول وخلصني؟
– أنا والدي كبير وعايش في شقة كبيره، وبعد عمر طويل هتبقى شقتي لاني ابنه الوحيد، فـ اية رأيك نتجوز ونعيش معاه؟

 

 

– نعم نعم ؟! انت باين عليگ اتجننت وخرفت يا فؤاد، انت عايزني اتجوز في شقة ابوگ وابقى مع الوقت خدامه و ممرضة ليه وليگ، لأ يا حبيبي شوف ممرضة غيري تقبل بالوضع ده، ميحكمش عليا يا عنيا، معطلكش سكتگ خضرا مفروشه بالورد، سلام.
– يارا اسمعيني بس، نتفاهم يابنت الناس؟
لم يجد رد غير انها اغلقت الهاتف في وجهه، ولم تستمع لنبره صوته المترجيه لها، لكنه فاق على حقيقة مؤلمه؛ وهي تغيرها المفاجئ حين علمت انه لن يستطيع شراء شقة ويسجلها بأسمها، احقًا كانت تتدعي الحب والعشق؟ أكانت بارعة لهذا الحد، اوهمته ونسجت خيوطها العنكبوتية حوله؛ حتى يقع مذلولا في غرامها، والآن تتخلى عنه؟!

 

 

عقله ذكره كيف كانت “غزال” تعامل والده كأنه اباها، وتسهر على راحته عندما كان مريض، وقامت هي بتمريضة وهي في آخر شهور الحمل، وتحملت كل أوجاعها حتى شفي، ثم عادت لمنزلها، للتو عرف قيمتها، ويا ليته ما علم.. !!
فأن حسرته الآن عليها لا تعد ولا تحصى !!
رمقه الأب ولاحظ عبوسه و الحزن الذي عشش اهدابه، وتأكد مما سمعه منذ قليل وقال بتأكيد:
– باعتگ مش كده؟
رفع بصره وتعجب من قوله، فـ استرسل اباه قائلا:
– وكنت منتظر اية منها غير انها تبيعگ، ومترضاش تقعد مع ابوگ، ده على اساس اني كنت هرضى اصلا بالحل ده؟!

 

 

ربنا وراگ ان كان معاگ جوهره ماسة بيضو نورها في الظلام عشان تنور طريقگ، لكن انت بعنجهيتگ وغرورگ ضيعتها من ايديگ، وهتندم عليها العمر كله.
حاول ان يتحدث لكنه قاطعه واكمل قوله:
– هتقول اية؟ جسمها مش كده؟
هل فعلا فؤاد محبش غزال، وكان بس بيدور علي جمال الجسم؟
وغزال هتفضل كده عايشة في الم الذكريات؟

يتبع…

 

 

هو في راجل عاقل يعيش مع مراته عشان جسمها حلو، ولما يتغير يقلب عليها، يابني حب الجسد فاني، وحب الروح هو الدايم، افرض كان حصلگ حاجة لاقدر الله، هل كانت هتتخلى عنگ في يوم غزال، ولا كانت هتسيبگ لو شكلگ اتغير؟
ابدا لأنها قبل ما تكون بتحبک، فـ هي بنت اصول وهترضى تعيش في اي وضع، بلاش مقاوحه واعترف انگ محبتش غزال ابدا، لأن اللي بيحب بجد مش

 

 

بيشوف غير كل حاجة طيبه في حبيبه، ومش بيهمه اي تغير شكلي بيطرأ عليه، لأن حلاوة روحه هي اللي بتكسب يا فؤاد، وانا دلوقتي بقولهالگ انت هتندم ندم عمرک على ضياع ام ابنک، لأنها كانت فعلا حلوه شكلا و روحًا، بس انت للأسف مشفتش حلاوتها واعماک غرورک وبص على حاجة تافهه تعلق عليها غلطتک.
قذفه الأب بوابل من الرصاص دفعه واحده دون رحمه، فكل حرف نطق به بمثابة رصاصه تسربت داخل قلبه، وتركت ندبه تذكره بها طوال عمره، فـ مع كل آسف كلامه محق فيه، فهو يعلم انه خسرها للأبد ولا مجال للعوده بينهما و وصل خيوط المحبه من جديد، فـ جرحه لها عميق عمق بحر احزانها منه، والآن هو الظالم والمظلوم في آن واحد؛ الظالم حين ظلمها وجرحها، ومظلوم حين وقع تحت براثن انسانه حقيره انتهازية اوهمته الحب حتى وقع في حبها، ثم ظهرت حقيقتها عندما فقد شقته وتخلت عنه واهانته.

