لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي

من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جم١عة في المسجد.. هجرت رفقاء السوء..

وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد.. ذقت طعم الإيمان معهم.. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا.. لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر..

ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر.. رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس.. أحسست أنّي أكثر قربًا من أسرتي..

اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي.. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم.. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها.. حمدت الله كثيرًا على نعمه..

ذات يوم.. قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة..

تردّدت في الذهاب.. استخرت الله.. واستشرت زوجتي.. توقعت أنها سترفض.. لكن حدث العكس ! فرحت كثيرًا.. بل شجّعتني..فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسـqًا وفجورًا.. توجهت إلى سالم.. أخبرته أني مسافر.. ضمني بذراعيه الصغيرين مودعًا..

تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف.. كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي.. اشتقت إليهم كثيرًا.. آآآه كم اشتقت إلى سالم !!

تمنّيت سماع صوته.. هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت.. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.. كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه.. كانت تضحك فرحًا وبشرًا.. إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها.. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة.. تغيّر صوتها..

قلت لها: أبلغي سلامي لسالم.. فقالت: إن شاء الله.. وسكتت.. أخيرًا عدت إلى المنزل.. طرقت الباب.. تمنّيت أن يفتح لي سالم.. لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره.. حملته بين ذراعي وهو يصرخ: بابا.. يابا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top