– اكيد يا غزالتي، مقصدش والله، ربنا وحده يعلم انتِ عملتي اية من ساعة ما ظهرتي في حياتنا احنا الاثنين، فادي بيعد الأيام اللي هنتجمع فيها، تخيلي بيقولي انه بقي مش حاسس بالنقص اللي كان بيحس بيه !!
– نقص اية؟
– انه محروم من انه ينطق كلمه ماما زي اصحابه في الحضانه.
تألمت أوتار وتينها وتعالى صوت صراخها وآنينها لمدى معاناة الطفل الصغير، ولمعت عيناها بسحابة من اللؤلؤ حزنًا عليه، ردت ببحه مليئة بالاسى:
– ربنا يقدرني اني اعوضة عن اي لحظة حرمان عاشها، واكون نعم الأم له يارب.
ابتسم لها بحب وفخر، ثم قال بنبره يملئها الثقة:
– انا واثق من ده يا غزالتي، ان ربنا مخلكيش في طريقنا صدفة ابدا، انما لهدف انگ تكوني احلى عوض لينا.
– مش انا بس يا أمان اللي عوض ليكوا، انت كمان كنت وما زالت أجمل وأحلى عوض ونصيب ربنا كافئني بيه.
التف ينظر على اخاها فلم يجده، تبسم وقال وهو ضامم يده بيديها هاتفًا بهمس معبرًا عن حبه:
– بحبگ اوي يا أجمل أقداري، وأحلى نصيب عوضتني بيه أيامي.
كادت ان ترد، لولا دلوف اخاها مقاطعًا حديثهما قائل:
– مش يالا بقى ياغزال اتأخرنا؟
نظرت له بأعتذار لعدم اجابتها، اومأ لها برضا، ثم انصرفوا كلا منهم لمبتغاه.
ومرت الأيام يوم يلو الاخر كلها تعب وإرهاق، فلم تغفو أعينهم إلا ساعات قليلة ينهضان لعملهما، ثم يجوبوا المحلات لشراء اثاث منزلهما، وكل ما تحتاج إليه من مشتروات، فقد كانت تشعر بفرحة عروس تتزوج للمره الأولى فالذي مضى من عمرها لم تحسبه، ولن تتذكره؛ فقد كان “أمان” بالنسبه لها أول فرحه حقيقية تسري بداخل اوصالها، كل شيء يمر معه يكون الأول والفريد من نوعه، رجولته الطاغية، خوفة وحبه الشديد الذي يغمرها به في كل ثانيه تكون بقربه او بعيده عنه، لا يكف عن احتواءه لها، فهو جميل حقًا شفتاه لا تقول إلا كل حرف يدخل السعادة بقلبها، حقًا كان لها نعمه العوض.
وبعد مرور شهر من التعب بمشاركة صديقتها “الاء” التي تحولت لاكثر من أخت لها، تم انتهاء كل شيء،
فقد كانت تحيا معهم لحظات قد مرت عليها منذ سنوات، والآن تجددت و ارتسمت صورتها أمام مقلتيها؛ حين كانت تشاهد الفرحه تتطاير من مقلتيهما مثلما
كانت مع زوجها حين تنتقي اثاث منزلها، كانت نفس الأحداث كأنه فيلم سينمائي تكرر عرضه للتو أمام شاشه عيناها.. عيناها التي اظلمت نورها منذ رحيله من كثرة بكاءها عليه، فقد غاصت في بئر احزانها، ولا تريد الخروج منه، حرمت على روحها معنى الفرحه، ومحتها من قاموس حياتها، وأدت قلبها ودفنته بجوار حبيبها منتظره لحظة لقاءه، لتقول له بكل ثقة وحب انها حافظت على عهدها ولم تخونه في يوم، استفاقت مما عليه على صوت “غزال” تناديها لأخذ رأيها في بعض المفروشات، تحركت كالدميه بلا روح و وقفت مبديه رأيها محاولة رسم الابتسامة المزيفة التي اصبحت بارعه في رسمها.
اصرت “غزال” على مشاركة “فادي” في كل شيء، وكان سعيد جدا بمشاركتهما في الانتقاء بغرفته، فقد جعلتها “غزال” له جنة صغيرة يلهو ويلعب بداخلها ليقضي فيها اسعد أوقاته، من خلال الرسومات الكرتونية على الجدران، والتلفاز الخاص به لكي يلعب عليه بجهاز (البلاستيشن) الخاص به الذي يعشقه، ولا يغفى عليها مكبر السماعات وجهاز الكمبيوتر، احبت ان تسعده بكل ما لديها ومتوفر لها من إمكانيات حتى يكون سعيد.
