رواية وجوه الحب

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­

أنت مستوعب هتعمل إيه..؟!
” مُـراد ” بعملية.
– مفيش قدامنا حل تاني يا عـاصـم عشان نقدر نعوض خسارتنا ونطلع من المصيبة دي بأقل الخساير الممكنه..؟!
أنت عارف يعني إيه الأسهم بتاعتنا تتراجع ٢٪..؟!

close

 

عارف يعني إيه نخسر مُناقصة بملايين غير اللي دفعناه تعريقه الراجل اللي كان هيسلك لينا الشغل ودلوقتي إختفىٰ وكأنه فص ملح وداب..؟!
عارف يعني نخسر شحنة اللحوم اللي مستوردينها بمليارات..؟!

 

مفيش قدامنا حل تاني غير كده يا عـاصـم يا نقبل بالعرض ده يا هتبقا فضحتنا في السوق بجلاجل ومش بعيد نعلن إفلاسنا قريب غير أن بابا لحد دلوقتي معندوش فكرة عن كم الخساير اللي خسرناها وأنا بحاول أسيطر عالوضع قبل ما بابا يعرف حاجة لأنه مش هيستحمل الخبر ده وممكن يروح فيها مش هيبقا موت وخراب ديار يا

 

عـاصـم..
” عـاصـم ” بعدم تصديق لكل ما يمرون به.
– بس مش لدرجة نقبل ببضاعة فرز تالت يا مُـراد دي لوحدها فضيحة لينا ولإسمنا في السوق..
” مُـراد ” بعملية.

 

– الخسارة القريبة أحسن من المكسب البعيد يا عـاصـم مفيش قدامنا حل تاني غير ده..
لو عندك حل تاني قوله..؟!
” عـاصـم ” بقلة حيلة وهو عاجزًا عن التفكير.

 

– للأسف مفيش قدامنا حلول تانية ولا حتى وقت للتفكير..
” مُـراد ” بعدما أتخذ قراره وأخيرًا.
– يبقا أتفقنا..
ثم تابع وهو يوجه حديثه إلى ذلك الـ ” مـمـدوح ” بصرامة.

 

– أبعت ليهم فاكس في أسرع وقت ممكن يا مـمـدوح وبلغهم بموافقتنا وأننا مستعدين نحول المبلغ في أي وقت المهم الشحنة توصل في أسرع وقت..
” مـمـدوح ” بطاعة وتقدير.

 

– تحت أمرك يا مُـراد بيه..! وهنا أصدر هاتفه صوتًا معلنًا عن وصول إتصال إليه فستأذن منهم بتهذب ومن ثم قام بفتح الهاتف مرددًا بعملية.
– الو..
فإستمع إلى الطرف الآخر ومن ثم هب واقفًا وهو يتابع بذعر وصدمة جاليه على كل أنش به.
– أمته حصل الكلام ده..؟!

 

طب أقفل أقفل أنا ثواني وهكون قدامك..
” مُـراد ” بقلق وهو يقطب بين حاجبيه في غرابه.
– في إيه يا مـمـدوح إيه اللي حصل..؟!
” مـمـدوح ” بتوتر وإرتباك شديد.

 

– أنا في الحقيقة مش عارف أقول لحضرتك إيه بس..؟!
” مُـراد ” بقلق وضربات قلبه تضرب بقوة بداخل صدره دون رحمة.
– بس إيه يا مـمـدوح أنطق وقعت قلبي..؟!

 

” مـمـدوح ” وهو يبتلع لعابه بصعوبة غير قادرًا على الإفصاح عما يدور بداخله وإستمع إليه من لحظات فأخذ نفسًا عميقًا ومن ثم تابع بعدما أستجمع شتات نفسه قائلًا.
– مُـراد بيه لسه مكلمني من المخازن حالًا وبيقولوا النار شاعلة في كل حتة ومسكت في المخزن الشرقي اللي

 

لسه موردين فيه القمح والمطافي دلوقتي في طريقها له..
” مُـراد ” وهو يهب واقفًا بعدم تصديق.
– إزاي ده حصل..؟!
إزاي النار تولع في المخزن وأشمعنا الشحنة دي بالذات..؟!
” عـاصـم ” وهو يجذب خصلاته بقوة من فرط غيظه.

 

– مش معقول كل اللي بيحصل ده..؟!
مش معقول المصايب دي كلها الموضوع ده في آنه يا مُـراد..؟!
” مـمـدوح ” بقلق.
– مش وقته دلوقتي يا عـاصـم بيه الكلام ده إحنا لازم نلحق نوصل للمخازن عشان أكيد في محضر هيتعمل ولازم

 

نكون هناك..
” المحامي ” بحكمة.

 

– مـمـدوح عنده حق يا مُـراد إحنا لازم نتحرك عالمخازن دلوقتي..
” مُـراد وعـاصـم ” في صوت واحد وهما يهموا بالرحيل.
– يلااااااا بيناااا..!

 

وبعد مرور عشر دقائق كان الجميع يقف أمام مخازن نـجـم الـديـن التي تتأكلها النيران و” مُـراد ” يقف يُتابع النيران المشتعلة التي ينعكس شعاعها بداخل بؤرة عيناه المتحجره بداخلها العبرات التي تآبي الهطول مهما حدث.
وبعد لحظات جاء أحد الضباط حاملًا بين يديه حزمة من الأوراق يُطالب مُـراد بتوقيعها لإنهاء المحضر الذي أُثبت

 

خلاله بأن الحريق قد حدث بفعل ماسًا كهربائي أدىٰ إلى ذلك الحريق الهائل الذي أستمر لما يُقرب من نصف ساعة كاملة ولكن بالرغم من قصر المدة إلا أنها قد أخذت معها الأخضر واليابس ولم يتبق من الشحنة سوا الرماد وما أن وقع مُـراد على أقوله والمحضر حتى شعر بأن الأرض جميعها وما عليها تدور من أسفله والرؤية بدءت في التشوُش

 

قليلًا وما أن رفع يديه ليفرك بها عيناه حتى وجد الدماء تُغرق كفه ومن بعدها لم يعد يرىٰ شيئًا وسقط فاقدًا للوعي.
على الجانب الآخر..

 

كانت ” مـريـم ” تقف مع العُمال بداخل المطعم تتابع أعمالها بتشوش على غير عادتها؛ وهي تشعر بالقلق يُساورها فهي منذ فترة وهي تهاتف ” مُـراد ” لكنه لم يُجيب على إتصالاتها وبعد محاولات عديدة قد تم إغلاق الهاتف تمامًا وذلك سببًا كافيًا لقلقها وخوفها الشديد طيلة اليوم فهو لأول مرة بحياته يتجاهل إتصالاها به. فإنصرف العُمال

 

بعدما فرغوا من عملها ومن ثم إستدارت هي الآخرىٰ لجمع أشيائها حتى تعود إلى منزلهم لتطمئن فؤادها على ذلك الـ ” مُـراد ” أبيها الروحي والأب الأوحد الذي شعرت بدفئه وحنانه بهذا العالم؛ إلا أنها أصتدمت بذلك المدعو بـِـ ” سـلـيـم ” وهو يقف قبالها مرددًا بقلق واضح على حالتها.
– أنتي كويسة..؟!

 

” مـريـم ” لا رد ولكنها تنظر إليه بتسهيم وتوهان.
” سـلـيـم ” بغرابة.
– أفهم من سكوتك ده أنك زعلانة من اللي حصل أمبارح ولا مش عايزه تكلميني..؟!

 

” مـريـم ” بهدوء على عكس الكثير من المشاعر المتخطه بداخلها.
– صدقني يا مستر سـلـيـم الموضوع مش كده خالص بس أنا فعلًا متلغبطه و Out of Mood النهارده عشان كده مش عارفة أركز في حاجة Sorry بجد..
” سـلـيـم ” بهدوء.

 

– ممكن تقوليلي سـلـيـم عادي على فكرة من غير مستر إحنا تقريبًا سننا مقارب وأعتقدت أن بعد قعدتنا وكلامنا أمبارح أننا هنشيل الكُلفة والرسميات اللي بينا ونتعامل على طبيعتنا..
” مـريـم ” بتفكير.

 

– بس..! وما أن همت بإستكمال حديثها حتى أوقفها ” سـلـيـم ” قائلًا.
– مـريـم أنتي المفروض تكوني أطمنتي ليا بعد قعدتنا وكلامنا أمبارح والمفروض كمان أننا بنتشغل مع بعض يعني الدُنيا تبقا أسهل من كده والتعامل بينا يكون خفيف عشان نحس أن الشغل هو كمان خفيف..

 

أنا مش حابب أفرض نفسي عليكي ولا أجبرك أنك تتعاملي معايا بس لو أنتي حبه متشوفنيش تاني لحد ما تنتهي من شغلك فأنا مستعد لده عشان أريحك..
” مـريـم ” بخجل.

 

– صدقني يا سـلـيـم الموضوع مش كده خالص أنا بس النهارده متوتره شوية وتركيزي مشوش..
” سـلـيـم ” بقلق مصتنع على حالتها.
– أنتي كويسة طيب تحبي أطلبلك دكتور..؟!

 

” مـريـم ” بإبتسامة هادئة.
– لأ لأاااا الموضوع مش مستاهل دكتور هما شوية قلق وهيروحوا لحالهم متقلقش..
” سـلـيـم ” بتساؤل وفضول.

 

– ممكن أعرف إيه اللي قلقك وموترك بالشكل ده لو مش هيضايقك..؟!
” مـريـم ” بقلق واضح عليها.
– أونكل مُـراد عمي بكلمه طول اليوم بس مش بيرد ومن شوية جربت تاني لقيت موبايله مقفول وقلقانه جدًا عليه..

 

” سـلـيـم ” بلؤم.
– متقلقيش أن شاء اللّٰه خير يمكن مشغول وأول ما يفضىٰ هيكلمك..
” مـريـم ” بقلق.
– عمي مش عادته أنه يقفل موبايله مهما حصل وأنا بالذات على طول بيرد عليه وعمره ما رفض ليا مكالمة..

 

خصوصًا أني عارفة أنه تعبان الأيام دي وعنده مشاكل كتير في الشغل..
” سـلـيـم ” محاولًا تطمينها.
– أهدي ومتقلقيش كل حاجة هتبقا كويسة وهو أكيد مشغول جدًا في شغله والمشاكل اللي عنده زيّ ما بتقولي يمكن في إجتماع ولا حاجة وأول ما هيخلصه هيكلمك متقلقيش نفسك عالفاضي..

 

” مـريـم ” والأمل ينتعش بصدرها من جديد.
– يارب يكون كده فعلًا..
” سـلـيـم ” بتطمين.
– أن شاء اللّٰه..

 

ثم أضاف بنبرة ذات مغزىٰ.
– وقعتي قلبي أفتكرت أنك زعلتي مني عشان سبتك أمبارح وروحت لـصـولا..

 

” مـريـم ” بغضب حاولت عدم إظهاره.
– وده هيزعلني في إيه يعني أن شاء اللّٰه..؟!
” سـلـيـم ” على نفس نبرته السابقة.

 

– على فكرة الغيرة باينه أوي في عنيكي مش عايزه كلام يعني..؟!
” مـريـم ” بغضب وإرتباك يتملكها.
– غيرة..!
غيرة إيه..؟! وأنا هغير عليك أنت ليه أصلًا..؟!

 

” سـلـيـم ” بمرح.
– مهما تقولي وتنكري غيرتك باينه في عنيكي وبعدين بداريها ليه ما أهو أنا يتغار عليا فعلًا هههههه..
” مـريـم ” وهي تضم يديها إلى صدرها بغضب.
– على فكرة كلامك ده مش مقبول..

 

ومش معنىٰ أني بتعامل معاك بذوق وبأدب يبقا ميته في دباديبك وبغير عليك..
” سـلـيـم ” بهدوء مقصود.

 

– أهدي بس كده متتعصبيش أنتي ليه دمك حامي على طول كده..؟!
ثم أضاف وهو يغمز لها بطرف عيناه اليسرىٰ قاصدًا كل حرف يتفوه به.

 

– مش عايزه تعرفي مين الست الحلوة الشيك اللي كانت معايا أمبارح..؟!
” مـريـم ” وهي تُشيح بعيناها بعيدًا عنه بغضب إلا أنها كانت تخجل في باطنها وبشدة وتحاول إلا تتقابل عيناها مع خاصته حتى لا ينفضح أمرها.

 

– ميهمنيش على فكرة مين الست اللي كانت معاك إطلاقًا..
” سـلـيـم ” بنبرة ذات مغزىٰ.
– طب عيني في عينك كده وقوليلي وأنتي باصه في عيني أنك مش فارق معاكي تعرفي مين هي..؟!

 

فشعرت ” مـريـم ” بالحرج الشديد وتمنت لو أن الأرض تنشق إلى نصفين وتبتلعها بلعًا من شدة خجلها ووجنتيها أصبحت تكسوُها الحمره التي تُشبه حبة الكريز الناضجة تمامًا؛ فتابع ” سـلـيـم ” وهو يضحك مقهقهًا عندما طال صمتها قائلًا بنبرة ذات مغزىٰ وهو يقترب منها بتروي.

 

– مش قادره تبصيلي ليه خايفة عيونك تتفضح قصادي..؟!
” مـريـم ” لا رد ولكنها ظلت تعود وتعود إلى الوراء مع إستمراره في التقرب منها حتى إصطدمت بالحائط من خلفها؛ فأقترب منها بدوره محتجزًا لها بين ذراعيه والحائط وهي كقطعة الثلج تكاد أن تذوب من خجلها بسبب قربه الشديد منها فنطقت بتوتر وإرتباك شديد.

 

– أنت بتعمل إيه يا سـلـيـم أبعد من فضلك.. ؟!
” سـلـيـم ” وهو ينظر إلى عيناها نظرات أربكتها وكادت أن تفقدها إسمها؛ ومن ثم همس لها بتساؤل ونبرة يقصد كل حرف بها.

 

– بحاول أبص في عيونك اللي أنتي بتحاولي بكل الطرق تبعديهم عني عشان ما يتكشفش اللي فيهم..
ومن ثم هم برفع خصلاتها بأنامله وأبعادها عن جبهتها بلمسات كادت أن تُسلبها أنفاسها وتابع بعد ذلك وهو لايزال ناظرًا بداخل عيناها.
– لسه برضو مش عايزه تعرفي مين هي الست اللي شوفتيها معايا أمبارح..؟!

 

” مـريـم ” بنبرة مُسكره تمامًا وهي تنظر بداخل عيناه كالمغيبة.
– مين..؟! وما كاد أن يُجيبها ” سـلـيـم ” حتى أصدر هاتفها صوتًا تعرفه جيدًا معلنًا عن وصول رسالة من أحدهم فقامت مسرعه بزجه بعيدًا عنها بعفوية شديدة وأقتربت من حقيبتها جاذبة لهاتفها الذي قامت بفتحه مسرعًا

 

تاركه ذلك الذي يقف وأنفاسه تعلو وتهبط بشكلًا ملحوظًا وكأنه خارجًا من سباق للتو إلا أنه أنتبه جيدًا على حديثها له وهي تُردد بحماس وترقب.
– دي مسدج بتقول أن عمي موبايله أتفتح..!

 

” سـلـيـم ” محاولًا التصرف على طبيعته وهو يمشط بيديه خصلاته بلامبالاه مصتنعه.
– طب جربي كلميه تاني وأن شاء اللّٰه يرد عليكي..
” مـريـم ” وهي تضع الهاتف على أذنها محاولة الإتصال به.

 

– جرس..
وبعد لحظات جاءها الرد فردت قائلة بسرعة كبيرة دون أن تُعطي فرصة للطرف الآخر بالرد.
– الو يا أونكل حضرتك مش بترد ليه قلقتني عليك..؟!
الطرف الآخر شخص مجهول المصدر: الو..

 

حضرتك تقربي إيه لـمُـراد بيه..
” مـريـم ” وهي تبعد الهاتف عن أذنها ناظره به للتأكد من صحة الرقم المطلوب ثم عادت تتحدث من جديد بتساؤل وإستغراب.
– أنا بنت أخوه حضرتك مين..؟!

 

الطرف الآخر: أنا الدكتور اللي مشرف على حالة عمك يا آنسة..
مُـراد بيه جالنا من ساعة تقريبًا وهو حاليًا تحت الملاحظة في العناية المركزة..
– اقتباس من الفصل القادم –

 

شعرت ” مـريـم ” بأن ساقيها لم تعد قادرة على حملها ومن ثم سقط الهاتف من بين يديها على الأرض ، فأسرع إليها ” سـلـيـم ” محتضنًا لها من الخلف وأقترب بها إلى أقرب مقعد مجلسًا لها عليه ثم أخذ لسماعة الهاتف مكملًا لحديثها وهو يردف بإستفهام.
– الو..!

 

ده تليفون مُـراد نـجـم الـديـن من فضلك..؟!
الطبيب بعملية.
– ايوه يا فندم مُـراد بيه جالنا من حوالي ساعة تقريبًا في حالة حرجة جدًا وحاليًا موجود عندنا في العناية المركزة.

 

” سـلـيـم ” بصدمة بعدما شعر بوخزه قوية تخترق جانبه الأيسر حيث موضع قلبه.
– ممكن إسم المستشفىٰ لو سمحت..؟!
الطبيب بعملية.
– المستشفىٰ الألماني يا فندم..

 

” سـلـيـم ” وهو لايزال في صدمته.
– تمام مسافة السكة وهنكون عندك..
شكرًا..

يتبع….

 

( ١٤ ) – لـيـتُـك تـعـلـم..! –
بداخل مشفىٰ ( الألـمـاني ) وتحديدًا أمام حجرة العناية المُشدَّدة. كان يقف ” عـاصـم ” يزرع المكان ذهابًا وآيابًا وهنا

 

وهناك وبرفقته كل من ” مـمـدوح ” وذلك ” الـمـحـامـي ” في إنتظار خروج الطبيب من الداخل ليطمئنهم على وضعه وحالته الصحية وما أصابه فجأة دلف على أثره إلى تلك الحجرة اللعينة. وبعد لحظات من القلق والتوتر خرج إليهم الطبيب أخيرًا فهرولوا إليه مُسرعين ولكن أول من وصل إليه كان ” عـاصـم ” الهاتف بقلق واضح بعدما

 

تحطمت أعصابه بالكامل.
– طمنا يا دكتور من فضلك أحنا بقالنا أكتر من ساعتين مستنين حد يقولنا حاجة أو يطمنا ولو بكلمة..؟!
الطبيب بعملية.

 

– الحمداللّٰه أنكم لحقتوه في الوقت المُناسب والحمدللّٰه كمان أنه نزف من مناخيره لأن الضغط علىّ بشكل مفاجئ ولو مكانش نزف كان ممكن لقدر اللّٰه يُصاب بجلطة عالمخ..

 

حاليًا هو وضعه أستقر كتير عن وقت ما جه وخلال دقايق هيتم نقله إلى غرفة عادية وهيفضل تحت الملاحظة ساعتين وبعديها لو الوضع تمام هيخرج على طول..
” عـاصـم ” بقلق أكبر بعد حديث الأخير عن وضع صديقه الصحي.

 

– يعني حاليًا وضعه أستقر يا دكتور خلاص ولا لسه في نسبة خطر..؟!
الطبيب بعملية.
– الحمداللّٰه نقدر نقول فيه إستقرار بنسبة ٨٠٪ والـ ٢٠٪ التانين هنتأكد منهم بعد الساعتين الجايين ما يمروا بسلام..
ثم أضاف وكأنه تذكر شيئًا ما للتو.

 

– آااه نسيت صحيح..
تليفون مُـراد بيه رن كتير أوي وردينا عليه وكانت بنت أخوه وهي جاية حاليًا في الطريق..
” عـاصـم ” وهو يضرب بيديه جبهته بغضب موجهًا حديثه إلى من هم معه.

 

– هنعمل إيه دلوقتي..؟!
الوضع مش مطمن خالص ولو الخبر وصل البيت عمي عـابـد هيروح فيها..؟!
الطبيب بآسف.

 

– أنا آسف يا عـاصـم بيه من الواضح أني سببت لمشكلة بس فعلًا التليفون مبطلش رن واضطريت أني أرد..
” الـمـحـامـي ” بإحتواء للموقف.
– محصلش حاجو يا دكتور الجماعة كده كده كانوا هيعرفوا..

 

المهم دلوقتي صحة مُـراد ولا إيه يا مـمـدوح..؟!
” مـمـدوح ” بلباقه.
– أكيد المهم دلوقتي بالنسبة لينا هو وضع مُـراد بيه..

 

الطبيب بعملية.
– متقلقوش إحنا هنتابع أول بأول الوضع وبإذن اللّٰه يفضل مستقر ويخرج على خير..
” عـاصـم ” بإمتنان وآسف حقيقي.
– شكرًا يا دكتور تعبناك معانا..

 

وآسف لو انفعلت بس حضرتك أكيد مقدر موقفنا خصوصًا أنك متابع حالة عـابـد بيه وعارف كويس أن حالته حرجة جدًا وممنوع من الزعل وخبر زيّ ده ممكن يأثر على صحته بالسلب وبدل ما وضعة يستقر يرجع تاني ينتكس..

 

الطبيب بتقدير.
– محصلش حاجة يا عـاصـم بيه ربنا يطمنكم عالباشا الكبير ومُـراد بيه في أسرع وقت..
” عـاصـم ” بإبتسامة مهزوزه خشية من القادم.

 

– تسلم يا دكتور..
على الجانب الآخر..
كانت تركض بين آروقه المشفىٰ وهي تبكي بحرقة وهو لاحقًا بها بمشاعر متخبطه بين الذنب والحزن والترقب لرؤية والده ولأول مرة على أرض الواقع.
كان يتمنىٰ لو كان الواقع غير ذلك إلا أن الرياح دومًا ما تأتي بعكس السُفن.

 

وما أن وصلوا إلى حيث الغرفة التي أنتقل إليها ” مُـراد ” حتى أسرعت بفتح الباب وهي تبكي بحرقة بكاءًا حارًا مردده بقلق ولهفة حقيقية وهي ترتمي بين ذراعي عمها المتسطح أعلى الفراش والأسلاك تُحاط به من كل حدبًا وصوبًا الإعياء الشديد يبدو بوضوح على معالمه.

 

– أونكل مُـراد أنت كويس..؟!
حضرتك كويـس بجد طمني عليك بليز..؟!
” مُـراد ” بإبتسامة مهزوزه من شدة إرهاقه ومرضه وهو يُربت على خصلاتها بحنان مرتبًا لها بحب.

 

أنا كويس يا روح أونكل متقلقيش..
ضغطي علىٰ شوية صغيرين على غير العادة بسبب ضغط الشغل بس أنا دلوقتي كويس جدًا وهخلص المحلول ده وهو أمشي معاكي على طول..

 

” مـريـم ” ببكاء.
– أومال الدكتور قالي ليه أنك في العناية المركزة ووضعك مش مستقر..؟!
” مُـراد ” بنبرة هادئة محاولًا تطمينها.

 

– أهدي يا حبيبت قلبي أنا كويس جدًا واللّٰه هو بس أول ما جيت كانوا بيعملوا شوية إجراءات روتينية ولازم يحللوا الفلوس اللي هياخدوها عشان كده كبروا الموضوع وقلقوكي عالفاضي لكن أنا كويس وبقيت أحسن لما شوفتك قدامي دلوقتي وشوية وهروح إيدي في إيدك وهنرجع بيتنا سوا..

 

ثم أضاف وهو يقبل كفوف يديها بحنان أبوي خالص.
– متقلقيش يا نور عيني أنا بقيت كويس جدًا بوجودك جمبي دلوقتي..! فإرتمت بداخل أحضانه وشدَّد بإحتضانه لها بيديه بكل ذرة حب به.

