تبسمت بعد أن فهمت مقصده، ثم اقتربت منه ولامست كتفه بحنان قائلة:
– يا حبيبي مهما كان اللي بيحب بجد، عمره ما هيأذي ولا يجرح حبيبه، وأمان من اول ما عرفناه وهو فعلا محتويها، وامان ليها، اطمن انا واثقة انه هتعامل معها بحب وهينسيها أي ذكرى سيئة مرت قبل كده مع طلقها.
– يارب يا سمية يكون كلامگ صحيح، بس منتسيش انه بقاله كتير من غير جواز.
– ان شاء الله هيكون كده واكتر كمان، تعالى بقى اغفلگ شوية، انت من وقت ما كانت بتوضب وانت مش بتنام كويس، حرام عليگ صحتگ.
– عيني مش هتعرف تغفل غير لما اطمن عليها انها استقرت وعاشت في راحه وهنا.
رمقته باعجاب شديد كأنها تراه للمره الأولى، ثم قالت بحب:
– أنت ازاي جميل اوي يا سند ؟! ياريت كل الأخوات حنينين كده زيگ على اخواتهم البنات، هو انا بحبگ اوي من شوية.
– يا حبيبتي غزال من يومها وهي حزينة بسبب التنمر على جسمها، مشفتش يوم حلو من الناس اللي حواليها، فكنا احنا دايما بنحاول نعوضها ونقف جنبها، عمري ما اعتبرتها ابدا اختي، كنت حاسس انها بنتي اللي نفسي اخبيها جوايا ومعرضهاش لاي اذى لفظي او جسدي، لكن مع كل آسف وهي بعيد عني مكنتش بقدر ابعد كلام الناس عنها، عشان كده هي بعدت عن الكل، ويوم ما اتجوزت رفضت بشده جوازها، لكن تحت اصرارها وتصميمها عليه وافقت، وعمري ما استريحت ليه ابدا، لكن كله مكتوب، وعمر المكتوب ما منه هروب.
قال حديثة بألم ولا يعلم لماذا في هذا اليوم السعيد تذكر ما عانته اخته، ولما تجددت الذكريات للتو ولاحقته بكل وحشية كمن تطارده الوحوش ولا يستطيع الفرار منها ؟ ربما حقًا من شدة خوفه وحبه لها.
طمئنته زوجته بأن ما مضى لن يعود، وان القادم سيكون مفروشًا بالورود لها، فحاول ان يرتاح ولو قليلا حتى يشرق الصباح ويهاتفها ليطمئن قلبه، وتحت رجاءها عاود لفراشه، وضمته لاحضانها، ومسدت على خصلات شعره بحنان، حتى غفت عيناه من سحر ملمسها، بينما هي جاهدت روحها في استعادة النوم من جديد، لكنه آبى ان يأتي بعد ان فر منها حين استيقظت بسببه، خشت ان تتحرگ خوفًا من ايقاظه، وظلت ترمقه بحب بأن هذا الرجل زوجها وحبيبها، فهو دعوة والدها لها في ليلة قدر استجاب لهما المولى، فلم ترى في حياتها معه إلا كل خير، قبلت جبهته، واغمضت عيناها ربما يأتها النوم في لحظة.
اشرق نور الصباح على صوت زقزقة العصافير المنشده اعذب لحن، فصداها اليوم مختلفا في أذناه، شعر بأنها تغرد لهما فقط وتعزف قصة حبه لها، ظل يرمقها بعينان مشعه بالحب، متأملا ملامحها التي سحرته، برغم انها مغمضة العينان، وجهها مشرق ضياءًا، لم تشعر “غزال” بأنه مستيقظ، لكن حين سمعت رنين هاتفها فتحت عيناها شاهد اشراقة الشمس تشرق للتو، فوجدته ينظر لها والابتسامه متسعه على محياه، طبع قبلته على شفتاها، ثم لمح اسم اخاها على شاشة الهاتف، فقال:
– صباح الحب على عيونگ يا غزالتي، ردي على سند مش هيبطل رن.
