تلك الجُملة التي حاصرت عالمه منذ أن فارقته حبيبته من خمسة أعوام لهذه اللحظة ، كان حينها أول مرة يتذوق علقم الفقد والعجز ، كان شعوره حينها كـ من يترك سيفه لأول مرة ويضعه بجواره ويعلن تحرره من كل أثقال القوة والنضال ، أغمض عينيه وبسط ذراعيه ووقف في مهب الريح ليقوده إلى ما يشتهي رافعًا راية استسلامه ورضاه التام عن كل ما يأتي به القدر فليس من بعدها حياة يستحق
أن يتعب المرء نفسه باحثًا عنها .
تذكر خريطه القدر من قبل ، قدره الذي جمعها بهِ وحارب لأجلها لتكون قدره .. ولكن عجبًا لهذه الحياة عندما تنوي أن تُذيق اثنين حلاوتها
ومرارتها في آنٍ واحد تنصب لهما فخّ الحُب، وقد كان قدرًا جميلًا أن تصطاده عيناها ، وتحاوطه أسوارهم .. وعندما هوى في فخّ حبها ذاق الحريّة لأول مرّة ، ثم وقع آسيرًا لفراق أبدي لا يرممه أحد بعدها !
تنهد معاتبًا يشكوها للقدر :
“كانَ عليكِ أن تحتضنين ظلام أيامي أكثر من ذلك ، تُقلبين كُل بُقعة في قَلبي قد لوّثتها الأيام قبلك ، أن تُمررين يديك على كتفٍ قد أثقلتهُ السوداوية فباتَ عاجزًا أن يستند على حائط زمن خاليًا منكِ ، كنتِ تعلمين كل هذا ولكن وجودك كان قصيرًا كغيمة صيف ، لا تعلم متى ظهرت ، ومتى ذابت في حضن السماء !
“كانَ عليكِ إنقاذي لا إلقائي في الظلام مجددًا! ”
على أحد السفن الفارهة التى تتوسط البحر الأحمر بالغردقة ، يعلو منها صوت الغناء والأنوار اللامعة والصخب ، حيث سُكر أسماك البحر من رائحة خمورهم وتبغ دخانهم ، فاق إثر ملء فراغات أصابعه بأصابع فتاة ليلية وهي تضمه إليها مستندة برأسها على كتفه :
-مش هتصالحني وكفاية كدا !
ألقى زجاجة الخمـر بالماء وسحب يده بهدوء وعاد إلى مجلسه وهو يشير لأحد عاملينه برفع أصوات الموسيقى ، وتقديم عرض يتكون من ست فتيات بالرقص أمامه حتى يختم ليلته مع إحداهن .