 

كل ذلك و” سـلـيـم ” يقف يتابع كل ذلك بعينان جامحة، ثابتة، تآبىٰ الخضوع والتأثر بكل ما يحدث حوله؛ نعم فهو حقًا مُتأثر ومُتأثر للغاية أيضًا لكنه يرفض إظهار ذلك. لأول مرة يرىٰ والده. لأول مرة يشعر بحنان الأب ووجوده ولكن ليس هو من يشعر به بل آخرىٰ قد نشأت على يداه وتربت وتدللت أعلىٰ ساقيه وهو الآن يُشاهدها تتمتع بدفء أحضانه الذي حُرم طيلة حياته من مذاق دفئه.

 

ستة وعشرون عامًا وهو يتمنىٰ أن يُلمح طيفه ويرىٰ وجهه.
ستة وعشرون سنة وهو محرومًا من حنان والده الذي يُغدقه على آخرىٰ لم تكن من صلبه يومًا هي نعم تحمل

 

دمائه إلا أن بذرته لم تُزرع بيها يومًا.
لأول مرة بحياته يشعر باليُتم الآن.
لأول مرة بحياته يُدرك الآن مدىٰ حاجته لوالده ولأحضانه هذه التي يمنحها لآخرىٰ غيره.

 

يُغار نعم يُغار وبشدة..!
يُغار من مكوسها بين ذراعيه ومن محبته لها..!
يُغار من إقتران إسمها بإسمه وأبوته لها الكاذبة..!

 

يُغار من محبتها له وخوفها الزائد عليه الذي حُرم منه ومن إظهاره له..!
نيراااااان بداخله..!
نيراااااان تُحرق معها الأخضر واليابس كما يُقال..!
ليته يعلم بشاعه ما يشعر به الآن وحجم النيران الحارقة التي تركها بداخل صدره تُحرقه دون رحمة..؟!

 

ليته يعلم كيف زلزل كيانه بمجرد ما أن وقعت عيناه عليه ورآىٰ صورته ملموسة على أرض الواقع وسمع نبرة صوته لأول مرة الدافئة، الحانية عليها..؟!
ليته يعلم كم تمنىٰ لو كان بإمكانه أن يرتمي بداخل أحضانه مجهشًا في بكاءًا مريرًا يحكي ويحكي له مدىٰ قساوة

 

الحياة بدونه..؟!
ليته يعلم كم من مرةٍ تخيل حاله مع والده يُدلله ويتمتع برفقته بنعيم الأسرة والدفء الذي لم يعرف له مذاق إلا بداخل أحضان والدته..؟!

 

إذا كانت كراهيته له في الأول تفوق حجم البر والبحر فأن كراهيته له الآن قد فاقت حجم السماء والأرض معًا أضعافًا وأضعافًا مضاعفة..!

 

فإذا كان قد كرهه من قبل لما فعله بوالدته وحرمانه من إثبات نسبه وأبوتخ فالآن كراهيته له لحرمانه من كل هذا الحنان والدفء الذي يراهم أمامه عيناه..؟!
وإذا كان قد شعر بالندم لثانية على كل ما إقترفه بحقه فما سيفعله معه الآن سيفوق كل ذلك بآميال..؟!

 

فاق من شروده هذا على صوت ” مـريـم ” وهي تهتف بإسمه برقه قائلة.
– أونكل مُـراد أحب أعرفك بـِـ سـلـيـم..
سـلـيـم ريـاض صاحب سلسلة المطاعم اللي أنا مسؤلة عن ديكوراتها في مصر..

 

لما عرفت بخبر تعب حضرتك كان هو معايا ولولاه مكنتش عارفة هاجي لحد هنا إزاي يا أونكل..! ثم أضافت وهي توجه حديثها إلى ” سـلـيـم ” معرفه ” مُـراد ” له بإبتسامة صادقة كشفت عن أسنانها.
– أعرفك يا سـلـيـم بعمي مُـراد نـجـم الـديـن أشطر Business Man في مصر كلها وأطيب وأحن قلب في الدُنيا وبابايا اللي ماليش غيره..

 

” سـلـيـم ” بإبتسامة باردة إجتهد كثيرًا في رسمها على وجهه.
– أهلًا يا مُـراد بيه..
ألف سلامة على حضرتك..

 

” مُـراد ” وهو يشعر بنغزة قوية بجانب قلبه حاول التغاضي عنها وتجاهلها وتابع ببسمة هادئة.
– أهلًا بيك يا سـلـيـم واللّٰه يسلمك..

 

ثم أضاف بإمتنان حقيقي.
– شكرًا جدًا أنك كنت مع مـريـم ومسبتهاش في الحالة دي لوحدها..
” سـلـيـم ” بإبتسامة زائفة.

 

– لا شكر على واجب يا مُـراد بيه أنا معملتش حاجة وأي حد في مكاني كان هيعمل اللي أنا عملته بالظبط..
” مُـراد ” بتقدير.
– ربنا يبارك فيك يارب يا حبيبي ويحفظك لباباك ومامتك..

 

” سـلـيـم ” بنبرة قوية وهو يؤكد على كل حرف يهتف به.
– لمامتي بس يا مُـراد بيه أنا بابايا متوفي من قبل ما أتولد..
” مُـراد ” بتأثر شديد.

 

– ربنا يرحمه يا حبيبي العُمر ليك..
وما أن هم بالتحدث حتى دلفت تلك السيدة التي هي في آواخر عقدها الرابع ومساحيق التجميل تُغطي ملامحها بحرفيه شديدة وهي تبكي بحرقة وهلع؛ مقتربه من ” مُـراد ” بتلهف.

 

– مُـراد أنت كويس يا حبيبي..؟!
طمني عليك..؟! إيه اللي حصلك..؟!
” عـاصـم ” بهدوء محاولًا تطمينها.
– متقلقيش يا شـهـيـرة هانم..

 

مُـراد ضغطه علىّ شوية وجبناه عشان نطمن عليه والحمدللّٰه جت سليمة وهيخرج معانا أول ما المحلول اللي في إيده ما يخلص على طول..
” شـهـيـرة ” وهي تمسح عبراتها بشكر.

 

– الحمداللّٰه الحمداللّٰه يارب أنك بخير يا مُـراد متتصورش قلقت عليك إزاي..؟!
” مُـراد ” وهو يمسك يديها بتقدير.
– متقلقيش يا شـهـيـرة أنا كويس شوية تعب وراحوا لحالهم..

 

ثم أضاف بقلق واضح.
– طمنيني أوعي يكون بابا عرف حاجة بخصوص تعبي أو مشاكل الشغل..؟!
” شـهـيـرة ” مطمئنه إياه بهدوء.
– متقلقش معرفش أي حاجة وأنا مأكده عالكل محدش فيهم يقول حاجة ليّ متشلش هم أنت المهم تقوم لينا

 

بالسلامة ونطمن عليك والباقي كله أنا عاملة حسابه..
” مُـراد ” وهو يضغط على يديها بإمتنان.
– تسلميلي يا شـهـيـرة ربنا يخليكي ليا من غيرك مش عارف كنت هعمل إيه..؟!

 

” شـهـيـرة ” بحب واضح.
– متقولش كده يا مُـراد أنا مراتك وده واجبي…
ثم بدءت تجول بعيناها على الحضور وهي تبتسم لهم بتقدير حتى وقعت عيناها على ذلك الـ ” سـلـيـم ” الذي يُركز

 

على كل كلمة وحركة بدقة دون أن يلاحظه أيًا منهم وما أن تلاقت أعينهم حتى أبتسم لها إبتسامة لم تصل إلى عيناه؛ فنقلت بدورها عيناها إلى صغيرتها مشيرة لها بعيناها عليه ففهمت ” مـريـم ” سريعًا ما ترمي إليه والدتها ونطقت برقيّ معرفة إياها به.
– أقدملك يا مامي ” سـلـيـم ” صاحب سلسلة المطاعم اللي ماسكة شغل الديكورات فيها..

 

لسه كنت بحكي لأونكل مُـراد إزاي مسبنيش لحظة واحدة في حالتي اللي كنت فيها وإصراره في أنه يوصلني ويطمن على أونكل مُـراد بنفسه..
ثم تسرسلت في حديثها وهي تُعرفه بوالدتها قائلة.
– ودي بقا يا سـلـيـم مامي شـهـيـرة الأناضولي وتبقا كمان مرات أونكل مُـراد عمي..

 

” سـلـيـم ” بإبتسامة عريضة يملؤها اللؤم والخبث الدفينان وهو يقترب من ” شـهـيـرة ” محيّيًا لها برقيّ واضعًا قبلة رقيقة أعلىٰ كف يديها ونظراته الموجهه إليها نظرات مبهمة تخترقها دون أن تشعر بها هامسًا لها بهدوء عكس ما يُكمن بداخله من فيضانات غير قادره على إخماده نيرانه.

 

– أهلًا بيكي يا مـدام شـهـيـرة سعدت جدًا بمقابلة حضرتك..!
” شـهـيـرة ” برقيّ بدورها وإبتسامتها العريضة تكسوُ محياها بصدق.
– أنا أسعد يا سـلـيـم وميرسي جدًا لتعبك معانا وأنك مسبتش مـريـم تمشي بالحالة دي لوحدها..

 

” سـلـيـم ” على نفس نبرته السابقة.
– ولو يا مدام شـهـيـرة..
يمكن معرفتي بـمـريـم كانت من مدة قصيرة جدًا بس معزتها في قلبي كبيرة أوي وده أقل شئ ممكن أقدمه ليها في وضع صعب زيّ ده..

 

” شـهـيـرة ” بإمتنان حقيقي وهي تضغط على كفه بتقدير وإبتسامتها الهادئة، الممتنه له تزين ثغرها بلطف.
– تسلم يا حبيبي يارب وحقيقي كان نفسي نتقابل في ظروف تانية أحسن من كده بكتير بس الحمدللّٰه على كل حال..
” مُـراد ” بإنهاك شديد وهو ينظر إلى ذلك الـ ” سـلـيـم ” بإعجاب شديد.

 

– ملحوقه يا شـهـيـرة الأيام جاية كتير وأكيد هنتقابل تاني قريب..
” سـلـيـم ” بنبرة يملؤها اللؤم المخفي عن الحضور.
– طبعًا يا مُـراد بيه الأيام جاية كتير وأكيد حضرتك والأسرة كلها هتشرفوني قريب في إفتتاح الفرع الجديد لسلسلة

 

مطاعم صـولا..! تلفظ بجملته تلك بإستمتاع شديد وهو يتكأ على كل حرف بإسم والدته وعيناه مصوبتان على ذلك الـ ” مُـراد ” الذي بمجرد وقع الإسم على أذنيه حتى إزداد صفير جهاز قياس القلب معلنًا إضراب نبضاته مما لفت نظر ” سـلـيـم ” الذي أتسعت إبتسامته لتسع السماء والأرض عندما تأكد بأن والدته لايزال إيقاع إسمها يُؤثر به ومن

 

ثم أكمل حديثه بنبرة يملؤها الحماس والكثير والكثير من السعادة المخفيه خلف كلماته المُتعسله.
– في أقرب وقت هبعت لحضرتك Invitation خاصة مني لإفتتاح الفرع وهكون سعيد جدًا بتواجد حضرتك والأسرة..

 

وبإذن اللّٰه هكلم مـريـم بالليل أطمن على صحة مُـراد بيه منها..
” مـريـم ” بحماس.
– إيه ده أحنا لسه هنستنا شهرين كمان..؟!
لأااااا أحنا لازم نتقابل قبلها أكيد عشان أعرفك بجدو عـابـد صدقني هيحبك جدًا هو أساسًا عشري أوي وبيحب

 

الناس كلها..
” شـهـيـرة ” بحماس بدورها تأكيدًا على حديث صغيرتها.
– ايوه فعلًا شهرين مدة طويلة جدًا بس مش مهم إحنا لسه فيها..

 

فأضافت بحماس أكبر ورحابه شديدة.
– إيه رائيك لو تيجي النهارده تتعشا معانا وتتعرف على بابا عـابـد ومنها تطمن على مُـراد كمان بنفسك..؟!
” سـلـيـم ” بنبرة متقنه جيدًا.

 

– أنا معنديش مانع بس إحنا ممكن نأجلها لوقت تاني يكون مُـراد بيه أرتاح شوية ووضعه بقاااا أحسن..؟!
” مُـراد ” بدعابه وهو يشعر بشعور غريب تجاه الأخير عجز عن إدراكه بلحظتها.
– متشلش هم مُـراد بيه أنا كده كده مرتاح الحمداللّٰه وبعدين الحبايب محدش يتعب من قعدتهم..

 

” شـهـيـرة ” بحماس وهي تؤكد على حديث زوجها بسعة ورحابه.
– أظن كده مفيش حجج مُـراد بنفسه اللي بيعزمك أهو..؟!
” مـريـم ” بحماس هي الآخرىٰ بدورها.

 

– خلاص بقا يا سـلـيـم هنستناك بالليل عالعشا متكسفش مامي..
” سـلـيـم ” بلؤم.

 

– وهو أنا أقدر برضو..
وبعدين ست الكل تؤمر وإحنا كلنا ننفذ..! نطق بها ضاغطًا على كل حرف بحرفية شديدة هو يضع قبلة حانية أعلىٰ كف يديها اليمنىٰ برقيّ وأناقة شديدان بعدما تأكد بأن خطته تُجري على النحو الذي خطط له تمامًا.

يتبع….

 

( ١٥ ) – ماذا لو..؟! –
في مساء اليوم نفسه كان الخدم بأكملهم يعمل على ساق وقدم بداخل قصر عائلة ” نـجـم الـديـن ” تحت إشراف ”

 

شـهـيـرة ” التي أخذت تُملي على الجميع تعليماتها لتنظيم طاولة عشاء مُشرفه على شرف ذلك الـ ” سـلـيـم ” الذي قد ساند إبنتها ودعمها في أصعب لحظات حياتها مما عزز مكانته لديهم وحظى بِـحظًا وافرًا من التقدير والتبجيل في قلوبهم.

 

وكان في الوقت نفسه ” مُـراد ” يتجهز أيضًا أمام مرآته وهو يُهندم من وضعيه ملابسه بأناقة شديدة وما أن هم بغلق أزرار قميصه الأبيض ناصع البايض الذي يأخذ شكل جسده بارزًا بوضوح لعضلات قفصه الصدري مع ترك

 

أثنين من الأزرّر منفتحين مما أضاف على هيئته الكثير والكثير من الجاذبية والأغراء؛ فتطرق إلى أذنيه صوت طرقات الباب الهادئة التي يعلمها جيدًا فهتف بالطارق في حب واضح على نبرته.
– أتفضلي يا سمو الأميرة..!

 

” مـريـم ” وهي تطل برأسها من باب الغرفة بمرحها المعتاد.
– يا مساء الجمال على أحلى أمير في حياتي كلها..!

 

” مُـراد ” بحب وهو يفتح لها ذراعيه بحنان لترتمي بين أحضانه.
– أميرتي الجميلة اللي مخليه حياتي جنة بوجودها فيها وحشتيني..!
” مـريـم ” وهي ترتمي بأحضانه لتنعم بدفئها التي قد حُرمت منه لأيام قليلة مضت.

 

– حضرتك اللي وحشتني جدًا بجد..
متتصورش يا أونكل غيابك الفترة اللي فاتت كان مأثر فيا إزاي..؟! البيت من غيرك مكنش يطاق بجد..

 

الحمداللّٰه أنك رجعت بخير..
ثم أضافت بحنان وهي تبتعد عن أحضانه ماسحه بيديها على وجنتيه بحب.
– صدقني يا أونكل أي حاجة في الدُنيا دي تهون قصاد وجود حضرتك وسطنا ومعانا..

 

أي خسارة في الدُنيا مقدور عليها طلاما بعيد عن الأهل والناس اللي بنحبهم وبيحبونااااا..
وآدي حضرتك شوفت بنفسك جدو برغم الأمبراطورية اللي بناها في سنين والثروة الضخمة اللي قعد عمره كله يحصد فيها إلا أنه قاعد في البيت بأمر من الدكتور ومحروم من حلاوة الدُنيا رغم أنه يكمل كل حاجة فيها..

 

عشان كده بقولك يا أونكل أن صحتك أهم من كنوز العالم كله ووجودك معانا بالدُنيا كلها..
” مُـراد ” متناسيًا لآلامه وهو يجذبها إلى أحضانه مشتمًا لرائحتها العطرة بعدما وضع قبلة حانية أعلى خصلاتها بحنان أبوي خالص.

 

– وأنا مبسوط طول ما أنتي معايا يا حبيبت أونكل..
عارفة..؟!
أنتي اللي عطيتي لحياتي معنىٰ ورديتي فيا روحي اللي كانت مفرقاني من يوم فراق أبوكي اللّٰه يرحمه عني..

 

أنتي عوضتيني عن بشاعة الدُنيا وقدرتي تمحي ببرائتك وطفولتك مُرَّ السنين اللي شوفته..
قدرتي بحبك وقلبك الكبير رغم صغر سنك تشيلي كل الحزن اللي في قلبي وتزرعي مكانه الفرح والسعادة مع كل ضحكة بتطلع منك..

 

ثم أضاف وهو يُشدَّد من إحتضانها بحب.
– وأنتي صغيرة لما كنتي بتضحكي كانت حياتي كلها بتنور بضحكتك ولما كنتي بتعيطي كنت بشوف الدُنيا ولا تسوىٰ حاجة قصاد دمعة من عيونك..

 

تعرفي لما كنتي بتحبيّ قدام عيوني كنت ساعتها بحس بقلبي هو اللي بيتحرك من مكانه وبينتفض مع كل حركة منك يا حبيبتي..
كنت بشوف في عيونك كل أحلامي وبستغرب أوي إزاي حياتي كلها تبقا مرهونه على وجود كائن صغير ضعيف أوي

 

كده زيّك..؟!
مع كل يوم كان بيمر كان تعلقي بيكي بيزيد كل يوم عن اليوم اللي قبله لحد ما اتأكدت أنك نعمة ربنا ليا والسبب الوحيد اللي عايش عشانه من يوم ما اتخلقتي ونورتي دُنيتي وحياتي..

 

أنتي بنتي يا مـريـم اللي مخلفتهاش وحلم حياتي اللي أتحرمت منه العُمر كله..
عوضتيني عن مشاعر الأبوه اللي عشت عُمري كله محروم منها ومعاكي حسيت بيها لأول مرة في حياتي..
” مـريـم ” وهي تشتم رائحة عطره النافذة التي تُذيبها ذُوبًا كلما أشتمت إليها.
– وأنت أبويا اللي معرفتش ولا شوفت غيره..

 

أنت أبويا اللي مدوقتش طعم الحنان والدفا إلا في حضنه صدقني..
لو بابي اللّٰه يرحمه كان عايش مكانش هيحبني قدك ولا عُمره كان دلعني زيّ دلع حضرتك ليا ولو عايز الحق فأنا اللي ربنا بيحبني لأنه لما حرمني من بابي عوضتي بحنان حضرتك وحبك الكبير ليا..

 

أنا من غير حضرتك صدقني عُمري ما كنت هقدر أكمل في حياتي من غير بابي..
كنت هعيش عُمري كله حسه بنقص دونًا عن باقي البنات..
كل البنات بتزعل لما باباهم بيموت وبيفكروا مين اللي هيسلمهم لعريسهم يوم فرحهم لكن أنا ربنا عوضني بيك عن

 

كل ده..
ربنا عوضني بيك عن كل حاجة لدرجة أني عشت عُمري كله وأنا مش حاسة أني يتيمة وبابي ميت حسيت كمان أني عندي أعظم أب في الدُنيا بوجودك جمبي ومعايا..
ثم أضافت بدعابه وهي تبتعد عن أحضانه بمرح لتُغير مجرىٰ الحديث قبل أن تنفلت منها عبراتها رغمًا عنها متذكره

 

لرائحة عطره النافذة التي تسللت إلى أنفها مجددًا بمجرد الإبتعاد عن أحضانه.
– ثم متاخدنيش في دوكه يا أستاذ مُـراد وقولي حالًا بالًا حطيت من البرفيوم ده ليه دلوقتي..؟!
أنا مش نبهت على حضرتك ميت مرة متحطش من البرفيوم ده عشان البنات متعكسكش وأنت حلو كده

 

ومتشيك..
” مُـراد ” بتحسر عهد إلى إخفائه جيدًا وهو يبتسم لها بوهن محاولًا إبداء عدم تأثره لتلك الذكرىٰ التي لاحت عليه وبشدة.
– أنا قولت مـريـوم بتحبه ولازم احط منه عشان خاطر عيونها هي بس..!

 

ثم أضاف وكأنه تذكر شيئًا للتو وهو يركز إنتباه عليها من جديد.
– صحيح قوليلي أنتي كنتي عاوزه إيه لما جيتي..؟!

 

” مـريـم ” وهي تخبط بيديها جبهتها في محاولة منها لجمع شتاتها وكحركة تمثيلية لما أرادت قوله.
– أوبس نسيت أقول لحضرتك..

 

سـلـيـم كلمني من شوية وقالي أنه قدامه ربع ساعة بالظبط ويكون هنا وقالي أبلغ حضرتك بأنه قرب يوصل..
” مُـراد ” وهو يُهم بإرتداء سترته في حماس متمتمًا بنبرة يملؤها التقدير.

 

– الولد ده شكله متربي جدًا يا مـريـم وأخلاقه عاليا وفي الزمن ده صعب تلاقي حد مُحترم زيّه كده..
” مـريـم ” بهيام.
– عندك حق يا أونكل..
سـلـيـم فعلًا شخص كويس جدًا وفاهم الدُنيا كويس رغم صغر سنة تحسه ناضج كده ومش زيّ أي شاب ممكن

 

تقابله الأيام دي..
” مُـراد ” وهو يرفع حاجبه وإبتسامة يملؤها اللؤم تلوح على شفتيه مكملًا بنبرة ذات مغزىٰ.
– وأنتي لحقتي تعرفي كل ده عنه أمته بقا يا ست مـريـم..؟!

 

” مـريـم ” بحرج شديد وهي تبتلع لعابها بصعوبة. تشعر وكأن الكلام قد وقف بعرض حنجرتها يآبىٰ الخروج مختخته بإرتباك واضح على نبرتها وحركة يديها التي أسرعت بإرجاع خصلاتها خلف أذنيها بتوتر.
– هااااا..

 

ثم أضافت بنبرة حاولت التحكم بها بعدما أستجمعت شتات نفسها وفكرت بهدوء كما أكدت عليها ” سـلـمـىٰ ” تمامًا.
– عادي يعني يا أونكل إحنا بنشتغل مع بعض وقدرت أعرف ده عنه بحكم تعاملنا في الشغل وموقفه اللي عمله معايا النهارده مش أكتر يعني..!

 

” مُـراد ” بإبتسامة ذات مغزىٰ وهو يؤكد على كل حرف يخرج منه جيدًا.
– أنتي عارفة يا مـريـم الشخص اللي هياخدك مني ده هياخد مني نور عيني الأتنين ويبخته لأنك هتكوني من بخته بجد..
ثم أضاف وهو يُعدل من وضعيه منديله بداخل جارب سترته بإهتمام كبير على نفس نبرته السابقة.

 

– تعرفي يا مـريـم سـلـيـم برغم أنه متربي في بلد أوربية إلا أنه بيحترم عادات بلده كويس أوي وعارف يعني إيه حرمة بيت عشان كده أتكلم قبل ما يجيّ عشان يبلغك ونعمل حسابنا..
والحركة دي ميعملهاش غير حد متربي وفاهم في الأصول كويس..

 

عشان كده زاد في نظري وقدرته لأنه برغم غربته إلا أنه قد يحافظ على عقلية الراجل الشرقي اللي جواه ودي حاجة مش سهل أي حد يعملها ولازم اللي يعملها يبقا طالع من بيت طيب متربي فيه عالأصول والأخلاق..
” مـريـم ” بشرود في حديثه.

 

– عندك حق يا أونكل..
ثم تابعت بعدما شعرت بأن الوقت قد مر سريعًا وهي تنظر إلى ساعة معصمها بتوتر.
– إيه ده إحنا الوقت سرقنا وعدىٰ أكتر من ٩ دقايق..
فتابعت وهي تركض باتجاه الباب لترىٰ تجهيزاتهم بالأسفل.