دخل “فادي” عليها غرفته دون ان تأخذ بالها، ووجدها تنقش على الحائط لمساتها الأخيرة، كان يبصر كل أنش بالحجرة ويزيد انبهاره بجمالها، خصوصا كل الشخصيات الكرتونية المحببه إلى قلبه، فهي حقا تحبه من قلبها غمر قلبه السعادة والسرور وركض “فادي” سريعًا متوجها لباب الشقة ونزل مسرعًا حتى أن
وصل إلى الشارع وظل يركض يبحث عن وسيلة مواصلات.
انهت “غزال” ما تفعله من رص كل شيء لتكون جاهزة لمبيته، وقفت تنظر إلى الغرفة بنظرات رضى وسعادة، رفعت صوتها منادية:
– فادي تعالى بسرعة خلصت، يلا تعالى قولي رأيك…. اخ منك طول ما معاك التليفون مش هتسمعني.
ادارت بجسدها وخرجت تبحث عنه؛ وجدت هاتفها ملقى على منضدة، وباب الشقه مفتوح على مصراعيه، جحظت عيناها وشعرت برجفه تسري بأوصالها فـ انتفض القلب رعبًا وهرب الدماء من جسدها، صكت صدرها وتصرخ بعلو صوتها:
– فاااادي.
توجهت نحو المصعد وبيد مرتعشه ضغطت على الزر لنزوله، ومن سوء الحظ كان المصعد معلق في الدور الاعلى، لم تستطع الانتظار فلابد ان تجده بأي طريقة حتى لو كان الثمن ان تفديه بروحها، لن تسمح بأن تجرب نيران الفقدان مره ثانية، نزلت درجات السلم بسرعة كبيرة جعلتها تقع على ظهرها خمس درجات، هبت واقفه بدون أن تشعر بأي شيء، فكل ما تريده ان تجد روحها التي فارقتها، أكملت ركضها وهي تصرخ حتى وصلت لباب البناية، كانت تركض كمن يطاردها وحش
تريد الهروب منه بكل قوتها، حالتها ترسى لها، تكاد ادمعها تغرقها من كثرتها سقوطها، قابلها أمان الذي فزع من منظرها، أمسكها لتهدأ ويفهم منها ما حدث، لكنها كانت تحاول تفلت يدها وهي تبحث بعيناها بأنحاء الشارع بقلب يشعر بالفقدان للمره الثانيه كرر سؤاله للمره الثانية، فرددت بتلعثم وبكاء:
– فادي يا أمان… مش عارفة راح فين؟
وإلى هنا تنتهي احداثها عند هذا الحد لنتعرف غدا رد فعل امان هيكون اية؟
هل هيثور على اهمالها لابنه؟ ولا هيحتوي الموقف؟
وليه فادي ساب الشقة وكان عايز يروح فين؟
يتبع…
إزاي. ازاي.. ازاي أوصف لك يا حبيبي إزاي ؟
قبل ما أحبك كنت إزاي يا حبيبي .
كنت ولا امبارح فاكراه .
ولا عندي بكره أستناه ولا حتى يومي عايشاه .
خدتني بالحب في غمضة عين .
وريتني حلاوة الأيام فين .
الليل بعد ما كان غربة مليته أمان .
والعمر اللي كان صحرا صبح بستان .
يا حبيبي . يلا نعيش في عيون الليل .
ونقول للشمس تعالي تعالي بعد سنة .
مش قبل سنة .
دي ليلة حب حلوه بألف ليلة وليلة .
بكل العمر ، هو العمر إيه غير ليلة زي الليلة .
أغلق جفونه لثواني محاول التحكم في ثباته الانفعالي، لا ينكر ان الخوف ينهشه، فتح مقلتيه وظل بؤبؤ عيناه ثابتًا لا يتحرك حتى يستوعب ماذا قالت، وقف عاجزا كيف له ان يتصرف؛ عقله يحسه على قذفها بوابل من اللوم والعتاب، لكن قلبه يشفق على حالتها ورعبها الحقيقي الغير مزيف، فحالتها لا يرسى لها، بقى حائرًا، فهي ليس بحمل لوم او عتاب، حللت عقدة لسانه؛ وأبلغها بتوتر وهو يمسك يدها ويركض بكل قوته:
– اهدي هنلاقيه بإذن الله، أكيد مرحش بعيد، تلاقية بس بيشتري حاجة حلوة.
رمقته بأعين تائهه وفؤاد ينزف دمًا، ثم ركضت بوجه شاحب وقلب ينتفض بذعر من القدر الذي يتلاعب معاها دائما، ويريد اوجاعها باستمرار، وعلى بعد لمحه “أمان” يتحدث مع سائق تاكسي من بعيد ركض نحوه وهو يطمئنها:
– فادي هناگ اهو.
فكان “فادي” وصل للشارع الرئيسي واوقف سياره أجره، وحين وقفت له تحدث مع السائق قائلا:
– عمو أنا عايز اروح عند ماما.
سأله السائق بتعجب :