ابتسمت و وضعت قبله سريعة على وجنتيه وردت على اخاها، الذي كان صوته ملهوفًا عليها، وعندما طمأنته واستشعر من نبرة صوتها البهجه، هدأ وتنهد براحه، وتمنى لها مزيد من السعادة، بارگ لـ “أمان” و اوصاه عليها ثم ناول والدته الهاتف لكي تطمئن هي الأخرى عليها، فقد ذهب كما تعود “سند” إليها كل صباح قبل ان يذهب لعمله واراد ان يطمئنوا عليها معا، وحين شعرت ان ابنتها تعيش اسعد ايامها، حمدت الله ثم أغلق معها ونهضت تصلي ركعتين شكر لرب العالمين، ودعت في سجودها ان يديم عليها الهناء ويرزقها بالزرية الصالحه.
وحين وضعت “غزال” الهاتف بجانبها، باغتها “أمان” وحملها في غفوة ودلف بها ليضعها في مغطس الحمام، وفتح صنبور المياة واغرقها ولم يبالي لصراخها، فنثرته بالمياه، وظلوا بتراشوا ويمزحوا سويًا سارقين من الوقت أجمل ما فيه، وبعد وقت طويل من اللعب تحت تساقط المياة، خرجوا لتناول وجبة الإفطار، فرغم عدم تناولهم من أمس الطعام، لكنهما يشعران بإمتلاء معدتهما من فرط السعاده التي يشعران بها، اكلان القليل، ثم طلبت منه “غزال” التوجه إلى ميرا لتشاهدها ولتتعود على رؤيتها برفقته، وحينما وصلت اقتربت منها و اخدت بعض من قطع السكر
وقربتهما نحو فمها، ومسدت على مقدمه رأسها بحنان، همس لها “أمان” وقبل رأسها محدثًا أياها بأن تلگ المرأه هي محبوبته وزوجته، تحدث ل ميرا كأنها تفهمه، نظرت له بعيناها، وبدأت تأكل من يديها قطع السكر، فتبسم لها “أمان” وداعب غرتها بحنان، واخرجها من بيتها، وجهزها حتى ينطلق مع غزالته ويركض وهي جالسه خلف ظهره متشبثه به، ومحلقه معه بعيدا عن الانظار، في مكان بعيد ليس فيه احد سواهم.
فقد كانت ميرا في تلگ المره تشعر بسعادة صديقها، فكانت ترقص لهما وصوت صهيلها يعلو فرحه بوجوده معها.
ومرت الأيام سريعًا، وعاودان لمنزلهما ومعهما الصغير ابنه، الذي كان لا يفارق غزاله كما يلقبها بماما، ومع كل مره ينادي بها يثلج فؤادها ويبرد من لهيب حرمانها من ابنها، فيزداد تعلقها به وحبها له، اغمرته بعاطفتها الجياشة، واحيت في كنف امانها وعرفت تحت جناحه معنى الأمان الحقيقي.
ومر شهران وهي غارقة في بحور عشقة الذي لا ينتهي، وكل ليلة تمر عليهما بمثابة اول ليلة ولقاء، كان دائما يشجعها في عملها، واختار لها عاملة تساعدها طوال اليوم حينما تكون في عملها لتهتم بالبيت وبأبنه، وتنصرف حين تجيئ من عملها، ومن أجل الاطمئنان اكثر اهتم “أمان” بوضع كاميرات في المنزل في كل مكان، ليشاهد ما يحدث من تلگ العاملة التي تدعى “ثناء” وظل الحال كما هو السعادة ترفرف عليهما ولا ينقصهما أي شيء، تعلمت “غزال” كيف تدير منزلها بدقة، دون ان تقصر في متطلبات اي فرد، منظمه وقتها، غير مقصره باهتمامها بنفسها وجسدها، لكن التقصير الوحيد الذي اشتاقت له جلوسها مع دفترها الغالي لقلبها الذي طالما سردت فيه كل اوجاعها، فحين تبسمت لها دنياها غفلت عنه دون قصد، لكن يبقى الحنين إليه باقيا، وسوف تجتمع مع احبار اقلامها مأكدا لتغوص بين قصاصيص اوراقها من جديد.
