بالطبع كان يُلمح إلى معاقرة الشراب و ما شابه، ذلك ما جعل وجه الصبي يتأجج من الحنق و يهتف من بين أسنانه :
-هي مش حفلة شاي يا بابا. أنا عندي صحاب أكبر مني دول اعمل معاهم إيه أطردهم ؟؟
طوى “محمود” الصحيفة و رد عليه زاجرًا :
-أنا يتقال لي حاضر و بس يا ولد. انت سامع ؟ خلاص مابقاش في تساهل معاك. انت اتجرأت زيادة لما فكرت أعتمد عليك و اسيبك براحتك. نسيت نفسك و ظنيت إنك واحد من أهل البلد دي. لأ اصحى. انت اسمك مراد
محمود يوسف أبو المجد. خليك فاكر كويس انت مين !!
-خلاص يا محمود ! .. تدخلت “رباب” و هي تركل قدم زوجها من أسفل الطاولة
و استطردت مجتذبة عينيه بالإجبار عن عينيّ إبنها :
-مراد من إمتى بيعارض كلامك. انت بس عودته على المناقشة.. إهدا عليه شوية يا حبيبي !
و تحوّلت صوب “مراد” متابعة و هي تمسح على شعره الناعم :
-و انت يا قلبي. أكيد واثق إننا بنحبك أكتر من الدنيا دي كلها. احنا بنعمل كل حاجة عشانك أصلًا.. عاوزين مصلحتك
و بس
قسر “مراد” نفسه على الإبتسام و قال بهدوء :
-أنا عارف يا ماما. أنا كمان بحبكوا !
أجاد إمتصاص غضب والده ببضعة كلمات مسالمة، و أعتاد دائمًا أن يفعل ما برأسه، طالما إنها حياته فهي ملكًا له هو، بعيدًا عن والديه يستطيع أن يفعل ما يشاء، و هو يعرف جيدًا إنها مسألة وقتٍ و سيحقق مراده في الإستقلال، بضعة أعوام قليلة و سوف يصبح حرًا طليق.. و بمنأى عن هيمنة و سيطرة أبيه، ستكون الدفّة بيديه هو …
-أهلًا بفتى عيد الميلاد !
أطربت العبارة أذنيه.. فقط لأنها خرجت فاهها …
الفتاة التي خلبت عقله تمامًا، و لم يرى في هذه البلاد أجمل منها، كان معجبًا بها إلى حدٍ لعين، و كم كانت صدمته
حين اكتشف بأنها تبادله نفس المشاعر، هي بنفسها.. “آبيجيل آدامز” إبنة مديرة المدرسة، الأرملة الشابة “فاليريا آدامز” لا فرق بينها و بين إبنتها في الملامح الجذّابة، و لا تقل “آبيجيل” عنها جمالًا أبدًا، يتشابها في لون العينين الفيروزي، و البشرة الناعمة بلون الخزامى، و الأنف الدقيق و الشفاة الصغيرة المملئة.. الشيء الوحيد المختلف
بينهما هو لون شعر “آبيجيل” الناري، و هذا ورثته عن والدها الراحل كما أخبرته ذات مرة
كان “مراد” متيّمًا بها، يحلم بها ليلًا و يهلوس باسمها أحيانًا و هو مستيقظ، كانت شغفه الوحيد منذ رآها العام الماضي، و لأنه صبي خجولٌ جدًا لم يطالها منه سوى النظرات فقط، مِمّا دفعا لإتخاذ الخطوة الأولى، فذهبت له و