رد عليه قائلا وهو يحاول يدعي السعادة:
– ابو الفوز ازيگ وحشني كتير.
– انت أكتر يافؤش، اول ما شوفت رسالتگ انگ رجعت رنيت على طول، أنت متتخيليش مشتاق لقعدتنا اد اية، كويس أنك جيت في الوقت المناسب.
رد عليه وهو يتذكر مغامراتهما سويا:
– خير عملت مصيبه جديده، وعايزني استر عليك زي زمان؟
ضحك صديقه وهو يخبره:
– أنا فرحي اخر الأسبوع .
لم يصدق ما سمعه للتو ضيق عينه وقال بعدم تصديق:
– لا بتهزر، اخيرا هتعملها وتدخل برجلك الخيه، لا مش معقول، ومين بقى اللي وقعتك واقنعتك أن الجواز مش بيقصر العمر؟!
شرد صديقه بعيدا في من سلبت عقله وقلبه بطريقتها التي لا مثيل لها وقال بحب:
– وحده عمري ما شوفت ولا هشوف زيها جمال واخلاق مفيش زيها، حاجة كده في الخيال.
– لا كده لازم اتعرف على اللي وقعت الأسد الطليق في المصيدة.
– هتشوفها أن شاء الله في الفرح، بقولك ايه متيجى اشوفك انت وحشني واهو استغلك و تقولي رأيگ في الديكورات في الشقة، والعفش انت عارف مش بفهم في الحاجات دي، ولو انت موجود كنت نجدتني بدل ما بكع دم قلبي.
رد بسرعة ليهرب من نظرات والده رادفًا:
– ابعتلي اللوكيشن او قولي مكانها، هجيلك حالا.
أغلق معه بعد أن ارسل له عنوانها، وتحرگ فورا دون الالتفاف له، ولا مستمع لرجاءه بالبقاء، فقد كان الفرار هو الحل من وجهة نظره.
استقل سيارة أجره وابلغه بالعنوان، وبعد ما يقارب من ساعة وصل لمبتغاه، لمحه صديقة حين ترجل من السيارة، ركض باشتياق له معانقه بفرحه، ثم صعدا لأعلى ليرى الشقة، ولجا للداخل ليلقي نظرة عابره للغرف التي نالت اعجابه وشكر في تصميم المهندس، ودقته في استغلال كل المساحات بطريقة ذكية،
واستخدامه للمرايا لتعطي احساس بالوسع، كما اختيار الجبسن بورد رائع في الاسقف، وتنسيق واختيار الأساس وتناسقها مع الالوان، علامات الرضا كانت تحتل مراسمه، واشاد بروعة وجمال الشقة، سأله عن الشركة التي تم الاتفاق معه، وحين اجابه، تذكرها للتو، لانها هي نفسها الشركة التي كان يعمل بها، اراد “فوزي” ان يعرفه بمهندسة الديكور التي اعجب بتصميمها، فهو لم يلمحها حين جاء، سأل عليها أحد العاملين، شاور عليها بيداه، فنظر لما شاور فقال له “فؤاد” :
-هي اللي واقفه هناگ دي؟
– اه هي مدام غزال.
انتبه حين استمع لهذا الاسم وتردد صداه عدة مرات داخل اذنية، أيعقل ان تكون هي؟ كلا وبتى؟! فكيف؟
ان ما يراها امامه فتاة ممشوقة القوام، ترتدي بنطال مصنوع من خامة الجينز يبرز رشاقتها، وتيشيرت قطنيًا، وفوق رأسها كابًا يحجب عنه وجهها !! مأكدا تشابه أسماء لا أكثر..
نادى عليها “فوزي” بصوت مرتفع، التفتت له فتطاير شعرها المرفوع على شكل ذليل حصان، وتقدمت نحوه، وحين لمحها “فؤاد” كانت صدمته لا يضاهيها صدمتها هي،
فحين لمحته امامها تجدد الماضي وتجسد أمام عيناها من جديد، وتذكرت كل ما عانته، رمقته بنظره احرقته وهو واقفًا، عيناها تشع بغض وكره، شعرت بأن الهواء من حولها فرغ، لا يوجد اي مصدر للهواء برغم انفراج كل النوافذ على مصرعيها، لكنها كادت أن تختنق كأنه استنشق كل الأكسجين الموجود وابتلعه في رئتاه..
قدمها له فتبسم ومد يده “فؤاد” ليصافحها، نظرت ليده المموده باحتقار، فكيف جاءته الجرأة ان يمدها لها من الاساس، بعد الذي صار بينهما، رفضت ان تلامس يده المنغمسه بذلها واعتذرت معلله بانها لا تصافح الرجال؛ تعجبان من ردها، فسألها “فؤاد” :
– ازيگ يا غزال؟
– في افضل حال.