 

– عن إذنك يا أونكل هروح أشوف مامي بسرعة جهزت كل حاجة ولا في حاجة ناقصة..؟!
” مُـراد ” بإبتسامة على حركاتها الجنونية بعدما رحلت عن ناظريه.
– مجنونة وعمرها ما هتعقل أبدًا ههههه..! تلفظ بها بسعادة ومن ثم أقترب من التسريحة ساحبًا من عليها أنينه

 

عطره ليتعطر بها؛ وبمجرد ما أن فتح أنينه عطره وتسرسبت رائحتها إلى أنفه حتى شعر بتوقف الزمن من حوله وهوىٰ قلبه بين قدميه عندما لاحت أمام بصره صورتها وهي بين أحضانه منذ أكثر من سبع وعشرون عامًا مضوا.

 

متذكرًا لكل حركة ونفس وكأن المشهد يُعاد أمامه من جديد.
• عودة إلى الماضي – Flash Back.
كانت تتوسط أحضانه، دافنه لرأسها بين منحنيات عنقه تشتم لرائحته التي أسكرتها حقًا وكأنها مادة مخدرة قد

 

تسللت عبر أنفها لتُخدرها تمامًا وتفصلها عن الواقع ولو للحظات ممكنه. كان تشتم وتشتم وكأنها قد بلغت ذروة لهفتها للحصول على جرعتها اللازمه للشعور بالنشوة. فكانت تفترش أحضانه وهي تُغمض عيناها بتلذذ بين الوعي

 

واللاوعي وهو يقف بدوره محتضنًا لها دافنًا رأسه بين خصلاتها يشتم لعبيرها الذي يُهفهف له القلب مغدقًا عليها بسيل من القبلات الناعمة العاشقة لها وحدها دون غيرها بمشاعر لم يختبرها مع أحد قبلها أو من بعدها؛ إلى أن شعر بأنها تكاد أن تذوب بين يديه فهمس لها بنبرة مُسكره تمامًا ليس بأقل من حالتها التي هي عليها منذ أن عاد

 

من الخارج وقابلته وهي تفتح له أحضانها على مصرعيها تستقبله بكل ذرة حب تسكنها له.
– طول عمري أعرف أن الستات الحوامل بيتوحمه على رنجة، مانجا، تفاح أي حاجة تتأكل أو تتشرب لكن أول مرة في حياتي أشوف واحدة بتتوحم على ريحة جوزها..

 

جديدة عليا دي وغريبة..!
” أصـالـة ” وهي تشتم لرائحته بتعمق أكبر ولاتزال تغوص بين أحضانه الدافئة التي لم تنعم بها آخرىٰ سواها.
– ريحتك زيّ الإدمان بالنسبة ليا مش عارفة أبطل أشم فيك..

 

ثم أضافت بعشق تام.
– كل مرة بشم فيها ريحتك بحس أني بقع في حبك من جديد أو أن حبي ليك بيزيد الضعف في ثانية..
” مُـراد ” بغضب مصتنع.

 

– اللّٰه اللّٰه يا هانم يعني أفهم من كده أن لو بطلت أحط من البرفيوم المفضل ليكي هتبطلي تحبيني مش كده..؟!
” أصـالـة ” وهي تبتعد عن أحضانه بصعوبة بالغة.
– يا حبيبي أنا لو هعيش فوق عُمري عُمرين هفضل أحبك ومش هحب غيرك..

 

ثم أضافت بلؤم مصتنع وهي تحاول أغوائه بدلال بعدما أحاطت بيديها بروز بطنها الطفيف دليلًا على نمو صغيرهم.
– وبعدين أعمل إيه بس ما بنتك هي اللي بتحب البرفيوم ده وبتتجنن لما بتشم ريحته..!
” مُـراد ” بلؤم هو الآخر ونبرة ضاحكة.

 

– وليه بقا ماقوليش أنه ولد يا ست صـولا ولا أنتي عايزه تجيبي بنت عشان تعملوا حزب عليا أنتم الأنتين وأنك خايفة تجيبي ولد وياخد صفي ونبقا إحنا الأتنين عليكي..؟!

 

” أصـالـة ” بلؤم أكبر.
– بنت أو ولد هيبقوا حبايب مامتهم على فكرة وهياخدوا صفي عشان هحكيلهم وأقولهم إزاي باباهم مكانش بيرضي يخليهم يشموا ريحته وهما في بطني..

 

فجذبها ” مُـراد ” من خصرها سريعًا بعدما إلتفت يداه محيطه لها بإغواء شديد مما أدىٰ إلى تقربها الشديد منه. فأستغلت بدورها الموقف وعادت لتشتم رائحته من جديد بلؤم وهي تستمع لحديثه إليها الذي كاد أن يسلب منها أنفاسها من فرط رقته وتابع بنبرة عذبه أذابت قلبها ذوبًا بين ضلوعها.

 

– ولد ولا بنت المهم أنه منك وأنك هتكوني أمه..
وبعدين إحنا نجيب مرة بنت ومرة ولد وهكذا لحد ما نجمع فريق محترم إيه رائيك..؟! قالها وهو يضحك عاليًا

 

بدعابه فلكمت صدره بخفة وهي تهتف له بغضب مصتنع بعدما إبتعدت عن أحضانه سريعًا.
– أنت بتهزر يا مُـراد..؟!
ثم أضافت وهي تضم يديها إلى صدرها بغضب غير مبرر.

 

– متبقاش بايخ؛ يعني أنا بحضنك وبقولك بنتك عايزه تشم ريحتك وأنت قاعد تقولي نجمع فريق وكأنك بتجمع نقط..؟!
” مُـراد ” وهو لا يستطيع تمالك نفسه من كثرة الضحك.
– طول عمري أسمع عن هرمونات الست الحامل بس أول مرة أشوفها الصراحة ههههه..؟!

 

ثم تابع بصدق وهو يقترب منها جاذبًا إياها إلى أحضانه بحب ودفء حقيقي.
– مجنونة بس بموت فيكي وفي جنانك يا صـولا..
” أصـالـة ” بعشق تام.

 

– بحبك يا مُـراد..! فأكملت حديثها بحماس بعدما تغير مزاجها سريعًا في أقل من لمح البصر تبعًا لهرمونات الحمل الذي حدثها عنها من قبل.
– قولي بقا يا حبيبي لو جبنا ولد زيّ ما قولت هنسميه إيه..؟!

 

” مُـراد ” بتفكير.
– امممممم..
إيه رائيك في سـلـيـم..؟!
طول عُمري نفسي في ولد أسميه سـلـيـم وقريت في مرة أن إسم سـلـيـم من الأسامي الإيجابية اللي صاحبها بيكون

 

ناضج وعقله سليم وبصراحة أول ما عرفت أنك حامل أتمنيت أوي تتحقق أمنيتي ونجيب ولد ونسميه سـلـيـم..
” أصـالـة ” بحماس.
– الإسم حلو أوي يا مُـراد بجد..

 

أنت عارف أن سـلـيـم دلعه سـولـي على وزن صـولا..! نطقت بها بحماس أكبر وهي تحيط بيديها عنقه بحب واضح بأعينها جيدًا.
” مُـراد ” بسعادة وهو يُحيط بيديه خصرها مبادلًا لها بمشاعر الحب والدفء الصادقة.

 

– وده تحديدًا اللي مخليني متمسك بالإسم..
لأني حابب أنك تشاركي إبننا الإسم زيّ ما شاركتيني حياتي وإسمي وهو كمان هيشاركني في إسمنا وحياتنا..
” أصـالـة ” بعشق وهي تعاود إلى أحضانه من جديد لتشتم رائحته بهيام.

 

– أنت عارف لو الحب اللي في قلبي ليك اتوزع عالدُنيا بحالها هيفيض ويكفي قدها مرتين تلاتة كمان..
أنا عُمري ما كنت مبسوطة ولا فرحانة قد وأنا معاك يا مُـراد..

 

أنت جنتي في الدُنيا دي والشخص الوحيد اللي أنا عايشة عشانه..
” مُـراد ” وهو يُقبل خصلاتها بعدما شدَّد من إحتضانه لها.
– ومُـراد عمره ما داق السعادة غير في قربك يا صـولا..

 

بحبك..!
• عودة إلى الوقت الحاضر – End Flash Back.
فتح عيناه ببطءٍ شديدًا بعدما فاق من ذكرياته؛ فوجد عبراته تُسيل على وجنتيه بغزارة فأسرع سريعًا في محوها

 

بعدما أستمع إلى صوت زمور السيارة معلنًا عن وصول ذلك الـ ” سـلـيـم ” الذي يوخزه قلبه بقوة عند إقترابه منه أو حينما يُذكر إسمه أمامه. فأسرع إلى شرفة غرفته يطل من خلالها فإذا به يجد ” سـلـيـم ” وهو يترجل من سيارته ببدلته السوداء وقميصه الأسود الفحمي الذي أضاف إلى طلته أناقة وجاذبية كبيرة. فإبتسم ” مُـراد ” بتحسر ومن

 

ثم هتف محدثًا حاله بألم ومرارة حقيقية.
– لو كنت في زمن غير الزمن ودُنيا تانية غير الدُنيا دي كان زماني ليا إبن دلوقتي زيّك بالظبط..
كنت هسميه سـلـيـم على إسمك وكان هيبقا ضهري وسندي في الدُنيا..

 

كان هيشلني في أزمتي وأوقاتي الصعبة وكان زمانه شايل عني حمل الأيام دي ومهون عليا كتير فيها..
يمكن لو كنت أنت إبني يا سـلـيـم كان زمان حاجات كتير أوي في حياتي إختلفت..

 

بس في الأول وفي الآخر ده نصيب وأنا رضيت باللي ربنا قسمهولي..
فأغمض عيناه بألم يعتصرهما بوجع أكبر من طاقته وقدرته على إستيعابه بكثير بعدما زفر بإنكسار واضح على أنفاسه.

 

– الحمدللّٰه أنا راضي يارب..
الحمدللّٰه..! قالها ومن ثم مسح على وجهه بهدوء محاولًا التحكم في انفعالاته وإعادة هندام نفسه ومن ثم هبط إلى

 

الأسفل لإستقباله على أكمل وجه. فهو الآن ضيفهم ويُحظىٰ بمكانة كبيرة بقلوبهم بعدما فعله مع ” مـريـم ” طيلة اليوم وإصراره على إيصالهم إلى المنزل بعد خروجهم من المشفىٰ منذ ساعات مضت. فهم بهبوط درجات السلم لكنه توقف حينما شعر بأن هناك شيئًا ينتقصه فنظر إلى معصمه فلم يجد ساعته؛ فخبط على جبهته بكفه في

 

آسف بعدما تذكر بأن ساعته قد تهشمت عندما سقط في الصباح فاقدًا للوعي حينها شعر بنغزه قوية بجانبه الأيسر عندما تذكر بأن آخر خيط كان يبقىٰ لديه من محبوبته قد أنقطع وضاع هو الآخر بعد سنوات فهي قد هدته

 

إياها بعيد زواجهم الأول ومنذ ذلك الحين وهو لم يخلعها من يديه أبدًا. فجاهد حاله كثيرًا حتى لا يتأثر أكثر من ذلك بها وتابع هبوطه إلى الأسفل بعدما عاود إرتداء قناع القوة والصلابة من جديد.

يتبع….

 

( ١٦ ) – ورد وشـوك –
ترجل من سيارته بكل شموخ ومن ثم عدل من وضعية ياقته وهو يتفحص المكان من حوله بعناية شديدة ثم

 

سحب باقة الورود البيضاء المحببه إلى ” شـهـيـرة ” من السيارة وتلك الحقيبتان التي على ما يبدو أن بهما هدايا ثمينة لشخصًا ما؛ وتابع سيره في طريقه لباب القصر وهو يتهاده في خطواته بكل أناقة، وشموخ، وكبرياء وما أن

 

وصل إلى الباب حتى دق الجرس وفي غصون لحظات قليلة كانت ” مـريـم ” تفتح في لهفة كبيرة لإستقباله التي هتفت به بسعادة بادية عليها بوضوح وعلى نبرتها بالتحديد.
– سـلـيـم أهلًا بيك نورت..

 

ثم أضافت بدعابه وهو لايزال واقفًا على باب المنزل من الخارج.
– كنت خايفة لتتأخر كالعادة بس ميعادك النهارده مظبوط بالثانية..
” سـلـيـم ” بغرور مصتنع وهو ينظر لها نظرات ذات مغزىٰ.

 

– زيّ ما بتقولوا بالمصري اللي أتلسع من الشوربة..
وأنا مجرب لسانك كويس وعارف لو اتأخرت إيه اللي هيحصل..

 

” مـريـم ” بغضب طفولي مصتنع.
– يا سلام..
يعني أفهم من كده أنك جاي في ميعادك مظبوط النهارده عشان خايف مني مثلًا..؟!

 

” سـلـيـم ” بغرور وثقة.
– مش سـلـيـم ريـاض اللي يخاف..
ثم أضاف بنبرة ذات مغزىٰ واضحة لمن يُريد فهمها.

 

– تقدري تقولي زيارة النهارده مهمة بالنسبة ليّ أوي عشان حابب أتعرف على عيلتك أكتر وأكون جزء ولو صغير منها..
” مـريـم ” بسعادة دفينه لكنها عمدت إلى إخفائها.

 

– وأشمعنا عيلتي أنا بالذات..؟!
” سـلـيـم ” بحنق من حماقتها وهو يقلدها بحماقة أكبر.
– عشان أعرف إزاي بيتعاملوا مع تنين مجنح زيّك في البيت..؟!

 

” مـريـم ” بغيظ وهي تضرب قدميها بالأرض بطفولية شديدة.
– يعني قصدك أني برأسين صح..؟!
” سـلـيـم ” بمرح وهو لا يستطيع كبح ضحكاته.

 

– وهو أنا قادر على رأس واحدة لما يبقوا رأسين هههههه..
ثم أضاف بحس فكاهي أكبر.
– بس تصدقي فيكي منه كتير ده عليه زمجره تسبب الرعب لقارتين قدام هههههه..

 

” مـريـم ” بغضب طفولي.
– يا سُكر..
حد قالك عليا بُعبُع..

 

” سـلـيـم ” بسماجة.
– تؤ تؤ..
تنين مجنح..

 

” وما كادت أن تعنفه حتى إستمعت إلى صوت والدتها المُرحب به بحفاوة وهي تقترب منهم بخطوات متهاديه، أنيقة.
– أهلًا أهلًا يا سـلـيـم..
نورن البيت يا حبيبي..

 

ثم تابعت وهي تعنف صغيرتها بنبرة محببه.
– مش تدخليه الأول من عالباب يا بنتي..!
ينفع تسبيه عالباب كل ده..؟! وما أن همت ” مـريـم ” بالتحدث حتى أسرع ” سـلـيـم ” قائلًا بإبتسامته العريضة التي

 

منذ أن رأته من الصباح وهى تراها تُزين ثغره؛ ساحبًا يديها برقيّ واضعًا قبلة هادئة أعلىٰ كفها.
– محصلش حاجة يا مـدام شـهـيـرة أنا لسه واصل حالًا..
” شـهـيـرة ” بحب وسعادة حقيقية بوجوده معهم وهي تفصح له الطريق وتسير معه إلى الداخل حيث غرفة الصالون.

 

– أتفضل يا حبيبي أدخل..
نورت بيتنا..
” سـلـيـم ” بثقل وهو يسير معها بهدوء.
– البيت منور بأهله يا مـدام شـهـيـرة..

 

وفي غصون ثوانٍ تُعد كانوا قد ذهبوا إلى غرفة الصالون حيث يجلس ” عـابـد ” على مقعده المُذهب الذي دومًا يفضل الجلوس عليه مستندًا بيديه على عصاه الأبانوسي المصمم خصيصًا من أجله لوهلة شعر ” سـلـيـم ” بالعظمة عندما وقعت عيناه على جده الذي يراه ولأول مرة فإقتربت ” مـريـم ” سريعًا من ” عـابـد ” محتضنه له

 

بعاطفة جياشة من المشاعر التي تمنىٰ يومًا إختبارها وهي تقول بحب.
– أقدم ليك يا جدو سـلـيـم صاحب سلسلة المطاعم اللي بشتغل على ديكورتها في مصر والنهارده كان معانا طول اليوم لما أونكل مُـراد كان تعبان ومسبناش لحظة حتى وصلنا لحد هنا بنفسه..

 

ثم تسرسلت في حديثها بفخر وهي توجه حديثها إلى ” سـلـيـم ” بحماس.
– أقدملك يا سـلـيـم جدو حبيبي عـابـد نـجـم الـديـن نور حياتي، وقلبي، والبيت، والدُنيا كلها وصاحب إمبراطورية نـجـم الـديـن لتجارة الأغذية..

 

للحظة شعر وكأن الزمان قد توقف به عند لحظة نطقها لكلمة ( جـدو ) وبأن الورود أعلىٰ يدايه أصبحت كالأشواك التي تُشكشكه دون رحمة.
يا اللّٰه كم تمنىٰ وبشدة لنطق مثل هذه الكلمة..؟!
كم تمنىٰ أن يراه وينعم بدفء إحضانه كمثلها..؟!

 

لوهلة شعر وكأنه نسخة مكبره عنه وتأكد في لحظتها بإن شموخه وكبريائه إنما هما إرثته عن أبيه وجده.
لوهلة شعر بمشاعر حنين جارفة تحتويه جعلته يُريد لو بإمكانه قطع المسافة التي هي بينهم وزج ما بإيديه إلى

 

أقرب مقعد والركض لأحضانه لينعم به بحلاوة اللحظة ونعيمها.
ليشعر بدفء أحضانه ولأول مرة بحياته.

 

 

لأول مرة يتناسىٰ الزمان والمكان من حوله وينجرف مع عواطفه بمثل هذه الطريقة ومثل هذا الموقف.
فإبتلع لعابه بصعوبة بالغة وكأنه مخلوط بالعلقم المُرَّ وهتف بإبتسامة جاهد في إظهارها ليُغطي بها على علقم حياته وهو يُحيَّي ” عـابـد ” بتهذب وتقدير.

 

– أهلًا بحضرتك يا عـابـد بيه أتشرفت جدًا بمعرفة حضرتك خصوصًا أن كان نفسي أقابلك ومتشوق جدًا عشان أشوف حضرتك من كلام مـريـم عنك..
” عـابـد ” وهو يستند على عصاه ليهب واقفًا والإبتسامة العريضة لحديثه لاتزال مرسومه على وجهه.

 

– وأنت زيّ مـريـم ومينفعش تقولي يا عـابـد وأنا أقولك يا أستاذ سـلـيـم..
قولي يا جدي زيّ مـريـم والولاد..
” سـلـيـم ” وهو يُصعق من حديثه وكأنه قد أمسك بسلك عاري مُباشرةٍ وتابع بنبرة حاول جعلها هادئة دون أن يترك

 

نفسه ليتأثر بما يتحدث به ” عـابـد ” الذي لامس قلبه جيدًا.
– ده شرف كبير ليا يا جدي أني أكون زيّ مـريـم عند حضرتك..
” عـابـد ” بمحبة وبشاشة.

 

– طب ومستني إيه ما تيجي تحضن جدك بسرعة يلااااا..!
” سـلـيـم ” بذهول وعدم تصديق وهو ينظر إليه والإبتسامته الصادقة تكاد أن تقفز من عيناه. فأكمل ” عـابـد ” حديثه بحماس وهو يفتح له ذراعيه على مصرعيهم بحب.
– يلااااا يا واد تعالىٰ أواااام..

 

فأقترب ” سـلـيـم ” منه محتضنًا له بصدق وما أن لامست أحضانه أحضان الأخير حتى أغمض عيناه بألم محاولًا إلا تسقط عبراته أمام الجميع بتلك اللحظة.
فهو يعلم مقدار حاجته لهذا الحضن جيدًا.

 

شعر للتو وكأنه كالغريق الذي إنتشله للتو سباح ماهر بعدما كان على حفه الهاوية وترك الحياة بأكملها.
يشعر وكأن بإحتضانه له قد عاد بريق الحياة ينتعش بداخله من جديد لذلك أغمض عيناه بألم وهو يُشدَّد من

 

إحتضان جده محاولًا أن يُعبق رئتيه بأكبر كم ممكن من رائحته التي يشتمها ولأول مرة لعله يحتفظ بها في ذاكرته وتُصبره على ما هو آت. فربت ” عـابـد ” على ظهره بحنان بيديه اليُسرىٰ وباليد الآخرىٰ يمسك بعصاه وهو لايزال محتضنه بها.

 

لأول مرة هو الآخر يشعر وكأنه يحتضن حفيد له بهذه الدُنيا.
لأول مرة لا يُريد أن ينقضي الوقت ويرحل عن أحضانه.
لأول مرة يشعر بكل هذه الأحاسيس ولكنه أرجع ذلك لصفاء نيته ونبله وحسن أخلاقه فربت على ظهره بحب وهو

 

يستشعر دفء أحضانه التي لأول مرة يختبرها مع أحد من أحفاده مما أدهشه وبشدة.
فإبتعد ” سـلـيـم ” عن أحضانه عندما شعر بأن عناقهم قد طال بعدما حاول إلا تسقط عبراته أمامهم الآن وتابع بنبرة مهزوزه وهو يعطي له تلك الحقيبة الكرتونية الكبيرة بحب وإبتسامة صادقة.

 

– طول عمري بحب ألعب طاولة وأعتقدت أن دي هوايتي المفضلة ومحدش بيشاركني فيها لكني عرفت من لقاء صحفي قبل كده لحضرتك أنك بتحب الطاولة جدًا بس محدش بيشاركك لعبها خصوصًا بعد مرض حضرتك..
عشان كده قولت بما أن دي هوايتنا المشتركة فنلعبها سوا..

 

ثم أضاف بتساؤل وإبتسامته الساحرة تُزين ثغره.
– تسمحلي بكده..؟!

 

” عـابـد ” بفرحة كادت أن تبلغ به عنان السماء.
– أنت ولد مُـجـرم يا سـلـيـم..
فتابع بنفس نبرته السابقة ولكنها أكثر حماسًا.
– متتصورش بهديتك الجميلة دي رجعتني كام سنة لورا يا سـلـيـم..
فكرتني بأيام الشباب والشقاوة مع الصحاب والسهر عالقهاوي لنص الليل..

 

ياااااا سـلـيـم رجعتني لأكتر من ٤٠ سنة لورا..
فإبتسم له ” سـلـيـم ” بصدق وهو يُعطي له لعُبة( الطاولة ) بكل حب ثم أضاف برقيّ بعدما إستدار بجسده إلى ” شـهـيـرة ” مادًا بيديه مع باقة من الورود البيضاء التي يعلم جيدًا مدىٰ عشقها لها.
– أنا كمان عرفت من مـريـم أن حضرتك بتحبي الورد أوي وخصوصًا الأبيض فأتمنىٰ حضرتك تقبليه مني..

 

” شـهـيـرة ” بإبتسامة صادقة.
– وااااااو..
بجد يا سـلـيـم مش عارفة أقولك إيه تعبت نفسك يا حبيبي جدًا..

 

” سـلـيـم ” بلؤم ونبرة ذات مغزىٰ.
– ياريت كل التعب حلو كده زيّ حضرتك..

 

وهنا جاء صوت ” مُـراد ” من الخلف قائلًا بمرح.
– اللّٰه اللّٰه يا سي سـلـيـم بتعاكس مراتي وجايب ليها ورد من اللي بتحبه كمان؛ شكلك كده عايزني أنام في أوضة المكتب النهارده..

 

” سـلـيـم ” وهو ينظر له بنظرات باسمه رغم ما تحمله من اللؤم والكراهية.
– وأنا أقدر برضو يا مُـراد بيه..
ثم أقترب من ” مُـراد ” وتابع بنبرة واثقة وهو يبتسم له فرحًا بسير الأمور كما خطط لها بالضبط.

