رواية نبع الغRام كاملة (جميع فصول الرواية)

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­

-طيب، آآ… اديني فرصة أفكر.
هز رأسه مؤكدًا بلا مبالاة، ثم حذرها بصرامة:
-كمان ساعتين لو ردك ماكنش عندي هعتبر إني ماشوفتكيش، ولو وافجتي تچهزي حالك عشان هنكتب الكتاب على طول، ماتنسيش إن زمانه رايح يبلغ البوليس.
اومأت برأسها قبل أن تسحب نفسها مغادرة المتجر كالشريدة، تحت أنظاره الساكنة الجوفاء من شتى المشاعر سوى القسوة واللا مبالاة.
****

close

 

في بيت “سالم العبادي”..
نظرت “ليلى” كالقط المذعور لظافر الذي بدا كمَن قبض على مُجرم قبل أن يفر هاربًا من قضبان العدالة !
ابتلعت ريقها بصعوبة ثم هتفت بنغمة متحشرجة:

 

-أنا ماكنتش بهرب من حاچة، ميعاد شغلي خلص فكنت ماشية عادي.
رفع كلا حاجبيه متهكمًا:
-لا والله؟ حد جالك إني ساذج هصدج الحجة الساذجة دي ؟!
رغم القلق الذي افترش بين ضلوعها، إلا أنها أبت التسليم له فحاولت استجماع شجاعتها المتناثرة لتخبره بقشرة ركيكة من الجدية والتماسك:

 

-تصدج او ماتصدجش أنت ملكش حكم عليا عشان تحبسني هنا، أنا كنت بساعد چدك عشان دا شغلي وطول الشهرين ماشافش مني حاچة، لكن مش هجدر أكمل في مكان أنا حاسه فيه بخطر عليا.
هذه المرة قهقه بصوتٍ عالٍ وكأنها قالت مزحة، ثم شملها بنظرةٍ مزدردة وهو يتشدق:
-أنا خطر ؟ دا أنتي اللي خطر علينا كلنا.

 

أردفت بكرامة مجروحة:
-لو سمحت أنا مش هقبل بإهانات، ومصيرك تعرف إنك ظالمني.
توسعت عيناه بعدم تصديق، وضرب كفًا على كفٍ متفوهًا باستنكار جلي:

 

-أنتي چايبة البجاحة دي منين دا أنا شوفتك بعنيا؟!
سألته باندفاع علها تستطع سبر أغواره المُظلمة المُخيفة:
-أنت إيه عايز مني؟
اقترب منها خطوة، عيناه القويتين المُظلمتين في وصالٍ مع عينيها المهتزتين في قلق، ثم صدح صوته الأجش مضيفًا بصلابة رجولية:
-ظافر العبادي مابيعوزش حاچة من حد، ويوم ما أعوز هعوز منك أنتي ؟ من نصابة؟

 

كادت تغادر ولكنه أوقفها حين وقف أمامها حاجبًا عنها الطريق بجسده الصلب العريض، فقال من بين أسنانه:
-أنتي عايزاني أسيبك تمشي عادي كدا وأنا ماعرفش أنتي كنتي بتعملي إيه هنا وبتخططي لإيه؟ يمكن خليتي چدي يبصم على حاچة من غير ما يحس.

 

سألته متنهدة بقلة حيلة وعجز:
-هاثبتلك ازاي إني ما عملتش كدا ؟

 

تمضي على وصل أمانة، عشان لو اكتشفت إنك عملتي حاچة، ساعتها أحاسبك كويس، ولو ماعملتيش مش هتخافي من حاچة وهتمضي.
أخبرها ببرود حاشرًا إياها في الزاوية، وعجزت حينها عن الرد عليه وشعرت أنها في مصيدة يصعب الفكاك منها، فمن جهة تريد اثبات براءتها له، ومن جهة ما يريده هو ضرب من الجنون، فكما هو لا يثق بها هي لا تثق أنه لن يؤذيها حتى ولو عقابًا على الماضي !

 

ولكن في لحظة نجدة الهية كان مفتاح تلك المصيدة يتمثل في ظهور “سالم” أسفل ظافر، فلم تفكر مرتين لتركض مسرعة نحوه ليلحق بها ظافر، وما أن وقفت أمامه حتى سألها سالم باندهاش:
-مالك يا ليلى ؟

 

هزت رأسها نافية ببساطة فشلت في اصطناعها:
-مفيش، كنت عايزة أجول لحضرتك حاچة.
استفسر بهدوء:

 

-حاچة إيه؟
لمحت نظرات ظافر الغاضبة المُحذرة ولكن المخاطرة الان كانت الحل الوحيد أمامها، لذا قالت حاسمة الأمر:
-يرضيك يا چدي استاذ ظافر عايز يمضيني على وصل أمانة عشان مش واثق فيا.