وفي يوم استيقظت وذهبت إلى عملها تتابع اخر ما تم انجازة في إحدى الشقق التي تتعامل العمل بها، كانت تعمل بنشاط وهمه كنحلة لم تكف ولا تمل، برغم ما تشعر به من الآلام منذ بضع أيام، لكنها تحاملت ومارسة متابعتها دول اى ملل تطلب من العمال الإسراع وانجاز عملهم في اسرع وقت لتسليمها قبل الموعد المحدد.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
واخيرا بعد طول غياب، وصل الطائر الذي هاجر عشه إلى أرض الوطن، استقبله والده بشوق ولهفه، كانت عيناه تشبه عدسات تصوير فوتوغرافي تبصر لكل انش في وجهه، لكي يحفرها بداخله صورته ويطبع منها الآلف الصور بذاكرته، اشتد “فؤاد” في عانقة وجلس معه يقص له على ما انجزه هناگ في غربته من تأسيسه لأكبر شركة متخصصه في التشطيبات والديكور، كانت يتحدث بفخر وصل لقمة الغرور، شعر الأب بتبدل حال ولده، فالذي جاء لم يكن من غادر من قبل، هيئته التي تغيرت من ملبسه الذي يرتديه، فتلگ البذله يبدو عليها باهظة الثمن.. العطر الذي يفوح منه من شدته كاد ان يصيبه بالاختناق.. حتى سير خطوته يختال بفخر لا يعلم لماذا كل هذا؟ سأل نفسه من يكون الواقف امامه، هل هو ابنه الذي رباه؟!
ام بدلته الغربه بشخص آخر؟
ظل صامت مستمع فقط لاحاديثه التي لا تنتهي، وحين لاحظ صمته، امسگ بيده حقيبه مليئة بالهدايا له، واخرجهما ليفرحه بها، فكان رده صارم:
– انا مكنتش منتظر كل الهدايا دي لما ترجعلي بيها، انا بس كنت عايز ابني اللي ربيته هو اللي يرجع.
اندهش لما قاله، وسأله:
– امال انا ابقى مين يا بابا؟
والى هنا تنتهي احدلثنا عند هذا الحد لنتعرف غدًا ماذا سيكون رد فعل فؤاد على والده؟
وماذا ستخبأ الايام له؟
يتبع…
اندهش لما قاله، وسأله:
– امال انا ابقى مين يا بابا؟
اقترب منه رد بعنف:
– انت واحد تاني معرفهوش.. واحد كل كلامه عن الفلوس وعمل اية بيها، وحقق اية، واشتري ايشي فيلا بكام مليون، وعنده مئات من الناس بتشتغل تحت امره وهو الحاكم الأمر في امرهم.
قاطعه بغضب قائل:
– وده يزعلگ في اية؟ ولا يقلل مني ويخليگ تقول اني واحد تاني متعرفهوش.
– عشان كل اللي بتقوله ده مش من تعبگ وشقاگ، لو كنت تعبت وعرقت كنت هشجعگ واقولگ برافو، انما انت متفشخر اوي ليه وعلى اية تقدر تقولي؟
وعند هذه اللحظة لم يتحمل “فؤاد” وابل الهجوم الذي يقذفه به والده، فرد بقسوة:
– انت ليه مش فرحان ليا؟
ليه كل شوية بتفكرني اني متعبتش فيهم؟ لا انا دفعت ثمنهم غالي اوي يا بابا، ثمن شهامتي دفعتني أغلى ما يملكة اي راجل، ليه مستكتر عليا اني اعيش الباقي
من عمري مستريح ومبسوط؟
الفلوس دي متجيش حاجة جنب اللي خسرته. بجد انت خلتني اندم اني جيت.
اولاه ظهره ليهم بالخروج، اوقفته لمسه يداه لكتفه، التفت له بأعين عاتبه له، فقال والده بحب:
– اوعي تفتكر اني مستكتر عليگ السعادة؛ بالعكس انا في كل ركعه بدعيلگ براحة البال، بس يا بني عمر السعادة ما بتتجسد في الفلوس، راحة البال اهم منها.
ابتسم بسخرية وألم وقاطعه رنين هاتفه على مواقع التواصل، بعدما رأى صديقة “فوزي” حالة الواتساب أنه يوجد بمصر، لم يضيع وقت واتصل به في الحال،