 

– حمداللّٰه على سلامه حضرتك وأن شاء اللّٰه يكون أجر وعافية..
ثم مد يديه بحقيبة الهدايا الصغرىٰ معطيًا إياها له بود مصتنع.
– دي هدية مني وحاجة بسيطة بعبر بيها عن مدىٰ تقديري لحضرتك..
” مُـراد ” بخجل من كرم الأخير وتصرفاته التي بمرور الدقائق والساعات تُثبت له مدىٰ صحة حديثه عنه.

 

– بجد يا سـلـيـم أنا مش عارف أقولك إيه ولا أرد على ذوقك ده إزاي..؟!
ميرسي جدًا ليك ولذوقك..!
” مـريـم ” بمزاح ودعابه.

 

– أستاذ سـلـيـم بيرشيك يا أونكل عشان تعدي موضوع الورد..
” سـلـيـم ” بدعابه.
– أوعىٰ تصدقها يا مُـراد بيه دي عايزه توقع بينا هههه..
فهم ” مُـراد ” بفتح هديته بحماس وترقب وما أن فتح العُلبة حتى وجد بداخلها ساعة معصم غاية في الجمال

 

والرقيّ تشبه تلك الآخرىٰ التي تهشمت في الصباح مما جعل الصدمة ترتسم بوضوح على معالمه؛ فهتفت ” شـهـيـرة ” بإعجاب شديد وعيناها مثبته على الساعة بيد ” مُـراد ” الذي علت البسمة شفتيه.
– إيه الجمال ده..
ذوقك يجنن يا سـلـيـم..

 

” مُـراد ” بتقدير وهو ينظر له بود.
– معندكش فكرة هديتك فرحتني قد إيه يا سـلـيـم بجد خصوصًا أن ساعتي المفضلة اتكسرت النهارده ومتتصورش زعلت إزاي عليها..؟!
” سـلـيـم ” بخبث فهو يعلم ماهية تلك الساعة وقصَّتها بأكملها ورآها اليوم وهي متهشمه إلى جواره بالمشفىٰ لذلك

 

إختار هديته له بعناية فائقة ليُهديها إياه بكل لؤم.
– وده المهم بالنسبة ليا أن حضرتك تكون مبسوط..؟!
” مُـراد ” وهو يربت على كتفه بتقدير.
– شكرًا ليك يا سـلـيـم بجد..! وعند هذه النقطة هتفت ” شـهـيـرة ” بحماس للجميع.

 

– إحنا هنقضيها كلام بقا ونسيب الأكل يبرد..
يلاااا بينا نتعشا وبعدين نقعد نرغي براحتنا وإحنا بنشرب الشاي..
” مُـراد ” بفخر وعيناه مصوبتان على ” سـلـيـم ” بسعادة لا يعلم مصدرها لكنه يعلم بأن هناك شعور قوي يربطه به

 

لكنه غير قادرًا على تحديد مصدره فتابع بإبتسامة يملؤها السعادة والحب.
– يلااااااا بينا فعلًا نلحق الأكل وهو سخن..
وبالفعل ذهب الجميع بإتجاه مائدة الطعام ( السفرة ) التي هي مُحمله بكل ما لذ وطاب وما تشتهيه الأنفس

 

وأنقضىٰ الوقت بين الفكاهة تارة وبين الأحاديث عن العمل وأحوال البلاد تارة آخرىٰ إلى أن هتفت ” شـهـيـرة ” بحماس وهي تقوم بتقطيع قطعة اللحم بعناية شديدة مستخدمه لسكينها وشوكتها برقيّ.
– مجبتش مامتك معاك ليه يا سـلـيـم كان نفسي بجد أتعرف عليها جدًا..

 

” سـلـيـم ” بلؤم.
– للأسف ماما مش هنا..
ماما عايشة في إيطاليا من سنين طويلة..

 

” مُـراد ” بتساؤل وغرابه.
– طب وأنت إزاي قدرت تسيبها لوحدها في بلد غريبة عنكم..؟!
” سـلـيـم ” وهو يمضغ طعامه دون أن يتأثر بحديث الأخير فهو آخر من يتحدث عن المرؤه من وجهة نظره.
– إيطاليا مش بعيده أوي كده دي كلها ٣ ساعات ونص بالطيارة وأكون عندها أو هي عندي..

 

بس الفكرة كلها أنها بتدير الفروع الرئيسية من هناك وعشان الشغل حياتنا مش مستقرة وفي كل بلد شوية..
يعني شوية في لندن وشوية نيورك وباريس..

 

تركيا وألمانيا ودبي والمكسيك يعني مستقرين في بلد معينة بس تقدر تقول الأساس كله في إيطاليا وفروعنا الرئيسية كلها هناك..
عشان كده ماما فضلت في إيطاليا وأنا جيت مصر عشان نفتح فرع جديد لينا هنا..

 

ما أهو مش معقول نكون مصرين أبًا عن جد وبلدنا ملهاش نصيب من نجاحنا..
” عـابـد ” بإستفسار وهو ينتبه لحديثه جيدًا.
– بس بما أن ليكم فروع كتير ما شاء اللّٰه فليه مكانتش بدايتكم من الأساس في مصر..

 

” سـلـيـم ” مجيبًا إياه بنبرة هادئة محاولًا إلا يُثير الشكوك بهم.
– أنا والدي أتوفىٰ قبل ما أتولد بفترة كويسة ومامتي كانت لوحدها في مصر ملهاش قرايب ولا حد خالص خصوصًا أن أهل والدي أخدوا ورثنا ومبقاش مع ماما إلا كام مليم ميعملوش حاجة؛ فسفرت على إيطاليا وهي

 

حامل فيا وكانت أختي عمرها ٤ سنين تقريبًا..
أشتغلت وكافحت لحد ما كبرتنا وعلمتنا وقدرت تعمل سلسلة مطاعم بقت من أشهر وأنجح المطاعم الموجوده في العالم كله..
” مُـراد ” بإنبهار حقيقي.

 

– والدتك دي ست عظيمة يا سـلـيـم..
والأم اللي زيّها لازم تشيلها فوق رأسك العُمر كله..
” سـلـيـم ” بثقة.
– أمي دي ست الكل والناس كلها..

 

اللي يجي على طرفها بس ممكن أمحيه من على وش الدُنيا في لحظة وميبقاش له وجود تاني..
” مُـراد ” بتقدير.
– حقك طبعًا..
الأم دي حاجة كبيرة أوي محدش يقدر يعوضها أو ياخد مكانها خصوصًا لو كانت زيّ والدتك كده وفنت عمرها كله

 

عشان تربيكم وتعلمكم وأني أشوفك راجل قدامي دلوقتي بمعنىٰ الكلمة بأخلاقك النبيلة دي يبقا فعلًا والدتك نجحت في تربيتها ليك وقدرت تربيك تربية سوية برغم أنها كانت لوحدها ومعهاش حد يعينها عليكم وعلى تربيتكم..

 

حقيقي تستحق التقدير وياريت تبلغها إعجابنا الشديد بتربيتها ليك..
” سـلـيـم ” بإبتسامة مصتنعه.
– شكرًا جدًا لكلام حضرتك عني وعن والدتي وأكيد هبلغها بكلام حضرتك كله..
” عـابـد ” بإبتسامة وحماس وهو يهم بالوقوف مستندًا بيديه على عصاه الأبانوسي برفق.

 

– يلاااااا بيناااا نقوم نشرب الشاي يا ولااااد..
وبالفعل فرغ الجميع من طعامهم وذهبوا عائدون إلى غرفة الصالون ليحتسون الشاي سويًا بين الأحاديث الحياتية الرتيبة وملابسات الحياة العملية إلى أن جاء موعد دواء ” عـابـد ” فإقتربت منه ” مـريـم ” قاطعه عليهم حاديثهم

 

الشيق مُردده بنبرة حانية.
– جدو حبيبي ميعاد دواك ولازم تطلع ترتاح شوية..
” عـابـد ” بحماس للجلوس برفقتهم أكبر وقت ممكن.

 

– ما تسبيني قاعد شوية يا بنتي ما أنا طول عمري باخد العلاج عملي إيه يعني..؟!
دي اللحظة الحلوة متتفوتش أبدًا يا حبيبتي..
” مُـراد ” بحنان.
– معلش يا بابا صحتك أهم يا حبيبي أطلع إرتاح دلوقتي وأكيد سـلـيـم هيجي تاني وهنتجمع مع بعض قريب..!

 

فأسوقفت ” سـلـيـم ” كلمات والده وأخذ يُفكر ماذا إذا اجتمعوا جميعًا تحت سقف واحد من جديد..؟! وهل يمكن أن يحدث ذلك بعد كل هذه السنوات..؟! نفض رأسه سريعًا من أفكاره هذه عندما أستمع إلى كلمات ” عـابـد ” التي لامست جدران قلبه وبشدة.
– أنا هطلع دلوقتي عشان ميعاد العلاج ومش هقدر أنزل تاني لأنه بينومني بس لازم أشوفك تاني يا ولد في أقرب وقت ممكن..

 

” سـلـيـم ” وهو يجذب يديه واضعًا قبلة صادقة عليها.
– أكيد يا جدو هنتقابل تاني قريب عشان كمان نلعب طاولة الأيام لسه جاية كتير..
ده غير أن حضرتك لازم هتنورني في إفتتاح الفرع بعد شهرين..
” عـابـد ” بحب وهو يربت على يديه الممسكه به بحنان.

 

-مش قولتلك أنت ولد مُجرم..
ثم أضاف وهو يهم بالرحيل.

 

– بإذن اللّٰه يا غالي ربي يسعدك ويفتحلك أبواب الرزق كلها يا حبيبي..! فأقترب منهم ” مُـراد ” وهو يمسك بيديه مسندًا له برفقه ” مـريـم ” مُرددًا بحب ونبرة صادقة.
– استنىٰ هساعدك يا حبيبي..! وبالفعل قام بتسنيده برفقه ” مـريـم ” إلى الأعلىٰ وظل ” سـلـيـم ” يتابعهم حتى

 

أختفوا عن ناظريه وبمجرد إختفائهم حتى وقف موليًا ظهره إلى ” شـهـيـرة ” وهو يرفع حاجبه بلؤم ومن ثم ظل يتحسس جواربه وكأنه قد فقد شيئًا للتو بعدما تأكد بأن الموقف قد إتاح له لفعل ما جاء خصيصًا من أجله؛

 

فإقتربت منه ” شـهـيـرة ” هاتفه به بحب.
– إيه يا حبيبي في حاجة ضايعة منك..؟!

يتبع….

 

( ١٧ ) – لـذة الانتصار –
” سـلـيـم ” بلؤم.
– تليفوني مش لاقيه يا مدام شـهـيـرة..؟!

 

” شـهـيـرة ” بقلق.
– طب ما تطلب رقمك من تليفوني يمكن يكون وقع منك هنا ولا هنا من غير ما تاخد بالك..
” سـلـيـم ” بتصنع الحرج.

 

– طب ممكن تليفون حضرتك..
” شـهـيـرة ” بترحاب.
– آه طبعًا أتفضل يا حبيبي..! فمد ” سـلـيـم ” يديه إليها ساحبًا لهاتفها من بين يديها ومن ثم هم بكتابة رقمه على شاشة حاسوبها الخاص؛ لكنه سعل بشدة ومن ثم نطق بنبرة مشوشة يغلب عليها سُعاله.

 

– احححمم ممكن مايه لو سمحتي ااححححمم..
” شـهـيـرة ” وهي تركض بإتجاه غرفة الطهي بتلهف.
– عيوني حاضر..

 

وبالفعل أخرج ” سـلـيـم ” هاتفه من جارب سترته ثم قام بإدخال عدة أرقام عبر هاتفها وقام بعدها بتسجيل الكود الذي ظهر له على هاتف ليتم ربط وإقتران جهازها بجهازه حتى يتمكن من التأكد من صحة شكوكه وهو يراقب المكان من حوله حتى لا يكتشفه أحد. وبمجرد ما أن أنهىٰ عمله وأخيرًا حتى وجد ” شـهـيـرة ” تركض بإتجاهه حاملة

 

لكوب الماء بين يديها معطيه إياه له وإبتسامتها المُحبة تُزين ثغرها. فأخذ منها الكوب ومن ثم هتف بنبرة ممتنه.
– شكرًا يا مـدام شـهـيـرة تعبتك معايا..
” شـهـيـرة ” بصدق.

 

– بألف هنا..
وتابعت بعد ذلك بتساؤل.
– هاااا لقيت موبايلك يا حبيبي..
” سـلـيـم ” وهو يرفع هاتفه بيديه أمام وجهها.

 

– آاااه الحمدللّٰه لقيته كان واقع مني تحت الكرسي..
شكرًا لحضرتك..! فأبتسمت له ” شـهـيـرة ” وجاء بلحظتها ” مُـراد ” بصحبه ” مـريـم ” بعد أن تطمئنوا على وضع ” عـابـد ” وأنه يغط في نومًا عميقًا فاستطرد ” مُـراد ” وهو يقترب منهم موجهًا حديثه إلى” سـلـيـم ” ببشاشة.

 

– إيه واقف كده ليه ما تقعد..؟!
” سـلـيـم ” بنبرة بها شئ من لذة الإنتصار.
– لا كفاية كده يا مُـراد بيه أنا يا دوب هروح أنام عشان عندي شغل الصبح بدري..

 

” مُـراد ” وهو يعزم عليه بصدق.
– ما تقعد شوية كمان لسه بدري..؟!
” سـلـيـم ” على نفس نبرته السابقة.

 

– بدري إيه يا مُـراد بيه دي الساعة داخلة على ١١ يعني بقالي أزيد من ساعتين هنا ويادوب ألحق أروح عشان الشغل الصبح..
” شـهـيـرة ” ببشاشة.

 

– خلاص يا مُـراد المرة دي مش محسوبة..
ثم تابعت وهي توجه حديثها إلى ” سـلـيـم ” بتودَّد.
– أعمل حاسبك المرة الجاية يا سـلـيـم هتتغدا معانا وتقضي معانا اليوم كله..
” سـلـيـم ” بإبتسامة قد أرغم حالة عليها بصعوبة.
– أكيد أن شاء اللّٰه..

 

فقام ” مُـراد ” بتوصيله برفقه ” مـريـم ” و ” شـهـيـرة ” إلى حيث باب سيارته. فصعد ” سـلـيـم ” سيارته بعدما لوح للجميع في هدوء ورحل أمام ناظريهم وبرحيله عادوا إلى منزلهم كل منهم إلى غرفته وفراشه. وبمجرد ما أن خرج خارج بوابة القصر حتى بدء في قيادة سيارته بسرعة شاعرًا بالنشوة ولذة الإنتصار ترافقه ويسيطران عليه. فتذكر

 

كيف قام بجعل هاتفها مقترنًا بهاتفه وكيف فعل ذلك. متذكرًا أيضًا لحديثه الخاص الذي دار بينه وبين صديق طفولته ” سـلـيـمـان ” بداخل غرفة المكتب الخاصة بها بمطعمه.

 

• عودة إلى الماضي – Flash Back.
كان يجلس متأرجحًا أعلى مقعده الجلدي الوثير خلف مكتبه وصديق طفولته ” سـلـيـمـان ” يجلس في مواجهته يضحكان أثنانهم كما لو لم يضحكون من قبل إلى أن هتف ” سـلـيـمـان ” من بين ضحكاته.

 

– زمانهم دلوقتي هيتجنوا عايزين يعرفوا إزاي الشحنة بعد ما أتوردت في مخازنهم النار مسكت فيها..
” سـلـيـم ” بنشوة ونبرة مستحلفه وهو يشبك يديه ببعضهم البعض أمامه.
– كل اللي فات ده كوم يا سـلـيـمـان واللي جاي ده كوم تاني..

 

كل اللي فات ده كان شغلك أنت إنما اللي جاي ده شغلي أنا..
” سـلـيـمـان ” وهو يضيق عيناه مستفسرًا عما يدور بخلد صديقه.
– أنت ناوي تعمل إيه تاني يا سـليـم..؟!

 

خد بالك الراجل استوىٰ عالآخر والضرب في الميت حرام..! قالها بتحذير له ومن ثم تابع محاولًا التحكم بما يدور بداخله.
– سـلـيـم ده مهما كان أبوك..

 

أنت عايز تقنعني أنك متأثرتش لما شوفته النهارده لأول مرة قدام عيونك..؟!
عايز تقنعني أنك محستش لما شوفته أن في رباط قوي بيربطك بيه..؟!
” سـلـيـم ” بفحيح أفعىٰ وهو ينظر إليه بثقوب.

 

– نـوح دايمًا يقول اللي يصعب عليك يفقرك..
وأضاف بجحود وهو يتابع على نفس نبرته.

 

– الرباط اللي رابطني بيه هو نفسه محسش بيه من سبعة وعشرين سنة لما كنت حتة لحمة جوه أمي..
الرباط ده بقاله سنين بيخنقني وبيسحب روحي مني يا سـلـيـمـان ويوم ما قلبي ينسىٰ كل ده أنا هحطه تحت رجلي وأفعسه لو فكر يعصاني..! قالها وهو يفعص يديه ويضمها إليه بقوة وعنف كبيران فاستطرد ” سـلـيـمـان ” بحزن

 

وهو يستشعر جيدًا مقدار ألم صديقه.
– طب إيه هي الخطوة اللي ناوي عليها دلوقتي..؟!
” سـلـيـم ” بغل واضح بعيناه.
– كل اللي هعمله دلوقتي أني هتفرج عليهم كلهم وأنا حاطط رجل على رجل وشايفهم بيستوا على نار هادية..

 

” سـلـيـمـان ” بنبرة مستفسره.
– أنت في حاجة معينة في دماغك..؟!
” سـلـيـم ” بحماس وهو يقترب برأسه منه ناطقًا بهمس.

 

– فاكر جهاز ربط المكالمات والرسايل اللي طلبته منك وإحنا في إيطاليا وبعتهولي وقولتلي أني بمجرد ما أدخل رقم الموبايل اللي عايز أعمله ربط على جهازي بيوصل كود عالجهاز التاني وبسجله على جهازي على طول وبيحصل من بعدها الربط بين الجهازين..

 

” سـلـيـمـان ” دون فهم لما يُفكر به الآخر.
– ايوع فاكر بس هتعمل بيه إيه ده..؟!
” سـلـيـم ” بنبرة ذات مغزىٰ وهو يرجع بظهره إلى الوراء مستندًا به على المقعد من خلفه متأرجحًا به في نشوة.
– هعمل ربط لجهاز شـهـيـرة ووقتها هقدر أعرف بتكلم مين وإيه اللي بيدور في دماغها بالظبط..

 

” سـلـيـمـان ” بعدما نالت الفكرة إستحسان من جانبه.
– أنت تقصد بكلامك ده أنك بتشك في شـهـيـرة دي وأنها طرف الخيط اللي هيوصلنا للحقيقة..
” سـلـيـم ” على نفس وضعيته وإبتسامته العريضة تكسوُ محياه.

 

– شـهـيـرة دي هي قُص المصايب كلها وهي طرف الخيط اللي هيكملي الحلقة المفقودة من سنين..
” سـلـيـمـان ” بصدمة.
– طب إزاي ده..؟!
أنا دماغي لفت يا سـلـيـم..

 

ثم أضاف وهو يحاول أن يُفكر معه بصوتًا عال.
– لأ لأاااا يا سـلـيـم إستحالة يا جدع..
لو شـهـيـرة دي السبب كان زمانها أتكشفت من زمان ومكانش أبوك أتجوزها ما أهو أصل اللي بيغلط لازم يعمل حاجة غصب عنه تكشفه ومن كلامك عنها والمعلومات اللي أنا وصلتلها عرفت أنها ست خيرة جدًا وعلاقتها كويسة

 

باللي حواليها وخصوصًا عيلتها..
” سـلـيـم ” بنبرة ذات مغزىٰ.
– على فكرة سهل جدًا أنها تعمل الخير ده كله وتبقا علاقتها كويسة مع الكل وسهل جدًا كمان تكسب ثقتهم

 

والدليل على كده أنهم كلهم دلوقتي بدءوا يثقوا فيا من غير ما يعرفوني حتى..
شـهـيـرة سهل عليها جدًا تلبس توب الفضيلة والشرف وهي في الحقيقة عكس ده زيّ ما أنا لابس توب الأخلاق

 

والجدعنة والشهامة وأنا وأنت عارفين أن ده فخ كبير بنصبوا ليهم زمان..
فأضاف وهو يرتشف من فنجان قهوته بتروي.
– أنت بس اللي طيب يا سـلـيـمـان ومفكر الناس ملايكة وهما أبليس..

 

أنا مش عارف إزاي عندك شركة حراسة وفاهم أوي الناس ممكن تعمل إيه ومصدوم من مجرد شكوك أنا بقولهالك..
ثم أكمل وهو يضع فنجان القهوة بداخل الصحن أعلى سطح المكتب في موضعه برقيّ.
– المهم قولي جبت الورد والهدايا اللي طلبتها منك..

 

” سـلـيـمـان ” وهو يُمي برأسه في إيجاب بعدما أرتشف من فنجان القهوة خاصته.
– كله تمام والحاجة كلها في شنطة العربية بره..
” سـلـيـم ” بتلذذ.
– كده فل أوي وأقدر كمان أقولك أن النهارده شـهـيـرة والعيلة كلها هتبقا في جيبي..

 

” سـلـيـمـان ” بهدوء وهو لايزال يُفكر في الأمر.
– طب هنعمل الربط إزاي ما أنت كده هتحتاج تليفونها عشان الكود اللي هيوصلها..
” سـلـيـم ” وهو يعاود إرتشاف قهوته من جديد بتلذذ شديد.

 

– متقلقش كل ده عليا أنا وأنا عارف هعمل إيه كويس ومش هطلع من عندهم غير وأنا منفذ المهمة اللي داخل عشانها بالملي..
” سـلـيـمـان ” وهو يمسح بيديه لحيته بتفكير.

 

– لو شكوكك دي صدقت يا سـلـيـم يبقا أنت النهارده هدق أول مسمار في نعش اللي إسمها شـهـيـرة دي..
” سـلـيـم ” وهو ينظر إلى اللاشئ بثقوب نظرات باسمه والإبتسامة تُزين ثغره بإنتصار.
– قول يااااااب أنت بس وبكرا هتشوفهم من بعيد وهما كلهم بيطقشوا في بعض زيّ البيض وهتقول سـلـيـم قااااال..

 

” سـلـيـمـان ” بقلق واضح.
– أنا خايف عليك يا صاحبي وخايف غرورك يركبك وفي الآخر تقع تتكسر..
” سـلـيـم ” بثقة محاولًا تطمين صديق طفولته ورفيق دربه.

 

– متقلقش يا سـلـيـمـان ما يقع إلا الشاطر..
وأنا طول عمري شاطر حتى لما بقع بكون عكاز نفسي وبقوم أقوىٰ من الأول..
الشاطر بجد هو اللي ضربة تقويه مش تضعفه وأنا شاطر وقوي وده مش غرور مني دي ثقة ومفيش نار من غير

 

دخان..
ثم أضاف بمرارة واضحة.
– صـولا ربتني يا سـلـيـمـان وأنا واثق في تربيتها ليا أكتر من ثقتي في نفسي..
” سـلـيـمـان ” بقلق واضح.

 

– مفيش نار من غير دخان بس النار دي ممكن تكويك من غير ما تحس..
مش عايزك تنسىٰ أن طباخ السم بيدوقه في الأول..
سامح زيّ ما صـولا قالتلك يا سـلـيـم عشان تعرف تعيش..

 

” سـلـيـم ” بثقوب وهو ينظر إلى اللاشئ بوجوم.
– لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين..
وأنا بقالي سنين عايش زيّ المسموم وده وقت علاجي يا سـلـيـمـان..
الإنسان مننا ممكن يسامح في أي حاجة إلا في كرامته لازم يتجاحد لو شاف حد فكر بس مجرد تفكير أنه يهزها..