 

تعالت رايات الذهول والمفاجأة في عيني “سالم” الذي نظر نحو ظافر الذي كان كالقنبلة الموقوتة، ليسأله في استهجان:
-أنت عملت كدا فعلًا يا ظافر ؟ من امتى وأحنا بنعامل ضيوفنا بالطريجة دي؟
إلتزم ظافر الرد، وللمرة الاولى ظافر العبادي يُوضع في موضع قليل الحيلة العاجز عن الرد، وبسبب تلك الحرباء !

 

كز على أسنانه بغلٍ اشتعل في عينيه الناريتين اللتين كادتا تحرقانها حرقًا، وضم قبضة يده بعنفٍ وصول ليلى التي شحب وجهها وشعرت أنها ستفقد الوعي من فرط الضغط النفسي الذي يُمارس عليها هذه اللحظات!
فيما واصل سالم بنبرة مهذبة:

 

-حجك عليا يا بتي، ظافر بس من خوفه عليا بيحاول يطمن.
هزت ليلى رأسها بشبح ابتسامة متوترة بينما نظرات ظافر النارية مترامية عليها كالجمر تكاد تُذيبها:
-ولا يهمك يا چدي، ممكن أمشي عشان اتأخرت؟

 

اومأ سالم مؤكدًا:
-اه طبعًا ربنا معاكي، هستناكي بكره بإذن الله.
هزت رأسها مؤكدة وهي تفر مغادرة، لا تصدق أن حظها أسعفها ولو مرة ونجحت بالفرار من بين براثنه، وهو يعلم جيدًا أنها لن تأتي مرة اخرى، ولكنه حتمًا لن يدعها تظفر!
****

 

ما أن وصلت ليلى منزلها، ورأت والدتها التي تفاجأت من توترها البادي على حركاتها المتعثرة وهي تتجه صوب غرفتها مباشرةً وتبدأ في اعداد حقيبتها، حتى هتفت مسرعة:
-يلا يا أمي أحنا لازم نمشي.

 

عقدت الاخرى ما بين حاجبيها دون استيعاب:
-نمشي نروح فين يا ليلى ؟ في إيه مالك؟
ارتمت بجسدها على الفراش وهي تخبرها بلهجة متشققة على وشك الإنهيار:

 

-لو مامشيناش هو غالبًا مش هيسيبني في حالي غير لما أروح في ستين داهية.
ساورها القلق فسألتها متمنية أن تخيب ظنها:
-هو مين ؟ ما تفهميني يا ليلى حصل إيه؟
زفرت ليلى بصوتٍ مسموع، ثم قالت بنبرة تبلور فيها اليأس والشجن:

 

-حظي الاسود وجعني مع ظافر العبادي اللي چوزك السبب إنه يفكرني نصابة، ومفكرني اشتغلت في بيتهم ممرضة لچده عشان أنصب عليهم، وحاسس إني استهيفته لما سابني في المرة الاولى.
فركت رأسها المشحونة بأفكارٍ متنافر متباينة، فعلى ما يبدو ليلى تمتلك الرأي الأصوب وهو المغادرة، ولكن كيف ستدبران أمورهما وإلى أين ستذهبان؟

 

ترجمت أفكارها المشوشة بقولها المتردد:
-طب ماشي هنمشي، بس هنروح فين وهنعمل إيه؟
-هنرچع مكان ما كنا عايشين، زمان الناس هناك نسيت المصيبة اللي عملهالي اللي ما يتسمى چوزك.

 

سردت لها ليلى ما تفكر به، ولم ترحمها نظراتها المعاتبة على زواجها من ذلك الرجل الحقير اللص الذي تعتبره الخطأ الأكبر في حياتها كلها.
فلم تملك سوى أن تهز رأسها موافقة على مضض بعد أن أشاحت وجهها عن نظرات ابنتها اللائمة التي لم تعد تحتملها حقًا، ثم نهضت لتعد حقيبتها هي الاخرى استعدادًا للمغادرة.
****

 

بعد فترة قليلة…
جلس ظافر في غرفته، يهز قدميه بعصبية مكتومة ولا زال ما حدث يدور ويدور بعقله كتعويذة تستحضر شياطين الغضب داخله.
يكره أن يستهين به أحدهم، وهي لم تستهن به فقط بل تحدته متعمدة وضعه في مأزق أمام جده فقط بسبب خوفها من كشف مكرها وما تخبئه!

