الكبير.. كيف يستطيع تقبّله ؟
السؤال أساسًا هو كيف تبرأ من عشقها الأثيم.. كيف يمكنها أن تنتزع “مراد” من قلبها… إنه يسكنها.. في دماؤها و قلبها و عقلها.. لا ينفك عنها كالمرض الخبيث
و لا جدوى أبدًا من الشفاء، إنها تحبه، لا زالت تحبه و تريده، لا زالت ضعيفة، و تعرف أنه لو أتاها محاولًا فإنها ستسقط في شِباكه عن طيب خاطرٍ و تخسر توبتها و كل المعاناة التي خاضتها …
فجأةً هبطت “إيمان” على ركبتيّها أمام أخيها، قبضت بكفيها على نسيج السجاد السميك أسفلها حتى أقتلعته
تقريبًا، كتفاها يبدآن في الإرتعاش بسبب تلك الشهقات التي جاهدت لتكتمها، فأفلتت منها بقوةٍ و أخذت تبكي مثل طفلةٍ
تبكي و تبكي بشكلٍ مثيرٍ للشفقة و هي تهز رأسها متمتمة بحسرة :
-مافيش فايدة.. موّتني. بحبه يا أدهم. موّتني بحبه.. بحبه.. بحبه… بحبه.. بحبه !
أخذت تُعيد الكلمة كما لو أنها اسطوانةٍ مشروخة، لم يكن هناك ما يشير إلى أنها ستتوقف …
بقى “أدهم” عاجزًا بمكانه، مصدومًا من رؤيتها هكذا، لقرابة الدقيقتين و هو في حيرةٍ من أمره.. حتى غلبه فؤاده
لدموعها و سماع الألم يكتسح نبراتها
جثى أمامها بدون تفكير، وضع يده عليها، فرك ظهرها و مسّد على شعرها، ضمها إلى صدره بقوةٍ مرددًا بلطف :
-طيب.. طيب خلاص. خلاص يا إيمان… طيب خلاص !
لم يسعه أن يواسيها بكلماتٍ أخرى، فمن جهة لا يزال غاضبًا عليها، و من جهة لا يحتمل أن يراها متألمة إلى هذا الحد.. هو يعرف أن أخته لا تستحق ذلك
أخته “إيمان” لا تستحق أيّ سوء يحيق بها
لا تستحق أبدًا …
*****
وقف على أعتابه
لم يتردد أبدًا في الذهاب إليه
في الواقع أن مجيئه تأخر كثيرًا
لكن الأوان لم يفت بعد …
بكلتا يداه، و لأكثر من ثلث ساعة، لم يتعب “مراد” و هو يدق على أبواب المسجد المغلقة، كانت دموعه تسابقه و هو يتخيّل بأنه هذا باب الرحمة، و قد أغلق بوجهه للأبد، كان في عالمٍ آخر و هو يعقد محادثة بينه و بين السماء، يظن بأن لا أحد يسمعه، و لكنه مخطئ، أكثر من مخطئ، فهو حتمًا يسمع.. و يجيب المضطر