 

محدش فوق الكرامة لا قريب ولا غريب وصـولا بنفسها علمتني يعني إيه عزة النفس والحياة علمتني إن الهيبة لو إتهزت ضاع تاريخك..
عشان كده لازم أرفع رأسي وأدوس على أغلىٰ غالي لو فكر بس يجي على كرامتي أو يمسها حتى..

 

قصرانه يا سـلـيـمـان لا الحاوي هينسىٰ موت إبنه ولا التعبان هينسىٰ قطع ديله..
• عودة إلى الوقت الحاضر – End Flash Back.
فاق من شروده عندما وجد نفسه لايزال بداخل سيارته أمام منزلهم. فنظر بعيناه إلى شرفة والدته وتلفظ بفحيح

 

أفعىٰ وعيناه مضيقتان بثقوب.
– بكرا كل اللي أذوكي واتلعبوا على شرفك وسمعتك هتشوفيهم قدامك وهما مذلولين بعد ما شربوا من نفس الكأس يا أمي اللي ذقوكي منه زمان وده وعد مش هيحلني منه إلا الموت..
وفي صباح اليوم التالي بمنزل ” أصـالـة ” وتحديدًا على مائدة الطعام كانت ” أصـالـة ” تترأس المائدة وإلى يسارها

 

يقبع ” نـوح ” وهو مرتديًا لقبعته السمراء ( البورنيته ) يتناول فطوره برفقتها وتلك الـ ” عـزيـزة ” تقوم بصب الشاي لهم فهتف ” نـوح ” بدعابه عندما أقتربت منه لتصب الشاي بفنجانه.
– يا صباح الموز على عيونك الجوز يا ست الستات..

 

” عـزيـزة ” بخجل وهي وتقوم بترتيب المائدة قبل أن تصب له الشاي.
– صباح الفل يا أستاذ نـوح..
يجعل صباحك صباح هادي ونادي يارب..
” أصـالـة ” وهي تسند بيديها وجهها بنظرات ذات مغزىٰ إلى ” نـوح ” وإبتسامتها المرحه تُدعاب محياها بهدوء.

 

– أدعي كمان يا عـزيـزة خليه يتوووب..
” عـزيـزة ” بخجل.
– النبي يريح قلبه وباله يا ست صـولا يارب..
” أصـالـة ” بفكاهه.

 

– يا أختي يارب يا أختي..
ثم أضافت بلؤم وهي توجه حديثها إلى ” نـوح ” بدعابه.
– قلبك قوي يا نوحنوح خد بالك وأنا كده أخاف عليك..

 

” نـوح ” بهيام وهو يعدل من وضعية قبعته بمرح.
– عضلة القلب حلوة بس ملهاش تمرينة..
ثم أضاف بدعابه وهو يوجه حديثه إلى ” عـزيـزة ” بدعابه.
– طب خدي دي كمان ورزقي ورزقك على اللّٰه..!فأكمل بمرح وهو يغمز لها بعيناه اليِسرىٰ بخفة.

 

– صباح الدمار ممكن تتفضلي معانا عالفطار..؟!
فقهقهت ” أصـالـة ” عاليًا حتى أنها أصبحت غير قادره على كبح ضحكاتها؛ فتابع ” نـوح ” بمرح لـِـ ” عـزيـزة ” التي تتمنىٰ لو أن الأرض تنشق وتبتلعها من شدة خجلها.

 

– عجبك كده ضحكتي الأجانب علينا..!
” أصـالـة ” بمرح ونبرة ذات مغزىٰ.
– ما تقعدي يا أُوز قوز معانا عالفطار..؟!

 

” عـزيـزة ” بخجل واضح وهي تنظر بوجهها إلى الأرض.
– بألف هنا على قلبكم يا ست صـولا أنا سبقتكم من بدري..
وهنا حضر ” سـلـيـم ” مرددًا بإبتسامة عريضة تنُم عن مدىٰ سعادته.
– صباح الخير..

 

فلم تُجيبه ” أصـالـة ” بل شاحت بوجهها بعيدًا عنه فتدارك ” نـوح ” الموقف بإبتسامته الصادقة ونبرته المرحه كالعادة.
– يا صباح الفل قطع وكل..
” سـلـيـم ” وهو ينظر إلى والدته بحزن موجهًا حديثه إلى ” عـزيـزة ” بلطف.

 

– كل سنة وأنتي طيبة يا ويزو عقبال مليون سنة..
” نـوح ” بصدمه جالية بوضوح على معالمه وهو يتابع بمرحه المُعتاد.
– إيه ده هو النهارده عيد ميلاد القمر وأنا معرفش..؟!

 

” عـزيـزة ” بخجل.
– ايوه فعلًا النهارده عيد ميلادي تلاقي سي سـلـيـم عرف من سي زيـاد..
ثم أضافت بإمتنان وخجل.
– وأنت طيب وبخير يا سي سـلـيـم ياااارب..

 

” أصـالـة ” بنبرة صادقة.
– كل سنة وأنتي طيبة يا عـزيـزة العُمر كله ليكي يا حبيبتي..
” عـزيـزة ” بحب.

 

– أن شاء اللّٰه تسلمي وتعيشي يا ست صـولا..
ثم أضافت وهي تهم بالرحيل.
– عن إذنكم هروح أشوف اللي ورايا في المطبخ..! ومن ثم رحلت سريعًا وظل ” نـوح ” يتابعها بعيناه بهيام حتى أنه هتف بسعادة.
– سوف لن نشتري هذا العيد شجرة..

 

ستكونين أنتِِ الشجرة..
وسأعلِّقُ عليكِ أُمنياتي ودَعواتي وقناديلَ دموعي..
ثم تابع وهو يتمسك بمنديل الطاولة ملوحًا به وكأنه يرقص الدبكة اللُبنانية بمرح.
– كُلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي..

 

حبيبتي..
حبيبتي..
فأضاف بولع وفكاهه وهو يهز رأسه بسعادة يمينًا ويسارًا وكأنه يتمايل بها.
– آاااااه أموووووت أنا في الإنفلات الأمني..

 

” أصـالـة ” وهي تلكمه على يديه بخفة.
– اتلم يا نـوح ولم الدور أحسنلك وبلاش تكسفها كل شوية..
” سـلـيـم ” وهو يكبح ضحكاته بصعوبة بالغة.
– اللّٰه عليك يا نوح نوح وأنت حنين..

 

مبتضيعش فرصة أنت تفليريت فيها..
” أصـالـة ” بحزم وهي تهم بالرحيل دون أن تكترث بوجود ” سـلـيـم ” وحديثه.
– أنا هشرب القهوة في الجنينة خلص وإلحقني يا نـوح..! قالتها ومن ثم رحلت إلى الخارج دون أن تنظر إلى

 

صغيرها ولو لنظرة واحدة. فشعر ” سـلـيـم ” وكأن قلبه ينشطر إلى شطرين من شدة ألمه عند تجاهل والدته له.
” نـوح ” وهو ينظر له مضيقًا عيناه متابعًا بحكمة.
– زعلان وموجوع أنها مبتكلمكش مش كده..؟!

 

” سـلـيـم ” بحزن.
– أنا بعمل كل ده عشان خاطرها يا نـوح وعشان أرد لينا كرامتنا اللي أداس عليها من سنين..
أنا مغلطتش صدقني..
أنتم ليه كلكم مُصرين تشفوني غلطان..؟!

 

” نـوح ” برزانه.
– يمكن أنت تكون صح ويمكن تكون غلط اللّٰه أعلم..؟!
بس في حاجات عشان نكسبها لازم نخسر قصادها حاجات تانية..؟!

 

وأنا خايف عليك أوي يا سـلـيـم..
خايف لمحاولتك عشان تكسب كرامتك وترد حقك وحق أمك تخسر نفسك وتخسر رضاها عليك وقتها صدقني يا إبني مهما هتكسب قصاد خسارتك هتفضل خسران عمرك كله حتى لو الدُنيا كلها في إيدك..! قالها ومن ثم فرغ

 

من جلسته ورحل لاحقًا بـِـ ” أصـالـة ” ليحتسي معها القهوة كما طلبت منذ لحظات؛ تاركًا ” سـلـيـم ” ينظر في آثره بضياع مفكرًا في كل حرف تفوه به أمامه. إلى أن شعر وكأن عائم في بحور من الضياع والتشتت عند هذه النقطة

 

هب واقفًا بقوة يعتادها جيدًا منفضًا أفكاره هذه عنه وكلام ” نـوح ” الذي كان كالسكين الحاد الذي طعن منتصف قلبه وأستقر به دون رحمة. فسحب علاقة مفاتيحه وهاتفه ورحل في قوة وشموخ كعادته دون أن ينظر ورائه ولو لمرة واحدة معتزمًا على تنفيذ كل ما خطط له من قبل.

يتبع….

 

( ١٨ ) – عـودة الـمُـنـتـقـم..! –
وبداخل منزل ” نـجـم الـديـن ” كان الجميع يلتف حول طاولة الطعام يتناولون الإفطار في جو أسري يملؤه الدفء

 

إلى أن هتف ” مُـراد ” بتساؤل وهو يبحث بعيناه على مُدللته وصغيرته بحب.
– أومال فين مـريـم مبتفطرش معانا ليه..؟!
” شـهـيـرة ” بنبرة حانية وإبتسامتها تُزين ثغرها بحب.

 

– مـريـم راحت المطعم لـسـلـيـم من بدري بتقول عندهم شغل كتير أوي النهارده..
” عـابـد ” بإبتسامة صادقة لا يدري مصدرها أو وجتها بالتحديد.
– الولد ده بيخطف قلبي يا مُـراد متتخيلش فرحتي بهديته أمبارح عاملة إزاي..؟!

 

حاسس أن في جواه شاب هايل وهيبقا حاجة كبيرة أوي قريب وهتقول عـابـد قال..
” مُـراد ” بسعادة وهي يستمع إلى حديث والده عن ذلك الشاب الذي شعوره به ليس بأقل من شعور والده به.
– فعلًا يا بابا سـلـيـم شكله مُحترم وأخلاقه عاليا والأهم أني حاسس أنه ناضج وعاقل مش زيّ شباب اليومين دول

 

الطايشين..
” عـابـد ” وهو يتابع تناول طعامه بإهتمام.
– عندك حق يا مُـراد أنا حسيت ده فعلًا من كلامه تحسه هادي كده ورزين..

 

فتابع بفخر وهو ينظر إلى ” مُـراد ” بإعتزاز.
– أول ما شوفته يا مُـراد حسيت كأني شايفك قدامي..

 

شبابه فكرني بشبابك وأنت في نفس عمره..
حسيت لوهلة أن اللي قاعد قصادي مُـراد إبني مش شاب غريب عني أبدًا..
” شـهـيـرة ” بصدق.
– عندك حق فعلًا يا بابا سـلـيـم شاب محترم والأهم أنه برغم غياب والده إلا أن مامته قدرت تعمل منه راجل بجد..

 

حقيقي أنا كست مبهورة جدًا بالست دي..
” سـهـام ” وهي تتابع حديثهم بإهتمام واضح.
– يا خسارة أنا شكلي فاتني كتير أوي أمبارح ياريتني كنت موجوده بس كان لازم أزور جدت الولاد لأنها تعبانة جدًا

 

بس ملحوقه أكيد بما أنه شاب مُحترم وكلكم بتشكروه فيه يبقا هنشوفه تاني قريب..
” عـابـد ” وهو يتناول طعامه بهدوء.
– أكيد هنتقابل تاني ده حتى عزمنا على إفتتاح المطعم بتاعه قريب وأكيد هنبقا نروح كلنا..

 

ثم أضاف وكأنه تذكر شيئًا للتو.
– صحيح طمنيني حماتك عاملة إيه دلوقتي بقت أحسن..؟!
” سـهـام ” بهدوء.

 

– الحمداللّٰه يا بابا بقت أحسن السكر مكنش متظبط خالص بس الحمدللّٰه أتحسنت كتير عن الأول..
” عـابـد ” بصدق.
– ربنا يعافيها ويعافيني ويعافي كل مريض يارب..
السن كبر خلاص يا بنتي والواحد مننا بيفقد معنىٰ حياته لما بيفقد حتة منه وأنا حاسس بوجع حماتك أوي عشان

 

كابش نارها بإيدي من سنين..
” مُـراد ” بتأثر، متذكرًا لشقيقه الأكبر الذي فارق الحياة منذ سنوات.
– ربنا يرحم جميع أمواتنا يارب ويصبرنا على فراق حبايبنا..
ثم أضاف وهو يهب واقفًا ليرحل إلى عمله بحماس منطفء.

 

– عن إذنكم هروح عالشركة..
عن إذنك يا بابا..! قالها وهو يُسير بإتجاه باب القصر فهتف به ” عـابـد ” مسرعًا.
– مُـراد..!

 

طمني يا حبيبي كل حاجة تمام معاك ولا في مشاكل ريح قلبي..
” مُـراد ” بإبتسامة مُنكسره وهو يلتفت له بوجع جاهد في إخفائه.
– متقلقش يا بابا كل حاجة تمام والشغل ماشي زيّ ما إحنا عايزين وكله بفضل حضرتك..

 

” عـابـد ” بفخر.
– كله بفضلك وبفضل تعبك يا حبيبي..
أنا قاعد مبعملش حاجة لا حول بيا ولا قوة لكن أنت شايل الحمل كله فوق دماغك..
ربنا يقويك ويعينك على اللي أنت فيه يارب..

 

فإبتسم له ” مُـراد ” بتحسر ومرارة يكاد يجزم بأن لا أحد سواه يشعر بها ورحل سريعًا تحت نظرات ” سـهـام ” و ” شـهـيـرة ” المرتبكه خشية أن يعلم ” عـابـد ” بحقيقة الأمر ووقع الخبر عليه.

 

وعلى الجانب الآخر بداخل مطعم ” صـولا ” حيث تقف ” مـريـم ” منذ الصباح باكرًا تعمل وتُنجز أعمالها بكل جد وحماس وكأن طاقتها قد أجتمعت خصيصًا لتُنجز هذا العمل على أكمل وجه علاوة على شعورها من الأساس بأن

 

ذلك العمل هو بمثابة نقطة تحويلية في حياتها المهنية وعلى ما يبدو هو كذلك أيضًا بالنسبة لحياتها العاطفية فهي بدءت تشعر بإنجذاب قوي يجتاحها تجاه ذلك الوغد المُلقب بـِـ ” سـلـيـم ” فعاطفة القلب أصبحت تطغىٰ على أحاديث العقل بكثير. كانت تعمل بكل نشاط وحيوية في إنتظار دلوف ” سـلـيـم ” إليها بين لحظة وآخرىٰ على آحر

 

من الجمر. فكانت تقف مواليه ظهرها إلى باب المطعم وهي تعبث بأوراقها وأفكارها لاتزال معلقه بذلك الذي سلب منها تركيزها حتى أنها لم تشعر بوجوده من الأساس إلا عندما وجدت تلك القلادة الفضية الممسك بها بأنامله

 

تنسدل أمامها على شكل قلب صغير فما كان منها إلا أنها وضعت يديها أعلى فمها بصدمة وإستدارت له وهي تنظر إليه بذهول نظرات غير قادره على إستيعاب ما يحدث وتراه أمامها فهتفت بتوتر شديد وخجل يكسوها من رأسها إلى أخمص قدميها.

 

– سـلـيـم إيه ده..؟!
” سـلـيـم ” بإبتسامة خاطفة وقع قلبها صريعًا لها.
– ده قلب أحدهما..
” مـريـم ” بمراوغة محببه.

 

– أممممم..
طب وأنا مالي بقلب أحدهما..؟!
ما تسيبه يمكن يحتاجه..!

 

” سـلـيـم ” وهو على نفس وضعيته متبنيًا لنفس أسلوبها في الحديث.
– معتقدش..
أحدهما كان مفكر أن القلب عُمره ما هيحتاجه غير في دخ الدم وبس لكنه أكتشف مؤخرًا أنه له إستخدمات تانية عُمره ما فكر فيها ولا حتى خطرت على باله..

 

” مـريـم ” بسعادة زعمت إلى إخفائها حتى لا ينفضح أمرها أمامه من جديد.
– طب وأنا علاقتي إيه بقلب أحدهما..؟!
” سـلـيـم ” وهو يتمسك بتلك القلادة فاتحًا لها إلى نصفين بحيث أنشطر القلب إلى شطرين أحدهما وجدت به

 

صورتها والآخر كان فارغًا فصاحت بعدم تصديق وسعادتها بادية بوضوح من بؤرة عيناها.
– واااااو دي صورتي..!
” سـلـيـم ” وإبتسامته تتسع بلؤم.

 

– أخترت النص الأول من القلب يكون فيه صورتك وسبت النص التاني فاضي وليكي حرية الإختيار في الشخص اللي هيشغل النص ده..
” مـريـم ” وعيناها يملؤها الدمع الذي ما هو إلا ومضات تُعبر به عن مدىٰ سعادتها مردفه بخجل لكنها عمدت إلى

 

إخراج نبرتها بهدوء على عكس تذبذبات قلبها.
– ممكن أعرف بمناسبة إيه الهدية دي..؟!
” سـلـيـم ” بإبتسامته الساحرة.
– تقدري تقولي من غير مناسبة..

 

صحيت الصبح حسيت أني عايز أجبلك الدُنيا كلها بس أعتقد أن قلبي يكفيكي..؟!
” مـريـم ” بنبرة ذات مغزىٰ وهي تنظر له نظرات يملؤها الحماس والترقب.
– يعني أفهم من كلامك ده إيه..؟!

 

وعايزني أقبل هديتك دي بناءًا على إيه..؟!
” سـلـيـم ” وهو يرفع حاجبيه بتفكير ونبرة محببه.
– أمممم..

 

هعمل نفسي مش واخد بالي أنك فاهمة وهقولك بصراحة من غير لف ودوران..
فأضاف بلؤم وخبث يدركهم جيدًا إلا أنه عمد على إخفائهم خلف نبرته المعسوله.
– أنا حاسس أن في حاجة حلوة بينا وأتمنىٰ تكوني حاسة بنفس الإحساس ده وبتبادليني نفس الشعور..
يمكن متقابلناش غير ٣ أو ٤ مرات وأول مقابلة مكانش لطيفة خالص بس بعدين أرتحت ليكي وأطمنت وبقيت

 

شايف فيكي حاجة مُختلفة مشوفتهاش ولا حسيتها قبل كده مع حد غيرك..
ثم أضاف وهو ينظر إلى القلادة بيديه مكملًا حديثه بهدوء مميت.

 

– أما هديتي فهي فعلًا مقصوده لأني بعرض عليكي قلبي ولو قبلتي بيه ولبستيها في رقبتك هكون أسعد راجل في الدُنيا عشان البنت الوحيدة اللي قدرت تكسب قلبي وافقت أننا نكمل طريقنا مع بعض..
” مـريـم ” بإبتسامة عريضة وهي تشعر بأن قلبها كاد أن يقفز من موضعه ثم سرعان ما أنمحت تلك البسمة عندما

 

تذكرت أمر تلك المرأة التي رأتها برفقته ذلك اليوم وتابعت بحزن جلىٰ بوضوح على تقاسيمها.
– طب وصـولا..؟!

 

بمجرد نطقها بإسمها حتى أنخرط في نوبة ضحك قوية وكأنه لم يضحك بحياته قط قبل ذلك فهتفت به ” مـريـم ” بغضب طفولي.

 

– واللّٰه ممكن أعرف بتضحك على إيه دلوقتي..؟!
هو كلامي يضحك أوي كده..؟!
” سـلـيـم ” محاولًا التحكم في ضحكاته.

 

– إطلاقًا..
الموضوع كله أنك فاهمة الموضوع غلط من أوله ولولا اللي حصل من أمبارح لما روحنا لعمك المستشفىٰ كان

 

زمانك عارفة دلوقتي مين هي صـولا اللي بتسألي عنها ومخلياكي هتموتي من غيرتك أوي كده..؟!
” مـريـم ” بصدمة.
– غيرة..؟!

 

ثم أضافت بتذمر طفولي وغيرة أكبر.
– طب مين الست دي يا سـلـيـم..؟!
” سـلـيـم ” بإبتسامة جانبية تلوح على شفتيه بجاذبية كبيرة.
– الست اللي مجنناكي وسبب غيرتك دي دلوقتي تبقا صـولا ريـاض أختي..؟!

 

وعلى فكرة هي سافرت إيـطـالـيـا لماما من يومين..
” مـريـم ” وهي تفتح فمها بصدمة.

 

– أختك..؟!
ثم تابعت بتذمر من جديد.
– أنت إزاي مقولتليش الكلام ده من الأول..؟!

 

” سـلـيـم ” وهو يعود للضحك من جديد.
– بصراحة عجبني شكلك أوي وأنتي غيرانه..؟!
” مـريـم ” بخجل واضح والحمره تكسوُ وجهها بكثرة.

 

– يعني كنت بتلعب بمشاعري الفترة اللي فاتت دي وسايبني هطق وأنت كان عاجبك شاكلي وبتتسلى مش كده..؟!
” سـلـيـم ” بهدوء وهو يحيط بيديه كتفيها برفق.
– ممكن تهدي..؟!
أنا مكانش في دماغي كل ده صدقيني أنا بس كنت مبسوط لأني كنت حاسس أنك بتبادليني نفس الشعور وبعدين

 

كنت هحكيلك لولا اللي حصل لعمك وقتها يعني نيتي كانت سليمة ميه في الميه..
ثم أضاف بحنان لم يكن يعرف أنه من الممكن أن يتعامل به مع آخرىٰ سوى والدته لكن ذلك يعتبر ضمن خطته.
– أنا مش عايز أي حاجة تبوظ علينا أهم لحظة في حياتنا..

 

فأمسك بكفها بين راحته مرددًا بنبرة مُحببه لها.
– هااااا قولتي إيه مستعده تلبسي السلسلة وتقبلي بيا وبقلبي ولا ناوية ترفضيه..؟!
” مـريـم ” لا رد ولكنها خجله تتمنىٰ لو بإمكانها الإختباء منه بداخل أحضانه فشاحت بعيناها بعيدًا عنه ومن ثم

 

صوبت نظرها بإتجاه الأرض ساحبه يديها من بين يديه بكسوف حقيقي.
” سـلـيـم ” بلؤم فهو يعرف بأنها تريده وبشدة.
– أفهم من سكوتك ده أنك رفضتي هديتي..؟!

 

” مـريـم ” لا رد ولكنها حقًا تشعر بأن كل ذرة بها خجله لا تقوىٰ على الحديث أو الإفصاح عما تكنه بقلبها له. فتابع ” سـلـيـم ” وهو يهم بسحب تلك القلادة ليضعها بداخل سترته، منكسًا لرأسه بخيبة أمل وحركات مدروسه حق دراسة.
– أنا آسف جدًا لو كنت فرضت نفسي عليكي أو أتسرعت في تعبيري عن مشاعري ليكي..
بس أعتقدت بما أني دخلت بيتكم وأكلت معاكم يبقا لازم أحترم أهلك والبيت اللي دخلته وأصونك بس أنا مش عايزك تضايقي خالص وأعتبريني مقلتش أي حاجة..! قالها وهو يصتنع الحزن جيدًا ومن ثم إستدار بجسده ليترك

 

المكان وهو يعلم كل العلم بأنها ستهتف بإسمه لتوقفه. وبالفعل بمجرد ما أنه هم بترك المكان حتى تسللت إلى أذنيه نبرتها الناعمة وهي تهتف بإسمه بخجل ظهر بوضوح على نبرتها.
– سـلـيـم..! فإتسعت إبتسامته عندما حدث ما توقعه بالحرف ومن ثم إستدار لها وهو يُمثل دوره جيدًا وكأن الحزن يقطر منه. فتابعت ” مـريـم ” بحب واضح رغم أنها تموت من شدة خجلها.