 

ضغط قليلًا على السيجارة بين أصابعه، ثم أبعدها عن شفتيه لينفخ بقوة، قبل أن يخرج هاتفه من جيب جلبابه، واتصل بأحدهم منتظرًا الرد..
فأتاه الرد بالفعل بعد ثوانٍ:
-اهلًا اهلًا ازيك يا ظافر، عاش من سمع صوتك يا راچل.

 

رد بصوته الرخيم:
-الحمدلله بخير، حجك عليا أنت عارف الضغط اللي كان عليا الفترة اللي فاتت.
-ولا يهمك يا ظافر.
قال وعيناه الفارغتان مُسلطتان على الفراغ أمامه:
-كنت عايز منك خدمة، في واحدة عايز أعرف عنها كل حاجة عشان شكلها محتاجة قرصة ودن.
. ****
يتبع…

 

 

الفصل الثالث “الجزء الأول” :
كانت “غرام” متصنمة بمكانها أمام “أيوب” والبقية الشاهدين على عقد القران، تتابع إنهاء اجراءات عقد القران بتبلد وكأن ما يحدث لا يخصها، لا زالت تذكر كيف أتته بعد الساعتين مباشرةً لتبلغه بقرارها بالموافقة، لا… لم يكن قرار بل كان إقرار من القدر بمصيرٍ محتوم، فأي تفكير مخالف كان سيودي بها للتهلكة حتمًا.

 

وبالفعل صارت زوجة أيوب العماري.. الرجل الذي اتخذته درعًا لمواجهة هجوم الظلم الكاسح، تتمنى أن يكون كذلك وألا يتفتت ذلك الدرع الوهمي الذي اختلقه عقلها ليكون شظايا مُدببة تُغرز فيها.
بدأ الأشخاص المعدودين يغادرون واحد تلو الآخر حتى غادر الجميع، نهض أيوب من مكانه وتحرك نحوها، فاضطربت أنفاسها وهي تُهيء نفسها ربما لحديث

 

قادم، ولكنه خالف ظنها حين سحبها من معصمها قائلًا بجفاف:
-يلا هنمشي.
غمغمت بحروف مذبذبة كحالها:
-هنروح فين؟

 

-هنروح لكامل.
أخبرها وهو يسير وهي خلفه، فتوقفت تلقائيًا ما أن سمعت اسم “كامل” وازداد اضطراب مشاعرها التي طفت على قسماتها، ثم تمتمت بصوتٍ مكتوم:
-هنروحله ليه؟ أنا مش عايزة أروحله.

 

 

زفر أيوب بصوتٍ مسموع عنيف وكأنه يكتم غضبه، يُغضبه رؤية “كامل” يفرض سطوته وجبروته على آخر كما كان يفعل معه، خاصةً إن كان هذا “الآخر” ليس سوى… زوجته!
أمسكها من كتفيها ضاغطًا عليها بحزم مخلوط بشيء من القسوة غير المتعمدة:

 

-أنتي بجيتي مرت أيوب العماري، إنسي الضعف والخوف دا، أنتي ماعملتيش حاچة تخافي منها، حاولي تكوني شديدة وتستحجي المكانة اللي بجيتي فيها.
اخترقتها كلماته الصلدة، يحاول أن يبثها الصلابة ولكن بطريقة قاسية، كمَن يلهب الحديد بالنيران ليزداد صلابة.
ثم هزت رأسها مؤكدة بطاعة دون أن تنطق، فتحرك أيوب وهي خلفه، وقد سلمته مقاليدها بالكامل حتى وإن لم تعلنها.

 

بعد قليل….
دخل المتجر الصغير الذي يمتلكه والده، دون استئذان كعادته بعدما قرر استباحة كل ما هو له.
فنهض “كامل” من كرسيه فور رؤيته له، وهتف ساخرًا:
-إيه أيوب چاي لغاية عندي….

