حارسة المقبر

قفلت التليفوني في وشي، طلبتها كتير، مردتش، فاضطريت ألبس هدومي، ونزلت واتمشيت للمقابر، الشوارع كانت فاضية، ومليانة كلاب ضالة. وصلت للمقابر بعد عشر دقائق، ولاقيت “حسيبة” وقفالي على البوابة، كانت ست أربعينية، وملامحها جميلة، وعينيها قوية ومخيفة، ولابسة جلابية سودة، ولفة شعرها بطرحة، وماسكة حديدة، قولتلها:بعد العِشرَة دي تتص…
-يا باشا بلا عشرة بلا نيلة، أنا ست وحيدة، وبربي تلات عيال، وجوزي ميت، ومعنديش راجل يحميني.

-فهميني إيه اللي بيحصل.
-مافيش وقت، أنت تيجي معايا دلوقتي.
شدتني من إيدي ومشينا في طريق طويل وضيق وكان كله رملة وحصى، والدنيا كانت ضلمة، وحسيبة منورة بكشاف كبير، ووصلنا لحد القبر بتاع منة بنت عمي، رحمة الله عليها، ماتت في عز شبابها، كان عندها سرطان في المخ، وبتتعالج منه بقالها فترة، وتوفت، ودفناها هنا من يومين بالظبط… ولاقيت حسيبة بتشاورلي على قبرها وبتقولي:
-اتصرف.

close

-عايزه ننزلها القبر مثلًا ؟

X

-لا يا باشا، أنت اللي هتنزلها، وهستناك هنا.
قلبي ضرباته زادت، وجسمي رغم البرد بدأ يعرق، وعيني برقت، فلاقيتها قالتلي:
-قسمًا بربي، لو منزلتش، وفهمتلي اللي بيحصل، لأرميلكم الجج@ث0ة في الشارع. مش هنزل لوحدي، ده شرطي.
حسيبة فكرت شوية، وهزت راسها، وقبل ما ننزل بصيت حواليا، شوفت حاجة غريبة جدًا، شوفت حسيبة واقفة

بعيالها التلاتة من بعيد خالص، وبتبص عليا باستغراب ؟، وهنا رعبي زاد أضعاف، وبصيت لحسيبة اللي معايا، وفضلت مركز في وشها، ونزلنا القبر، كان عبارة عن أوضة تحت الأرض، مفروشة بالرملة، وضيقة شوية، وكفن “منة” في أخر المكان، حسيبة شدتني من إيدي ونورت بالكشاف بتاعها على كفن “منة”، وقالتلي:

-افتح بُقها، ليكون حد دسلها عمل، ولا نيلة قبل ما تدفن.
مش عارف ليه كنت بسمع كلامها، وبنفذه، وقفت قدام راس منه، وشيلت الكفن عن وشها، كان غامق شوية، وبقها مفتوح، ه، وجسمها مكنش اتحلل، دورت في بقها، وحواليها، ملقتش حاجة، وكنت بتعامل مع جثتها بحرص شديد، لأنِ دكتور تشريح، وعارف يعني إيه احترام الجثث، بعد ما خلصت تدوير، رجعت الكفن على وشها، ولفيت بجسمي، وبصيت لحسيبة، لاقيتها واقعة عند السلالم، والكشاف بعيد عنها، وبتنهج، ومرعوبة وبتشاور ورايا، بصيت بسرعة، لاقيت منة واقفة بالكفن في وشي،

وعينها مفتحة كأنها عايشة، وراحت لحسيبة، ومسكتها من إيدها وشدتها ووقفتها، حسيبة فضلت تصرخ، وتستنجد بيا، ولما حاولت أروحلها، منة زقتني بإيدها ورجعتني لورا، وبعدها زقت حسيبة من القبر، ورجعتلي، وفجأة شوفت أخوها “علي”، اللي هو ابن عمي، ولاقيت “منة” ماسكة في إيدها حبل مشنقة، وحطيته على رقبة “علي”، وفضلت تخنق فيه، ومت.. وبعدها رجعت لمكانها، وأنا طلعت جري وخرجت من القبر بفزع، وقَوِمت حسيبة من الأرض، ذراعها كان أزرق، وواجعها، قولتلها:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top