 

السلسلة دي أنت أشتريتها على إسمي ومش مسموح لواحدة غيري تلبسها ولا حد غيري ياخد قلبك يا أستاذ أنت مفهوم..؟!
فأتسعت إبتسامة ” سـلـيـم ” ومن ثم تابع وهو يقترب منها بمرح.
– مفهوم جدًا يعني..!

 

ثم أضاف وهو يقوم بتلبيسها للقلادة بحب مصتنع.
– وقعتي قلبي يا شيخه حرام عليكي..؟!
وبمجرد ما أن إلبسها قلادتها حتى أمسكت بها بسعادة حقيقية ومن ثم هتفت به بحب.

 

– ميرسي جدًا يا سـلـيـم بجد السلسلة تجنن..!
” سـلـيـم ” وهو يمسك يديها بلطف ورقه.
– السلسلة جميلة عشان أنتي اللي لبستيها فزودتي جمالها..
فأكمل حديثه بإمتنان مصتنع.
– شكرًا جدًا أنك قبلتي بيا وبقلبي..!

 

” مـريـم ” بحب واضح بعيناها جيدًا.
– أنا قبلت ببك يا سـلـيـم من أول مرة شوفتك فيها..!
” سـلـيـم ” وهو يضغط على يديها بسعادة زائفة.
– تقدري تاخديلي ميعاد من عمك وجدك النهارده بالليل..؟!

 

” مـريـم ” ببلاهه وعدم إستيعاب.
– ليه..؟!
” سـلـيـم ” بإبتسامة عريضة.
– عشان أطلب إيدك رسمي من عمك وجدك..؟!
” مـريـم ” بسعادة وهي تضحك وكأنها لم تضحك وتسعد هكذا من قبل.

 

– إيه ده بالسرعة دي..؟!
” سـلـيـم ” بنفس نبرته السابقة إلا أنها أكثر مرحًا.
– أنتي فكراني بهزر ولا إيه..؟!

 

قولتلك قبل كده أنا دخلت بيتكم وأحترمت أهلك وقدرتهم وبما أننا بنبادل بعض نفس الإحساس يبقا لازم يكون في إطار رسمي لعلاقتنا ولا أنتي إيه رائيك..؟!

” مـريـم ” بسعادة لم تختبرها بحياتها قط.
– موافقة طبعًا..
هكلم أونكل مُـراد ومامي وهبلغك..
ثم أضافت وكأنها تذكرت شيئًا ما للتو.

 

– صحيح طب ومامتك وأختك مش هتقولهم..؟!
” سـلـيـم ” بهدوء وثقة.
– ودي برضو هتفوتني..؟!

 

فتابع بثقة أكبر ولؤم.
– ماما وأختي عارفين كل حاجة وكلمت ماما أمبارح وبلغتها أني حابب أخطبك ومتتخيليش فرحتها عاملة إزاي..؟!
وفي أقرب وقت هتنزل مصر وهتقابليها بنفسك..!
” مـريـم ” بقلق.

 

– بس أونكل مُـراد وجدو ممكن يرفضه خطوبتنا ويطلبوا أن طنط وأختك يكونوا موجودين معانا..!
” سـلـيـم ” بثقل.
– متشليش هم حاجة أنا هعرف أتصرف أن شاء اللّٰه حتى لو قرينا فاتحة بس والخطوبة لما ماما تيجي كمام شهرين المهم تبقا كل حاجة في النور وقدام أهلك..!
” مـريـم ” بإبتسامة واسعة ونبرة مفعمه بالسعادة.

 

– بجد يا سـلـيـم أنا مبسوطة أوي عُمري ما أتخيلت أني هكون مبسوطة زىّ دلوقتي..؟!
” سـلـيـم ” بخبث.
– ولسه السعادة قدامنا وطريقنا هيكون طويل مع بعض وأنا أوعدك أني هخليكي أسعد واحدة في الدُنيا دي..!
فتابع بحماس.

 

– يلااااا بسرعة روحي كلمي عمك خدي منه ميعاد عبال ما أكلم ماما وصـولا أفرحهم..
” مـريـم ” وهي تنظر له بحب ومن ثم أقتربت من هاتفها لتذهب به بعيدًا وتهاتف عمها كما طلب منها ” سـلـيـم ” للتو.

 

– ثواني هكلم أونكل مُـراد وهرجعلك على طول..
” سـلـيـم ” وهو ينظر في آثرها بنشوة وإنتصار بعد رحيلها لمهاتفه عمها.
– خدي وقتك على مهلك خالص ده اللعب لسه في أوله وبدءت تحلو عالآخر..

يتبع….

 

( ١٩ ) – قـلـوب حـائـرة –
وفي المساء وتحديدًا في تمام الساعة التاسعة مساءًا بتوقيت مـِـصــر، بداخل قصر عائلة ” نـجـم الـديـن ” كان الجميع يجتمع بداخل غرفة الإستقبال ( الـصـالـون ) وعلى رأسهم رب الأسرة وزعيمها السيد ” عـابـد نـجـم الـديـن ” وكان المشهد كالأتي:

 

” عـابـد ” يجلس أعلى مقعده المُذهب الذي يُلازمه دومًا ولا يجلس إلا على سواه وهو يستند بعصاه على وضعيته المُعتاده وإبتسامته التي يملؤها البشاشة لاتزال مرسومه على وجهه بوضوح.
أما ” شـهـيـرة ” فكانت تجلس إلى جوار ” سـلـيـم ” أعلىٰ الأريكة تشعر في تلك اللحظة وكأنها تمسك السماء بإيديها.

 

فهي تعلم أن صغيرتها على قدر كبير من الجمال يُمكنها جيدًا من الإيقاع بـِـ ” سـلـيـم ” فريسة لجمالها. وهي إيضًا لا تُنكر إعجابها الشديد بـه ولا تُنكر تمنيها له ليكون من قسمه صغيرتها ونصيبها. فهو وسيم، جذاب، يافع، خلوق، كريم، والأهم أنه يملك من الجاه والأموال ما يكفي ليؤمن حياة صغيرتها فهي تخشىٰ عليها كثيرًا حياتها القادمة في

 

ظل الأوضاع التي تمر بها العائلة بتلك الفترة لذلك عندما علمت من إبنتها بطلب ” سـلـيـم ” لخطبتها لم تستغرق ولو لثانية واحدة للموافقة على حديثها. فهي تُريد وبشدة الإطمئنان عليها تحديدًا لأن الحياة القادمة غير مضمونة بالنسبة لعائلتهم وهي حالها كحال أي أم لا تُريد لإبنتهاء العناء والشقاء فهي حقًا تشفق عليها من حياتهم القادمة

 

وما تخفيه الأيام لهم.
وإذا تحدثنا عن ” مُـراد ” فحالته كانت مبهمة لا يستطيع أحد إستشفاف ما يدور بخلده. فكان يجلس على المقعد الآخر إلى أمام ” سـلـيـم ” وهو ينظر إليه نظرات عجز الأخير عن تفسيرها. فكان ” مُـراد ” باسمًا تضحك عيناه له دون شفتاه مما آثار تعجب ” سـلـيـم ” وبشدة فكيف لعيناه أن تبتسم له دون أن تنفرج شفتيه ولو بنصف إبتسامة تظهر

 

على محياه. فكان ” مُـراد ” ينظر له وبداخله الآلاف من الأفكار والمشاعر المتخبطه.
ينظر إليه نظره تمني..!
يشعر بحديث قلبه الحائر دون هوادة يُحادثه بإن هناك رباط قوي يربطه به.

 

لثاني مرة منذ أن تقابل معه يشعر بمثل هذا الشعور يجتاحه وبقوة دون رحمة بحالته.
يُفكر لماذا يشعر به إلى هذا الحد..؟!
لماذا يخفق له قلبه كلما وقعت عيناه عليه وشاهده..؟!

 

لماذا يرىٰ به شبابه وصباه وطفولته وأجمل أيام مضت من عمره..؟!
لماذا يُريد أن يراه دومًا وكأن قلبه قد تعلق به دون أن يعرفه حتى..؟!
لماذا يتمنى لو كان ذلك الشاب وُلده..؟!

 

لا يعلم لماذا لم يرد اللّٰه له بإن يكون له ذكرىٰ بتلك الحياة التي سيرحل عنها كما جاء دون أن يكن له خليل أو ونيس أو حتى يترك من بعده ذكرة يتذكره الأهل والأحباب من خلالها وبالرغم من ذلك فهو راضٍ بحكمة ربه ورزقه بالحياة..؟!

 

فالحياة أرزاق وهو يعلم بإن رزقه لم يُقدر له هذه المرة إلا أنه لايزال يشعر بالرضا عما قسمه اللّٰه له. وهو لا يُنكر حقًا بإن ” مـريـم ” قد عوضته كثيرًا عن حرمانه من تلك النعمة إلا أنه يُريد إلى درجة يصعب معها العيش في أن يستمع إلى كلمة ( بـابـا ) ولو لمرة واحدة تروي بها جفاف قلبه وحنينه لأبوته ومشاعر كثيرة مما حُرم منها..؟!

 

وأعلى الأريكة يجلس ” سـلـيـم ” الباسم بسعادة زائفة إلا أنها تحمل ولو قدرًا بسيطًا من الصدق فها هو مُخططه يسير كالسكين بالزبد تمامًا وكأن الجميع كِـ ” دُمىٰ الماريونيت ” يرقصون على إيقاعه ورغبته هو فقط. مما جعله يشعر بالفخر بحاله وما وصل له بفضل تخطيطه المُسبق ودراسته لجوانب الموضوع بعناية فائقة. لكن هناك

 

شيئًا واحدًا لايزال يُشكل علامة إستفهام كبرىٰ بداخله آلا وهو لماذا يرىٰ دومًا بأعين ذلك الـ ” مُـراد ” وكأن العبرات متحجره بداخلها تآبى الهطول..؟!
لماذا يشعر دومًا بأن هناك أمرًا ما يخفى عنه وعن الجميع..؟!

 

يشعر بإن هناك غيمة حزن كبيرة تُغيم على عيناه بل وحياته بأكملها ولكن لا أحد يعلم سبب وجود تلك الغيمة..؟!
على كلٍ فهو لا يهتم به من الأساس ولا يُهمه أمره في شئ والآن هو بمكانه هذا ليُنجز مهمة خاصة للغاية كما خطط لها وما يدور بخلد الأخير وما يختبره من مشاعر فهو خارج نطاق أولوياته وتفكيره ولن ولم يسمح لنفسه

 

للإنجراف لتلك المشاعر والأفكار مهما حدث لذلك نفض رأسه سريعًا من كل هذا ونطق بنبرة قوية مدروسه يملؤها الثقة وهو ينظر إلى جده ووالده بإبتسامة هادئة.
– جدو عـابـد..

 

مُـراد بيه..
طبعًا حضراتكم أكيد مستغربين من سبب زيارتي المفاجئة دي خصوصًا أني كنت لسه هنا أمبارح وأكيد حبين تعرفوا سبب الزيارة..

 

” عـابـد ” بطيبة وبشاشة.
– البيت بيتك يا حبيبي تشرف وتنور في أي وقت..
” شـهـيـرة ” بسعادة وحماس.
– أنت تنور في أي وقت يا سـلـيـم إحنا إعتبرناك خلاص واحد مننا ومفيش بينا الكلام ده..

 

” سـلـيـم ” بإبتسامة عريضة ونبرة واثقة.
– تسلميلي يا مدام شـهـيـرة البيت منور بأهله..
ثم أضاف بثقة أكبر وهو يوجه حديثه للجميع ناقلًا أنظاره عليهم واحدًا تلو الآخر بالتناوب.
– أنا جاي النهارده لأن نفسي نكون عيلة واحدة فعلًا لو تسمحولي بده..؟!

 

” مُـراد ” بإبتسامة واسعة فهو قد بدء في أن يستشف ويستدل على ما يدور بداخل ذهن الأخير فتابع بهدوء ونبرة واثقة بدوره.
– ده شئ يسعدنا يا سـلـيـم وأنت عارف ده كويس..؟! وعارف إحنا حبناك إزاي..؟!

 

” سـلـيـم ” بعدما إتسعت إبتسامته على أثر حديثه مما جعله يكتسب ثقة أكبر لتعزيز موقفه أمام الجميع.
– وأنا كمان حبيتكم وحسيت وسطيكم بالدفا والعيلة اللي أتحرمت منها عمري كله..

 

عشان كده أنا جاي النهارده وعايز أكون ولو جزء صغير من عليتكم وبطلب إيد بشمهندسة مـريـم من حضرتك يا جدو ومن مُـراد بيه بصفته ولي أمرها وفي مقام والدها..

 

” مُـراد ” بسعادة حقيقية نابعة من أعماق قلبه لكنه عمد إلى إخفائها حتى يستمع لحديثه للنهاية.
– بالسرعة دي يا سـلـيـم..؟!
على حد علمي أنك عرفت مـريـم من فترة قصيرة جدًا..
” سـلـيـم ” بنبرة واثقة بها من الشهامة والنبل ما يكفي لإقناع مائة عائلة وليست بعائلة واحدة فقط.
– أنا فعلًا معرفش مـريـم من فترة كبيرة بس أنا بحب كل حاجة تبقا في النور..

 

ثم تابع موجهًا حديثه إلى ” عـابـد ” في محاولة منه لإستمالته إلى جانبه وبلفه كما يُقال باللهجة الدارجة وهو يتقن دوره جيدًا.
– مكدبش على حضرتك يا جدي أنا بدءت أُعجب بـِـ بشمهندسة مـريـم وأحس بمشاعر قوية تجاهها..

 

وبما أني دخلت بيتكم وأكلت معاكم عيش وملح زيّ ما بتقولوا بالمصري؛ فمينفعش أخون اللقمة اللي أكلتها في بيتكم ولا حتى ثقتكم فيا..
عشان كده حبيت تبقا كل حاجة في النور إحترامًا ليك يا جدي ولـِـ مُـراد بيه وللبيت اللي دخلته..

 

الجميع لا رد ولكنهم ينظرون له نظرات مبهمة. فعندما طال صمتهم هتف ” سـلـيـم ” بنبرة هادئة هدوء مميت.
– قولت إيه يا جدي..؟!
ممكن أعرف رد حضرتك ومُـراد بيه على طلبي..؟!

 

” عـابـد ” لا رد ولكنه مستندًا على عصاه لا ينظر إلى أيًا منهم لكن يبدو عليه التفكير وبعد لحظات مضت هتف وهو يوجه حديثه إلى ” مُـراد ” بوجوم.

 

– أنت إيه رائيك يا مُـراد في الكلام ده..؟!
” مُـراد ” وإبتسامته تتسع بصدق وهو يهتف به بحب وفخر حقيقي.
– أنا عن نفسي موافق جدًا يا بابا ومعنديش أي مانع..
ثم أضاف بتقدير حقيقي.

 

– متتصورش يا سـلـيـم أنت كبرت في نظري قد إيه بعد كلامك ده واتأكدت فعلًا أن مـريـم هتبقا معاك في إيد أمينة..
فتابع وهو يوجه حديثه إلى والده بتهذب وتلك الـ ” شـهـيـرة ” والدتها.
– بس طبعًا الكلمة الأولى والأخيرة لبابا ولا إيه رائيك يا شـهـيـرة..؟!

 

” شـهـيـرة ” بإبتسامة واسعة.
– أنا عن نفسي مش هلاقي لـِـ مـريـم شاب أحسن من سـلـيـم وبضم صوتي لصوت مُـراد بس طبعًا بابا صاحب الكلمة الأولى والأخيرة..! قالت جُملتها تلك وعم السكون على أرجاء المنزل بأكمله لما يقرب من الدقيقة الكاملة بين الترقب والإنتظار واللهفة والإنبساط. كل ذلك و ” مـريـم ” تقف أعلى المصعد تستمع إلى حديثهم في سعادة لأول

 

مرة تشعر بها طيلة سنوات عمرها الستة وعشرون عامًا إلى أن أستمعت بلهفة إلى صوت جدها وأخيرًا مرددًا بهدوء مميت إلى ” سـلـيـم ” ذلك الوغد كما لقبته دومًا ووقعت في فخ حبه بالأخير.
– أنت عارف يا سـلـيـم..! قالها بتأثر شديد. فإنتيه له ” سـلـيـم ” بعناية وتهذب وتابع والجميع يركز مع كل كلمة يتفوه

 

بها.
– مُـعـتـصـم إبني أبو مـريـم لما مات من سنين أخد معاه نور عنيا الأتنين اللي كنت بشوف بيهم حلاوة الدُنيا في لمة حبايبي جمب مني..
ومع الوقت الحبايب فضلوا يقلوا شوية بشوية والمُرَّ يزيد حبة بحبة لحد ما جت مـريـم نورت حياتي ورجعتلي طعم الدُنيا اللي كانت زيّ العلقم في غياب الغاليين..
ثم أضاف بحكمة وتعقل يتحلىٰ بهم دومًا.

– أوعي تفتكر أني مش بحب باقي أحفادي التانين ولا بفضل بينهم..
لأااااا يا سـلـيـم أنا أحفادي كلهم عندي غلاوة واحدة وعمري ما ميزت بينهم في المعاملة ولا حتى في توزيع المحبة، بس مـريـم غلاوتها في قلبي زايدة حبتين تقدر تقول أخدت معاها غلاوة أبوها اللّٰه يرحمه ومحبته في قلبي ضيف على كده أنها أكبر حفيدة ليا وأول ما شافت العين يعني أنت هتاخد نور عنيا وبلسم حياتي يا سـلـيـم..

 

حطها في عنيك يا حبيبي وحافظ عليها مش عشان هي حفيدتي أو يتيمة وأنا وعمها مش هنعيش ليها العُمر كله..
لأااااااا يا سـلـيـم..
مـريـم جوهرة غالية أوي وكانت أمانة المرحوم عندي وعند عمك مُـراد وأنا هستأمنك عليها عشان شايف فيك راجل وقد الأمانة وهقف قصادك يوم الموقف العظيم وهسألك عليها يا سـلـيـم وهقولك صونت الأمانة ولا لأااا..

 

” سـلـيـم ” بتوهان وهو يشعر وكأنه إهتز للحظة من حديث جده عن أمانته ومدىٰ حبه لـِـ ” مـريـم ” ومكانتها بقلبه.
– مـريـم في عنيا يا جدي..
وصدقني حضرتك مش هتندم أبدًا على قرارك ده..
فأتسعت إبتسامة ” مـريـم ” بالأعلىٰ ومن ثم أستمعت إلى صوت “عـابـد ” وهو يهتف بولدها بسعادة واضحة.

 

– يبقا على بركة اللّٰه..
قومي يا شـهـيـرة يا بنتي نادي بنتك خاليها تيجي عاوزها..
” شـهـيـرة ” بتهذب وإبتسامتها العريضة تلوح على شفتيها بسعادة كبيرة.
– أكيد..

 

وبالفعل غابت للحظات ومن ثم عادت وهي تمسك بيديها صغيرتها التي تنظر إلى الأرض بخجل غير قادره على رفع نظراتها إلى وجه الحضور وعلى وجه الخصوص ” سـلـيـم ” الذي ينتفض قلبها بين أضلعها بمجرد ما أن تقع عيناها عليه. فهتف بها الجد بدعابه ونبرة ذات مغزىٰ وهو يتابع كل حركة ونفس يصدر عنها.

 

– تعالي يا مـريـوم يا حبيبتي..
تعالي أقعدي جمب عريسك هنا..
” مـريـم ” لا رد ولكنها تُريد لو أن الأرض تنشق إلى نصفين وتبتلعها بداخلها حتى تمر تلك اللحظات بسلام.
” شـهـيـرة ” بسعادة ونبرة مداعبة.
– شوف يا بابا مـريـم مكسوفة إزاي..؟!

 

ثم أضافت موجهه حديثها إلى” مـريـم ” وهي تزج بها إلى جوار ” سـلـيـم ” بسعادة.
– روحي جمب عريسك يلااااااا..
فإقتربت ” مـريـم ” من ” سـلـيـم ” الذي مد كفه إليها بإبتسامة واسعة أذابتها ذوبًا في حبه. فمدت إليه كفها بدورها بحب وحياء يكسوها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها. وبمجرد ما أن لامست يداه كفوفها الناعمة حتى شعر

 

وكأن هناك صاعق كهربائي قد ضرب به وجعله بمعزل عن الناس جميعًا.
لأول مرة بحياته يشعر بمثل هذا الشعور.
لأول مرة بحياته يشعر بإهتزاز قلبه داخل صدره بشدة كتلك اللحظة.

 

لأول مرة يشعر بأنه غير قادر على تنظيم أنفاسه وترتيب نفسه والتحكم بها.
أيعقل أنه بدء حقًا بأن يشعر بمشاعر تجتاحه إليها..؟!
أيعقل أن السحر سينقلب عالساحر ويقع هو فريسة لعشقها عوضًا عن وقوعها هي فريسة يسهل مضغها بين يديه..؟!

 

لاااااااا..!
لاااا..!
هو من بدء تلك اللُعبة وهو من سيُنهيها ويتحكم بها إلى النهاية.
هو من خطط لكل ذلك لكنه لم يُخطط لخفقان قلبه بمثل هذه الطريقة كالآن.
حسنًا سيتدبر ذلك الأمر ويُسيطر عليه في التو كما سيطر على الكثير من قبل وسيُسيطر على الأكثر والأكثر خلال الأيام القادمة.

 

فنفض سريعًا أفكاره وعاود هندام حالة وكأنه لم يتأثر من قبل بمجرد لمسة واحدة من كفها وجلس إلى جوارها بعدما جلس الجميع ومن ثم سحب كوب الماء من أعلىٰ الطاولة أرتشف منه القليل وعاود بوضع الكوب بمكانه من جديد وهو يحاول تنظيم أنفاسه وما أفسدته تلك الحمقاء بلمستها الناعمة له وتابع وهو يُحدث حالة موبخًا لها

 

بغضب.
– أعقل يا سـلـيـم كل حاجة ماشية زيّ ما خططت ليها بالظبط متجيش تبوظ كل حاجة دلوقتي بغبائك..
ثم أضاف وهو يذكر نفسه بقسوة وأسوداد.

 

– كرامة أمك يا سـلـيـم وكرامتك فوق كل ده..! ففاق من حديثه الصامت مع حالة على نبرة ” عـابـد ” الهادئة قائلًا له بتساؤل وإستفهام.
– صحيح يا سـلـيـم إحنا وافقنا على طلبك لإيد مـريـم بس في حاجات لازم نتكلم فيها قبل ما نقرأ الفاتحة ونتفق على الخطوبة..

 

فنظر له ” سـلـيـم ” بتركيز وتابع بإهتمام كبير.
– تحت أمرك يا جدي في كل اللي تؤمر بيه..
” مُـراد ” متداركًا للموقف برزانة.
– بابا مش قصده طلبات يا سـلـيـم..

 

بابا قصده إزاي هنقرأ الفاتحة وتتخطبوا من غير وجود والدتك وأختك..؟!
” سـلـيـم ” وهو يُعاود إرتشاق الماء من جديد محاولًا عدم التأثر وإظهار ثقته بقدر الإمكان.
– حضرتك عارف يا جدي أن والدتي وأختي خارج مصر ومن الصعب النزول دلوقتي..

 

فلو حضرتك تحب إحنا ممكن نقرأ الفاتحة دلوقتي ونأجل الخطوبة والشبكة لحد ما والدتي تنزل مصر بعد شهرين..
ثم أضاف بنبرة مدروسه متقنه.
– متتصورش حضرتك والدتي فرحانة إزاي وحبت مـريـم قد إيه من كلامي عنها..؟!
أن شاء اللّٰه هتنزل مصر قريب وتتقابلوا بيها..

 

هاااا حضرتك قولت إيه يا جدي..؟! قالها وهو ينظر إليه بترقب شديد وإنتظار لردت فعله.
فنظر ” عـابـد ” إلى ” مُـراد ” محاولًا التعامل مع الموقف وإستشارة صغيره دون أن يلاحظ أحد؛ فأوما له ” مُـراد ” برأسه بتهذب ومن ثم تابع ” عـابـد ” وهو يهز رأسه بتفكير.

