لما إقتربت عيشة من الداّر كانت تحسّ بألم شديد في قدميها ،فلقد جرت دون أن تتوقّف. كانت تسمع وراءها عواء الذئاب وأصوات البوم ،فيزيد من خوفها .دخلت ،وأغلقت الباب وراءها ،وهي تلهث .كانت امرأة أبيها تنظر إليها بدهشة ،وهي تتساءل كيف وجدت تلك اللعينة طريقها وسط الغابة ؟ إستعادت عيشة أنفاسها ،ورمت بالأعشاب على الطاولة ،وقالت بحدّة: سأذهب لأستحمّ ،وأنام ،ولا تطلبي منّي شيئا المرة القادمة ،وإلا أخبرت أبي بما حصل ،هل فهمت ؟
زاد غيظ المرأة على عيشة، وقالت: تهددني الآن؟ لا بقاء لي هنا، إن لم أجعلها تدفع الثمن. لاحظت أن البنت تحب الصعود على مركب أبيها ،وتنزل إلى الأسفل ،وتبقى هناك تطرّز ،فلقد كانت تشعر بالراحة بعيدا عنها وإبنتها ،وذات صباح إنتظرتها حتي صعدت، ثم جاءت إلى الأجير وأعطته صرة نقود وطلبت منه أخذها في فسحة لتروح عن نفسها.
تحرك المركب وإبتعد في عرض البحر ،وكانت عيشة تطرّز ،وفجأة أحست بحركة الأمواج ،وصوت الرياح ،فخرجت لترى ما يحدث ،فوجدت إمرأة أبيها أمامها ،وقبل أن تفتح فمها ،دفعتها في صدرها ،ووجدت نفسها تسقط في البحر،وفي يدها قطعة الحرير . إبتعد المركب وبدأت عيشة تغرق لكن الريح كانت تهب إلى الشّمال ،وخرج من القوقعة التي في رقبتها موسيقى جميلة وراحت في غيبوبة .