نظراتها الثاقبة له إن انتبه لها حتمًا سيتصبب جسده عرقًا من التوتر حتى وإن لم يفعل شيء.. فالشك والترقب الذي يشع من نظراتها بوضوح يشعر من يراها أنها على وشك الفتك بمن أمامها فقط إن تأكدت من صِدق شكوكها.. وهذا ما يُرى لكن الحقيقة هي أنها قاب قوسين أو أدنى من الانهيار إن صدق شكها وتأكدت من أنه ما زال
يختزن مشاعر تجاه تلك الفتاة التي غرزت رِماح الذعر في قلبها حين واجهتها لتعيد لها ما ظنته قد دُفن مع الأيام بل والأدق السنوات..
وعنهُ فقد صُدم حقًا من عودة الغائبة منذُ ثلاث سنوات حين سافرت مع زوجها لتركيا بعد زواجها بعامان ونصف.. وكان هو أيضًا متزوج ولديهُ “يونس” الذي كان يبلغ عام واحد حينها.. سفرها كان نجدةً له ولمشاعره الذي أرهقته
رغم أنه لم يكن يراها كثيرًا بحكم مكوثها في الإسكندرية وهو في القاهرة لكنه كان يشعر أن مجرد اشتراكهما في بلد واحدة يثير مشاعره تجاه ذكرياته معها.. لِمَ عادت الآن؟ وهل كنت تظنها أنها اختفت من حياتك للأبد؟ هذان أول سؤالان تقاذفا لذهنه بعد أن فاق من صدمته..
وهي تتابع شروده حتى أنه لم يضع الملعقة من يده بعد.. وكأنه تمثال نُحت على وضعيته هذه.. أخفضت عيناها وابتسمت ابتسامة ساخرة تحاول بها كبح دموعها وتجاهل تلك الضربات المؤلمة التي أصابت صدرها لتضيق عليها تنفسها بشكلٍ طبيعيٍ، زفرت أنفاسها ببطء قبل أن تقول دون النظر له:
_ مالك يا جو بطلت أكل ليه؟
انتبه لصوتها فرفرف بأهدابه يزيل عنه شروده وصدمته فأنزل المعلقه الفارغة وهو يهتف بحشرجة:
_ لا أبدًا.. اتفاجأت بس أصلها بقالها سنين مسافرة ورجعت فجأة.