بالفيلا، نظير الأكل والإقامة، ثم بنبره مستعليه اردفت ألم تكتفى من نومة المقابر وافتراش الأرض؟
أنا افعل ذلك من أجل الله لأنقذك من تشردك ودفنك لنفسك حية بين بقايا الأموات، أنا لا ابحث عن عرفانك او امتنانك وتخلل وجهها سنه من التأثر بل من أجله، لأن تلك الأمور اذا لم نقم بها نحن فلن تجد من يفعلها، ومسحت كفيها كأنها تختم دعاء بساقيها العاريتين.
بتلعثم أجابت شروق، لك، لكن لدي طفل!!
انا اعرف طفلك، أنا أعرف كل شيء، كل شيء!! كلمة جعلت رأس شروق تلف وجسدها يرتعش ويترنح، لكن وجهها الذي بصفرة الموت لم يمنع نرجس ان تردف، يمكنه الإقامة معك، لكن بشرط الا يتعدى غرفة الخدم او يوسخ الارضيات بأقدامه القذرة او يختلط بأطفالي.
ممتنه احنت شروق رأسها مدمدمه ربنا يباركلك يا هانم وقبلت يد نرجس التي مدتها أمامها بلا اهتمام.
قبل أن تبتعد عن الفيلا سمعته يصرخ خلف قطه بائسه، صرخت احمد! تعالي سنعيش داخل الفيلا، سحبته من يده خلفها وهي توصيه، لا تلعب مع أطفالها، لا تلوث البلاط، ولا تسير بين الغرف عاريا! احمد، لا تحاول ابدا اختراق الفيلا وربتت على كتفه بحنان، يا ولدي وسكتت، لقد ارسل لنا الله تلك السيدة الفاضلة بعد أن نخرنا البرد لتشملنا بعطفها بين جدران تحمينا.
لماذا لم يرسل الله والدي ليعتني بي يا اماه؟ هزت شروق جسده النحيل، قلت لك وسكتت، والدك ميت.
صفحة الكاتب على الفيس بوك باسم اسماعيل موسى
فتح الحارس باب الفيلا، باب الجنة كما فكر احمد كثيرا، حيث لا يمكن أن تكون أجمل، نظر احمد الي السماء الغائمة واغمض عينيه ساحبا نفسا عميقا واحتفظ به داخله حتى انتفخ وجهه.
غسلته والدته، إزالة الجلخ من فوق كوعيه وكعبي قدميه والقشف من على وجهه حتى بدا نظيفا ومقبولا.
احتواها الخدم بحميميه مفرطه وأوكلوا لها الأعمال الخفيفة منحيين جانبا نوبات الفزع التي تنتابها ليلا، واعصابها التالفة التي تخونها وتسقط الاطباق على الأرض.
لم يعتبروها ابدا منافسه، كانت شبح امرأه محطمه، عجوز رغم سنونها الأربعة والثلاثين.
بمضي الايام أتقنت شروق عملها كخادمه نظاميه وتحسن مظهرها لكن ليس بالقدر الكافي لإخفاء ما حفرته الايام الصعبة بقلم حديد على قسمات وجهها، لمحات بائسه، كتبت على جبهتها هنالك تقبع امرأه معذبه وبقايا روح هاربه.
يتبع….
راحت علاقتها بأطفال سيدتها تقوى، كانت تحمل مشاعر جارفه نحوهم، لا تعاملهم كخادمه، بل كأم.
لاحظت نرجس ذلك، فأوكلت لها الأطفال ومنحتها لقب مربية الأطفال بينما كان الأطفال ينادونها دادا.
كانت شروق توقظهم من النوم، تنظفهم، تبدل ملابسهم، تطعمهم بيدها، تراقبهم وهم يلعبون وتحل نزاعاتهم، ذلك
الاهتمام الذي غذي الحقد والكره بصدر ابنها احمد، منذ اللحظة الاولي تعلم انه ليس مثلهم، وكانت العلقة الساخنة التى تلقاها بعد اسبوع من إقامته بالفيلا لتجرأه للعب معهم جرس إنذار يدق كلما راودته نفسه او حاولت قدماه ان تقترب منهم.
كان يتابعهم من بعيد وهو يقضم اظافره، ويسأل نفسه؟
ما الشيء المميز الذي حباهم به الله دونه لينالوا كل تلك الرفاهية ولم يفلح ابدا بالوصول لإجابه.
كان يحتاج لدهر ليدرك ان هناك فرق بين ابن الغفير او حارس البوابة وابن الضابط او الوزير، بينه وبين ابن القاضي والباشا والهانم، أنه مجرد ورقه بشارع، رصيف أسفلت، مداس أقدام.
من بعيد كان يسمع دروسهم واتقن حروف الهجاء قبلهم، يوم استطاع كتابة كلمة ماما ركض بوجه ضاحك تجاه والدته الجالسة بالصالة تراقب مصطفى وكارمه، كان يرغب بالصراخ من الفرحة، ان يقبلها ويضمها لصدره ويخبرها انه استطاع القراءة مثلهم دون معلم، نادي عليها ماما؟
كانت منشغله ولم ترد، ماما؟
التفتت نحوه، زجرته بعينيها وهي تربت على كتف مصطفى، عاد منكسر مزق الورقة ودهسها وغرق في البكاء،
حتى بعد أن عادت والدته وبررت له موقفها بأن السيدة نرجس كانت ستغضب اذا لمحته هناك، حاولت أن تقبله وتحتضنه، لكن هناك بعض الجراح ولا تشفيها الكلمات اذا اتت متأخرة.
ترك محاولة القراءة والكتابة وجعل يساعد البستاني بالحديقة ولمست نرجس نشاطه فخصته ببعض الأعمال الخفيفة التي تناسب عمره وكافأته بملابس ابنها مصطفى التي ما عاد يرتديها.
كان يوم اغبر، بدأ بصراخ نرجس المهتاجة، سبابها ولعناتها التى صبتها على الخدم بعد أن تلقت مهاتفة بدلت مزاجها الذي ضبطته الأمس بزجاجة شمبانيا فاخره، كانت تشعر بصداع مبرح اججته مكالمه ملعونه.
طلبت من شروق ان تصحب الأطفال للطابق العلوي وان لا تسمح لهم بالخروج من غرفتهم مهما حدث.
أغلقت شروق الغرفة على الطفلين وجلست تراقبهم متكأه بظهرها على الشرفة حينما انفتح باب الفيلا ودخلت منه امرأه ترتدي ملابس سوداء، سمعت الحارس يقول بصوت مرتفع تفضلي يا هانم، ان الاكراميات التي يتلقاها اثناء خروجهم علمته ان التبجيل يجعل اليد أطول.
دفعها الفضول ان تلقى نظره إليها قبل أن تتواري تحت وقع الصدمة
التي صعقتها، فركت عينيها مرات لتتأكد ان تلك المرأة هي كوثر نفسها
التصقت بالجدار كقملة وطلبت من الأطفال الذين باتو ينادونها ماما الكبيرة سرآ بعيد عن مسامع نرجس الصمت.
تلوت كل الحيات الضخمة داخل صدرها، الذكرى التي حاولت بكل قوة محوها من عقلها، دفنها، ظهرت على غير المتوقع لترعب مفاصلها الرخوة.
فكرت ! هل يا تراها علمت مكان وجودها؟ وحضرت لتكمل جريمتها بقتل طفلها الاخير.