دقيقتان و ظهرت “إيمان” مُطلّة على أفراد العائلة و المعازيم قاطبةً بفستانٍ رقيق من درجات الأبيض الباهت المعزز بلمعاتٍ برّاقة، و حجاب رأسها مختلفًا هذه المرة، لا يخفي تفاصيل وجهها كالعادة، بل يُبرز أدقها، و الزينة التي لم تعرف سبيلّ إلى بشرتها إلا لِمامًا
ها هي ترسم قسماتها ببراعةٍ و الكحل قد صنع بعينيها الواسعتان كارثة، برموشها الكثّة بدتا كأنهما تبتسمان.. على الرغم من أنها هي نفسها لم تبتسم أبدًا …
رآها “مراد” تجفل عندما هب عريسها واقفًا لاستقبالها، احتدمت الدماء بعروقه و هو يراه يمسك بيدها، و لحسن
الحظ أن الاعتراض انطلق من فاه “أدهم” بحدةٍ شديدة :
-إيــه يا مالك بيـــه.. انت شايفنا إيه قصادك. بتمسك إيدها !؟؟؟
إلتفت “مالك” نحوه و قال مبتسمًا بخفةٍ :
-هو مش الجواز إشهار يا أدهم ؟ و الناس كلها عارفة إن كتب كتابي على إيمان إنهاردة.. و الشيخ يوسف قاعد أهو بيخلص اجراءاته …
ثم نظر إلى “إيمان” ثانيةً و قال مشددًا على كفّها الطريّ بطريقةٍ أربكتها :
-مش ناقص غير امضة إيمان !
و هنا علا صوت المأذون قبل أن يسبقه رد “أدهم” المتوقّع و الذي ربما يفسد الزيجة برمتها :
-قوليلي يابنتي الله يرضى عليكي. قبل ما أخوكي يقوم يشد الدفتر و يبوظ الجوازة أنا أكتر واحد عارف أدهم ..
ضج مجلس العائلة كله هذه المرة بالضحك لهنيهةً، ثم اردف المأذون بشاشته المعهودة :
-هل تقبلين الزواج من الشاب الماثل أمامك. ابن عمتك الذي يُدعى مالك حسن جلال عزام ؟
و فجأة صار الهواء خانقًا للأنفاس، بينها و بين “مراد”.. لم تجرؤ على رفع عينيها تجاهه حتى هذه اللحظة
و لكن لتفعل ما أرادت كان يجب أن تقبل على تلك الخطوة …
و فعلًا، زاغ بصرها في الفراغ للحظات، قبل أن يستقر في عينيه المتقدتين مباشرةً و هي تعلن بصوتٍ مسموع :
-أيوة.. موافقة يا شيخ !
أغمض “مراد” عينيه بشدة و أعرض كليًا عن الإنصات للبقية، دعاها الشيخ للجلوس ليتّم العقد، كان يتأهب ليمضي في ذلك حين فقد “مراد” السيطرة على نفسه فجأة …
-أدهم من فضلك أنا عاوزك ! .. هكذا غمغم “مراد” قرب أذن ابن خالته بخشونةٍ
نظر له “أدهم” مستغربًا و قال بصوتٍ خفيض :
-خير يا مراد ؟
مراد بحزمٍ : عاوزك ضروري. موضوع مايتأخرش.. من فضلك !!
تنهد “أدهم” حائرًا، لكنه لم يجد مناصٌ من الإذعان له، قام م مكانه ثانيةً و اعتذر من الشيخ بلباقةٍ :
-معذرةً يا شيخ. سامحني بس الأمر طارئ.. دقيقتين إن شاء الله و راجع
أذن له الشيخ :