-أمه كلّمتني إنهاردة.. مش عارفة تكلّمه خالص !
-كلّميها طمنيها. إن شاء الله ربنا هايصلحه.. أنا حاسس بكده
-إلهي يسمع منك يا أدهم
-طيب يا حبيبتي.. أنا طالع بقى. ألحق الولاد قبل ما يناموا. اليومين دول متعلّق بيهم شويتين زيادة و بيوحشوني
-لا يا واد.. هما بردو إللي واحشينك. عشان كده سربتهم عندي الصبح.. عليا أمك يا أدهم !!
-جرى إيه بس يا أمي.. بلاش إحراج. و ياستي أيوة الولاد و أمهم واحشني علطول.. بحبهم
-الله يبارك لك فيهم يا حبيبي و مايحرمهمش منك أبدًا.. ماشي يا قلبي. يلا تصبح على خير …
توارت “إيمان” مسرعة حين سمعت خطوات أخيها، أطفأت ضوء غرفتها و بقيت تنتظر ريثما غادر الشقة كلها، تنفست الصعداء و أشعلت مصباحٌ خافت الإنارة، ثم مضت بخطوات ثقيلة نحو الفراش، جلست بجوار صغيرتها
النائمة كالملاك في بيجامتها القرمزية الرقيقة.. ابتسمت و هي تمد كفّها لتمسح على شعرها الناعم بحنانٍ
و بغتةً أتى على خاطرها حديث “مايا” اليوم.. تذكرت كلماتها التي تشير إلى شدة تشابه الطفلة “لمى” بأبيها الراحل “سيف”… كانت واثقة من هذا كثيرًا !
لكن.. حتمًا إن “مايا” مخطئة، فالصغيرة لا تشبه أباها البتّة، بل الحقيقة أنها تشبه “مراد” !!!!
رغم أنه ليس والدها، و أنها ولدت بعد حادثة أمها معه بتسعة أعوامٍ، زمن طويل.. لكن للغرابة أنها تحمل ملامحه أكثر، عينيه الرماديتين، لونه البرونزي، تمويجة شعره الناعمة، و تعبيرات وجهه حين يضحك، و حين يغضب
كان شيئًا عجيب، لو تزوجت بعد ذهابه مباشرةً لظنّت أن طفلتها منه هو، و ليس من “سيف” الذي على قدر عشقه له قد أذاقها ألوان و سجايا العذاب النفسي و الجسدي في آنٍ واحد …
انتبهت “إيمان” لدموعها الجارية على خديّها عندما تناهى إلى سمعها صوت موتور سيارته، كفكفت دموعها
بظاهريّ يديها بسرعة و قامت، قفزت صوب النافذة و تطلعت من وراء الستار، فإذا به يخرج من سيارته متعثرًا في خطاه، كان يتكئ قليلًا بيديه على باب السيارة المغلق و كأنه يختبر إتزانه.. ثم رأته يمشي للداخل و اختفى
لا تنكر إنقباضة قلبها عليه، إذ لأول مرة تراه على هذه الحالة، لا تعلم به، أهو متعب أم ماذا ؟
و في ظرفٍ آخر غير الذي رأته كانت لتفعل ما برأسها أيضًا، كانت لتذهب عنده و تظهر الشماتة به، إنه يستحقها، بعد ما فعله بها.. أخيرًا صار معه نفس الشيء
أخيرًا ها هو يتألم و يعاني كما عانت و لا تزال تُعاني ؛