 

– على خيرة اللّٰه يا ولاد..
نقرأ الفاتحة دلوقتي والشبكة والخطوبة لما والدتك وأختك يرجعوا بالسلامة..
فإبتسم بسعادة فها هو قد نجح مُخططه وأخيرًا وإكتملت المهمة على أكمل وجه. وبالفعل بدء الجميع في قراءة سورة الفاتحة وهم يرفعون كفوفهم أمام وجههم والإبتسامة تعلو وجه كلٍ منهم.

 

فمنهم من يشعر وكأن السعادة قد كُتبت له وأخيرًا كحال ” مـريـم ” التي تزين البسمة ثغرها بسعادة حقيقية وكأن السعادة والبسمة قد خلقوا مخصوصًا لأجلها.
ومنهم من يبتسم وهو يري صغيرته قد كبرت وأصبحت عروس يطالب بيدها بعدما كان يحملها بين يديه في

 

طفولتها يهدهدها وهي تبكي وتتعلق برقبته بحب كحال ” مُـراد ” الذي يشعر بأن السنوات قد مرت سريعًا فهو يتذكر لكل ذلك وكأنه حدث بالأمس وليس من سنوات وسنوات عديدة. ولكن في الحقيقة هو سعيد أيضًا بتوطيد

 

علاقته بـِـ ” سـلـيـم ” لا يدري سببًا واحدًا لسعادته به إلا أنه تمناه كثيرًا لـِـ ” مـريـم ” كما تمناه إبنًا له وهذا في حد ذاته سببًا كافيًا لسعادته به. أما عن حيرة قلبه فهو لا يعلم متى ستهدأ ويأمن قلبه؛ لكنه متأكدًا بأن فرحته الآن كبيرة لا يستطيع إعطائها لأحد.

 

ومنهم من يشعر بأنه قد أدىٰ أمانته وشعر بالراحة والطمأنينه تسكنه كحال ” عـابـد ” وهو ينظر إلى صورة وُلده المعلقة على الحائط يزينها من الجانب الأيمن ذلك الشريط الأسود وكأنه يطمئنه بأنه قد أتم أمانته على أكمل وجه.
ومنهم من يبتسم سعيدًا بما أنجزه اليوم وبنجاح أول مهمة من خطته التي نفذها كما خطط لها بالضبط ولكن

 

إبتسامته كانت لا تخلو من عذاب الضمير، والألم، والحب، والكراهية، والحنين، والتشتت، والتوهان، والهجر، والكثير والكثير من المشاعر المتضاربة والمتخبطة في آنٍ واحد والتي لا يستطيع الإمساك بشعور واحد صريح منها؛ فقلبه حائرًا بين كل هذا وأكثر.

 

ومنهم من يبتسم فرحًا بخطبتهم وهي ترىٰ إبنتها سعيدة حقًا أمام أعينها. تتمنى لو كان بإمكانها بإن تشعر ولو لمرة واحدة بشعور إبنتها وفرحتها البادية على عيناها بوضوح كوضوح الشمس في ذروتها. هي سعيدة حقًا لها لكنها تشعر بمرارة حنينها إلى زوجها وإشتياقها إليه وهو أمامها كالحاضر الغائب.قلبها حائر حقًا بين سعادتها بإبنتها ومرارة هجر زوجها لها.

 

فإقتربت من صغيرتها تحتضنها بحب متناسيه لأوجاعها وهي تردد لها بسعادة حقيقية ونبرة صادقة.
– ألف مبروك يا حبيبة مامي ربنا يسعدكم..
” مـريـم ” بتهذب.

 

– اللّٰه يبارك في حضرتك يا مامي..
ميرسي..
” عـابـد ” بحب وسعادة واضحة وهو يمسح بيديه وجهه بعدما فرغ من قراءة سورة الفاتحة.
– آمين..

 

ألف مبروك يا ولاااااد..
كده أقدر أقول العيلة زادت واحد بجد..
” مُـراد ” بحب وهو ينظر إلى ” سـلـيـم ” بعاطفة قوية.
– عندك حق يا بابا سـلـيـم خلاص بقاااا واحد منا وفرد من عيلتنا..

يتبع….

 

( ٢٠ ) – مـشـاعـر واهـيـة –
عاد إلى منزلهم متخبطًا لا يعلم من هو..؟ وماذا يريد تحديدًا..؟ يشعر بالضياع وكأنه يسير وحيدًا وسط صحراء

 

جرداء خالية من مطرفات الحياة. يشعر كلما ذهب إليهم وعاد وكأنه يعود محملًا بالأعباء والأثقال. لا ينكر أنه يُعجبه كثيرًا أجواء العائلة الدافئة إلا أنه يعلم أن كل ذلك ما هو إلا زيف وقناع سيسقط عن وجه كلٍ منهم في الوقت المناسب كما خطط من قبل.

 

يشعر بالسخط عليهم جميعًا وعلى تلك الـ ” شـهـيـرة ” على وجه الخصوص. فإذا كان الجميع يرتدي لقناع السعادة والمحبة فهي ترتدي لثوب الفضيلة والعفاف بأكمله. يريد وبشدة أن يسقط عنها ذلك الثوب ويُعريها أمام الجميع ليروا بشاعة ما تضمره بداخلها وما يعتريها من كراهية وبغض للجميع؛ إلا أنه لازال عاجزًا غير قادر على الإيقاع بها

 

على الرغم من تأكده بأنها السبب في كل ما حدث لوالدته وله إلا أنه غير قادر على أثبات ذلك حتى الآن. يشعر بالإشمئزاز منهل ويشعر بالكراهية للجميع فهو حقًا إذا كان قد كرههم طيلة الستة وعشرون عامًا دون أن يرىٰ منهم

 

طرف أناملهم قط فهو الآن يكرههم أضعاف مضاعفه لكراهيته لهم مُسبقًا بعدما رأي الحب والدفء بأعينهم لآخرىٰ حتى وإن كانت تحمل نفس دمائه إلا أنه يُغار وبشدة عندما يراهم يغدقون عليها بالحب والحنان الذي حُرم منه طيلة سنوات عمره بأكملها. إذا كان يملك القدرة على تدميرهم لفعلها منذ أول وهلة إلا أنه لازال يحتسب حساب

 

والدته وتربيتها له فلولا كل ذلك لكان سحقهم بنيرانه منذ زمن. فاق من تفكيره عندما وجد نفسه يجلس بداخل سيارته أمام منزلهم؛ فترجل من سيارته سريعًا وذهب إلى الداخل ليُحاكي والدته التي يشعر بالحزن والقهرة طوال

 

فترة خصامها ومقاطعتها للحديث معه. ففتح الباب ببطءٍ وهو يرىٰ الهدوء يعم على أجواء المنزل بأكمله ولم يرىٰ بأعينه أحد من سكان المنزل فصعد إلى الأعلىٰ حيث غرفة والدته ومن ثم طرق عدة طرقات منتظرًا لسماع صوتها

 

بالسماح له بالدلوف؛ وفي غصون لحظات تُعد سمع نبرتها الهادئة تخترق أذنيه التي إشتاقت إلى سماع نبرتها العذبة.
– أدخلي يا زوزه..
فإبتسم إبتسامة عريضة وهو يطل برأسه من باب الغرفة متمتمًا بدعابه وهو يراها تجلس أعلى الأريكة بجوار

 

الشرفة ترتدي لنظارتها الطبية وهي تقرأ في أحد الكُتب بإنسجام كبير.
– ينفع سليمو مش زوزه..؟!
” أصـالـة ” لا رد ولكنها قامت بخلع نظراتها الطبية عنها دون أن تنبث له بنصف كلمة ومن ثم سحبت كوب اللبن

 

الدفء خاصتها ترتشف منه القليل بتجاهل كبير له. فتنهد ” سـلـيـم ” بحزن كبير ومن ثم دلف وأغلق الباب من خلفه وأخذ يقترب منها بخجلًا وبطءٍ كبيران. وما أن وقف قبالها حتى جثىٰ على ركبتيه أمامهم ومد يديه ساحبًا لكفوفها ملثمًا لها بقبلات حانية يملؤها الآسف والكثير من الحب والحنان الغير مسموح لآخرىٰ بإستشعارهم سواها وتابع

 

بنبرة يملؤها الشجن.
– أنا آسف..
أرجوكي يا صـولا سامحيني أنتي عارفة أنا عمري ما سبتك زعلانة مني المدة دي كلها..

 

أنا ولا عارف أشتغل ولا عارف أكل ولا أنام طول ما أنتي زعلانة مني..!
” أصـالـة ” لا رد ولكنها تنظر إلى اللاشئ بوجوم دون أن تعطي له أدنىٰ إهتمام يُذكر. فتابع ” سـلـيـم ” بصدق وهو يهم

 

بالجلوس إلى جوارها واضعًا قبلة حانية أعلى جبهتها بحب وآسف حقيقي.
– أرجوكي يا أمي أنا مش هقدر على زعلك مني أكتر من كده..

 

قوليلي إيه اللي يرضيكي وأنا هعمله لحضرتك بس أنسي أي زعل مني وخديني في حضنك زيّ زمان..
ثم أضاف ببكاء وقهرة حقيقية واضحة في بؤرة عيناه مما جعل قلب والدته يتقطع إلى أشلاء على هيئته وبكائه لها.
– متتصوريش أنا حياتي في اليومين دول صعبة إزاي والأصعب أني أرجع البيت كل يوم ملاقكيش مستنياني

 

وتتعشي معايا زيّ عادتك..
أنك تخاصميني ومتقعديش معايا على سفرة واحدة ده أكبر عقاب في حياتي ممكن اتعاقبه..
أرجوكي يا أمي متقسيش عليا أكتر من كده لأن القسوة عمرها ما كانت ليكي في يوم..

 

” أصـالـة ” وهي تعتدل في جلستها وأعينها حبيسة الدمع بتأثر لحديث إبنها وحبيبها الأوحد والمفاز الوحيد لها بحياتها التي أكتسبته من الدُنيا عنوة بعدما مدت يديها تُمسح بأناملها عبراته بحزن.
– أنا مش زعلانة منك يا سـلـيـم أنا زعلانة عليك يا حبيبي..

 

أنا خايفة عليك لتمشي في سكة مفيش فيها رجوع ساعتها يا سـلـيـم هتبقا خسرت كل حاجة بجد..
مفيش أصعب على الأم من أنها تشوف إبنها بيتعذب ومفيش في إيديها حاجة تريحه بيها..
ثم أضافت بدموع.

 

– أنا حاولت عُمري كله أستقوىٰ بيك لحد ما وصلت لسن كان لازم تعرف فيه حقيقة اللي حصل وإزاي إسمك على إسم بابا مش إسم باباك زيّ أي طفل عادي في سنك..
كنت بين نارين بين أني اسيبك عايش عُمرك كله مخدوع ومش عارفة إزاي كنت هعمل كده وبين أني أصارحك عشان ده حقك..

 

بس في الحالتين كنت خايفة عليك وعلى صدمتك لتخليك تعمل حاجة عمرك ما أتخيلت أنك تعملها..
فتابعت بوجع أكبر.
-لكن اللي خوفت منه حصل واللي عشت عُمري كله خايفة منه أديني عايشة فيه أهووو..

 

أنا أستحملت حاجات كتيره أوي السنين اللي فاتت يمكن شلت فوق طاقتي وإستيعابي وأتحملت اللي مفيش بشر ممكن يتحمله بس معنديش إستعداد أخسرك ولا هتحمل أشوف فيك أي وجع..
” سـلـيـم ” بوجع حقيقي عمد إلى إخفائه عن والدته إلا أن ” أصـالـة ” تعلم مقدارة جيدًا.
– أنا قوي طول ما أنتي معايا يا صـولا..

 

أنا من غيرك ببقا تايهه رغم أني كبرت وبقيت شحط كبير بس من غيرك ومن غير حبك وخوفك عليا وحنانك اللي طول عمري عايش بيه مش هقدر أكمل يا أمي..
أنت الإيد الحنينة الوحيدة اللي بتتمد ليا في وسط الدُنيا الطويلة العريضة دي كلها..

 

أرجوكي متقسيش عليا أنتي كمان كفاية عليا وجع قلبي مش هستحمل زعلك مني صدقيني..
” أصـالـة ” وهي تجذبه إلى أحضانها بحنان ماسحة بيديها على خصلاته وجبهته بحب أمومي خالص.
– أنت حتة من قلبي يا سـلـيـم وأنا لو زعلت من الدُنيا كلها مقدرش أزعل منك يا حبيبي..

 

أنا بس صعبان عليا اللي أنت بتعمله في نفسك ده..
” سـلـيـم ” بوجع دافين وهو يُشدَّد من إحتضانه لوالدته دافنًا رأسه في صدرها محاولًا مُدرات حزنه عنها وتخبئه

 

عيناه منها.
– أنا كده كويس برضاكي عني صدقيني..
طول ما انتي جمبي أنا كويس..

 

فضمته إليها بحب ومن ثم همست له بحنان.
– وأنا معاك وعمري ما هسيبك يا سـلـيـم..
مفيش أم تقدر تستغنىٰ عن إبنها مهما حصل..

 

يمكن بتزعل أو بتضايق منه بس ده لأنها نفسه تشوفه مبسوط ومرتاح..
” سـلـيـم ” بحب.
– أنا بحبك أوي يا صـولا..

 

” أصـالـة ” بحب وهي تضع قبلة حانية أعلى جبهته ومن ثم عادت لتربت له على خصلاته بحنان.
– وأنا بحبك أكتر يا نور عين صـولا وقلبها من جوه..
ثم أضافت بدعابه ونبرة ذات مغزىٰ.
– قولي بقا مين البنت الحلوة اللي كانت قعدة معاك في المطعم يوم ما جيتلك..؟!

 

” سـلـيـم ” وهو يبتعد عن أحضانها بتوتر جاهد كثيرًا في إخفائه فهو حقًا ممثل بارع ويستطيع إرتداء الكثير والكثير من الأقنعة لكنه أمام والدته تسقط أقنعته واحدًا تلو الآخر حتى يُصبح عاريًا أمامها مجردًا من زيف مشاعره وأفكاره كالكتاب المفتوح بين أيديها.

 

– هااااا قصدك البنت اللي كانت قعدة معايا..!
ثم تابع بنبرة مهزوزة وهو يمسح بيداه على مؤخره رأسه محاولًا التحكم بحالة.
– دي بشمهندسة مـريـم..

 

مهندسة الديكور اللي مسؤلة عن تشطيب المطعم هنا في القاهرة..
” أصـالـة ” وهي تعتقد أن السبب في ربكته هذه شيئًا ما يضمُره في قلبه من أجلها يآبىٰ الإعتراف به.
– أمممممم..
ومـريـم دي مخطوبة ولا سنجل..؟!

 

” سـلـيـم ” بإرتباك وهو يبتلع لعابه بتوتر محاولًا مُدرات أعينه عنها حتى لا ينفضح أمره.
– وأنا أيش عرفني يا صـولا مخطوبة ولا مش مخطوبة دي حاجات خاصة ماليش أني أتدخل فيها ولا حتى تهمني أني أعرفها..!

 

” أصـالـة ” بتفكير مصتنع وهي تتكأ على كل حرف تتفوه به.
– شكلها بنت مؤدبة أوي وبنت ناس..
ثم أضافت بنبرة ذات نغزىٰ.
– تعرف يا سـلـيـم البنت دي في لمعة مش عادية في عيونها ليك..؟!

 

فتابعت بلؤم.
– نفس اللمعة اللي أنا شيفاها في عيونك دلوقتي أول ما جت سيرتها..
” سـلـيـم ” بغضب من حالة فهو لا يعرف ما الذي يصيبه كلما ذكرت سيرتها وتابع بإنكار.
– لمعة..!

 

لمعة إيه يا صـولا اللي أنتي بتتكلمي عنها دي..؟!
ثم استطرد بربكه محاولًا إلا ينظر في عيناها مباشرةٍ.

 

– أنا من رابع المستحيلات أني أحبها أو أحس بحاجة ناحيتها..؟!
” أصـالـة ” وهي تقضب بين حاجبيها بتفكير.
– وليه من رابع المستحيلات..؟!
البنت باين عليها محترمة ومن عيلة وتقريبًا سنكم مُقارب من بعض يبقا إيه المشكلة..؟!

 

” سـلـيـم ” وهو يتهرب من الإجابة عليها.
– أنا كل اللي بيربطني بيها هو الشغل وبس وأنا متعودتش أخلط بين الشغل وحياتي الشخصية..

 

” أصـالـة ” بنبرة ذات مغزىٰ وهي تعترض على حديثه لها.
– وإيه اللي يمنع يا أبني أنك تشتغل وأنت بتحب..؟!
ثم أضافت بحب ونبرة صادقة.

 

– عارف يا سـلـيـم الحب ده أحلىٰ حاجة في الدُنيا..
والأحلىٰ من الحب أنك تتأكد أنك مع الشخص الصح وأنه بيحبك من قلبه بجد..
” سـلـيـم ” بإنكار وتجاهل لحديثها.

 

– اللي يمنع حاجات كتير مش حابب أتكلم فيها دلوقتي بس لو مُصره تعرفي فلازم تعرفي أن الحب في زمنا ده مبقاش موجود غير في الكتب والتليفزيون..
دلوقتي مبقاش في حد بيحب من قلبه بجد ولا بقا في حد ممكن يدي عُمره لحد وهو مطمن..

 

” أصـالـة ” بحزن على ما وصلت إليه حالة صغيرها.
– صوابعك مش زيّ بعضها يا سـلـيـم رغم أنهم في نفس الكف..
فأردفت بعد ذلك بنبرة هادئة.

 

– مشكلتك يا سـلـيـم أنك عملي أوي ومش عاطي لنفسك فرصة تعيش حياتك وتحب من قلبك بجد..
فتابعت بتعجب من أمره.
– مش عارفة أنت طلعت كده لمين لا أنا ولا مُـراد كنا كده..؟!

 

ثم سكتت لبرهة وعادت تستكمل حديثها بنبرة يشوبها الشجن.
– إحنا كُنا عايشين بالحب وكان هو الدينامُو اللي بيدي علاقتنا القوة مع الوقت..
” سـلـيـم ” بسخرية.

 

– الحمد للّٰه يا أمي أني مش زيّك ومش زيّه..
ثم أضاف بقوة وكأنه شخصًا آخر غير الذي كان يُحادثها من قبل.
– أنا إستحالة أقع في فخ الحب مهما حصل..!

 

أنا مش مُغفل يا أمي عشان متعلمش من غلط اللي حواليا..
” أصـالـة ” بحكمة ورزانة.
– تاني أهم مشكلة عندك يا سـلـيـم أنك بتعتبر حبي لأبوك مذله مع أن لولا حبي له مكنتش هتبقا موجود في الدُنيا

 

دي دلوقتي..
الحب اللي أنت شايفة نقمة ده كان سبب لأكبر نعمة موجودة في حياتي النهارده..
فتابعت بوجع حقيقي وهي تنظر له.

 

– على قد مرارة حبي لأبوك على قد ما أنا عشت معاه لحظات حلوة كتير وحقيقية يا سـلـيـم..
مُـراد مش وحش زيّ ما أنت مُتخيل صدقني..؟!
ومن ثم أكملت حديثها له بتساؤل ووجع دفين.

 

– أنت مسألتش نفسك ليه رغم السنين دي كلها لسه بحب أبوك يا سـلـيـم..؟!
فأجابته بنبرة عاشقة.
– لأن اللي بينا كان حب بجد .. حب حقيقي مبقاش موجود دلوقتي زيّ ما أنت قولت..

 

رغم كل اللي أبوك عمله بس أنا لسه بحبه ومعرفتش أحب ولا عايزه أحب غيره..
علاقتي بـِـ مُـراد وحبنا كانوا ضحية للحظة غضب وفترة صعبة كان بيمر بيها..
” سـلـيـم ” بسخرية.

 

– للدرجة دي يا صـولا حبه ليكي كان ضعيف لحظة غضب واحدة قدرت تهده في أقل من لحظات..
ثم أضاف بقوة وهو ينظر إلى والدته بثقة من حديثه.
– لو كان في حد بيحب حد بجد ومن قلبه فالحد ده كان أنتي يا أمي مش مُـراد بيه والدليل على كلامي أن اللي

 

شايله إسمه دلوقتي واحدة تانية غيرك..
لو فسرتيلي مبررة في طلاقه ورميته ليكي على أنه خيانة فجوازة من شـهـيـرة في نظرك إيه يا أمي..؟!
فشعرت ” أصـالـة ” وكأن أحدهم قد طعنها بنصل حاد في منتصف قلبها. شعرت للحظة بأن أنفاسها أصبحت

 

تلتقطها بصعوبة وكأن هناك سائل دافء قد سار بطول عمودها الفقري من أعلى رأسها حتى نهاية فقرات ظهرها عندما تذكرت بإن هناك آخرىٰ غيرها تُشاركه أنفاسه وفراشه وأحضانه وإسمه وحياته بأكملها.
نيراااااااااان..!

 

نيرااااااان حارقة هي كل ما تشعر به بداخلها في تلك اللحظة عندما تخيلت تلك الـ ” شـهـيـرة ” تتوسط أحضانه وتفترش قفصه الصدري في مكانها التي دومًا ما كانت تسكنه وتتربع بداخله.
أيعقل أنه قد ناسها حقًا وإستطاع أن يمضي قدمًا ويداه مُشبكه في يدي غريمتها مكملين لحياتهم سويًا..؟!

 

أيعقل أنه لم يُحبها يومًا كما حدثها صغيرها منذ لحظات..؟!
أيعقل أنه لازال غاطيًا في غفوته لم يستشعر برائتها بعد ولم يتأكله حنينه إليها ولو لمرة واحدة كما إشتاقت وماتت شوقًا هي له خلال السنوات الطويلة الماضية..؟!

 

أيعقل أنه لازال يعتقد أنها خائنة ولم تنتصب برائتها أمام أعينه بعد..؟!
لو كان هناك أحدًا قد طعنها بسكين حاد كان أهون عليها من سماعها لذلك الحديث السام الذي يُآرقها وينغص عليها أفكارها دون رحمة.

 

ففاقت من حديثها على صوت صغيرها الذي أستشعر جيدًا مرارة ما تمر به الآن وهتف بنبرة حانية.
– أنسي يا أمي..
أنا مش عايز حد يُدخل بينا في اللحظة دي حتى لو كان الشخص ده اللي بسببه أنا جيت للدُنيا..!

 

” أصـالـة ” بإبتسامة مهزوزة ووجع عمدت إلى إخفائه.
– اللي يريحك يا حبيبي..؟!
” سـلـيـم ” بحب وهو يربت على يداها بحنان.

 

– هروح أغير هدومي وننزل نتعشا سوا متتصوريش قد إيه واحشني القعدة معاكي على سفرة واحدة وحكاوينا مع بعض وإحنا بنأكل..
” أصـالـة ” بإبتسامة مشوشه مهزوزة.

 

– تمام يا حبيبي روح غير بسرعة وأنا هنزل أحضر عشا حفيف لينا..
فوضع ” سـلـيـم ” قبلة حانية على كفها ومن ثم رحل لتبديل ملابسه كما حدثها منذ لحظات؛ فنظرت في أثره في ألم بعدما سقطت دمعة هاربة من عيناها اليمنىٰ بقهرة وهمست بوجع تكاد أن تجزم بأن لا يوجد أحد بالعالم قادرًا

 

على إحتماله فبكت وكأن بكاء العالم بأكمله عالق بقلبها.
– ما أخدتش من الدُنيا حاجة بس هي أخدت مني كل حاجة..
وجعي بقا عامل زيّ النار عماله تنهش فيا لحد ما أكلت روحي ومحدش حاسس بيها ولا كابشها غيري..

 

أنا خسرت كل حاجة بدري بدري يارب..
خسرت أهلي وحبيبي وكرامتي وحياتي كلها ومكسبتش غير إبني مبقاش معايا غيره ولا ليا حد في الدُنيا بعده..
أنا مش وحشة يارب صدقني..