 

وقطع كلماته بعدما رأى “غرام” التي ظهرت خلف ظهر “أيوب” فقال ضابطًا نبرته على انفعال مصطنع لا تمتلكه أعصابه حاليًا:
-مين جاب البت دي هنا ؟ يا مچرمة، الشرطة هتجيبك فاكرة نفسك هتهربي من دم البريئة يا جادرة يا سافلة.
زمجر فيه أيوب بشراسة:

 

-بس ولا كلمة.
ردد كامل مستنكرًا بغيظ:
-أنت بتزعجلي يا أيوب؟
استطرد بخشونة صارمة:

 

-لما تتعدى على مرت أيوب العماري يبجى لازم تسكت.
بهتت ملامح كامل بذهول وإتسعت عيناه دون استيعاب وهو يسأله:
-إيه بتجول إيه؟ مرت مين؟ مرت أبني أنا؟! دي مچرمة و جتلت مرتي.

 

هنا هزت غرام رأسها نافية بسرعة:
-ماحصلش.
أردف أيوب وهو يرمق والده بنظرة مزدردة متوعدة:

 

-بس يا غرام سيبه يجول ويتكلم ويغلط.
رفع كامل كلا حاجبيه باحتجاج:
-أنت مصدج البت دي؟!

 

هدر فيه باهتياج وعينين ناريتين بالغضب:
-جولتلك دي مرت أيوب العماري، يعني لسانك مايطولش وأنت بتتكلم عنها.
تابع من بين أسنانه:
-وأنت چايبها هنا ليه؟

 

-عشان تعرف مجامك وجبل ما تتكلم ولا تهلفط بأي كلمة ضدها جدام البوليس او حتى بينك وبين نفسك، تفتكر إنها بجت تخصني وتعمل لدا ألف حساب.
لوى شفتاه مستنكرًا رغم التخبط الذي أصاب دواخله؛ من صدمة ثم قلق وتوجس:
-وأنا هخاف منك إياك؟!
توهج الظلام الموحش في عينيه وتربضت القسوة الدفينة فيهما وهو يُخطره بهسيس شيطاني راعد:
-لازم تخاف مني فعلاً عشان لو فكرت تجيب اسم غرام في أي حاچة هوديك ورا الشمس.

 

تشدق بصوتٍ أجش متشبثًا بكبرياؤه الذي يأبى الاستسلام لسطوة ابنه حتى لو تعاظمت:
-ماتجدرش، لو كنت أنت مفكر نفسك فرعون فأنا أبو الفرعون دا.

 

هز أيوب رأسه مؤكدًا والمرارة خانته وتسربت لتنضح من حروفه التي لم تتخلى عن قشرة القسوة:
-فعلًا أنت اللي اتسببت إني أكون فرعون، بس چرب حظك وشوف هجدر ولا لا، ولو كنت أنت هتجيب شاهد أنا هجيب عشرة يجولوا إننا كنا بنكتب الكتاب وجت ما حصل اللي حصل، وفي الاخر مفيش حد هيكون مُشتبه فيه غيرك يا چوزها.

 

قال كلمته الأخيرة بابتسامة خبيثة ملتوية شامتة خاصةً حين ترآى له شحوب وجه “كامل” فسحب غرام من معصمها برفق وغادر بنفسٍ راضية يحاوطها ضباب الحقد من كل جانب.
فيما شعرت غرام لأول مرة أنها مُطمئنة ولو بنسبة ضئيلة، أن لها سندًا يحميها من كافة الشرور، رغم أن قسوته تُخيفها وقلبها يُنبئها أنها حتمًا لن تنجو من هذه

 

القسوة وستذوقها يومًا، ولكنها قررت ترك الارتياح يحبو لضفاف قلبها ولو مؤقتًا..!
فيما ضرب كامل على المنضدة وهو يهدر بجنون:
-مش هتعملها يا أيوب، مش هتجدر تخلص مني، هعمل أي حاچة ومش هسيبك تنفذ اللي في دماغك.
****

 

حين كانت ليلى مع والدتها في طريقهم للعودة لمنزلهم القديم في البلدة الاخرى التي كانوا يعيشون فيها مع زوج والدتها قبل أن تقررا الهرب بعد أن ضيق زوجها عليهم البلدة وجعلها دربًا من الجحيم.
إتصلت والدتها بأحدى جيرانهم المقربين جدًا، بل تعتبر بمثابة أخت لها، لتخبرها بقدومهما، ومكوثهما المؤقت عندها حتى تستطيعا تدبير أنفسهما.