 

 

ظل هكذا تائه لا يعرف للتفائل عنوان يدلف بداخله ليجد طاقة نور تنير الظلام الذي يعيش بداخلة، ويا حسرتاه فهو من تسبب فيه مع كل آسف.
وصل والده “محمود” إلى المشفى ليقوم بزيارة “غزال”، دخل إليها وجد والدتها جالسه تنظر لها في حسره، وحين رآته امامها، كانت ستلقي عليه اللوم والعتاب، لكنها تراجعت في اخر لحظة، وابتلعت حديثها داخل جوفها ورحبت به، فـ ابنتها لم تشاهد منه إلا كل خير، ولم تذكره امامها بأي سوء، تقدم نحوها وقال بحرج:
– والله يا أم سند انا ما عارف اوريكوا وشي بسبب اللي عمله فؤاد، لكن هقول اية، شيطان ودخل بينهم، هي عاملة اية دلوقتي؟
رد أخاها بغضب وبحنق:

 

 

– والله ما في شيطان غير ابنک، بلاش تظلم الشيطان، لأن اللي عمله المحروس ابنک فاق عمايل ابليس بذات نفسه.
طأطأ “محمود” رأسه في خجل، ولم يجد أي دفاع عن ولده، لكنه قال بنبره حزينه:
– عندک حق تقول اكتر من كده يا سند، وانا والله لما عرفت ما سكتش، وبستفته، بس مقدرش اعرف أن غزال اللي بعتبرها زي بنتي تعبانه ومجيش اطمن عليها.
رد “سند” بضيق:
– لا كتر خيرک، وخير ابنک اوي، عملتوا الواجب وبزيادة.

 

 

– اتفضل يا ابو محمود، اقعد كتر خيرک تسلم.
قالت والدته حديثها، ثم نظرت لابنها رادفة:
– عيب كده يا سند، كفاية أنه جه يطمن على اختک، روح هات حاجة يشربها عمک محمود من الكافتيريا.
– كتر خيرک، انا مش عايز حاجه، كل اللي عايزة اطمن على غزال.
– لا ازاي تقول كده، واجبک تاخده ويسلم سؤالک، اتحاک يا سند.
اومأ لها في طاعة وقال موجه حديثة لمحمود:

 

 

– قهوتک تحب تشربها اية يا عم محمود.
– مظبوط يا بني.
– تحبي اجبلک معايا حاجة يا أمي؟
– شكرا يا حبيبي، ربنا ميحرمنيش منک ولا من اختک يارب.
قبل جبينها ويدها، ثم القى نظره حزن على اخته، وتركهم ليجلب القهوه، كرر “محمود” سؤاله فأجابت:
– زي ما هي يا حج محمود، بتصحى تصرخ بأسمه، تيجي الممرضة تديها مهدأ تنام تاني، وهكذا، والله مش عارفة اية اللي حصل و وصلها للمرحلة دي؟
– لاحول ولا قوة الا بالله، ربنا يعفو عنها، ويسامح اللي كان السبب.

 

 

سمعت رده وصمتت تقديرا له، لكن بداخلها كان تريد التحدث بالكثير والكثير، جاء “سند” و وضع القهوة امامه، وقال بعتب ولوم:
– يرضيک اللي عمله ابنک يا حج محمود؟ وكمان لولا ان جارتها جت نبهتنا كان باع شقتها بكل جبروت؟
هو ده تصرفات ولاد الأصول؟ هو فاكر أن ملهاش ظهر يحميها وياخد حقها، اقسم بالله أنا لولا عامل حساب لحضرتک كنت اتصرفت تصرف تاني خالص.
ظهر الدهشة والتعجب على صفحة وجهه، ابصره قائلا بنبره غضب:
– هو كان عايز يبيع الشقه كمان؟
– انت متعرفش؟

 

 

– والله يا بني انا لسه عارف دلوقتي حالا، وقالي انک اخدت الشقة منه، بس معرفش بكل ده؟
زفر أنفاسه الحارقه وضرب “سند” بكفيه فوق بعضهما متعجبًا ثم قال:
– يانهاري على قلب الحقايق، هو أنا اخدتها من نفسي كده، مش لما عرفت أنه عايز يضيعها ويبعها، وحق اختي وعفشها يروحوا، عقل ابنک ياحج محمود، وقوله عيب اللي بيعمله في بنات الناس، لأن دي مش تصرفات رجاله ابدا.
شعرت أمه بمدى الخجل الذي أصبح فيه الرجل، فاشفقت على حالته، فوجهت حديثها لابنها رادفة:

