فإذا علمت ذلك فاعلم أن من قال إنه الملك يقول : فناداها جبريل من مكان تحتها ; لأنها على ربوة مرتفعة ، وقد ناداها من مكان منخفض عنها ، وبعض أهل هذا القول يقول : كان جبريل تحتها يقبل الولد كما تقبله القابلة ، والظاهر الأول على هذا القول ، وعلى قراءة ” فناداها من تحتها ” بفتح الميم وتاء ” تحتها ” عند أهل هذا القول ، فالمعنى فناداها الذي هو تحتها ، أي : في مكان أسفل من مكانها ، أو تحتها يقبل الولد كما تقبل القابلة ، مع ضعف الاحتمال الأخير كما قدمنا ، أي : وهو جبريل فعلى القراءة الأولى على هذا القول ” فناداها ” هو ، أي : جبريل من تحتها ، وعلى القراءة الثانية ” فناداها من تحتها ” أي : الذي تحتها وهو جبريل ، وأما على القول بأن المنادي هو عيسى ، فالمعنى على القراءة الأولى : فناداها هو ، أي : المولود الذي وضعته من تحتها ; لأنه كان تحتها عند الوضع ، وعلى القراءة الثانية : ” فناداها من تحتها ” أي : الذي تحتها وهو المولود المذكور الكائن تحتها عند الوضع ، وممن اختار أن الذي ناداها هو عيسى : ابن جرير الطبري في تفسيره ، واستظهره أبو حيان في البحر ، واستظهر القرطبي أنه جبريل .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : أظهر القولين عندي أن الذي ناداها هو ابنها عيسى ، وتدل على ذلك قرينتان : الأولى أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور إلا بدليل صارف عن ذلك يجب الرجوع إليه ، وأقرب مذكور في الآية هو عيسى لا جبريل ; لأن الله قال : فحملته ، يعني عيسى فانتبذت به ، أي بعيسى .
ثم قال بعده : ” فناداها ” فالذي يظهر ويتبادر من السياق أنه عيسى .