 

أنا كل ذنبي أني حبيت وبقالي ٢٧ سنة بدفع ضريبة الحب ده من روحي وقلبي وعُمري كله..
أرحمني يارب برحمتك..
لو بتختبر صبري فأنا صبرت صبر محدش في الدُنيا صبره..

 

صبرت لحد ما صبري نفذ يارب..
فرفعت يديها ماسحة عبراتها سريعًا ومن ثم هتفت بعدما لملمت شتات نفسها بقوة مصتنعه كعادتها.
– أستغفر اللّٰه العظيم يارب..

 

يارب سامحني يارب بس أنا تعبانة..
تعبانة أوي واللّٰه..

يتبع….

 

 

( ٢١ ) – إحـتـيـال بـإسـم الـحـب –
كانت ” شـهـيـرة ” تجلس بغرفتها أعلىٰ فراشها تهاتف أحدهما سرًا وكأنها مُعتاده على فعلها يُساورها والقلق والخوف من حديث الأخير لها إلى أن نطقت بنبرة مهزوزة.

 

– الموضوع محتاج تفكير ميخلص بكلمتين كده..
الطرف الآخر صوت نعلمه جيدًا: يا بنت الحلال الموضوع أسهل مما تتصوري..
الحوار كله على بعضه إيميل فيه الموافقة على الصفقة بس بدل ما يتبعت للشركة اللي هنستورد منها الشحنة

 

اللي متفقين عليها هنبعته للشركة التانية اللي تبعنا وفرق السعر والعملة هيبقا في جيبنا ولا من شاف ولا من دري..
” شـهـيـرة ” بقلق.

 

– بس مش لدرجة فرز رابع يا رؤف..؟!
” رؤف ” ببساطة.
– رابع من تالت مش هتفرق معاهم كتير يا شـوشـو لكن هتفرق معانا إحنا صدقيني..

 

فرق الفلوس ده كله هيبقا لصالحنا أنا وأنتي ومحدش هيلاحظ حاجة..
” شـهـيـرة ” بخوف وتفكير.
– مش عارفة يا رؤف أنا خايفة أوي..؟!

 

” رؤف ” محاولًا إقناعها بشر.
– بقاااا شـهـيـرة الأنـاضـولـي اللي عملت أكتر من كده بكتير تخاف من حتة صفقة صغيرة زيّ دي هيكون لينا من وراها سبوبة حلوة تعيشنا مرتاحين..؟!

 

” شـهـيـرة ” بتشتت وضياع.
– مش عارفة يا رؤف أنا خايفة لـمُـراد يعرف ساعتها كل اللي عملته السنين اللي فاتت دي كلها هيروح فشوُش..
” رؤف ” محاولًا معها للعدُل عن تفكيرها.

 

– أنتي كده كده خسرانة يا شـهـيـرة فأنا من رائي تخرجي من الليلة دي كسبانة قرشين أحسن ما تطلعي خسرانة كل حاجة..
” شـهـيـرة ” بإصرار وإنكار لحديثه.

 

– حاسب على كلامك يا رؤف أنا عُمري ما خسرت وأنت عارف كده كويس..!
أنا شـهـيـرة هـانـم الأنـاضـولـي حرم مُـراد نـجـم الـديـن ومن قبله كنت مرات مُـعـتـصـم نـجـم الـديـن الفكرة كلها أني مش عايزه أضيع كل اللي وصلتله ده بحركة غبية مش مدروسة كويس..

 

” رؤف ” بحماس.
– يا بنت الناس مفيش حاجة هتضيع بالعكس أنتي هتكسبي وهتكسبي كتير أوي من ورا الصفقة دي..
” شـهـيـرة ” بتفكير.

 

– أفرض مُـراد شك فينا أو عرف حاجة هيكون إيه العمل ساعتها..؟!
” رؤف ” ببساطة وسلاسة.
– محدش يعرف حاجة ولا حد هيشم خبر عن الحوار ده أصلًا أنا مرتب كل حاجة واللي هيشيل الليلة دي كلها

 

ويحاسب عالمشاريب سي مـمـدوح أفندي اللي عاملي فيها أبو ضمير صاحي يعني الحوار كله هيبقا بعيد عننا..
” شـهـيـرة ” وهي تحاول التفكير معه بصوت عالِ.
– بس أنت عارف مُـراد بيثق جدًا في مـمـدوح وإستحالة هيصدق عليه حاجة زيّ كده..؟!

 

ده ببشتغل معاه من أيام مُـعـتـصـم ويعتبر دراعه اليمين في كل حاجة..؟!
” رؤف ” بشر.
– من قبل كده صدق حاجات كتير وأتصدم في ناس كان صعب يصدق عليهم اللي حصل والدُنيا مشيت بعديها زيّ

 

الفل فمتقلقيش من الحوار ده لأن من ناحية هيصدق فهو هيصدق فعلًا لما يشوف بعنيه الإيميل مبعتوت بموافقته عن طريق جهاز مـمـدوح غير كده أنا هظبط كل حاجة عشان أطلعه واخد رشوة مقابل تسهيل الصفقة دي..

 

” شـهـيـرة ” بإعجاب شديد بتفكيره.
– يخرب عقلك يا رؤف وبكده تبقا طيرت عصفورين بحجر واحد..
من ناحية طلعنا بقرشين ينفعونا الأيام الجاية ومن ناحية تانية خلصنا من مـمـدوح أفندي صاحب القيم والأخلاق

 

العاليا..
فتابعت بقلق واضح عندما خطرت تلك الفكرة على تفكيرها.
– بس أوعي مُـراد يتأذي بجد يا رؤف ساعتها أنا مش هستحمل..

” رؤف ” بسخرية.

– متخافيش يا أم قلب حنين ولا هيتأذي ولا هيجراله حاجة دي كلها على بعضها شحنة مُعلبات يعني الحوار مش قصَّة ولا حتى شبهة..

 

ثم أضاف بسخرية أكبر وهو يُحسها على قبول العرض والتفكير بمصلحتهم.
– خليكي ناصحة يا شـهـيـرة مُـراد كده كده خسران ووجودك جمبه الفترة الجاية هيخسرك كتير..
” شـهـيـرة ” بلمعة عشق بأعينها إلى ” مُـراد ” حبيبها الأوحد.

 

– أنا عُمري ما خسرت مع مُـراد يا رؤف..
مُـراد ده مكسب لأي واحدة ولو كان وجودي جمبه خسارة مكانش زماني عملت اللي عملته زمان ولا أنت نسيت إحنا عملناه إيه..؟!

 

” رؤف ” بتبرم وإمتعاض.
– لا يأختي منستش بس برضو مش عايزك تشطحي بخيالك لفوق وتنسي أن لولا اللي عملناه زمان كان زمانه دلوقتي عايش في حضن مراته وعنده منها أورطه عيال فلو حد فينا لازم يفتكر يا شـهـيـرة فهو أنتي..؟!

 

ثم أضاف بإصرار محاولًا بث سمومه بأذنيها.
– أنتي لازم تأمني نفسك عشان الحقيقة لو ظهرت في يوم من الأيام مش هيبقا حلتك اللضا وساعتها مُـراد مش هيسأل فيكي وهيرميكي لكلاب السكك زيّ ما رمىٰ مراته حب عُمره من سنين وهي حامل في إبنه..

 

” شـهـيـرة ” بخوف حقيقي يتملكها إلا أنها حاولت السيطرة عليه بجموحها وتجبرها.
– إستحالة مُـراد يعرف الحقيقة مهما حصل..
الموضوع ده عدىٰ عليه فوق الـ ٢٥ سـنـة وإستحالة يتكشف بعد العُمر ده كله وحقيقته تبان..

 

” رؤف ” بهدوء يتحلىٰ به على عكس ما يضمُره بقلبه لكل ما حدث.
– الحقيقة زيّ الريح مهما تقفلي قصادها كل البيبان بتشق طريقها وتوصل لمكانها الطبيعي في النهاية..
” شـهـيـرة ” بتجبر وجحود.

 

– متنساش يا رؤف أن مراته العيل مات من قبل ما يشوف النور يعني مفيش حقيقة واحدة في حياته تقدر تكون دليل إدانة لينا أو تثبت عكس كلامنا..
” رؤف ” بهدوء زائف ليحاول أن يصل بها إلى مُبتغاه.

– بصي يا شـهـيـرة في جميع الأحوال مُـراد والعيلة كلها الفترة الجاية هيمروا بأصعب من كده بكتير؛ فلازم تأمني نفسك كويس على الأقل تلاقيلك ملمين تستندي عليهم أيامك الجاية..

 

ثم أضاف بفحيح أفعىٰ.
– خليكي فهيمه ولو معرفنيش تستفيدي بـِـ مُـراد استفيدي بفلوسه متبقيش هبلة..
وفي تلك الأثناء كان ” سـلـيـم ” يجلس بداخل مكتبه يستمع إلى حديثهم سويًا عبر هاتفه بعدما قام بربط مكالماتها

 

لدىٰ جواله حتى يمكنه من الإحتفاظ بها أيضًا والسماع إليها لاحقًا كما يشاء. وعلى الرغم من سعادته بما أستمع إليه وبراءة والدته بأذنيه إلا أنه تآذىٰ للغاية بوجود بشر كمثلهم في عالمنا فنطق بغل وحقد دفين لهم.
– يا ولاد الكـ… ده أنتم طلعتوا عصابة..

 

وحيات أمي لنهايتك هتكون على إيدي يا شـهـيـرة الكلب..
يااااااه لسه في بشر بالسواد كله..؟!
ثم أضاف بأسوداد وعيناه تُغيم بغضب دفين.

 

– كده دورك جاي يا مُـراد بيه ونهايتك قربت بس الأول لازم أذقيك من نفس الكأس اللي ذقيت أمي منه..
على الجانب الآخر وافقت ” شـهـيـرة ” على حديثه عندما أقتنعت بوجهة نظره ومدىٰ صعوبة الأيام المُقبلة عليهم وأسرع هو بدوره قبل أن تُغير رأيها في تنفيذ مُخططه عندما وجد ” مـمـدوح ” مدير أعمال ” مُـراد ” وذراعه الأيمن

 

خارج مكتبه فذهب على الفور إلى غرفة المراقبة وقام بفصل الكاميرات لدقائق ومن ثم تسلل خلسة إلى داخل غرفة مكتب ” مـمـدوح ” وأسرع بالجلوس على مكتبه وقام بكتابة بعض الأشياء سريعًا وهو ينظر هنا وهناك خشية أن يراه أحدهم فقام بإرسال إيميل إلى الشركة المُتفق معها سرًا وأسرع في إلغاء الإيميل من قبل الشركة الآخرىٰ

 

دون أن يُلاحظ وجود ذلك الشرط الجزائي بقيمة مائتين وخمسون ألف دولار أمريكي. وما أن أنهىٰ عمله سريعًا حتى عاد يرتب سطح المكتب كما كان وعدل من وضعيه الكرسي الجلدي من أمامه وأنطلق خارج الغرفة بأكملها بعدما تأكد بأن لا أحد بالخارج يمكن أن يراه وسرعان ما أن تواصل مع عامل المراقبة والنظام ليُحثه على إعادة

 

تشغيل أجهزة المراقبة ثانيًا.
وبعد مرور أسبوع..
كان الجميع يجلس بداخل غرفة الإجتماع بشركة ” نـجـم الـديـن ” لإستيراد وتصدير المواد الغذائية. فكان المشهد

 

كالأتي:
” مُـراد ” يقف يترأس طاولة الإجتماعات ومن الجانب الأيسر يقف كل من ” عـاصـم ” و ذلك الـ ” رؤف ” و ” الـمـحـامـي ” وعلى الجانب الآخر يقف رجل الأمن وبحوزته ” مـمـدوح ” الذي يقف منكسًا رأسه وكأنه قد شُهد

 

بالجُرم المشهود وعيناه حبيسة الدمع والقهرة تُقطر من كل أنش به إلى أن هتف ” مُـراد ” به بعدم تصديق وصدمة حقيقية.
– أنت يا مـمـدوح..!

 

أنت تعمل فيا أنا كده..!
ده أنت دراعي اليمين والشخص الوحيد اللي كنت بأتمنه على شغلي ومصالحي وكل ما أملك..
بعد السنين دي كلها الضربة تجيلي منك أنت..؟!

 

” مـمـدوح ” بقهرة حقيقية وما أدراك من قهرة الرجال.
– صدقني يا مُـراد بيه أنا معملتش حاجة من دي خالص ده أنا لحم كتافي من خيركم وخير الشركة دي وإستحالة أعض الإيد اللي أتمدت ليا مهما حصل..

 

ثم أضاف بأعين يُغلبها الدمع.
– حضرتك تعرفني ومعاشرني من سنين طويلة من أيام مُـعـتـصـم بيه اللّٰه يرحمه ومن أيام ما كان عـابـد بيه بصحته وبيدير الشغل بنفسه عُمري ما خُنت حد فيكم ولا أقليت معاه..

 

أنا لا يمكن أعمل حاجة زيّ في حياتي كلها مهما يحصل..
” عـاصـم ” بهدوء محاولًا تدارك الموقف حتى يستطيع أحد منهم التحكم بذمام الأمور فيكفي غضب ” مُـراد ” الآن وضياع كل شئ من بين أيديهم.

 

– مفيش حد غيرك بيدخل مكتبك يا مـمـدوح ومفيش ما بينا خونه وأديك شوفت الكاميرا بترصد ٢٤ ساعة في ٢٤ ساعة وغير أن مفيش حد الأيام دي دخل مكتبك نهائيًا غيرك..
” مـمـدوح ” بصدمة وهو يستمع إلى حديثه الذي وقع عليه وقوع الصاعقة.

 

– معنىٰ كلامك يا عـاصـم بيه أن أنا الخاين الوحيد اللي موجود وسطيكم مش كده..؟!
” الـمـحـامـي ” بتعاطف وهو يعلم أنه من المستحيل أن يفعل مثل تلك الفعلة الشنيعة تلك.
– محدش قال إنك خاين يا مـمـدوح إحنا عايزين نفهم إيه اللي حصل يمكن في حاجة غلط وأنت سهه عليك الأمر

 

وبعت الإيميل بالغلط للشركة التانية كل شئ وارد..؟!
” رؤف ” بنبرة يملؤها التشفي الخفي إلا أنه حاول التعامل مع الموقف بكل عملية.
– واللّٰه يا مـمـدوح محدش بيدخل مكتبك زيّ ما أنت شايف في الكاميرات وكمان لو كان الموضوع عن طريق الخطأ

 

زيّ ما الـمـتـر ما قال فالإيميلات اللي بينكم بتدل على غير كده خصوصًا أن في إيميل منهم كنت بتتفق معاهم من خلاله على حسابك والرشوة اللي هتتحول ليك بمجرد إستلام المبلغ وتوقيع العقد..
ثم أضاف وهو يوجه حديثه إلى ” الـمـحـامـي ” بهدوء مصتنع وثقة زائفة.

 

– ولا أنا غلطان يا مـتـر في كلامي ده..؟!
حضرتك برضو رجل قانون وليك نظرة مختلفة عنا..؟!
” الـمـحـامـي ” بحيرة لكنه على يقين من براءة ” مـمـدوح ” فهو عشرة عمره بأكمله ومن الصعب إقترافه لمثل هذا

 

الجُرم.
– واللّٰه يا رؤف أنا مش عارف أقول إيه..؟!
بس اللي متأكد منه أن في حاجة غلط أكيد ومـمـدوح إستحالة يعمل حاجة زيّ كده لأن بحكم عشرتي معاه أنا

 

أعرف أنه بيتقىٰ ربنا وبيخاف منه والأفعال دي متخرجش منه أبدًا..
” مـمـدوح ” بدفاع عن حاله موافقًا لحديث الأخير عنه.
– صدقوني يا جماعة أنا عُمري ما هقبل لقمة حرام على نفسي أو على بيتي وولادي..

 

ثم أضاف وهو يقترب من ” مُـراد ” بقهرة.
– صدقني يا مُـراد بيه لو أنا كنت خاين بجد أكيد كنت هاخد إحتياطي وهمسح الإيميلات كلها اللي بيني وبينهم ومش هسيب ورايا دليل إدانة واحد تقدروا تثبتوا بيه التهمة عليا وأكيد حضراتكم عارفين أن تهمة زيّ دي فيها

 

خراب بيوت وتشريد عيلة بحالها..
وفأسرع وهو يقترب من المكتب في الخلف ساحبًا لكتاب اللّٰه من أعلىٰ سطحه ممسكًا به بإحكام وتهذب بعدما عاد محملًا به إلى ” مُـراد ” مرددًا بنبرة يكسوها القهر والمذله.

 

– والمصحف ده اللي أنزله ربنا أنا ما خُنت الشركة ولا خُنتك يا مُـراد بيه ولا حتى هسمح لنفسي في يوم أني أدخل لقمة حرام جوف ولادي..
” رؤف ” بسخرية.

 

– قالوا للحرامي أحلف..
فشعر ” مـمـدوح ” بإن الدماء تتدفق بقوة بأوردته فهم بلكمه إلا أن ” عـاصـم ” وقف ممثلًا حائًلا بينهم وتابع بقوة.
– مينفعش اللي بيحصل هنا ده..

 

إحنا في شركة مُحترمة مش عربخانه يا مُحترم أنت وهو..
” مـمـدوح ” بقهرة موجهًا حديثه إلى ذلك الـ ” رؤف ” بحرقة.
– يا أخي بلاش السواد اللي جواك ده أنا عارف أنك طول عُمرك بتكرهني بس لو معندكش كلمة حلوة تقولها يبقا

 

تسكت أنت شايف الجو مش متحمل كلمة..؟!
” الـمـحـامـي ” بحكمة وإدراك لخطورة الموقف.
– يا جماعة مينفعش اللي بيحصل ده إحنا في كارثة حقيقية واللي بيحصل ده مش أسلوب لحل الموقف..؟!

 

” مُـراد ” بإسوداد وغضب أعمىٰ فهو يرىٰ العالم بأكمله يسوُده السواد أمام أعينه فتابع وهو يوجه حديثه إلى ” مـمـدوح ” بغل عجز عن إخراجه في تلك اللحظة.
– أنت تلم حاجتك وما أشوفش وشك في الشركة دي تاني ولا حتى في المصنع..

 

واعتبر نفسك مرفوض وأنا حقي هعرف أخده كويس أوي من واحد خاين ومرتشي زيّك وابقا قابلني لو لقيت شركة قبلت تشغلك بعد ما فضحتك تبقا بجلاجل في السوق كله..!
” مـمـدوح ” ببكاء وقهرة حقيقية.

 

– لو حضرتك شايفني مُجرم ومرتشي يبقا الأفضل أن حضرتك تبلغ عني وتحبسني وخلي القانون ياخد مجراه ويظهر برائتي أو يثبت تورطي قصاد منكم طلاما كدبتوا عشرة سنين طويلة ومصدقين كام رسالة لكن خراب البيوت ده ربنا ميرضاش بيه أبدًا..

 

” مُـراد ” بغضب أعمىٰ وفحيح أفعىٰ.
– حبسك مش هيفدني بحاجة ولا هيشفي غليلي..
لكن خراب بيتك وسمعتك اللي هتبقا زيّ الزفت في السوق وأنت مش لاقي اللقمة تأكلها لعيالك هيشفي غليلي..

 

عشان زيّ ما بيتي أتخرب بيتك أنت كمان أتخرب قصاده ما بيتك مش أحسن من بيتي..؟!
فأضاف بغضب أعمىٰ وهو يصرخ به بجنون.
– طلعووووووه بررررررره..

 

بررررررره..
” مـمـدوح ” بدموع قهرة ورجل الأمن يسحبه إلى الخارج بعنف.
– حسبي اللّٰه ونعم الوكيل..

 

حسبي اللّٰه ونعم الوكيل..
فوضت أمري إليك يارب..
فوضت أمري إليك..

 

” عـاصـم ” بهدوء بعد رحيله.
– أنت أتسرعت يا مُـراد..
الراجل مقهور بجد وشكله فعلًا مظلوم..

 

متنساش أن عشرة عمرنا..
” رؤف ” بحمقه.
– ولا مظلوم ولا غيره يا عـاصـم بيه أنا فاهم الشغل ده كويس..

 

زيّ ما بيقولوا كده ده بيتمسكن عشان تحسوا بالذنب والموضوع ميكبرش..!
” الـمـحـامـي ” بحكمة وتعقل.
– يا أخي حرام عليك لو عندك كلمة حلوة قولها معندكش أسكت ده ربنا بيقول في كتابه العزيز بسم اللّٰه الرحمن

 

الرحيم.
• يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ.
” مُـراد ” بغضب وصراخ.

 

– خلاص فضينااااا يا فـاضـل..
كان في وخلص خلاص..
دلوقتي الشركة ضاعت وكل حاجة ضاعت..

 

ثم أضاف بغضب أكبر وعدم تصديق لما يحدث معه.
– أنت عارف يعني إيه أدفع مبلغ زيّ ده في شحنة فرز رابع مش تالت بعد ما كان إسم منتجات ” نـجـم الـديـن ” نمرة واحد دلوقتي خلاص كله ضاااااع والإسم بقا في الوحل..!

 

أنت عارف يعني إيه الشركة يتباع نصها عشان ندفع الشرط الجزائي اللي علينا..؟!
عارف يعني إيه أصلًا شرط جزائي بـِـ ٢٥٠٠٠٠ دولار يعني ما يُعادل ٦ مليون جنية مصري..!
قولي أنا أكلت إيه عشان أشرب عليه كل ده..؟!

 

” فـاضـل ” بتعقل.
– أهدىٰ يا مُـراد بيه متنساش أنك تعبان والإنفعال غلط عليك..
ثم أضاف بنبرة حاول جعلها هادئة ليتحكم في إنفعالات الأخير.

 

– كل حاجة وليها حل وأكيد هنلاقي حل أن شاء اللّٰه حتى لو تواصلنا مع البنوك وأخدنا قروض بضمان الشركة وممتلكات حضرتك والعيلة أو حتى نتواصل مع الشركة نحاول نقلل الشرط الجزائي أو نوصل لحل معاهم..
” عـاصـم ” بتعقل.

 

– مفيش الكلام ده يا فـاضـل البضاعة هتتورد كمان ساعة في المخازن ولبسناها خلاص حتى لما هتتوزع على التجار مش هتجيب تمنها لأنها فرز رابع يعني لو لقت حد يشتريها أساسًا..
” مُـراد ” وهو يضع يديه بين راحته محاولًا التفكير لعله يجد حلًا لتلك الكارثة الواقع بها والعائلة بأكملها. فبعد ذلك

 

اليوم هو لن يستطيع أن يضمن لهم حياة هانئة وعيشة مطرفة كالسابق أن لم يضطروا جميعًا لبيع ممتلكاتهم أو الحجز عليها في غصون أيام قليلة فتابع بغضب وضياع.
– كل حاجة ضاعت خلاص..

 

إمبراطورية نـجـم الـديـن بقت في الأرض..
ثم رفع رأسه وهو ينظر إلى اللاشئ بثقوب نظرات كادت أن تخرج منها نيران غضبه وتابع بهستيرية.
– أبويااااا..

 

أبويا مش لازم يعرف باللي حصل..!
أبويا لو عرف حاجة هيروح فيها..!
وما أن هم ” عـاصـم ” بالحديث حتى دلفت المساعدة الخاصة بمكتبه لتُبلغهم آخر مستجدات الأمر فهتف بها بقلق.

 

– إيه الأخبار يا أمـل..؟!
في أي جديد..؟!
” أمـل ” بآسف.

 

– للأسف يا مستر عـاصـم الأخبار كلها متسُرش..
لسه مكلمني حالًا ومبلغني أن نص الشركة والمصنع هينزلوا في مزاد مغلق كمان يومين..!
ولو حقهم مغطش التكلفة كاملة هيضطروا لبيع جزء من ممتلكات مُـراد بيه والعيلة..

 

 

يتبع….

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top