 

 

– بزياده يا سند، الراجل ملوش ذنب في عمايل ابنه، بلاش تحمله فوق طاقته، كل واحد ربنا هيجازية عمايل ايده.
وانت ياحج متشكرين على سؤالک، منجلكش في حاجة وحشه.
رد “محمود” والعرق يتصبب من جبينه من شدة الإحراج الذي وضع عليه من نتاج تصرفات ابنه، وقف وصافحهم، ثم تقدم من “غزال” وقبل جبينها ودعا الله أن

 

 

يتم شفاءها على خير، ثم انصرف، وحين خرج زفر “سند” انفاسه بحرقة وقال بغضب:
– انا مش قادر اصدق اية الناس دي، صنفهم اية؟ عندهم دم بيجري في عروفهم كده زينا؟ ولا اللي بيجري ده ميه بارده ؟ ربنا يحفظنا منهم.
– يابني الامور مش بتتاخد كده، بلاش تحط كل الناس في كفه واحده، وتقسهم بنفس المقياس، الراجل عمرنا ما شوفنا منه إلا كل خير، واختک كانت بتحبه جدا، وبتعتبره زي ابوها، العيب على ابنه، هو ملوش ذنب.
– ازاي ده يا أمي، هو مين اللي رباه، مش هو؟ يبقى مذنب ولا لأ؟!

 

 

لو علمه أن الرجوله أنه يحافظ ويصون زوجته، ويشلها تاج فوق راسه؛ مكنش ده يبقى حالها؟!

 

 

اختي عمرها ما اشتكت، كانت طول الوقت بشوفها تدبل قدام عيني، ولما اسألها تقولي الحمل بس تعبني يا اخويا، يسلملي سؤالک يا سندي، أقول يمكن تكون كده، لكن قلبي طول الوقت كان قلقان عليها، واهو يا أمي قلبي مخيبش ابدا، واتاريها يا قلب أخوها كانت بتتألم في صمت عشان متزعلناش.
هزت والدته رأسها مأيده حديثه، ثم ردت هاتفه:

 

 

– عندک حق يا سند، اختک كتومه اوي واي حاجة بتضايقها بتكتمها جواها وتخبيها عن الكل.
– وده سبب كمان في تعبها، كتر الكتمان اللي عايشه فيه خلاها يا حبيبتي تطب ساكته، منک لله يافؤاد اللهي لا تكسب ولا تشوف سعادة في يوم على ظلمگ للمسكينة دي.
أنهى كلامه وسمعان صوت انينها المتألم بصوت خافض، ودموعها الغزيرة المنساقه على وجنتيها تروي وسادتها، اقتربا منها الاثنان، وعندما فتحت مقلتيها، ارتمت في حضن اخاها تبكي بحرقة من وجعها الذي تشعر به، بكت والدتها من أجلها، اشتد “سند” في ضمها وقال بنبرة متحشرجة باكيه:
– بكفاية دموع على واحد ندل مايستهلش دمعه واحده تنزل عليه، ارحمي نفسک يا غزال، فوقي لحالک عشان ابنک محتاجلک، وامگ اللي عينيها ورمت من

 

البكا عشانگ، انا جنبگ وفي ظهرگ، سندگ اللي عمره ما هيسيبگ ابدا، عشان خاطرنا ارجعي تاني تنوري دنيتنا.
– اسمعي كلام اخوكي يا غزال، يرضيكي أموت بحسرتي عليكي يابنتي، حرام اللي بتعمليه في حالگ ده، انا قلبي وجعني عليكي.
رفعت بصرها تنظر لهما بعينان حمراء من أثر البكاء، ثم اخفضتهما في حسرة وحزن، كم تمنت أن تصرخ وتقول لهما عما تشعر به من ألم، تقول لهما حديثه الذي القاه على مسامعها، وما تسببه من جرح داخلي يصعب التئامه في يوم؛ لذا صمتت، وعند هذه اللحظه قررت عدم البوح والحديث، فـ أحيانًا يكون الصمت ابلغ لغة لا يفهما البعض.