اندهش صديقة لمعرفته بها فسأله في تعجب:
– انت تعرف مدام غزال يا فؤش؟
– عز المعرفة، دي تبقى يا سيدي مر…
ردت بسرعة مقاطعته بحزم:
– طلقته.
عيناه تفترسها في اعجاب شديد، كأن في لحظة نسى من جمالها الذي اصبحت فيه ما صار له، وتخيلها في أحضانه، فقال بأعين معجبه:
– اتغيرتي واحلوتي اوي يا غزال، وبقيتي اسم على مسمى فعلا.
– اسمي المهندسة غزال، او مدام غزال يا بشمهندس، ياريت تحافظ على المسافه ومتتعداش الخط الأحمر بينا.
قالت ردها بقوة وجمود لم يشهدها منها من قبل، فهي ليس زوجته التي كانت تهابه وتخشى من غضبه، ولا تجرأ ان ترفع صوتها امامه، اما الأن يشاهد امرأه بها جبروت لم يتخيله انها تتصف به في يوم، وجهت حديثها لصديقة قائلا والضيق واضح على ملامحها:
– بإذن الله هنسلم حضرتگ في المعاد المتفق، عن اذنگ.
كادت ان تتحرگ نادى عليها “فؤاد” قائل:
– استني يا غزال، انا عايز أتكلم معاكِ.
ارسلت سهم نظرتها فصوبته في بؤبؤ عيناه قائلة بغضب:
– مفيش بينا أي كلام ممكن ينقال، اللي كان بيربطنا في يوم نتكلم بخصوصة راح، زي ما يكون ربنا رايد ان صفحتك تتح*رق بج*از وس*خ، وياريت اسمي ميجيش على لسانگ تاني.
اقترب منها وحاول لمس يدها فحدقته بعينان جاحظتان ارجعته للخلف، خشى من ان نيران غضبها تحرقه للتو، ابتلع لعابه وقال بتردد:
– اديني فرصة اصلح الماضي، واعوضگ عن زمان، انا بقيت غني اوي ومعايا فلوس كتير هعيشگ ملكه متوجه بس اديني فرصه تانية.
سخرت من حديثه، ونظرت له باحتقار، اي مال يغريها به، فمنذ متى كانت تبحث معه عن المال، فحياتهما كانت ميسوره الحال، فهي لم تفكر لحظة في جمعه، هي فقط كانت تبحث معه دائما على الاحتواء.. الضمه وقت لحظة ضعفها.. الكلمه الحلوه التي تطيب خاطرها، كل هذا لم تجده معه، رمقته بضيق قائلة:
– لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين يا بشمهندس، وانا ربنا نجدني منگ، وعوضني براجل مفيش زية في الوجود، راجل بجد مش اسم راجل في البطاقة.
وهنا سمعت احب صوت لقلبها ينادي بأسمها قائلا:
– غزالتي وحشتيني.
لم تخجل من كل العيون التي تلمحها حين سمعت صوته، اقتربت وضمته بشدة كمن لم تضمه من قبل، تحت انظار الواقف المندهش من نظرته ولمعان عيناه لها، اخرجها “أمان” وقال بحب واهتمام:
– لاقيت نفسي قريب منگ، قولت اعدي اشوفگ لو خلصتي نروح سوا، خصوصا اني لاحظت الصبح انگ كنتِ مرهقه وتعبانه.
– جيت في وقتگ، انا اصلا خلصت.
– طب كويس اني متأخرتش عليكِ.
– مش مهم يا أمانِ حتى لو اتأخرت؛ المهم انگ جيت في الوقت المناسب.
سارت معه بخطى واثقه، وهمست له هاتفه وعلى وجهها ابتسامه مشرقة لحياة أجمل:
– عندي لگ مفاجأة تجنن.
سألها بعيناه مطالبها بأن تسرع في اجابته، فوقفت وامسكت بيده و وضعتها على بطنها واومأت برأسها مأكده له بخبر حملها، شعر بأنه تملگ الكون في يده، ضمها داخل احضانه، غير مبالي بمن حولهم من فرط سعادته، خرجت وقالت له:
– أمان أعقل الناس بتبص عليا.
– ملناش دعوة بالناس، محدش له حاجة عندنا يا روحي وقلبي، وام عيالي، بحبگ يا أجمل غزالة شوفتها، وأجمل زهرة في بستاني.
– وانا بعشقگ يا أمانِ، وبعشق كل تفصيلة فيگ ياعمري.