 

ولكن بمجرد أن أخبرتها بنيتهما في القدوم حتى زمجرت فيها الاخرى مُحذرة:
-إياكم تيچوا، الناس اللي چوزك نصب عليهم مش ساكتين ولا هو ساكت، ولو چيتوا مش بعيد يرمي كل البلاوي دي على دماغكم تاني زي ما عمل مع ليلى جبل كدا.
ضاقت أنفاسها والخوف يعود ليطرق بمطرقته الضارية أبواب صدرها، ثم سألته بصوت يكاد يسمع:
-إيه؟ معجول لسه؟

 

فأكدت الاخرى دون تردد:
-ايوه والله، انتوا ربنا نچاكم إنكم بعدتوا عن ابن الحرام دا، ولو چيتوا هتندموا ومش هيچيلكم غير وجع الجلب.
غمغمت بتحسر وقلة حيلة:

 

-ماشي تسلمي يا ام فدوى.
استفسرت بقلق:
-حصل معاكم حاچة عندكم ولا إيه؟
هزت رأسها نافية وكأنها تراها:
-لأ ماتجلجيش مشكلة صغيرة كدا وفكرنا نرچع بس الظاهر مكتوب علينا نكمل حياتنا هنا.

 

مطت الاخرى شفتيها والشفقة تستحوذ على خلاياها، ثم تمتمت بخفوت معبق بالشجن على حالهما:
-ربنا ييسرهالكم ويرزجكم الرضا والراحة دايمًا.
هزت رأسها مرددة خلفها:

 

-امين يارب، تسلمي يا حبيبتي ماتحرمش منك ابدًا.
-ولا منك يارب.
-مع السلامة.
قالتها ثم أغلقت الخط لتنظر نحو ليلى التي اكفهرت ملامحها وتجلى الانهيار فيها، وحسب ما فهمت من حديث والدتها؛ كل الطرق تؤدي بها لـ ظافر العبادي !
****

 

وصلت بعد فترة للمستشفى التي بدأت عملها بها في البداية قبل أن يطلب “سالم العبادي” ممرضة والتي صارت هي بعد أن وقع الاختيار عليها من الطبيب المشرف المسؤول.
تود وضع حدًا لباب الخوف الذي فتحه ظافر العبادي على حياتها، إن اضُطرت ستعود للعمل في المستشفى من جديد وتبتعد بكل الطرق الممكنة عن طريق ظافر، إن تركها تفعل!

 

 

بحثت عن ذلك الطبيب في كل حدب وصوب حتى وجدته أخيرًا فأوقفته بلهفة قائلة:
-دكتور، عايزة أتكلم مع حضرتك في حاچة لو فاضي خمس دجايج.
عقد ما بين حاجبيه متعجبًا من وجودها:

 

-إيه في يا ليلى ؟ حصل حاچة ولا إيه؟
أخبرته حاسمة أمرها:
-أنا مش عايزة أكمل شغل عند سالم العبادي.
سأل مستغربًا:

 

-ليه إيه اللي حصل؟
تفوهت كاذبة بشيء من التوتر:
-ماحصلش، أنا مش مرتاحة.
بدأت بوادر الغضب تمتزج بكلماته وهو يوبخها:

 

-بعد شهرين چايه تقولي مش مرتاحة؟ هو لعب عيال ولا إيه؟!
-ممكن حضرتك تشوف أي ممرضة تانية بديلة ليا.
ولكن تعنته وإصراره كان غريب وهو يقول:

 

-وهو أنتي شايفة إن في ممرضات كتير؟ وبعدين مفيش حد شاطر زيك يا ليلى.
هزت رأسها بابتسامة صفراء:
-ربنا يخليك بس أنا مش حابه أرجع تاني.

 

عاد يسألها من جديد بصبر قارب على النفاذ:
-حصل حاچة هناك؟ او حد ضايجك؟

 

فأصرت هي الاخرى على موقفها:
-لا بس أنا مش عايزة أشتغل هناك، مش هجدر.
وقبل أن يجيبها كان رنين هاتفه يصدح، فأخرجه من جيب بنطاله وأجاب، ليأتيه صوت سيدة يعرفها جيدًا على الطرف الاخر، تقول مباشرةً ودون مقدمات:

ظافر زمانه چاي عندكم المستشفى يجلب الدنيا ويرچع ليلى الممرضة، لازم تستغل دا وترچعها تاني بأي طريقة، مش هنبوظ كل اللي خططنا له ونبدأ من الصفر مع ممرضة چديدة!
هز رأسه موافقًا بتأكيد كأنها تراه وبإجابة مختصرة:

 

-ماشي ماتجلجيش.
ثم أغلق الخط، وبالفعل ما هي إلا لحظات حتى وجدا “ظافر” يدخل من رواق المستشفى بملامح متجهمة مشتعلة تطوفها شياطين الغضب، ما أن رأى ليلى

 

حتى سحبها لخارج المستشفى معه من يدها دون أن ينبس ببنت شفة، بينما ليلى تحاول التملص من قبضته معترضة بتذمر يشوبه القلق:
-أنت واخدني على فين ؟
لكنه أيضًا لم يجيبها، بل أدخلها عنوة لسيارته وأغلق الباب ثم ركب هو الآخر وإنطلق بالسيارة…..
****

 

الفصل الثالث ” الجزء الثاني ” :
وصلت “غرام” مع “أيوب” لمنزلها الصغير الشبه متهالك، لتلملم ما يخصها قبل أن تغادر معه لمنزله، رغم أنه أبدى رفض غير منطوق لرغبتها في القدوم واحضار اشيائها من المنزل، ولكن اللا مبالاة جعلت ذلك الرفض يضمحل فوافق على مضض.

 

اتجهت للغرفة الوحيدة بالمنزل، ألا وهي غرفتها وبدأت بالفعل تعد اشيائها، بينما كان أيوب يتفحص ذلك المنزل بهدوءٍ تام قبل أن يغادر تاركًا لها المساحة والوقت لجمع ما تريد، صوت خبيث صدح داخلها يخبرها أنه حتمًا متفاجئ ونافر من مستواها الاجتماعي المتدني مقارنةً بمستواه..

 

ونادم أيضًا على هذا الزواج ممَن هي أقل منه في كل شيء!
ولكنها حاولت تجاهله بكل ما تملك من قوة، وبعد فترة سمعت صوت طرقات على الباب فعلمت أنه عاد، فتحت له الباب دون قول شيء وهو الاخر لم يتنازل

 

لقطع ذلك الصمت، وكأنهما في عقد الزواج تعاهدا على الصمت!
أنهت جمع أهم ما ستحتاجه، خرجت من الغرفة تحمل بين ذراعيها ماكينة الخياطة الخاصة بها، فارتفع حاجبا أيوب تلقائيًا ولم يتردد في قوله المستنكر:
-إيه دا ؟
وكأنها كانت قد جهزت الرد بشجاعة فلم يتأخر ثانية:
-دي المكنة بتاعتي.

 

هز رأسه وهو يهتف ساخرًا:
-ما أنا شايف إنها المكنة بتاعتك، چيباها معاكي دلوجتي ليه؟
أجابت ببديهية:

 

-عشان هاخدها معايا.
اشتد قرع استنكاره في نغمة صوته وهو يردف:
-هتاخديها معاكي ليه؟ مين جالك تچيبيها أصلًا ؟!

 

ضمتها لها كأنما تستمد منها القوة والثبات وهي تخبره بكلمات حاولت تغطيتها بثوب القوة المُرقع الذي تمتلكه:
-دي شغلي ومصدر رزجي.
وتعمدت اخباره أنها لن تعتمد عليه وتكون عالة مهما بلغ الفارق بينهما.

 

قال بصوتٍ أجش جاف:
-كان شغلك وكان مصدر رزجك، حياتك الاول كوم وحياتك دلوجتي كوم تاني خالص، انتي بجيتي مرت أيوب العماري، فـ لازم تبجي شبهي.
أحست أنه ينتقص منها، يخبرها بطريقة غير مباشرة ألا تكن مصدر للعار له !
غار قلبها بوجعٍ ساحق نفذ من بين ضلوعها لينزف في حروفها وهي تتشدق:

 

-مين اللي جال إنه لازم؟ ماتنساش ظروف چوازنا، لولا اللي حصل كنت أنت هتفضل في دنيتك وأنا هفضل في دنيتي.
زحفت أشباح الغضب لتظلل سوداوتيه وهو يقترب منها خطوتين ليصبح قريبًا منها على بُعد إنشات قليلة، مد يديه ضاغطًا على يديه اللتان تحملان الماكينة، حتى تأوهت بألم طفيف لم يأبه به وهو يستطرد بخشونة صلدة:

”رواية نبع الغRام” لتكلمة الجزء التالى من الرواية اضغط هنا?⏬???

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top