 

 

جفت الدموع وتصحرت المشاعر من الجفاف، وبقى الحزن والنزيف ينزف في صمت، وآنينها هو من يعلو حين تكون بمفردها، باءت كل محاولات الجميع في جعلها تتحدث وتقص عما في جوفها، قذفت كل الآمها واوجاعها داخل بئر عميق وابت ان تخرجه لأي بشر، كانت الأيام كلها تتشابه، ولا يوجد يوم مميز، كل لياليها سوداء مثل عيونها لا ترى اي وميض يضئ لها نور الصباح، الطعام تتناول منه قليل القليل، تحيا على هامش الحياة، سؤال فقط يراودها ولا تجد له إجابه، لماذا اقترب منها وحاول كثيرًا للنيل من قربها، وبعد أن تملكها قذفها بأبشع الكلمات قسوة؟ لو لم يحبها لما تزوجها؟
زاد سخطها على روحها وكرهها لنفسها أكثر مما كان، فكرت مره ثانية في الانتحار، وذلگ حين لمحت بعيناها مشرط صغير وقع سهوًا من الممرضة على الأرض، كادت ان تلتقطه وتخبئة، لكنها تراجعت في اخر لحظة، فـ الذي اوقفها كان أكبر من كل اوجاعها؛ جعلها تتمسگ بالحياة برغم كل شيء، وكيف لا وهي

 

صور احب اشخاص داخل قلبها، صغيرها، والدتها واخاها، هم كل ما لها في الحياة، فـ اختارتهم في اللحظات الاخيرة.
وفي ذات يوم جلست الطبيبة “آلاء” بجانبها تحاول التحدث معها ربما تتقبل اليوم، لكنها ما زالت على عينادها في عدم التحدث، فقالت لها وهي تقدم لها مجموعة من الورق، وقلم هاتفه:
– انا النهاردة مش هتكلم معاكي زي كل يوم، لكن هقترح عليكي اقتراح واتمنى انگ تنفيذيه.
لمحت الفضول في عيناها الكحيله تسألها فاجابت:
– هقولگ، عايزاكي تحاولي تخرجي كل اللي جواكي يا غزال على الورق، ايوة ماتستغربيش، أنا عارفة انگ كتومه جدا ومش بتحكي لاي حد مشاكلگ ولا احاسيسگ، فـ اية المشكلة انگ تخرجيها على طيات الورق، صدقيني تجربة تستحق انگ تجربيها واكيد هترتاحي.

 

الكتمان غلط يا غزال، انگ تفضلي تضغطي على نفسگ وتحويشي كل اللي بيضايقگ جواكي، زي بالظبط ما بتجيبي بلونه وتفضلي تنفخي وتنفخي فيها وهي بتكبر، وانتي مش مدياها اي منفذ تخرج الهوا، منتظره منها ايه غير إنها تفرقع.
وده اللي حصل معاكي يا غزال، نفسي عن كل اللي وجعگ وخرجيه، واياكِ انگ تكتمي مره تانية، أنا هقوم دلوقتي وهسيبگ تفكري في كلامي.

 

 

نهضت من مجلسها ونظرت لها تبث لها القوة والثقه، ثم اولتها ظهرها واقتربت من والدتها الجالسه حزينة من أجلها وقالت:
– وجودگ يا حجة ملوش اي لازمه، ياريت تديها مساحه أنها تساعد نفسها وتخرج من عنق الزجاجة، وتنطلق وتبقى انسانه جديدة غير غزال الضعيفة المستسلمه لقدرها.
– بس قلبي مش هيقدر يا دكتورة اسبها.
– لازم تقدري، وتعالي في وقت الزيارة شوفيها، لو سمحت ده هيكون لمصلحتها، ياريت تساعديني في علاجها.

 

ابصرتها والدتها في حنو، وتنهدت بحزن لحالها، ثم رمقت الطبيبة بقلة حال واومأت بالموافقه، تبسمت “آلاء” لها وانصرفت تباشر عملها، بينما والدتها اقتربت من “غزال” وقالت:
– على عيني اسيبگ يا حبيبتي، بس عشان تتحسني وترجعيلي من تاني، وحيات غلوتي عندگ ارجعيلي يا بنتي، ابنگ مستنيكي.
رأت “غزال” الدموع والحزن ساكن مقلتيها، حزنت اكثر من آجلها، ودعت الله ان يزيح عنها كربها وخوفها، قبلتها الأم وتركتها تفكر وتفكر فيما تفعل؟
هاتفت والدتها ابنها الذي كان بالقرب منها، واخذها متوجهان لمنزل “غزال” فقد صممت الأم على ذلگ؛ حتى تثبت حق ابنتها في الشقة، وطلبت من “سند” أن ياتي بأسرته ليجسلوا معها حتى تشفى ابنتها.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *

