“منذ سنوات ليست ببعيدة”
كان هناك طفل ابن سبع سنوات يحاول ويحاول بكل جهده أن يفلت من يد تلك السيدة الغريبة عليه، ولم تكن
سوى “سهام”… كان يحاول بكل جهده لكي يعود لأحضان والدته التي طردته بطول ذراعيها منذ لحظات في ذلك المكان الغريب، كان يبكي بعنف وهو يتوسّل إلى والدته لكي تأخذه معها، وأثناء محاولاته للأفلات من يد السيدة بالفعل نجح وركض نحو والدته بلهفةً، تشبث في ثوبها وكأنه
هكذا تعلق بقارب نجاة في عرض البحار! وبعيون تحولت للون الدماء ونفس متهدك أثر البكاء والنحيب كان يقول لها:
ـ يا ماما أنا مش عايز أبقى هنا، خديني معاكِ، متسبنيش مع دول ولا دول.
لم يأتِه الرد وقتها، فقط نظرت له والدموع تلمع في مقلتيها ولم تعقب، بينما هو فتشبث بها أكثر ثم صرخ وكأن ضلوعه هي من كانت
تصرخ عندما قال لها:
ـ
هو أنتِ ليه بتعملي كده؟؟؟ ليه على طول بتسبيني؟؟ سبتيني أول مرة ليهم وأنتِ عارفة أنهم هيمـ ـوتوني ومشيتي! ودلوقت جيتي خدتيني منهم عشان مكنش زي أخويا؛ وبدل ما تحميني منهم جاية برضه تسبيني بس المرة دي في مكان معرفوش أصلًا؟؟ أنتِ ليه أسهل حل ليكِ أنك تسيبي الدنيا وتمشي؟؟؟
صرخ بأخر كلامه بقلبٍ طفل انفطر حزنًا عل ما وصل له!
وكأنه عاد للحاضر على صوت تلك الجملة وهي تتردد في أذنه دون رحمة، كان يرتد للخلف دون شعور وكأنه هكذا يهرب من ذكرياته، ولكنه فاق من تلك الحالة على تقدم السيدة مِنه وهي تمد له يدها وتقول له بصوتٍ ضعيف:
ـ
“سمير” من فضلك متسبنيش وتمشي، أنا عايزة أتكلم معاك، عايزاك!
نظر لها سريعًا وارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة، وكأنه يذكرها بما حدث في ذات المكتب منذ سنوات! وقبل أن تضيف السيدة حرفًا واحدًا كان هو يقول لها بثبات حاول جاهدًا أظهاره لها:
ـ كان أسهل حل ليكِ من سنين أنك تمشي… في كل حال كنتِ بتسبيني وتمشي، ودلوقت طالبة مِني أن أنا ممشيش! شوفتي الدنيا؟