– يا حبيبي انت تايه؟
– لا أنا عايز اروح لماما.
– هي ساكنه فين؟
رد “فادي” بعفوية طفل :
– في مكان كله تراب وعليه طوب.
ضحگ السائق وهو يقول:
– ما الدنيا كلها تراب.
وعند هذه اللحظة أقتربا منه “أمان” و”غزال” التي اطمئنت وهدأت نبضات قلبها الصارخه، مالت سريعًا واخذته بقوة داخل احضانها قائلة بلوم وعتاب وصوت باكي:
– كده يا فادي توجع قلبي عليك، اخس عليك كنت هموت من غيرك.
خرج “فادي” من حضنها وظهرت عليه علامات الصدمه من دموعها المتساقطة، رفع كف يده الصغير وأمسح عبرتها وهو يبلغها بحنان:
– أنا كنت عايز افرحك زي ما بتفرحيني.
– تفرحني تسبني وتمشي؟!
– لا مش مشيت أنا هفهمك؛ أنا كنت رايح اقول لماما أني بحبك أوي وكنت عايزها تشكر ربنا أن بعتك ليا، مش هي عند ربنا برضو وبتكلمه.
ضمته “غزال” مره ثانية داخل صدرها وهي تبكى وتمسد على شعره، اوقفها “أمان” من على الأرض وربت عليها ونظر لابنه قائلا:
– انت تقدر تتكلم مع ماما وانت في البيت، وفي اي مكان تحبه، اوعى تعمل كده تاني وتقلقنا عليك، واياك تخرج من باب الشقة بدون علمنا، اديك شايف حالة ماما غزال ازاي واد اية اترعبت عليك يا فادي.
نظر “فادي” لها والدموع تكونت سحابة شتوية تنذر بالسقوط، فربت على يديها بحنان قائل لها بترجي:
– أنا اسف مكنتش اقصد ازعلك، والله كان نفسي افرحك، طيب قولي أعمل ايه عشان تبطلي عياط.
التقطت “غزال” انفاسها وقالت بحب:
– متبعدش عني تاني.
حملته “غزال” وضع رأسه على كتفها وهو يلف يده حول رقبتها:
– حاضر يا ماما.
استمرت في التمسك به، ورفضت ان يأخذه منها “أمان” وظلت طوال المسافه تشتد في ضمته وتغمره بقبلاتها المحببه لقلبه، وحين صعدوا للشقة، ركض الصغير نحو غرفته وهو يوصف لوالده مدى سعادته بغرفتة الجديدة، كان يلمح “أمان” تلك السعادة وبداخله يزداد حبه لغزالته فهي الوحيدة صاحبة الفضل في هذه السعادة المفرطة له.
فلم ينسى “أمان” تأهيله نفسيًا انه في يوم سيشاركه اخًا او اختًا معه في مملكته هذه، وبعد طول شرح سعد الصغير وشرد بخيالة لمدى بعيد شكل وملامح هذا الأخ المنتظر.
دقت طبول الفرح والسعادة في قلوب العاشقان، وتلون الكون باللون الودي،
فقد جاء اخيرا اليوم الذي طال انتظاره، فقد سعى “أمان” ان يكون مميزًا في كل شيء، برغم اصرارها على انه يكون مكتفي بالاقارب المقربين فقد، إلا انه عزم على اسعادها في قضاء أسبوع في قرية يونس بعد عقد القران مباشرة اخذها وانطلق بها في رحلة لن تنساها على مدار ايام حياتهما، فهي تستحق ان تسعد في كل لحظة لتعوض أيام عذابها، كانت جميلة برداءها الأبيض الغير تقليدي، فقد ارادت ان يكون مختلف عن فساتين الفرح المعتاده، كان اشبه بسوارية، مع تاج رقيق متوجًا رأسها جعلها كالملكة، عانقت الجميع بفرحه تحتل تقسيمات وجهها، وطارت معه لتقضي اسعد ايامها سويًا، وترگ صغيره برفقة والدته واخته، بعد ان وعده بالا يتأخر عليه، وبعد ساعات قليلة وصلا للمكان الذي شهد لحظات حبه لها، وكم تمنى وقتها أن تبادله عشقه هناگ، فقد حسم قلبه قراره ولسوف يتنقم على كل لحظة عذاب عاشها، ويطفئ من لوعته وشوقة، سيجعلها تتمنى ان يطيل انتقامه الشغوف الباقي من عمرها، لما ستراه من حب أبدى لها، وشوق جارف لا أحد يعرف أين سيصل مداه.
دلف لعش حبهما وجلست غزالته على طرف الفراش، تنظر لاسفل في خجل، انجذب نحوها بقوة مغناطيسيه سرت بدواخله، امسكها بيده يتحسسها أنها حقيقه امامه، وليس حلم في مخيلته، اغمض عيونه واسكنها بداخلها، ودثرها بأهدابه حتى لا تخرج من محرابه، ويداه التفتت حول خصرها وعانقها بقوة كمن يريد ان يسكنها بداخل اضلعه، بادلته عناقه؛ كانت يداها ملتفه ومحاوطه ظهره بتملگ، كأنه الآن هو من وقع في شباكها وليس العكس، كان احساس عناقه مختلف لم تشعر به من قبل؛ جربت معنى أن تكون بين أحضانه الدافئة، شعرت بأمانه واحتواءه لها، فـ أخيرًا وجدت ملاذها بين أحضانه ..
بينما كان شعور “أمان” مختلفًا برغم اشتعال توهج نيران حبها بداخله، وشوقة العارم لها ورغبتة الغريزية الجسدية تتلهف مشتاقة إليها، إلا ان شعوره بالكمال هو من طغى على مشاعره، فـ الآن فقط شعر باكتماله وهي بين احضانه..