 

عيناها تبحلق في الورق بشده، تشعر بأن هناگ شيء يجذبها، قوة خفيه تجعلها تتقدم نحوها وتمسگ بالقلم، وعقلها يعيد عليها ما مضى من شريط ذكرياتها المليئ بالاحزان المؤلمه منذ صغرها، امسكت بيد مرتعشه القلم محتضناه بين أنامل راحتها، لتكتب مكنون صدرها و لتفرغ داخل طياته ما تشعر به من حمل وهموم تكاد ان تفتك بها، ربما تجد حل لتفريغ ما بجوفها، سردت بدون أن تكون واعيه لما تكتب قوة خارجية اجبرتها …
كان الحبر الذي يخط على الأوراق ما هو إلا حروف من الألم، نزيف أوجاع وآهات سنوات كثيرة مضت، ولم يتوقف هذا النزيف لحظة، كيف تطالبها أن تقص ما تجاهد روحها بأخفاءه ونسيانه؟ فـ هي تريد ذاكره غير ذاكرتها لتبدأ من جديد، فهي حقًا تكاد على حافة الانهيار….
نعم أنا “الغزال الباكي” الذي يبكي على حاله في صمت دون أن يرآه أحد؛ حتى لا تضعف كل قواها و تنهار، لقد كتمت كل ما أشعر به حتى لا أحمل من أحب همومي واحزاني، أعلم أن لـ كل منا يأخذ حظ من اسمه؛ إلا أنا فـ اسمي هذا كان أكبر مشكلة في حياتي، وسبب كل وجع عشته في يوم !!

 

غزال ولم أخذ منه شيء إلا العيون السوداء العميقة، عيوني التي كانت تبكي دائما طوال الوقت، أما الجسد فلا يمس له بصله… أنا الفتاة الممتلئة التي كم عانت من (التنمر) منذ أن كانت طفلة صغيرة، قد يظن البعض أن سبب هذا الامتلاء هو تناول الطعام بشراهه؟!
لكن الإجابة ليس بذلگ، قد كان جسدي يزيد بمجرد أن اشتم رائحة الطعام، لم يكن لدي أصدقاء حمميين، لأنهم بكل بصراحه لم يرغبوا اللعب معي لثقل جسدي، وقلة حركتي، تعودتُ على الإبتعاد والتقوقع داخل جسدي الممتلئ، لم احاول طوال سنوات دراستي أن أقترب من احد، ومرت سنوات عمري هكذا وحيدة، وحينما كبرت ودخلت المرحلة الجامعية حاولت بكل الطرق أن اخفي ديفوهات جسمي بارتداء المشد، واختيار الملابس الغامقه التي تخفي الكثير من المناطق الممتلئه، حتى اظهر بمظهر لائق، بعد أن فشلت في عمل نظام غذائي، حاولت كثيرا ومع كل مره افقد فيها الوزن؛ أعود مره أخرى لدرجة أني يأست من

 

الحياة… لا اخفي عنگ أن أسود لحظات حياتي كانت تمر عليا في المناسبات والأعياد، حينما اذهب لشراء ملابس جديدة، كل الأطفال يفرحون بها، إلا أنا لم أشعر بطعم السعادة؛ عندما كانت عيناي تقع على ملابس تنال اعجابي، وحين ارتديها لم تكن على مقاسي، كنت ابكي في صمت، وارضى بأي شيء اخر لم يكن على هوايا، كرهت روحي، وزادت

 

 

كرهي لها مع الوقت، لم تكن طفولتي سعيدة مثل باقي الأطفال، لم اعشها واشعر اني سعيدة امرح مثلهم واركض والعب في مرح، واركب الارجوحه وتعلو بي واقهقه مثلهم، كم تمنيت أفعل ما يفعلون، العب في الطرقات كل العابهم، لكن منعت من التمتع بهذه الرفاهية، فهم كانوا يرفضون، وأنا لم أستطع مجارتهم فيما يلعبون؛ لذا قررت النظر والمتابعه من بعيد، والحسرة تنهشني وتمزقني، كل هذا ولا أشكو لأحد، اسجنة بداخلي في كتمان.

”رواية الغزال الباكي” لتكلمة الجزء التالى من الرواية اضغط هنا?⏬???

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top