كانت النيران تتأجچ بداخله، ولا يستطيع اخمادها، منذ ان ابصره وهو دالفًا لها، ومنادي عليها ولمعه الحب التي تضوي ضوءها حين ابصرته.. تذكر كم المرات حينما كان يدخل للمنزل وكانت تبصره اياها وكان يبادلها النفور والضجر، فلم يأخذها في عناق مثله ولم يشعر بها، لكن ما اوجعه حقًا حينما اكتشف بحملها؛
كأنها اختارت ذلگ التوقيت لتطعنه في قلبه وتعرفه ان ربنا انعم عليها بأبن آخر غير الذي رحل، اما هو… يا حسرتاه؟!
بماذا سينفع ماله الذي يسعي لزيادته ويتفاخر به امام الجميع؟!
فكلام والده حقًا وصدقًا، فالسعادة في راحة البال وليس بجمع المال..
ادرگ للتو ان خسارته لبيته واسرته لا يضاهيها اي خسارة، فماذا يفيد المال وهو سيكون وحيدًا لا زوجة محبه كغزال، ولا ابن من صلبه يستطيع انجابه مثلها..؟!
أغمض عيونه بحسرة وندم على ما اضاعه من يده، وتذكر فرحته وعبرة تسللت وتساقطت من شدة سعادته، وقارنها برد فعلة وحزنه حين علم بخبر حملها.. حملها الذي يود ان يخسر كل ما يملكه ويحصل على طفل يحمل اسمه ويكون مدادا له عندما يفارق الحياة.
تحرگ ببطئ سلحفاة تخطو اولى خطواتها في الحياة، تائهًا، مهمومًا، فوق اكتافه جبالا من الهموم والحزن، لم يستمع لصوت صديقة الذي جاء من الداخل مناديًا عليه حتى وقف أمامه:
– وصلت لفين؟!
– معلش هنزل ونتقابل بعدين.
– بعدين ايه، انت لازم تحضر فرحي.
هز رأسه بالموافقة وسار لاسفل وهو مدرگ بأنه من ضاع من يده جوهرته الثمينه، وباع الغالي بالبخس.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وهكذا عاد الغزال مع وليفة والبهجه منثورة من حولهم، اقام “أمان” حفلة بمناسبة خبر طفلهما القادم، ودعى فيها كل الأحباب، فقد كانت سعادة “فادي” تفوق الجميع بأنه سيأتي اخ او أخت يشاركة وقته والعابه.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وجاء يوم الفرح سريعًا، والسعادة ترفرف قلب العروسان.
يدخل “فوزي” قاعة الفرح وفي يده أجمل فتاه خطفت قلبه “يارا” الصياده الماهره التي تستخدم كل أسلحتها عندما تريد إيقاع رجلًا في شباكها، كانت ترتدي ثياب العفه والطهارة تنظر لأسفل بخجل متصنع وهي تسير بين أقاربها وأقاربه، والبسمه تعلو شفتيها المصبغوتين باللون الأحمر الصارخ.
بعدما ارتدى فؤاد ثيابه ليذهب لعرس صديقه، جلس على الأريكة ونزع ربطة عنقه وهو يلعن ويسب شيطانه من الإنس جعلته يخسر كل شيء، شعر بضغطه ينخفض قرر عدم الذهاب ورجع رأسه للخلف يتوعد للشيطانه الكثير والكثير على كل شيء فقده. قرر ان يستغل كل ما يملگ للبحث عنها ويجعلها تدفع ثمن ما فعلت به.
كان “فوزي” يرفرف قلبه من السعادة بمن ستصبح زوجته بعد دقايق، وظلا يرقصان على أنغام الموسيقى حتى جاء المأذون جلس هو وخطيبته و والدها و
والده الذي كان قلبه يتراقص من السعادة على اقناع ولده الوحيد بالزواج، وعندما رفع “فوزي” صباعه الابهام وقام غرزه بالحبر حتى يوقع على عقد الزواج جاء من الخلف من قرر اخيرا الضغط على نفسه ليتواجد مع صديقه، كان مدعي التمثيل والابتسامه على شفاه، وحين اقترب من طاولته ولمح الجالسه بجواره؛ علت الصدمه وجهه، ازاح بيده كل الموضوع على المنضده من اوراق ودفاتر، تحت ذهول الجميع وقال بوجع ونار ينهش قلبه:
– انتى ؟! انتى ازاي كده؟ انتى مش بتتعبي ولا بتهمدي، هتفضلي طول عمرك واطيه ورخيصة وخدامة اللي يدفع ويكون عنده شقه…
صدمت عندما رأته لكن وقفت وقالت بحده مدعية القوة:
– مين المجنون ده؟ انت هتسيبه يغلط فيا يا فوزي، وقفه عند حده الراجل الهمج..